عقب سقوط نظام الأسد.. أبرز المعلومات المضللة عن قانون قيصر
بعيد سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، تصدر قانون قيصر واجهة النقاش السياسي والاقتصادي بشأن مستقبل سوريا. لعب هذا القانون، الذي فرض عقوبات صارمة على النظام السوري منذ إقراره في يونيو/حزيران 2020، دورًا مهمًا في عزل نظام الأسد دوليًا وفي الحد من قدرته على تمويل آلته العسكرية. ورافقت الاهتمام المتزايد بالقانون، موجة واسعة من المعلومات المضللة عنه.
في هذا المقال، يكشف "مسبار" حقيقة هذه الادعاءات ويسلط الضوء على مستقبل قانون العقوبات "قيصر".
ادعاءات حول رفع عقوبات قيصر في 20 ديسمبر
ادّعت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، أن واشنطن قررت رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، بتاريخ 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وأرفق الادعاء بصورة مديرة مكتب قناة العربية في واشنطن، ناديا بلبيسي.

بالتحقق، وجد مسبار أن الصورة المرفقة بالادعاء مجتزأة من مؤتمر صحفي للمتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، بثته العربية عبر قناتها على يوتيوب، في العاشر من ديسمبر الجاري.

وفي الفيديو، تظهر بلبيسي وهي تسأل ميلر: "ستنتهي عقوبات قانون قيصر في 20 ديسمبر على ما أعتقد، هل تعتقد الإدارة أن العقوبات يجب أن تنهي الآن طالما أن النظام لم يعد موجوداً"، ليجيبها المتحدث "ليس لدي أي إعلانات بشأن هذا القانون اليوم، سنستمر بمراقبة ما يحدث واتخاذ قراراتنا والمضي قدمًا".
مزاعم حول الكشف عن شخصية الشاهد الرئيسي “قيصر”
تداولت حسابات على منصة إكس، مقطع فيديو، ادعى ناشروه أنه يكشف شخصية قيصر، الذي سرب صور التعذيب للإعلام والذي أُقر قانون العقوبات "قيصر" باسمه.

وبالبحث، تبين أن الشخص الذي يظهر في الفيديو هو الناشط الحقوقي السوري، أسامة عثمان، الذي يعرف بشخصية "سامي" والذي كشف عن هويته مؤخرًا، بحسب ما جاء في تقارير إعلامية. ويرأس عثمان حاليًا مجلس إدارة "منظمة مجموعة ملفات قيصر"، وكان يعمل مهندسًا مدنيًّا عندما اندلعت الثورة السورية عام 2011، وارتبط اسمه كشريك لـ"قيصر" في تهريب صور قتلى التعذيب في السجون السورية. فيما لا تزال شخصية "قيصر" مجهولة إلى اليوم.

وتمكن عثمان المعروف بـ "سامي" مع شريكه "قيصر"، وهو الشاهد الرئيسي الذي ما يزال مجهول الهوية، من تهريب عشرات آلاف الصور لجثث ضحايا التعذيب إلى خارج سوريا. وكُشف عن الصور للمرة الأولى في عام 2014. وباتت الصور التي هرباها جزءًا من "لائحة الاتهام" ضد الأجهزة الأمنية لنظام الأسد.

وعمل "قيصر" كمجنّد في الجيش السوري مكلفًا بالتقاط صور في الأماكن التي وقعت فيها جرائم مدنية. ومنذ اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، كُلّف بتصوير جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل على يد النظام السوري. وعمل مصورًا عسكريًا في الجيش السوري لمدة 13 عامًا، إلى حين انشقاقه عام 2013.
وقيصر هو مصدر 55 ألف صورة للمعتقلين والقتلى داخل سجون نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، إذ أرسل الصور إلى أقارب له خارج سوريا، قبل أن يتم تهريبه وأفراد عائلته خارج البلاد، خوفًا على حياتهم.
يذكر أن مجموعة العمل الطارئ من أجل سوريا (SETF) والتي لعبت دورًا محوريًا في صياغة وتمرير قانون قيصر، وسبق أن تعاونت مع العسكري المنشق، وقدمت أدلته إلى الكونغرس الأمريكي، لم تذكر في أي بيان حديث أن الشاهد الرئيسي قد كشف عن هويته.
ادعاء حول رفع العقوبات لمدة عام واحد
تداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي، ادعاءً مفاده أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تتجه لرفع العقوبات عن سوريا لمدة عام واحد، وذلك قبل 20 يناير/كانون الثاني من عام 2025، موعد تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب.

بالتحقق، تبين أنه لا يوجد أي تصريح أميركي رسمي بشأن رفع العقوبات عن سوريا مدة عام، كما لم تنشر أي وسيلة إعلام موثوقة هذا الخبر، إلا أنه بعد سقوط نظام الأسد، دعا عضوان من الكونغرس الأميركي، عبر رسالة مشتركة، إدارة الرئيس بايدن إلى تعليق العقوبات المفروضة على سوريا بهدف دعم العملية الانتقالية.

وبعث النائبان جو ويلسون وبريندان بويل، رسالة مشتركة إلى البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والخزانة، أكدا فيها ضرورة تعليق العقوبات مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع الراهنة في البلاد. واعتبر النائبان أن سقوط النظام "يعد فرصة مهمة للغاية لتخفيف العقوبات ضد سوريا، مع الحفاظ على العقوبات المفروضة على مسؤولي نظام الأسد وغيرهم من المتورطين في جرائم ضد الشعب".
عقوبات أميركية على النظام السوري السابق
تجدر الإشارة إلى أن "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" كان من أبرز العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على النظام السوري السابق، وأُقرّ في ديسمبر 2019 ودخل حيز التنفيذ في يونيو 2020.
صُمم القانون ليستهدف في عهد النظام المخلوع الأفراد والشركات الذين يقدمون الدعم المالي أو التقني للحكومة السورية السابقة، بما في ذلك الصناعات المرتبطة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية وإنتاج الطاقة.
بالإضافة إلى ذلك، أُقرّ "قانون مكافحة اتجار الأسد بالمخدرات وتخزينها"، المعروف بـ"قانون الكبتاغون1"، في ديسمبر 2022. يهدف هذا القانون إلى تطوير استراتيجية منسقة بين الوكالات الفيدرالية الأميركية لتعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها المرتبطة بالحكومة السورية أو المرتبطة بالرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
وفي إبريل/نيسان 2024، وافق مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون "كبتاغون 2"، الذي يوسع نطاق العقوبات لتشمل جميع الأفراد والكيانات المتورطة في تجارة المخدرات، بغض النظر عن جنسيتهم أو موقعهم. يستهدف هذا القانون بشكل مباشر دور "حزب الله" اللبناني في تقديم الدعم اللوجستي والفني لتجارة الكبتاغون.
جدل متجدد حول قانون قيصر
منذ صدوره، أثار قانون قيصر جدلاً واسعًا حول تأثيره، وما إذا كان يستهدف المدنيين أم النظام السوري. تصاعد هذا الجدل بشكل خاص بعد الزلزال الذي ضرب سوريا في السادس من فبراير 2023، حيث تركزت النقاشات حول دور القانون في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين.
ويذكر أن مسبار تناول الموضوع في مقال بعنوان: "هل يمنع قانون قيصر إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا؟"، حيث تحقق من الادعاءات المتعلقة بعرقلة القانون لوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة جراء الزلزال.
وخلُص تحقيق مسبار إلى أن القانون يشمل استثناءات إنسانية، هدفها “تسهيل إيصال المساعدات بشكل آمن وفي الوقت المناسب إلى المجتمعات المحتاجة في سوريا".
تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تقول إن برامج عقوباتها لا تستهدف المساعدات الإنسانية، وتسمح بالأنشطة الداعمة لها، بما في ذلك في المناطق التي كان يسيطر عليها النظام. مع ذلك، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية بعد الزلزال ترخيصًا عامًا يسمح بجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال، والتي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات على سوريا، وذلك لمدة 180 يومًا.
على الرغم من التصريحات والإجراءات الأميركية، تشير تقارير أن قانون قيصر قد أعاق وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا، أو أن النظام المخلوع استغل القانون لمنعها، مما يزيد في نهاية المطاف من حدة المعاناة الإنسانية في سوريا.

مصير العقوبات الدولية على سوريا بعد سقوط الأسد
بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر 2024، برزت تساؤلات حول مصير العقوبات الدولية المفروضة على سوريا. كون هذه العقوبات، التي فُرضت على مدى عقود، استهدفت النظام السابق بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ودعم الإرهاب.
مع تشكيل حكومة انتقالية جديدة في سوريا، تتجه الأنظار إلى إمكانية رفع أو تخفيف هذه العقوبات لدعم جهود إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. في هذا السياق، أعرب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، عن أمله في رفع سريع للعقوبات لمساعدة البلاد على التعافي.
من جانبها، أكدت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أن الاتحاد لن يرفع العقوبات إلا إذا ضمنت الحكومة الجديدة حماية حقوق الإنسان وتشكيل حكومة شاملة ترفض التطرف.
لا يزال مصير العقوبات الدولية على سوريا مرتبطًا بمدى التزام الحكومة السورية الجديدة بالمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والعلاقات الإقليمية. ويتوقف رفعها، بحسب التقارير على التزام الحكومة الجديدة بالإصلاحات السياسية وحماية حقوق الإنسان، بالإضافة إلى إعادة تقييم العلاقات الإقليمية والدولية.
اقرأ/ي أيضًا
كيف تُفاقم المعلومات المضللة التوترات الطائفية في سوريا؟
أبرز الادعاءات المضللة المرتبطة بقسد خلال التطورات السورية الأخيرة