أخبار

العناوين المضللة: أداة لجذب الانتباه وتشويه الحقائق

لانا عثمانلانا عثمان
date
21 يناير 2025
آخر تعديل
date
9:10 ص
23 يناير 2025
العناوين المضللة: أداة لجذب الانتباه وتشويه الحقائق
تُعد العناوين المضللة أداة لجذب الانتباه وتشويه الحقائق (Getty)

العنوان الإخباري ليس مجرد واجهة للنص؛ بل هو أداة قوية تُستخدم لجذب الانتباه وتوجيه الأفكار. فهو يقود القارئ لفهم الموضوع المطروح ويحدد محتواه. عندما يكون العنوان دقيقًا وموضوعيًا، فإنه يسهم في تشكيل فهم واضح ومُنصف للمعلومة. لكن ماذا يحدث إذا كان العنوان مضللًا أو مُبالغًا فيه؟

في العصر الرقمي، أصبح للعناوين المضللة حضور واسع، فهي تُستخدم كأداة لجذب انتباه القارئ من خلال أساليب تعتمد على الإثارة والمبالغة. ومع أن النص قد يحتوي على معلومات دقيقة، فإن العنوان المضلل يُشوه الحقائق أو يخلق تصورًا غير مكتمل. 

تستخدم هذه العناوين تقنيات مثل التلميح الغامض أو تقديم نصف الحقيقة بهدف إثارة الفضول، مما يجعل القارئ يميل إلى تفسير المحتوى بشكل خاطئ أو غير متوازن.

الفرق الأساسي بين العناوين المضللة والصحيحة يكمن في مدى دقة تمثيلها للمحتوى الأصلي للنص. فالعناوين الصحيحة تُركز على تقديم ملخص موضوعي للنص، دون اللجوء إلى المبالغة أو الإثارة، وتهدف إلى نقل فكرة واضحة وصحيحة عن الموضوع المطروح، مع الحفاظ على المصداقية والالتزام بالحقائق.

في المقابل، تعتمد العناوين المضللة على استخدام لغة مثيرة أو مبالغ فيها بهدف جذب الانتباه وإثارة ردود فعل عاطفية، مثل القلق أو الفضول، التي قد تؤثر على قدرة القارئ على التفكير النقدي. على سبيل المثال، قد تُستخدم كلمات مثل "كارثة"، "صادم"، أو "لن تصدق" لتضخيم الأحداث أو إعطائها بُعدًا أكبر مما تستحقه.

إلى جانب ذلك، قد تورد العناوين المضللة حقائق جزئية، أي معلومات صحيحة جزئيًا ولكنها محرفة أو مغلوطة جزئيًا، وقد تتجاهل تفاصيل مهمة أو تقديم معلومات بطريقة قد تؤدي إلى استنتاجات مغلوطة.
 

تقرير مسبار
تُعدّ العناوين الفخاخ مدخلًا للتضليل الإعلامي (مسبار)

تشير الدراسات إلى أن الانطباعات الأولية الناتجة عن العناوين تؤثر بشكل كبير على ذاكرة القارئ. حتى لو قدّم النص توضيحات أو معلومات دقيقة، فإن القارئ يميل إلى تذكّر التفاصيل التي تدعم ما قرأه في العنوان. هذا التأثير النفسي يجعل العناوين المضللة أكثر خطورة، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالقضايا الحساسة مثل الصحة، الاقتصاد، والسياسة.

لماذا تُستخدم العناوين المضللة؟

تستند العناوين المضللة على مبدأ بسيط لكنه فعّال في عالم الإعلام الرقمي، وهو جذب النقرات. في بيئة إعلامية تنافسية، يتمثل الهدف الرئيسي للعديد من الجهات في زيادة حركة المرور إلى مواقعها الإلكترونية، حتى لو كان ذلك على حساب الدقة والمصداقية.

تُعرف هذه الطريقة باسم "صيد النقرات" (Clickbait)، وهي استراتيجية تُستخدم لتحقيق مكاسب قصيرة المدى مثل زيادة المشاهدات أو رفع العائدات الإعلانية. ومع أن هذه العناوين قد تكون فعّالة في جذب الانتباه الفوري، فإنها تحمل تكلفة طويلة المدى قد تؤثر على المصداقية. فالقرّاء الذين يواجهون باستمرار عناوين مضللة يبدأون في التشكيك في المحتوى الذي تقدمه الجهة الناشرة، الأمر الذي يؤدي إلى تآكل الثقة تدريجيًا.

لماذا نقع في فخ العناوين المضللة؟

تعتمد العناوين المضللة على مجموعة من الأساليب النفسية التي تستهدف الفضول والعواطف بهدف زيادة التفاعل والنقرات، إحدى هذه الأساليب التي تستغلها هذه العناوين هي "فجوة الفضول". تشير هذه النظرية النفسية إلى الفجوة بين ما نعرفه حقًّا وما نريد معرفته.

تخلق العناوين التي تثير الفضول وتخفي جزءًا من المعلومة شعورًا بالتوتر أو النقص في الأذهان، مما يدفع إلى الرغبة في سد هذه الفجوة. على سبيل المثال، عنوان مثل "الأطباء مصدومون من هذه الخدعة البسيطة" يوحي بمفاجأة أو معلومة قيمة دون الكشف عنها بالكامل، مما يجعلنا نرغب في النقر لمتابعة التفاصيل.

قوة العواطف تُعدّ عاملًا إضافيًا في صياغة العناوين المضللة، إذ إن العناوين التي تُثير مشاعر قوية مثل الصدمة أو الفرح تكون أكثر جذبًا. على سبيل المثال، العنوان "قصة هذه الأم ستكسر قلبك" يُمثل تجربة عاطفية، مما يجعل من الصعب مقاومته. كما أثبتت الدراسات أن المحتوى الذي يثير مشاعر قوية يميل إلى أن يكون أكثر قابلية للمشاركة والانتشار.

السلاسة المعرفية هي عنصر آخر تلعب عليه العناوين المضللة، على سبيل المثال، العناوين التي تحتوي على أرقام أو قوائم مثل "10 طرق لتحسين حياتك" أو "كيف تكسب 1000 دولار في أسبوع" تتطلب جهدًا عقليًا ضئيلًا لمعالجتها، ما يدفع المستخدم للنقر عليها.

كما أنّ الأفراد عادة يميلون إلى البحث عن الجديد والمفاجئ، وهو ما تستفيد منه العناوين التي توحي بمحتوى غير تقليدي أو غير متوقع. مثل "ما لا يريدك الخبراء أن تعرفه" أو "الحقيقة وراء هذا الموضوع ستصدمك"، تثير رغبة القرّاء في اكتشاف شيء جديد وغير معروف. 

كيف ساهمت العناوين المضللة في نشر الذعر أثناء جائحة كورونا؟

في 18 مايو/أيار عام 2020، نشرت صحيفة "ذا إندبندنت" البريطانية مقالًا حمل عنوانًا مثيرًا يقول: "فيروس كورونا: فرنسا تشهد 70 حالة مرتبطة بالمدارس بعد أيام من إعادة فتحها". في وقت كانت فيه المخاوف تزداد بشأن عودة المدارس في أوروبا والولايات المتحدة، بدا العنوان وكأنه يربط بشكل مباشر بين إعادة فتح المدارس وزيادة حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19.
 

تقرير إندبندنت
تقرير لصحيفة ذا إندبندت عام 2020

تكمن خطورة هذا العنوان في أنه يوحي بشكل غير مباشر بأن إعادة فتح المدارس هي السبب وراء زيادة الإصابات. قد يثير هذا العنوان القلق لدى الآباء الذين قد يعتقدون أن عودة أطفالهم إلى المدارس تعني تعرضهم لخطر الإصابة.

وعلى الرغم من أن المقال نفسه أوضح أن بعض الحالات قد تكون أصيبت بالعدوى قبل إعادة فتح المدارس، فإن العنوان يبقى في ذهن القارئ، حيث يصعب على العديد منهم التحقق من التفاصيل أو قراءة المقال بالكامل.

تقرير ذا إندبندت
المقال يوضح أن الحالات قد تكون أصيبت بالعدوى قبل إعادة فتح المدارس (إندبندنت)


تتمثل الخطورة في تأثير العناوين المضللة في قدرتها على زيادة مشاعر الخوف والقلق بين الأفراد، تحديدًا في أوقات الأزمات الصحية. عندما تُعرض بشكل مبسط أو غير دقيق، فإن ذلك يعزز من حالة القلق والخوف، مما يعرقل جهود الحكومات والمجتمعات لاستعادة الاستقرار والعودة إلى الحياة الطبيعية.

تسبب هذه العناوين في تصاعد المخاوف التي قد تدفع الأفراد إلى اتخاذ قرارات متسرعة، مثل الامتناع عن إرسال أطفالهم إلى المدارس أو التردد في العودة إلى العمل أو الدراسة، نتيجة القلق المفرط الذي قد تثيره.

تأثير العناوين المضللة على التردد في تلقي لقاح كوفيد-19

منذ بدء توزيع لقاح كوفيد-19 في عام 2021،ألقي اللوم على الأخبار الزائفة المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في تراجع معدلات التطعيم في الولايات المتحدة. ومع ذلك، كشفت دراسة أجراها فريق من الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، أن التأثير الأكبر كان نتيجة العناوين المضللة في وسائل الإعلام السائدة.

وتبين، بحسبها، أن العناوين التي أثارت الشكوك حول اللقاحات دون أن تكون كاذبة بشكل صريح كانت أكثر تأثيرًا، حيث أدت إلى تقليل نوايا الأفراد في تلقي اللقاح بشكل أكبر من المحتوى الذي تم تصنيفه كزائف أو مضلل.

دراسة (MIT)
دراسة تكشف تأثير العناوين المضللة على التردد في تلقي اللقاح (MIT)

شملت الدراسة تجارب عرضت آلاف المشاركين لعناوين متعلقة باللقاحات، سواء كانت مضللة أو مشككة في فعاليتها. وخلص الباحثون إلى أن العناوين التي أوحت بأن اللقاحات قد تكون ضارة بالصحة أثرت بشكل كبير على تقليل رغبة الأفراد في الحصول على التطعيم. وعلى الرغم من أنّ هذه العناوين لم تكن زائفة تمامًا، إلا أنّها كانت كافية لتوليد القلق والتردد لديهم.

كما أظهرت النتائج أن القصص التي سلطت الضوء على الآثار الصحية السلبية المحتملة للقاحات كانت أكثر تأثيرًا بمقدار 46 مرة في تقليل نوايا التطعيم مقارنة بالمعلومات المضللة التي رصدها مدققو المعلومات.

ووفقًا للتقديرات، يُعتقد أن حوالي ثلاثة ملايين شخص اختاروا عدم تلقي اللقاح بسبب تأثير هذه العناوين، مما أدى إلى "تداعيات صحية خطيرة، شملت العديد من حالات الوفيات التي كان بالإمكان تفاديها".

العناوين المضللة خلال الحرب الإسرائيلية على غزة

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، أثارت تغطية وسائل الإعلام الغربية نقاشًا واسعًا حول مدى التزامها بالمعايير المهنية والأخلاقية في نقل الأحداث.

وقد كشف الأداء الإعلامي الغربي عن انحياز واضح في معالجة الأخبار والتقارير، إذ ركّزت تلك التغطيات على تعزيز الرواية الإسرائيلية على حساب الموضوعية، مما أدى إلى تشويه الحقائق وتجاهل المعاناة الإنسانية الكبيرة التي عاشها الفلسطينيون نتيجة العدوان والحصار.

اتسمت التغطية الإعلامية الغربية بتجاهل السياق التاريخي والسياسي للأحداث، واعتمدت صياغات ومصطلحات عززت الرواية الإسرائيلية. إذ قُدّمت إسرائيل بصورة الضحية التي "تدافع عن أمنها"، في حين اختُزلت معاناة الفلسطينيين إلى أرقام مجردة، دون إظهار حجم الانتهاكات التي أودت بحياة أكثر من 46 ألفًا وخلّفت عشرات الآلاف من الجرحى، بحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية.

وثّق "مسبار" خلال الحرب أنماطًا متعددة من التحيّز الإعلامي في وسائل إعلام غربية بارزة. تمثل ذلك في اختيار عناوين ومصطلحات دعمت وجهة النظر الإسرائيلية، مما ساهم في تشكيل رأي عام منحاز. وفي المقابل، غابت الرواية الفلسطينية عن الساحة الإعلامية، أو قُدّمت بصورة مجتزأة وغير عادلة، وهو ما ساهم في تعميق التشويه الإعلامي للقضية الفلسطينية.

حماس كمصدر في تغطية تقارير الغارات الإسرائيلية

لجأت بعض وسائل الإعلام إلى استخدام عناوين مضللة وغير دقيقة خلال تغطيتها للضحايا الذين قُتلوا جرّاء الاستهداف الإسرائيلي في غزة، مثل الإشارة إلى وزارة الصحة الفلسطينية بـ"حماس"، كما ورد في عنوان وكالة رويترز: "حماس تقول إن 195 فلسطينيًا قتلوا في هجمات إسرائيلية على جباليا في غزة".

هذا الأسلوب الإعلامي قد يهدف إلى التشكيك في مصداقية التقارير التي تصدر عن الوزارة، ويعمل على تقويض جهود توثيق الجرائم الإسرائيلية، من خلال ربط التقارير الصحية بحركة حماس، كما ساعدت هذه الصيغ في تشويه الحقائق وتغذية الانطباع بأن المعلومات الواردة حول ضحايا العدوان غير موثوقة.
 

العناوين المضللة
استخدام حماس كمصدر بدلًا من وزارة الصحة في العناوين/ رويترز 

تم التركيز على نسب المعلومات إلى حماس بدلًا من وزارة الصحة أو المصادر المستقلة الأخرى، وهو ما يعكس محاولة واضحة لتشويه الرواية الفلسطينية وربطها بفصيل سياسي يعتبره جزء من الإعلام الغربي مصدرًا "للإرهاب".

هذه الاستراتيجية الإعلامية لا تهدف فقط إلى تقليل مصداقية التقارير الفلسطينية، بل أيضًا إلى تحويل الأنظار عن الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها المدنيون في غزة، مما قد يساهم في تغيير التصور العام حول طبيعة الأحداث.

وقد تجسد تأثير هذا النوع من التغطية في مواقف بعض الرؤساء الدوليين، مثل الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، الذي شكك في أعداد الضحايا التي أوردتها وزارة الصحة الفلسطينية. وردًا على التشكيك الإسرائيلي والأميركي آنذاك، نشرت وزارة الصحة في غزة في 26 أكتوبر 2023 وثيقة من 212 صفحة تضمنت أسماء وبيانات أكثر من 7 آلاف ضحية قتلهم الاحتلال خلال أول 20 يومًا من حربه على القطاع.
وقبل نشر الوثيقة، عقد أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، مؤتمرًا صحفيًا أعلن فيه نية الوزارة نشر أسماء الضحايا ردًا على التشكيك الصادر عن واشنطن وتل أبيب. وقال القدرة: "نرفض تشكيك الإدارة الأميركية بالأرقام التي نعلنها عن أعداد الشهداء والجرحى".

صيغة المبني للمجهول: تغييب المسؤولية عن جرائم الاحتلال

تُظهر التغطية الإعلامية الغربية للحرب على غزة نمطًا متكررًا لاستخدام صيغة المبني للمجهول في العناوين المتعلقة بالضحايا الفلسطينيين، مثل "قُتل" أو "تُدمَّر". يعتمد هذا الأسلوب على تغييب الجهة المسؤولة عن تلك الأفعال، مما يُقلل من الإشارة المباشرة إلى الفاعل الحقيقي، وهو جيش الاحتلال الإسرائيلي.
على سبيل المثال، في تغطية صحيفة "ذا نيويورك تايمز"، جاء عنوان أحد تقاريرها كالآتي "مراسل تلفزيوني فلسطيني و11 فردًا من عائلته قُتلوا في غزة"، دون الإشارة في العنوان إلى أن هؤلاء الضحايا قُتلوا نتيجة غارات جوية إسرائيلية. هذا الغموض في الصياغة يُسهم في تضليل القارئ وإخفاء المسؤولية الحقيقية عن الجرائم المرتكبة، مما يُضعف إدراك الجَمهور لحقيقة ما يجري.

المبني للمجهول في عناوين الصحف
استخدام صيغة المبني للمجهول في العناوين

حتى لو تضمن نص المقال نفسه ذكر الجهة المسؤولة، تبقى العناوين المضللة هي العامل الأهم في تشكيل الانطباع الأولي لدى القارئ. ونظرًا لأن العديد من الأفراد يقتصرون على قراءة العناوين فقط، فإن صياغتها بهذه الطريقة يجعل تأثيرها أكبر بكثير من المعلومات الواردة داخل المقال. لذا، تصبح هذه العناوين أداة للتضليل الإعلامي الذي يُخفف من حدة النقد الموجه للمسؤول الحقيقي عن تلك الجرائم.

اقرأ/ي أيضًا:
العناوين الفخاخ بوابة للتضليل
انحياز الإعلام الغربي في أسلوب صياغة الأخبار عن الحرب على غزة

المصادر

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar