سياسة

الأقمار الصناعية والقانون الدولي يدحضان الذرائع الإسرائيلية لتوسيع احتلال الأراضي السورية

محمد العترمحمد العتر
date
8 فبراير 2025
آخر تعديل
date
1:42 م
9 فبراير 2025
الأقمار الصناعية والقانون الدولي يدحضان الذرائع الإسرائيلية لتوسيع احتلال الأراضي السورية
احتلت إسرائيل المزيد من الأراضي في الجولان السوري بحجة الدفاع عن النفس

مباشرةً بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، اجتاحت القوات الإسرائيلية المزيد من الأراضي السورية، وسيطرت في اليوم نفسه لدخول المعارضة إلى دمشق، الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، على منطقة جبل الشيخ. وخلال الأيام اللاحقة احتلت المزيد من الأراضي السورية بعد خط ألفا، ليصل تمركزها في بعض المناطق إلى مسافة لا تبعد أكثر من 23 كيلومترًا عن العاصمة دمشق، كما هو الحال في قلعة الجندل.

وفي رسالة إلى مجلس الأمن الدولي بتاريخ التاسع من ديسمبر 2024، لتبرير توغلها داخل الأراضي السورية ما بعد خط ألفا، ما يعد انتهاكًا لاتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974، قالت إسرائيل إن انتشارها العسكري "سيكون مؤقتًا، مع التركيز على مواقع محددة حيث تكون التدابير الدفاعية ضرورة للحفاظ على أمن إسرائيل".

من جانبه قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تصريحات مصورة، إنه وانطلاقًا من "موقف دفاعي"، أعطى الأوامر للقوات الإسرائيلية بالسيطرة على مواقع داخل الأراضي السورية، مؤكدًا في نهاية حديثه على أنه "للدفاع عن إسرائيل سنفعل كل ما يمكن".

لم تكن هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل ذريعة "الدفاع عن النفس" لتبرير انتهاكاتها ليس للقوانين الدولية فقط ، بل والاتفاقات الثنائية التي هي أحد طرفيها.

ووفقًا للحقوقي وأستاذ القانون الدولي الأميركي ريتشارد فالك، فإنه من بين ثلاثة عناصر أساسية تستند إليها الدعاية الإسرائيلية، هناك عنصر الإرباك والتعقيد، فتعتمد إسرائيل على صرف الانتقادات الموجهة إليها من خلال إطلاق الادعاءات الكاذبة. 

ومن بين أكثر الادعاءات الكاذبة حضورًا في سجل الانتهاكات الإسرائيلية، ادعاء "الدفاع عن النفس". وفي حين تلجأ إسرائيل في جملة دعايتها إلى أن "الدفاع عن النفس" حق منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، إلا أنّها تتجاهل من جهة أن اتفاقية جنيف الرابعة التي صادقت عليها في 1951 لا تعطي الحق، تحت أي ذريعة، لارتكاب جرائم حرب أو عقاب جماعي، ومن جهة أخرى تتجاهل أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي نظّمت حق الدفاع عن النفس، ربطته بالتعرض المباشر لاعتداء مُسلح. 

ورغم أن إسرائيل لم تتعرض لاعتداء مسلح مباشر من سوريا عقب إسقاط نظام بشار الأسد، إلا أنّها مضت في استخدام القوة العسكرية ضد سوريا باحتلال أراضيها وانتهاك اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، مُتذرّعة بـ"الدفاع عن النفس".

الانتهاكات الإسرائيلية في الجولان من قبل سقوط نظام الأسد

في مايو/أيار 1974 وقعت سوريا وإسرائيل، في جنيف، ما عُرف باتفاقية فض الاشتباك، التي حددت منطقة فصل بين القوات السورية والإسرائيلية، محصورة بين الخطين الموضحين في الخريطة بـ"ألفا" و"برافو"، مع إقرارها في الفقرة الثانية من البند الثاني على أنّ جميع الأراضي الواقعة شرقي خط ألفا تخضع للإدارة السورية ويعود المدنيون السوريون إليها.

توضح الخريطة موقع المنطقة العازلة بين الخطين ألفا وبرافو (Google Earth Pro/ مسبار)

في تصريحه بتاريخ الثامن من ديسمبر 2024، تعليقًا على سقوط نظام الأسد والتحركات العسكرية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، أعلن نتنياهو انهيار اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، قائلًا "لقد صمد هذا الاتفاق لمدة 50 عامًا. الليلة الماضية، انهار"، متذرعًا بأنّ هذا الانهيار المعلن من جانبه فقط، أعطى لإسرائيل الحق في "الدفاع عن نفسها" باحتلال مواقع الجيش السوري شرق خط برافو. 

ربطت إذًا السردية التي طرحها نتنياهو، بشكل مباشر، بين انهيار الجيش السوري وانتهاك القوات الإسرائيلية للأراضي السورية، في دعاية أطّرت "الدفاع عن النفس"، متجاوزةً واقع الانتهاكات الإسرائيلية لاتفاق فض الاشتباك قبل سقوط نظام الأسد. 

تُظهر صور أقمار صناعية من شركة Planet Labs PBC تعود إلى الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، نشرتها وكالة أسوشييتد برس، قيام إسرائيل بإنشاءات عسكرية متجاوزةً خط ألفا في عمق المنطقة العازلة، وذلك قبل سقوط نظام الأسد.

وتكشف الصور عن حاجز أمني وطريق ممهد بالأسفلت يقع بالكامل تقريبًا داخل حدود المنطقة العازلة، الخاضعة من جهة أولى لإدارة الدولة السورية، ومن جهة أخرى لرقابة عسكرية من قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (يوندوف)، ما يعني انتهاك إسرائيل لاتفاق فض الاشتباك قبل أن تكون لذريعة "الدفاع عن النفس" موقع في الدعاية الإسرائيلية القائمة على إعلان انهيار الاتفاق من طرف واحد.

إسرائيل تتجاوز المنطقة العازلة في الجولان السوري المحتل

ومع أن قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك قالت إن تلك الإنشاءات الإسرائيلية، بدأت في يوليو/تموز 2024، إلا أنّ تحليلًا أجراه مسبار لصور حصل عليها من Maxar، يكشف أنّ العمل على هذه الإنشاءات تحديدًا بدأ منذ مايو2023 على الأقل، عبر شق مسار ممهد على طول خط ألفا متجاوزًا إياه في بعض المناطق داخل المنطقة العازلة، أي ليس منذ ما قبيل سقوط نظام الأسد فحسب، بل قبل عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

في المربع الأحمر جزء من المسار الممهد الذي أنشأته إسرائيل في مايو 2023 متجاوزًا خط ألفا (Maxar/مسبار)

وقبلهما أيضًا، ومنذ 2011، بدأت إسرائيل إنشاءات أمنية أخرى في المنطقة نفسها، إذ توضح صور الأقمار الصناعية ما يبدو أنها أعمال لحفر خندق وإقامة ساتر ترابي، بدأت بعد مارس/آذار 2011، واكتملت تقريبًا في عام 2014. تلك الأعمال التي توازي الإنشاءات الحالية التي بدأت في 2023، تجاوزت بها إسرائيل أيضًا خط ألفا في بعض المناطق لمسافة تزيد عن 100 متر.

الصورة من 2014 وتظهر ما يبدو أنه ساتر ترابي استكمالًا لإنشاءاتٍ بدأت في 2011، حيث يتجاوز الساتر خط ألفا (Google Earth Pro/ مسبار)

انتهاكات إسرائيلية "مؤقتة" في هضبة الجولان

في مقال نُشر عام 2012، وصفت الصحفية الإسرائيلية أميرة هاس، ذريعة الدفاع عن النفس بـ"الانتصار الدعائي الهائل" بالنسبة لإسرائيل. وتشير هارس إلى أنّ تكريس هذه الذريعة، يمكّن إسرائيل من جعل كونها ضحية أمرًا مقبولًا دائمًا، خاصة في نظر زعماء الغرب الذين يُسارعون إلى الحديث عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وهذا ما حدث بالفعل عقب توغل إسرائيل في الأراضي السورية بعد خط ألفا، إذ اعتبرت الولايات المتحدة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية أن إسرائيل تصرفت دفاعًا عن النفس عندما اجتاحت الأراضي السورية.

مع ذلك، بات الخطاب الدعائي الإسرائيلي أقل فاعلية على المستوى الشعبي بعد تراجع هيمنة وسائل الإعلام السائدة لصالح وسائل التواصل الاجتماعي، كما رصد الكاتب والباحث رامي جورج خوري في ورقة نشرها في فبراير/شباط الجاري. يمكن رؤية ذلك من خلال استطلاعات الرأي لنسب المتعاطفين مع الفلسطينيين مقابل الإسرائيليين، إذ وجد استطلاع أجرته مؤسسة يوغوف أن مقابل انخفاض نسبة المتعاطفين مع الإسرائيليين في بريطانيا من 21% بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، إلى 16% في فبراير 2024؛ ارتفعت نسبة المتعاطفين مع الفلسطينيين من 15% إلى 28% خلال الفترة نفسها.

انتهاكات إسرائيلية "مؤقتة" في هضبة الجولان

فيما وجد استطلاع آخر أجرته مجلة ذا إيكونوميست ومؤسسة يوغوف، انخفاض نسبة التعاطف مع الإسرائيليين بين الأميركيين من 48% عقب  عملية السابع من أكتوبر، إلى 33% في سبتمبر 2024. بينما ارتفعت نسبة التعاطف مع الفلسطينيين من 9% إلى 19% خلال الفترة نفسها. وتعد تلك أعلى نسبة تعاطف مع الفلسطينيين بين الأميركيين، وفقًا لاستطلاعات يوغوف منذ مارس/آذار 2023.

استطلاعات الرأي حول التعاطف مع كل من الفلسطينيين والإسرائيليين

نتيجة لذلك وعلى ما يبدو باتت الحجج الدعائية الإسرائيلية "تتركز الآن على دوائر السلطة ومسؤولي الحكومة"، كما يقول رامي خوري. لذلك يمكن رؤية استخدام أوسع لمقولة أخرى جنبًا إلى جنب مع ذريعة "الدفاع عن النفس"، وهي: المؤقت، أي وصف الاجتياحات والتوغلات بأنها تصرف "مؤقت"، وذلك لتجنب المسؤولية الدائمة واتهامات الضم والتوسع الإقليمي طويل الأمد، إذ إنّه بموجب القانون الدولي يعدّ الاحتلال وضعًا مؤقتًا، وذلك استنادًا إلى ميثاق الأمم المتحدة، والمادة 42 من لوائح لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة. من جهة أخرى يعزز تبرير "الإجراء المؤقت"، ذريعة الدفاع عن النفس التي تستخدمها إسرائيل لوصف ممارساتها، مستبقًا اتهامها بأنها أعمالٌ عدوانية. 

لذا قال نتنياهو عن الاجتياح الإسرائيلي لسوريا بعد سقوط نظام الأسد إنه "موقف دفاعي مؤقت"، كما قالت حكومة إسرائيل في رسالتها للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي "اتخذت إسرائيل تدابير محدودة ومؤقتة لمواجهة أي تهديد آخر لمواطنيها. ونشر الجيش الإسرائيلي قواته بشكل مؤقت وفي نطاق محدودة، شرق الخط أ (ألفا)". وهو أيضًا ما صرّحت به الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها والمتحدث باسم الخارجية، حين وصف كل منهما التوغل العسكري الإسرائيلي في سوريا بـ"الإجراء المؤقت".

رسالة إسرائيل إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن عملياتها العسكرية في الأراضي السورية (مجلس الأمن)

لكن صور الأقمار الصناعية تُشكك أيضًا في ادعاء "الإجراء المؤقت" الذي تصف به إسرائيل "دفاعها عن النفس" في سوريا، إذ تُظهر الصور التي التقطتها أقمار شركة Planet في 21 يناير 2025، ونشرتها صحيفة ذا واشنطن بوست؛ بناء قواعد عسكرية داخل المنطقة العازلة، قرب بلدات سورية. 

ويكشف التحليل الذي أجراه مسبار لصور أقمار Sentinel-2 متوسطة الجودة، أن العمل على بناء تلك المواقع العسكرية وشق طُرق حولها، قد بدأ منذ بداية يناير 2025، وتطور منذ ذلك الحين إلى ما لا يقل عن ستّ بؤر عسكرية، أي أنّه بدأ واستمر رغم تصريحات عدة لمسؤولين في الإدارة السورية الجديدة، بمن فيهم رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، تؤكد التمسك باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 وعدم الرغبة في خوض صراع مع إسرائيل.

قواعد عسكرية إسرائيلية داخل المنطقة العازلة في الجولان المحتل

قواعد عسكرية إسرائيلية داخل المنطقة العازلة في الجولان المحتل

يُشكِّك إذًا الترتيب الزمني للأحداث وتوقيت بناء القواعد العسكرية، في صدقية الادعاء الإسرائيلي الخاص بأن تحركاتها العسكرية في سوريا "مؤقتة"، كما أنّه يُكذّب بالجملة الادعاء بـ"الدفاع عن النفس"، خاصةً بعد تصريح مرهف أبو قصرة وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية، بأنّ قواتٍ سورية تم تجهيزها للعمل في المواقع الحدودية، الأمر الذي يُعرقله احتلال إسرائيل لعدد من تلك المواقع.

اقرأ/ي أيضًا

الفيديو ليس لسقوط صواريخ من جنوبي لبنان على الجولان حديثًا

تصريح مفبرك والجولاني لم يقل إنه مستعد للتطبيع مع إسرائيل

المصادر

كلمات مفتاحية

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar