كيف تسببت تحية إيلون ماسك في انتشار موجة من المعلومات المضللة على الإنترنت؟
أثار رجل الأعمال الشهير إيلون ماسك موجة واسعة من الجدل عبر الإنترنت مؤخرًا، بسبب إيماءة قام بها خلال حفل تنصيب الرئيس ال 47 للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، إذ زعم البعض أنّ ما قام به يُشبه "التحية النازية". إذ أدى التحية أثناء خطاب ألقاه رجل الأعمال الأميركي في "كابيتال وان أرينا" في واشنطن العاصمة يوم 20 يناير/كانون الثاني العام الجاري، وبسرعة أثار الموضوع تفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي والعديد من التساؤلات حول المعاني المقصودة وراء هذه الإيماءة.
انتشرت مقاطع الفيديو التي توثق التحية على مواقع التواصل مثل إكس (تويتر سابقًا)، وتيك توك، وتباينت الآراء بين من يرى أنّ الحركة كانت عفوية تمامًا وبين من يعتقد أنها تحمل دلالات سياسية. ووصل النقاش إلى مواقع وشبكات الإعلام والأخبار الكبرى، مما أدى إلى إشعال نقاش أوسع حول نوايا ماسك وخلفياته السياسية.
رد ماسك على الاتهامات بتأدية تحية النازية
في أعقاب الانتقادات، لجأ ماسك إلى منصته "إكس" التي يملكها للرد على المزاعم. وفي منشور ساخر، قال "بصراحة، هم بحاجة إلى حيل قذرة أفضل. هجوم "الجميع هتلر" مبتذل للغاية". هذا الرد أثار مزيدًا من الجدل، إذ اعتبره البعض إنكارًا للتهم بأسلوب ساخر، ما يقلل من خطورة الموضوع، بينما رآه آخرون محاولة للتقليل من حدة النقاش وإظهار اللامبالاة.
ودافع من جانبه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إيلون ماسك، عبر منشور شاركه على موقع "إكس"، إذ قال "إيلون ماسك يتعرض لحملة تشويه كاذبة".
ورغم تجنب نتنياهو الإشارة المباشرة إلى الإيماءة المثيرة للجدل التي قام بها ماسك، إلا أنه وصفه بـ"الصديق العظيم لإسرائيل". في المقابل، شكر ماسك نتنياهو على دعمه، لكنه أثار الجدل من جديد بعد وقت قصير بمنشور آخر على "إكس".
من المهم الإشارة إلى أنّ إيلون ماسك أصبح في السنوات الأخيرة شخصية جدلية بسبب توجهاته السياسية. فقد عبّر علنًا عن دعمه لأحزاب يمينية مثل "البديل من أجل ألمانيا" وحزب "الإصلاح" البريطاني المناهض للهجرة. هذا التوجه السياسي زاد من حساسية الموقف، حيث ربط البعض بين هذه الميول وبين الإيماءة المثيرة للجدل.
من جهة أخرى انقسم المراقبون والمحللون حول تفسير حركة ماسك. فقد وصفها البروفيسور روث بن غيات، أستاذ التاريخ في جامعة نيويورك، بأنها "تحية نازية وعدائية للغاية"، ما يعكس مخاوف من تزايد استخدام الرموز والإشارات ذات الطابع النازي في الخطاب العام.
على الجانب الآخر، أصدرت رابطة مكافحة التشهير، وهي منظمة تُعنى بمكافحة معاداة السامية، بيانًا أوضحت فيه أن الحركة قد تكون مجرد "إيماءة غريبة وغير مقصودة في لحظة حماس"، دون أن تحمل أي دلالات نازية.
ماسك ينشر معلومات مضللة عن شخصيات مشهورة
بالتزامن مع موجة الجدل التي أحدثها ماسك، انتشرت حزمة من المعلومات المضللة والزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، شارك ماسك مجموعة صور لشخصيات سياسية وفنية، من بينهم كامالا هاريس وباراك أوباما وإليزابيث وارن وتايلور سويفت، وهم يقومون بإيماءات مشابهة. وقد أرفق الصور بتعليقات ساخرة مثل "هل يعني هذا أنّ معجبي سويفت هم مناصرون لهتلر؟".
تحقق فريق "مسبار" من صورة المغنية الأميركية الشهيرة تايلور سويفت ووجد أنّ الادّعاء مضلل، إذ تعود الصورة إلى فيديو نُشر على يوتيوب يظهر أداءً لها في برنامج "غود مورنينغ أمريكا" لعام 2014، لكن، بدلًا من رفع يدها اليمنى كما زُعم، كانت سويفت ترسل قبلات بيدها اليسرى بينما تمدها للأمام، وتفتح وتغلق كف يدها. وفي الوقت ذاته، كانت تمسك الميكروفون بيدها اليمنى.
وأثار إيلون ماسك الجدل أكثر بنشره صورة لعدد من السياسيين الأميركيين وهم يرفعون أذرعهم اليمنى، مع تعليقه "وسائل الإعلام التقليدية هي دعاية بحتة. أنتم الإعلام الآن".
لكن بعد التحقق، تبيّن أنّ الصور التقطت في سياقات مختلفة تمامًا ولا تحمل دلالات مشابهة. فقد أظهرت صورة كامالا هاريس مثلًا، وهي تشير بيدها في حفل رسمي، بينما كان باراك أوباما في لقاء صحفي يشير لجمهور محدد، ولم تكن لهذه الإيماءات أي صلة بالدلالات النازية.
كذلك، تداول مستخدمون على موقع إكس صورة تُظهر رسمًا جداريًّا نُسب إلى بانكسي، الفنان الشهير المعروف بأعماله الجدارية ذات الطابع السياسي، وادعى الناشرون بأنّ بانسكي رسم جدارية توثق إيماءة ماسك. لكن بعد التحقق من الصورة، تبيّن أنها مولدة بالذكاء الاصطناعي، إذ تم التلاعب بها رقميًا وليست من أعمال بانسكي الأصلية.
كما انتشرت صورة زعمت أنها "تسلا موديل 3" مرسوم عليها صليب معقوف (سواستيكا)، ما دفع المستخدمين للربط بين الحادثة والرموز النازية. ومع ذلك، أثبتت التحقيقات أنّ الصورة تعود لعام 2023، وتوثق حادثة في فيينا، إذ قام شخص مجهول بتشويه عدة سيارات وممتلكات برموز نازية، ولا علاقة لها بحدث ماسك الأخير.
وجدير بالذكر أنه في يوم السبت الموافق 25 يناير/كانون الثاني عام 2025، شارك إيلون ماسك عبر خاصية الفيديو في مؤتمر للحزب اليميني "البديل من أجل ألمانيا" (AfD)، في مدينة هالة الواقعة في شرقي ألمانيا.
وخلال مشاركته، تحدث ماسك عن أهمية الحفاظ على الثقافة الألمانية وحذر من تأثيرات التعددية الثقافية. إذ قال ماسك "في ألمانيا، يتم التركيز بشكل مفرط على الذنب التاريخي، وعلينا أن نتجاوز ذلك"، مشيرًا إلى ضرورة المضي قدمًا بعيدًا عن هذه النظرة. كما أكد على أهمية أن تظل ألمانيا متماسكة ثقافيًا.
ما هي تحية "النازية"؟
تحية هتلر أو التحية النازية هي إشارة دُرِّبت عليها القوات الألمانية في فترة النظام النازي بقيادة أدولف هتلر. كانت تتضمن رفع الذراع اليمنى بزاوية 45 درجة مع توجيه الأصابع للأعلى، في إيماءة تميزت بالقوة والولاء للحزب النازي.
اعتُمدت هذه التحية بشكل رسمي عام 1933 بعد وصول هتلر إلى السلطة، واستُخدمت في المناسبات الرسمية والمظاهرات العامة، وأصبحت رمزًا للسلطة القاسية والنظام التوتاليتاري الذي فرضه الحزب. كان يُعتقد أن هذه التحية تعكس الخضوع الكامل لأيديولوجية الحزب وتأكيد الولاء المطلق للزعيم هتلر.
واستُلهمت التحية من طقوس كانت تمارس في روما القديمة، إذ كان رفع اليد يُعدّ إشارةً للهيبة والاحترام. ومع مرور الوقت، تحولت هذه الإشارة إلى رمز من رموز الأيديولوجية النازية، واكتسبت دلالات مرتبطة بالتحكم والاستبداد، خاصة خلال فترة الحرب العالمية الثانية.
وبعد هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية عام 1945، حُظر استخدام التحية النازية في معظم الدول، وأصبح استخدامها يُعتبر جريمة في العديد من البلدان. ولكن، ما تزال هذه التحية تُذكر في التاريخ كرمز للأيديولوجيةالنازية المتطرفة التي أدت إلى وقوع فظائع بشرية مدمرة.
اقرأ/ي أيضًا