خوارزميات مواقع التواصل: كيف تؤدي طريقتها في عرض الأخبار إلى المساهمة في نشر المحتوى المضلل؟
كشفت دراسة حديثة نُشرت على موقع "ساينس دايركت"، عن ظاهرة جديدة تُعرف باسم "الأخبار تجدني"، وهي اعتقاد سائد بين بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وقراء النشرات، بأنّ الأخبار المهمة ستصل إليهم تلقائيًا دون الحاجة إلى البحث النشط عنها. إذ تشير الدراسة إلى أنّ هذه الظاهرة ترتبط بزيادة التعرض للأخبار الزائفة، مما يعزز انتشار المعلومات المضللة.
أُجري المسح بين شهري فبراير/شباط ومارس/آذار من عام 2023 على 1,014 بالغًا من الولايات المتحدة الأميركية، بهدف قياس مدى انتشار هذا الاعتقاد وتأثيره على قدرة الأفراد على التمييز بين الأخبار الحقيقية والزائفة. وشمل الاستبيان مجموعة من الأسئلة التي تُقيِّم درجة اعتماد المشاركين على نهج "الأخبار تجدني" في استهلاكهم اليومي للمعلومات، بالإضافة إلى قياس ثقتهم في قدرتهم على تقييم صدقية الأخبار.
وأظهرت النتائج أنّ نسبة كبيرة من المشاركين تقدر بـ 55.2% أبدوا تأييدهم لهذا النهج، إذ عبّروا عن قناعتهم بأنهم ليسوا بحاجة إلى البحث عن الأخبار لأنّ الأخبار المهمة ستصل إليهم بطريقة أو بأخرى عبر قنوات غير مباشرة، مثل مواقع التواصل الاجتماعي أو المحادثات التي يجرونها مع أصدقائهم.
وفقًا للدراسة، فإنّ الأفراد الذين يتبنون نهج "الأخبار تجدني" لا يطبقون التفكير النقدي لدى تعاملهم مع الأخبار، وهو ما يجعلهم أكثر عرضة لتصديق الأخبار الزائفة. فهؤلاء الأشخاص يميلون إلى الاعتماد بشكل مفرط على الخوارزميات التي تقدمها مواقع التواصل الاجتماعي لعرض الأخبار، ما يجعلهم ضحايا للمعلومات المغلوطة التي تنتشر عبر هذه المواقع.
ووجد الباحثون العاملون على الدراسة أنّ هذه الظاهرة أكثر انتشارًا بين فئات عمرية معينة، مثل الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا، المعتمدون بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار. كما أنّ الأشخاص الذين يستخدمون هذه الوسائل بشكل مكثف هم الأكثر عرضة لتبني هذا النمط من استهلاك الأخبار.
ما علاقة الظاهرة بالأخبار الزائفة وانتشارها؟
أحد نتائج البحث خلصت إلى أنّ المشاركين الذين يتبعون نهج "الأخبار تجدني" كانوا أكثر ميلًا لتصديق الأخبار الزائفة، وأقل قدرة على التمييز بين الأخبار الحقيقية والمضللة. وقد أظهرت البيانات أنّ هؤلاء الأفراد يثقون بشكل مبالغ فيه بقدرتهم على تحديد الأخبار الزائفة مقارنة بالآخرين، رغم أنّ أداءهم في اختبارات التمييز بين الأخبار وأنواعها كان أقل من المتوسط.
وأشارت الدراسة إلى أنّ هذه الثقة المفرطة قد تكون واحدة من العوامل الرئيسية التي تسهم في انتشار الأخبار الزائفة. فعندما يعتقد الأفراد أنهم محصنون ضد التضليل، يصبحون أقل حذرًا عند مشاركتهم الأخبار غير الموثوقة، ما يؤدي إلى زيادة انتشارها.
لماذا تنتشر ظاهرة "الأخبار تجدني"؟
تعود جذور هذه الظاهرة إلى التحولات الكبيرة في طريقة استهلاك الأخبار خلال العقدين الماضيين، حسبما تفيد الدراسة. ففي السابق، كان الناس يعتمدون بشكل رئيسي على الصحف أو القنوات الإخبارية للبحث عن المعلومات. أما اليوم، فقد أصبحت الأخبار متوفرة بشكل فوري وسهل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تُعرض الأخبار بناءً على تفضيلات المستخدم وسلوكياته السابقة.
على سبيل المثال، الخوارزميات التي تعتمد عليها مواقع مثل فيسبوك وإكس وإنستغرام تعمل على تعزيز هذا السلوك من خلال تقديم محتوى يتماشى مع اهتمامات المستخدم، ما يجعل الأفراد يعتقدون أنّ الأخبار التي تصلهم هي الأكثر أهمية وموثوقية. هذا السلوك يُغذي شعورًا زائفًا بالكفاءة الذاتية في استهلاك الأخبار، ما يؤدي إلى تراجع الدافع للتحقق من مصادر المعلومات.
وتشير الدراسة إلى أنّ هذه الظاهرة ليست مجرد مسألة فردية، بل لها تأثيرات واسعة على مستوى المجتمع ككل. فزيادة انتشار الأخبار الزائفة تؤدي إلى انخفاض الثقة في وسائل الإعلام التقليدية وزيادة الاستقطاب السياسي والاجتماعي. وعندما يصبح الجمهور أقل قدرة على التمييز بين الحقائق والأكاذيب، فإنّ ذلك يُضعف القدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة، سواء في الحياة اليومية أو في القضايا الكبرى مثل الانتخابات والسياسات العامة.
ويوصي الباحثون في سبيل الحد من أثر الظاهرة، بضرورة تعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الأفراد وتشجيعهم على التحقق من مصادر الأخبار بشكل نشط. كما يُنصح بزيادة التوعية حول كيفية عمل الخوارزميات التي تتحكم في عرض الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل خاص.
أما على المستوى الفردي، فيمكن للأشخاص أنّ يتخذوا خطوات بسيطة مثل متابعة مصادر إخبارية متنوعة، والاعتماد على مواقع مستقلة لتقصي الحقائق قبل مشاركة الأخبار. بينما على المستوى المؤسسي، فيقع على عاتق المنظمات الإعلامية والتربوية دور أكبر في تعزيز "التربية الإعلامية"، خاصة بين الشباب.
اقرأ/ي أيضًا
دراسة: التركيز على تأثير الذكاء الاصطناعي على انتخابات 2024 تسبّب بإهمال عوامل أخطر