أخبار

نتيجة التعتيم ونقص المعلومات.. شائعات ومعلومات متضاربة حول سجن صيدنايا

بيان حمدانبيان حمدان
date
12 ديسمبر 2024
آخر تعديل
date
5:12 ص
17 ديسمبر 2024
نتيجة التعتيم ونقص المعلومات.. شائعات ومعلومات متضاربة حول سجن صيدنايا
ماذا نعرف عن ظروف الاحتجاز في سجن صيدنايا

منذ لحظة إسقاط نظام بشار الأسد على يد فصائل معارضة مسلحة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وإخراج المعتقلين من السجون، انتشرت العديد من الإشاعات والادعاءات المضللة التي ارتبطت بشكل خاص بسجن صيدنايا العسكري. 

جزء من هذه الادعاءات، جاء في سياق تصريحات ملفقة حول السجن، أو صور ومقاطع فيديو نُسبت إلى المعتقلين الخارجين منه، أبرزها مشاهد مضللة لأشخاص في وضعيات جسدية ونفسية حرجة تم تداولها على أنها لمساجين خرجوا حديثًا من السجن.

وقد أفرد مسبار لهذا الجزء من المعلومات المضللة العديد من مواد التحقق التي أوضح حقيقتها، وجمعها لكم في مقال يمكنكم الاطلاع عليه هنا

ادعاءات مضللة انتشرت حول سجن صيدنايا
ادعاءات مضللة انتشرت حول سجن صيدنايا

من جهة أخرى، انتشرت شائعات لها علاقة بطبيعة السجن من حيث بنيته وعدد المعتقلين داخله وأسباب الاعتقال وطرق التعذيب فيه واحتوائه على أطفال ونساء وغيرها من المعلومات التي تحتاج إلى بت من خبراء في السجن يعرفون دهاليزه وظروف الاحتجاز فيه أو جهود صحفية وأممية استقصائية، وذلك بسبب التعتيم المتعمد الذي مارسته سلطات النظام السوري السابق حول كل ما يخص هذا المعتقل. 

في هذا المقال نستعرض لكم أبرز الشائعات التي ارتبطت بسجن صيدنايا وتم تداولها بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض منافذ الأخبار، وتبيّن عدم دقتها.

ماذا نعرف عن ظروف الاحتجاز في سجن صيدنايا؟

وثقت عدة تقارير صادرة عن منظمة العفو الدولية، أساليب التعذيب اللاإنسانية التي ارتُكبت بحق المعتقلين في سجون النظام السوري، وتحديدًا في سجن صيدنايا العسكري، استندت فيها إلى شهادات سجناء وموظفين سابقين في السجن.

تحدثت العفو الدولية إلى ناجين من سجن صيدنايا العسكري قالوا إن عمليات الضرب تتم بشكل ممنهج ويومي، ويتعرض السجناء إلى ظروف لا تليق بالبشر ومعاملة مهينة، تؤدي إلى موت سجناء بشكل يومي. كما أشاروا إلى حرمان الكثيرين من الطعام والماء لمدد طويلة. 

ويُطبق حراس، بشكل قاس، نظامًا يقضي بالتزام السجناء الصمت المطلق.

أفادت شهادات الناجين بأن الأوضاع الوحشية السائدة في مراكز الاحتجاز تفتقر إلى أبسط الشروط الإنسانية، إذ يتعرض المحتجزون للموت بسبب الجوع، ولا يحصلون على الخدمات الصحية الأساسية، كما يموتون بسبب الالتهابات الناجمة عن الجراح التي يُصابون بها بسبب نمو الأظافر الطويلة.

كما أشاروا إلى أن التعذيب في صيدنايا لا يستخدم كوسيلة للعقاب فقط، بل وصفوه بأنه عملية ممنهجة تهدف إلى الإذلال والقتل فيما يُشبه عملية الانتقاء الطبيعي التي ينجو فيها  فقط من يتحمل التعذيب. وُيعتبر الضرب المبرح والمنتظم من أكثر أشكال التعذيب شيوعًا في السجن، إذ أخبر محتجزون منظمة العفو الدولية أن عمليات الضرب التي تعرضوا لها كانت مبرحة إلى درجة أنها قد تتسبب بإصابتهم بعاهات مستدامة.

وأفادت العفو الدولية بمقتل أكثر 30 ألف معتقل في السحن، إما أعدموا أو ماتوا نتيجة التعذيب أو نقص الرعاية الطبية أو الجوع بين عامي 2011 و2018، مشيرة إلى تنفيذ عمليات إعدام جماعية لجماعات تتألف من 20-50 شخص مرة بالأسبوع.

منظمة العفو الدولية تصف سجن صيدنايا بالمسلخ البشري
منظمة العفو الدولية تصف سجن صيدنايا بالمسلخ البشري 

ما حقيقة وجود مكبس بشري لطحن جثث المعتقلين في سجن صيدنايا؟

عقب فرار الرئيس المخلوع بشار الأسد، وتخلي عناصر الأمن والجيش عن مسؤولياتهم، أتيحت الفرصة للعديد من  الأشخاص العاديين والقنوات الإخبارية والصحف العربية والغربية، إجراء جولة داخل سجن صيدنايا بعد إخراج المعتقلين منه. 

وخلال تجول الصحفيين في السجن، صورت كاميراتهم وجود مكبس ادعوا أن النظام السوري السابق كان يستخدمه لطحن جثث القتلى من المعتقلين أو لغايات تعذيبهم.

ادعاء بأن النظام السوري السابق كان يستخدم مكبسًا لطحن جثث القتلى في سجن صيدنايا
ادعاء بأن النظام السوري السابق كان يستخدم مكبسًا لطحن جثث القتلى في سجن صيدنايا

انتشر هذا الادعاء بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، مما دفع مدير “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” إلى الخروج ونفي هذا الادعاء.

قال دياب سرية وهو معتقل سابق في سجن صيدنايا، إن ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي ومنافذ الأخبار حتى العالمية منها، حول وجود مكبس بشري داخل السجن غير صحيح، موضحًا أن المشاهد التي وثقتها كاميرات الصحفيين والمواطنين تظهر مكبسًا خشبيًا، يعزى وجوده إلى أن سجن صيدنايا كان يضم ورشة نجارة كانت فاعلة قبل أحداث الشغب التي وقعت عام 2008، ولم يستخدم للتخلص من الجثث أو تعذيب المعتقلين.

دياب سرية ينفي وجود مكبس بشري في سجن صيدنايا
دياب سرية ينفي وجود مكبس بشري في سجن صيدنايا

وقد أوصى سرية في نهاية مقطع الفيديو بأهمية تحري الدقة قبل نشر أي معلومة حول السجن، مراعاة لمشاعر ذوي المعتقلين والمفقودين وحالتهم النفسية.

ومن الجدير بالذكر، أنه لم توثق أي شهادة سابقة لناجين من سجن صيدنايا، استخدام المكبس في التخلص من الجثث أو كأداة لتعذيب المساجين. 

وفي مقابلة أجرتها حديثًا قناة المشهد مع معتقل لبناني سابق في سجون الأسد، أمضى خمس سنوات في سجن تدمر وثماني أخريات في سجن صيدنايا، نفى معرفته بوجود مكبس بشري في سجن صيدنايا، إذ قال علي أبو الدهن وهو رئيس رابطة المعتقلين اللبنانيين في سوريا، عند سؤال المذيع له عن حقيقة وجود مكبس بشري، إنه لم يسمع بهذا الأمر وقت وجوده في السجن، مشيرًا إلى وجود أساليب عديدة للتعذيب لم يكن المكبس البشري ضمنها.

وحول طريقة التخلص من جثث المساجين في سجن صيدنايا، أورد تقرير منظمة العفو الدولية شهادات موظفين وحراس ومساجين سابقين، أفادت بأن موظفي السجن كانوا يستلمون الجثث من الزنازين بعد لفهم ببطانية ثم ينقلونها في شاحنات “تبريد لحوم” إلى مستشفى تشرين العسكري في دمشق.

وفي هذا الصدد، أخبر ثلاثة أطباء سابقين في مستشفى تشرين، منظمة العفو الدولية أنهم بدأوا بشكل منتظم اعتبارًا من 2011 استلام جثث المحتجزين الذين يموتون في صيدنايا، مفيدين أنه بمجرد وصول الجثة يُحرر تقرير طبي يوضح سبب الوفاة، يتضمن الرقم الوطني للمتوفى، والفرع الذي كان محتجزًا فيه، وهي معلومة تكون مكتوبة عادة بقلم حبر على ذراع المحتجز المتوفى وجبهة رأسه ثم تصدر شهادة وفاة بناءً على ما يرد في تقرير الطبيب.

ووفق ما أفاد به موظفون سابقون في صيدنايا، وأطباء سبق لهم العمل في مستشفى تشرين، تقتصر هذه التقارير الطبية على إدراج سببين فقط من أسباب الوفاة، وهما: توقف القلب، أو الجهاز التنفسي إذا توفي الشخص جراء التعذيب أو الظروف السيئة وذلك للتغطية على السبب الحقيقي للوفاة.

تقرير منظمة العفو الدولية حول ظروف احتجاز المعتقلين داخل سجن صيدنايا
تقرير منظمة العفو الدولية حول ظروف احتجاز المعتقلين داخل سجن صيدنايا

رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا تنفي وجود نساء وأطفال فيه

من جهة أخرى، انتشر مقطع فيديو يصوّره أحد عناصر المعارضة وهو يفتح أبواب زنازين تخرج منها نساء معتقلات مع أطفالهن، ويُسمع في المقطع صوت الشخص الذي يصوّر المشهد وهو يعرّف عن نفسه وجماعته بأنهم “ثوار”، مطمئنًا المعتقلات بأن النظام السوري سقط.

حاز المشهد المتداول على تفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن دياب سرية خرج في مقابلة مع قناة CNBC العربية وأفاد بأن سجن صيدنايا هو سجن عسكري، لا يضم أي نساء أو أطفال، مفيدًا بأن مشاهد إخراج معتقلات وأطفالهن من سجون النظام السوري السابق تم توثيقها من سجن حلب المركزي، والذي يتطابق في تصميمه مع سجن صيدنايا. 

في هذا السياق، قال مدير رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، إن هذا السجن مخصص للرجال فقط من المعارضين السلميين لنظام الأسد والعسكريين الذين ارتكبوا جرائم وجنايات وجنح، أبرزها الانشقاق عن النظام السابق.

دياب سرية: صيدنايا لم يضم نساء وأطفال
دياب سرية: صيدنايا لم يضم نساءً وأطفال

ما حقيقة وجود أكثر من 140 ألف معتقل داخل سجن صيدنايا؟ 

تداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي ادعاءات بوجود أكثر من 140 ألف معتقل في سجن صيدنايا، إذ زعمت وجود ثلاثة طوابق تابعة لمبنى السجن تحت الأرض، يضم الطابق الأول منها 40 ألف معتقل، والثاني 80 ألف والثالث 30 ألف سجين. 

من جهتها، قدّرت الأمم المتحدة أن عدد المفقودين في سوريا منذ عام 2011، على الأقل 100 ألف شخص، من غير المعروف مصيرهم أو مكانهم، إلا أن تقارير منظمة العفو الدولية كانت قد أوردت أن السجن يتكون من مبنيين تتراوح طاقتهما الاستيعابية بين 10.000 و20.000 سجين.

كما نشرت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا وثيقة تحصلت عليها، مؤخرًا، تفيد بأن إجمالي عدد المعتقلين داخل سجن صيدنايا العسكري هو 4300 سجين، وذلك وفقًا لبيانات عملية التأمين المسجلة في يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2024.

وعملية التأمين هي عملية تفقد وإحصاء لعدد المساجين تُجرى بشكل يومي وتوثَّق بتقرير يٌرفع نهاية إلى قيادة الشرطة العسكرية فرع التحقيق والسجون من قسم السجون. 

عدد المساجين في سجن صيدنايا حتى يوم 28 أكتوبر 2024
عدد المساجين في سجن صيدنايا حتى يوم 28 أكتوبر 2024

هل يضم سجن صيدنايا أقبية وزنازين سرية؟

وتتقاطع هذه الادعاءات مع معلومات متضاربة حول وجود أقبية وزنازين سرية تحت الأرض في سجن صيدنايا. 

من ناحية، أفاد رياض أولر، المدير التنفيذي المشارك برابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، بوجود معتقلين في أماكن أخرى غير صيدنايا، مثل هنكارات المخابرات الجوية وأقبية أمن الدولة والأمن السياسي. ونفى وجود أقبية تحت الأرض في سجن صيدنايا قائلًا: “المكان الوحيد تحت الأرض الذي نعرفه هو المنفردات التي تسميها إدارة السجن “أ يسار” و"ب يمين". بالإضافة إلى مخازن المؤن مثل الأرز والسكر. أما الحديث عن أقبية تحت الأرض مخصصة للمعتقلين فهو غير دقيق".

وأكد هذا الكلام ما تمخضت عنه عمليات البحث التي نفذتها منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، إذ أفادت في بيان نشرته يوم العاشر من ديسمبر الجاري، انتهاء أعمال البحث عن معتقلين محتملين متبقين في أقبية وسراديب سرية في سجن صيدنايا دون العثور على أي زنازين وسراديب سرية لم تفتح بعد.

إذ أكدت المنظمة أنها بحثت في جميع أقسام ومرافق السجن وفي أقبيته وفي باحاته وخارج أبنيته، بوجود أشخاص كانوا بمرافقتها ولديهم دراية كاملة بالسجن وتفاصيله، ولم تعثر على أي دليل يؤكد وجود أقبية سرية أو سراديب غير مكتشفة.

مشيرة إلى مشاركة خمسة فرق مختصة بينها فريقا k9 (فرق الكلاب البوليسية المدربة) إضافة لفرق الدعم والإسعاف. و تتبعت جميع المداخل والمخارج وفتحات التهوية وأنابيب الصرف الصحي والمياه والأسلاك الكهرباء وكابلات كاميرات المراقبة دون أن تجد أي أقبية أو سراديب غير مكتشفة.

منظمة الخوذ البيضاء تعلن انتهاء عمليات البحث في سجن صيدنايا
منظمة الخوذ البيضاء تعلن انتهاء عمليات البحث في سجن صيدنايا

من ناحية أخرى، نقلت صحيفة حبر عن ناجٍ من سجن صيدنايا يدعى عصمت عبد المجيد،  وجود “هنكارات تحت الأرض" أشار إلى أنه عند فتح أبوابها كانوا يسمعون أصوات جنازير، وكأنها أبواب قبر.

وأكد وجود زنزانات بأرضيات حديدية قائلًا: “أؤكد لكم وجود زنزانات أرضيتها من حديد. أتابع الأخبار باستمرار، ولم أرَ حتى الآن فرق الإنقاذ تدخل هذه الزنزانات".

وسط هذا التضارب في المعلومات، رصدت منظمة الدفاع المدني مكافأة قدرها ثلاثة آلاف دولار لكل من يدلي بمعلومة تؤدي إلى الوصول إلى زنازين سرية تحت سجن صيدنايا. 

ومع انتشار مشاهد صورها عناصر من المعارضة السورية تظهر كاميرات مراقبة توثق عددًا كبيرًا من المساجين في زنازين من غير المعروف موقعها أو كيفية الوصول إليها، أفاد رائد الصالح، رئيس منظمة الخوذ البيضاء، بأن المنظمة أرسلت طلبًا للأمم المتحدة عبر وسيط دولي لمطالبة روسيا بالضغط على الرئيس المخلوع بشار الأسد، لتسليمه خرائط بمواقع السجون السرية، وقوائم بأسماء المعتقلين، للوصول إليهم بأسرع وقت ممكن. 

 أكثر السجون السورية تحصينًا

يذكر أن سجن صيدنايا العسكري، المعروف بأنه أكثر السجون السورية تحصينًا، تأسس عام 1987 في عهد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، ويقع على بعد 30 كيلومترًا، شمالي دمشق، في سوريا. يتبع السجن، وزارة الدفاع السورية، وتديره الشرطة العسكرية. 

ينقسم السجن إلى جزءين، يُعرف الجزء الأول بـ"المبنى الأحمر"، وهو مخصص للمعتقلين السياسيين والمدنيين،  والثاني الذي يعرف بـ"المبنى الأبيض"، وهو مخصص للسجناء العسكريين.

ويتكون السجن من ثلاثة مبان كبيرة تلتقي في نقطة يطلق عليها "المسدس" وهي النقطة الأكثر تحصينًا في السجن، توجد فيها الغرف الأرضية والسجون الانفرادية.

مكونات مبنى سجن صيدنايا العسكري
مكونات مبنى سجن صيدنايا العسكري

اقرأ/ي أيضًا

أبرز الادعاءات المضللة التي رافقت سيطرة قوات المعارضة على سجن صيدنايا

الصورة مولدة بالذكاء الاصطناعي وليست لمعتقل سوري عقب تحريره من سجن صيدنايا

كلمات مفتاحية

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar