سياسة

كيف تستخدم الدول الكبرى التضليل المعلوماتي كسلاح للتأثير على الانتخابات حول العالم؟

محمود سمير حسنينمحمود سمير حسنين
date
9 فبراير 2025
آخر تعديل
date
5:55 ص
11 فبراير 2025
كيف تستخدم الدول الكبرى التضليل المعلوماتي كسلاح للتأثير على الانتخابات حول العالم؟
وُجهت اتهامات لروسيا بالتأثير في الانتخابات الأميركية 2016

مع انتهاء الاستحقاقات الانتخابية الكبرى في عام 2024، يزداد القلق بشأن انتشار المعلومات المضللة وتأثيرها على توجهات الناخبين. فقد باتت التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، أداة قوية في أيدي الفاعلين الذين يسعون للتلاعب بالرأي العام. إذ تُشير تقارير متعددة إلى أنّ هذه التقنيات تُستخدم لنشر أخبار زائفة، وتضخيم الروايات المضللة، ما قد يؤثر على قرارات الناخبين ويهدد نزاهة العملية الديمقراطية.

إذ أصبحت الانتخابات في السنوات الأخيرة مهددة من قبل أساليب وتقنيات غير تقليدية تهدف إلى التأثير على نتائج هذه العمليات الديمقراطية. أحد هذه الأساليب هو التدخل الأجنبي في الانتخابات، حيث تقوم دول أجنبية مثل روسيا، الصين والولايات المتحدة الأميركية باستخدام التقنيات الرقمية المتطورة مثل التضليل الإعلامي، الذكاء الاصطناعي، والهجمات الإلكترونية للتأثير في إرادة الناخبين. يتناول هذا المقال كيفية تأثير هذه التقنيات الحديثة على الانتخابات، ويوضح أساليب التدخلات الخارجية على الانتخابات، مع الاستناد إلى أمثلة حية ودراسات علمية لشرح الأبعاد المختلفة لهذه الظاهرة. كما سيناقش الأساليب التي يمكن للدول تطبيقها لمكافحة هذه الأنواع من التدخلات.

التضليل الإعلامي كأداة فعالة للتأثير في الانتخابات

التضليل الإعلامي هو أحد أساليب التدخل الأكثر استخدامًا من قبل الدول الأجنبية للتأثير على الانتخابات. يشمل هذا النوع من التضليل نشر معلومات مغلوطة أو غير دقيقة بهدف إرباك الناخبين وتشويش آرائهم حول المرشحين أو الأحزاب السياسية. يتم ذلك عن طريق وسائل الإعلام التقليدية أو منصات التواصل الاجتماعي، إذ يستطيع المهاجمون نشر أخبار كاذبة أو صور مفبركة تصل إلى الملايين من الناس بسرعة كبيرة.

في تقرير نشره موقع Euractiv في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، أشار التقرير إلى تدخل روسيا في الانتخابات الألمانية لعام 2021 عبر حملات تضليل استخدمت الذكاء الاصطناعي لاستهداف الناخبين برسائل مغلوطة ومضللة. وفقًا للتقرير، استخدمت موسكو تقنيات متطورة لنشر معلومات مغلوطة حول الأحزاب السياسية الألمانية لتقويض الثقة في العملية الانتخابية وتعزيز الانقسامات داخل المجتمع. الحملة تضمنت رسائل مزيفة تستهدف مجموعات معينة من الناخبين، ما أثار قلقًا كبيرًا بشأن تأثير هذا النوع من الحملات على نزاهة الانتخابات في الدول الأوروبية.

روسيا تؤثر على الانتخابات الألمانية عن

أما في الولايات المتحدة، فقد كان التضليل الإعلامي جزءًا من التدخلات الخارجية في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، إذ كشف تقرير نشرته صحيفة ذا نيويورك تايمز في يناير/كانون الثاني 2024، عن كيفية استغلال مواقع التواصل الاجتماعي من قبل دول مثل روسيا لنشر معلومات مغلوطة عبر مواقع مثل فيسبوك وتويتر. هذه الحملات الموجهة هدفت إلى تعزيز الانقسامات بين الأميركيين، خصوصًا في القضايا التي تثير جدلًا سياسيًا مثل الهجرة وحقوق الإنسان، وهو ما أثّر بشكل كبير في التفاعلات السياسية بين الناخبين وأدى إلى تشويش رسائل الحملة الانتخابية.

التضليل الإعلامي في انتخابات أميركا 2016

الذكاء الاصطناعي: السلاح الجديد في الحروب الانتخابية

لم يعد التضليل الإعلامي يقتصر على الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة فقط، بل أصبح يتم بواسطة الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم خوارزميات معقدة لاستهداف الناخبين برسائل دقيقة للغاية.

ففي انتخابات الولايات المتحدة عام 2020، استُخدم الذكاء الاصطناعي بشكل واسع من أجل تصميم حملات انتخابية دقيقة كانت توجه خصيصًا إلى الناخبين على مواقع التواصل الاجتماعي. وفقًا لتقرير نشره معهد أوكسفورد للإنترنت في سبتمبر/أيلول 2020، جمعت بيانات ضخمة عن تفضيلات الناخبين السياسية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وحللت هذه البيانات باستخدام تقنيات التعلم الآلي (machine learning) لتحديد أنواع الرسائل التي قد تؤثر في هؤلاء الناخبين. كان الهدف هو التأثير على التصويت في الولايات الحاسمة من خلال رسائل معدة خصيصًا لتناسب ميولهم السياسية.

الذكاء الاصطناعي: السلاح الجديد في الحروب الانتخابية

بالإضافة إلى ذلك، أشار معهد بروكيغنز Brookings في فبراير/شباط 2024 إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء "بوتات" قادرة على نشر الأخبار الكاذبة بشكل سريع وفعال. هذه البوتات، التي تعمل عبر مواقع مثل إكس وفيسبوك، تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي للبحث عن الاتجاهات السياسية الحساسة للناخبين، ومن ثم نشر محتوى مزيف لزيادة الانقسامات بين الناخبين وتوجيههم نحو خيارات سياسية معينة.

الذكاء الاصطناعي والانتخابات

التدخل الصيني في الانتخابات: الاستراتيجيات والإعلام كأداة للتأثير

في السنوات الأخيرة، أصبحت الصين واحدة من الدول التي تسعى إلى التأثير في الانتخابات العالمية من خلال استخدام مجموعة من الأساليب المتطورة. تختلف استراتيجيات الصين عن تلك التي تستخدمها الدول الأخرى مثل روسيا، إذ تركز الصين بشكل كبير على التأثير الاقتصادي والتعاون الدبلوماسي بالإضافة إلى تقنيات الإعلام الحديثة. في تقرير نشره كارنيج إندومينت Carnegie Endowment  في يناير/كانون الثاني 2024، كُشفت محاولات بكين للتأثير على الانتخابات من خلال نشر المعلومات المضللة عبر الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية.

الهدف الرئيسي للصين من هذه العمليات هو تعزيز صورة الحكومة الصينية في الخارج والتقليل من تأثير القوى الغربية مثل الولايات المتحدة. وفقًا للتقرير، فإنّ الصين قد استغلت منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر لنشر رسائل دعائية مدفوعة، تتمحور حول القضايا الاقتصادية والسياسية التي تعزز موقفها على الساحة الدولية. في الانتخابات التي جرت في أستراليا والولايات المتحدة، استخدمت الصين الحسابات المزيفة والروبوتات الرقمية التي ساعدت على نشر رسائل تدعم السياسات الصينية، مثل الترويج لمبادرة "الحزام والطريق" والتقليل من شأن الانتقادات الغربية حول سياسات بكين الداخلية والخارجية.

أشارت البحوث التي أُجريت من قبل Brookings Institution في فبراير/شباط 2024 إلى أن الصين لم تقتصر على التدخل في الانتخابات عبر وسائل الإعلام الاجتماعية فقط، بل كانت لديها أيضًا محاولات لتشكيل الرأي العام في الدول الغربية عن طريق وسائل الإعلام التقليدية. في بعض الحالات، استهدفت الصين الصحف والمواقع الإخبارية العالمية بنشر مقالات دعائية وتوفير دعم لمرشحين سياسيين في دول مختلفة، بهدف تشكيل صورة إيجابية لها في أعين الناخبين المحليين. هذه الحملات كانت تتماشى مع الاستراتيجية الصينية التي تهدف إلى تقوية علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الدول التي تعتبرها "شريكًا استراتيجيًا"، مثل دول آسيا وأفريقيا.

التدخل الصيني في الانتخابات: الاستراتيجيات والإعلام كأداة للتأثير

الولايات المتحدة الأميركية ودورها في التأثير على الانتخابات

لقد استخدمت الولايات المتحدة الإعلام التقليدي، بالإضافة إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI)، للتأثير على الانتخابات في دول أخرى. في دراسة نشرت على مجلة ذا جورنال أوف بوليتكس عام 2017، تناول الباحثون كيف استخدمت الولايات المتحدة وسائل الإعلام مثل صوت أميركا وإذاعة أوروبا الحرة خلال فترة الحرب الباردة لنشر الأفكار الديمقراطية ومحاربة الأيديولوجيات الشيوعية. كانت هذه الوسائل جزءًا من استراتيجية أوسع لدعم المرشحين الموالين للغرب في دول كانت تُعدّ في دائرة النفوذ الأميركي، غالبًا على حساب الأنظمة المعارضة. لم تقتصر هذه التدخلات على الإعلام التقليدي، بل تطورت مع الزمن مع صعود المنصات الرقمية، ما جعل من السهل استهداف الدول الأجنبية برسائل مُوجهة.

في السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا في تعزيز تأثير الإعلام في الانتخابات الأجنبية. وفقًا لتقرير صادر عن المعهد الديمقراطي الوطني عام 2020، فإنّ الخوارزميات المدعومة بالذكاء الاصطناعي على مواقع التواصل الاجتماعي يمكنها تضخيم بعض الروايات وكبت أخرى، في كثير من الأحيان دون معرفة الجمهور. تعتمد هذه الخوارزميات على تحليل البيانات المتقدمة لاستهداف الفئات الضعيفة، ما يؤثر على آراء الناخبين ويغير نتائج الانتخابات. في بعض الحالات، تم استخدام روبوتات مدفوعة بالذكاء الاصطناعي لملء المنصات بالإعلانات السياسية والمعلومات المغلوطة، ما يؤدي إلى تغييرات كبيرة في الرأي العام في مناطق انتخابية محددة (المعهد الديمقراطي الوطني، 2020).

بينما يتم تقديم هذه الممارسات كجهود لدعم الديمقراطية، يرى النقاد أنها قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الأنظمة السياسية وتقويض العمليات الديمقراطية. ففي دراسة نشرها الاتحاد الأوروبي للعمل الخارجي عام 2021، سلط الضوء على استخدام الذكاء الاصطناعي في حملات التضليل التي تهدف إلى التأثير على سلوك الناخبين في أوروبا، ما يعكس الآثار العالمية للتدخلات الإعلامية والذكاء الاصطناعي من قبل الولايات المتحدة. وبالتالي، فإن دور الولايات المتحدة في الانتخابات الأجنبية أصبح أكثر تعقيدًا، حيث يجمع بين التأثير الإعلامي التقليدي وتقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة.

استراتيجيات وقوانين جديدة للتصدي للتدخلات الخارجية

بينما تتزايد محاولات التدخل الأجنبي في الانتخابات، هناك جهود متزايدة من قبل الحكومات لمكافحة هذه الأنشطة. في الولايات المتحدة وأوروبا، تم تطوير قوانين وتشريعات جديدة تهدف إلى تقوية الأمن السيبراني والحفاظ على نزاهة الانتخابات.

في الولايات المتحدة، تم تنفيذ العديد من الإجراءات القانونية لتعزيز الشفافية في الإعلانات السياسية عبر الإنترنت. وأصبح يتعين على منصات التواصل الاجتماعي أن تكشف عن هوية الجهات الممولة للإعلانات السياسية، ما يقلل من قدرة الأطراف الخارجية على التدخل بشكل خفي. كما تم إطلاق مبادرات لمكافحة الأخبار الكاذبة وتعزيز الوعي العام بين الناخبين حول كيفية التعرف على الأخبار المضللة، وفقًا لتقرير نشره معهد بروكينغز في يناير 2024.

أما في أوروبا، فقد وضعت المفوضية الأوروبية استراتيجيات جديدة تهدف إلى تعزيز الشفافية في الحملات الرقمية وحماية الانتخابات من تدخلات الخارج. تشمل هذه الاستراتيجيات تشديد الرقابة على الإعلانات السياسية وتحسين التعاون بين الدول لضمان عدم استغلال منصات الإنترنت لنشر المعلومات المضللة.

دور المواطن في التصدي للتضليل: تعزيز الوعي الرقمي

بينما تلعب الحكومات دورًا كبيرًا في مكافحة التضليل الإعلامي، فإنّ دور المواطنين لا يقل أهمية. يعد الوعي الرقمي مهارة أساسية يمكن أن تساعد الأفراد على التمييز بين الأخبار الحقيقية والمزيفة. لذا، فإنّ برامج محو الأمية الرقمية أصبحت جزءًا أساسيًا من استراتيجيات التصدي للتضليل.

في العديد من البلدان، تم إطلاق حملات تدريبية تهدف إلى زيادة الوعي لدى المواطنين حول كيفية التعرف على الأخبار المضللة وكيفية التأكد من صدقية المصادر الإعلامية. هذه الجهود تتماشى مع التوجهات العالمية لتعزيز الشفافية والموثوقية في وسائل الإعلام، وبالتالي تقليل تأثير الحملات التضليلية على الانتخابات.

اقرأ/ي أيضًا

نماذج الذكاء الاصطناعي: قراءة في الفوائد والمخاطر

كيف استفاد الاحتلال الإسرائيلي من شركات التكنولوجيا الكبرى خلال حربه على غزة؟

المصادر

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar