كيف همش الإعلام الغربي قصص الأسرى الفلسطينيين؟
في الأسابيع الأخيرة، نشرت وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم تقارير عن تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس كواحدة من الخطوات الأولى في اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين. يشمل التبادل 33 أسيرًا إسرائيليًا اعتقلتهم كتائب القسام خلال هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، و1900 أسيراً فلسطينيًا اعتقلتهم إسرائيل منذ ذلك الحين وقبل ذلك. وعلى الرغم من أن الإسرائيليين والفلسطينيين جزء من هذا التبادل، إلا أن وسائل الإعلام الغربية ركزت فقط على السجناء الإسرائيليين، إذ أوردت كافة التفاصيل عن كل سجين إسرائيلي وعائلته. وعلى الجهة الأخرى، تظل القصص الفلسطينية غير مروية إلى حد بعيد.
التغطية الإعلامية لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس
نشرت شبكة سي إن إن مقالًا بعنوان "رهائن إسرائيليون شاحبون ونحيفون تم إطلاق سراحهم من غزة بالتزامن مع إطلاق سراح عشرات السجناء الفلسطينيين بموجب اتفاق وقف إطلاق النار". وأبرز تقرير آخر لشبكة سي إن إن أن "الرهائن الإسرائيليين المفرج عنهم لم يعرفوا أن أحباءهم قد ماتوا". بالإضافة إلى ذلك، عرضت بي بي سي قصة بعنوان "رهائن حماس: قصص الأشخاص الذين تم أخذهم من إسرائيل".
في أغلب الأحيان، تمنح هذه التقارير الرهائن الإسرائيليين وجهًا واسمًا وقصة. وتُظهِر مقاطع الفيديو التي تُعرَض على القنوات التلفزيونية الغربية الرئيسية إطلاق سراحهم واجتماعهم بأحبائهم. وأحيانًا، يسمع المشاهدون عن أسرهم والحياة التي عاشوها قبل أسر حماس لهم.
أيضًا غالبًا ما يتم التركيز على قصص الانتهاكات التي ارتكبتها حماس ضد الأسرى الإسرائيليين، إلى جانب وجهات نظر عائلات الأسرى. في السياق، جاء في تقرير مصوّر لسي إن إن، أن ابنة الأسير الإسرائيلي المفرج عنه مؤخرًا أوهاد بن عامي قالت "كانت لدي صور عديدة في ذهني لوالدي، لكن لا شيء أعدني لتلك الصور له على المسرح في غزة. كنت متأكدة من أنني سأكون قوية، لكنني سقطت على الأرض وصرخت".
وفي حين أن التغطية الإعلامية للألم الذي يعيشه الإسرائيليون موثقة جيدًا، فإن معاناة الفلسطينيين مهمشة وغائبة عن المشهد الإعلامي الغربي، إذ لا يؤتى على ذكر وجهات نظر المعتقلين في السجون الإسرائيلية، أو آلام أسرهم. وعلى الرغم من أن مؤسسات إعلامية كبرى مثل سي إن إن وبي بي سي قد أوردت تقارير عن الظروف المزرية التي يعيشها السجناء الفلسطينيون بعد احتجازهم في السجون الإسرائيلية "مع علامات الاعتداء الجسدي والتجويع"، فإن هذه التقارير لا تصل إلى العناوين الرئيسية.
إن مشاهد إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، مثل تلك التي تظهر في الفيديو أعلاه، تصور حشدًا فوضويًا، مما يساهم في تصوير الفلسطينيين كمجموعة وليس كأفراد. وفيما يذكر التقرير أن "العديد منهم يحتاجون إلى رعاية طبية"، لكن تبقى وجوههم غير معروفة للجمهور الغربي، ولا تتوفر لقطات من لقاءاتهم بعائلاتهم.
وحتى نسمع عن قصصهم لا بد أن نعتمد على وسائل الإعلام المستقلة الأصغر حجمًا أو المؤسسات الإخبارية الناطقة باللغة العربية، التي جمعت تجارِب الفلسطينيين الذين وقعوا في الأسر، فضلًا عن لحظات لم شملهم مع أحبائهم.
هناك معايير مزدوجة واضحة في تصوير معاناة الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين. وكما توضح الصحفية الكندية سميرة محي الدين "إن الفارق الأكثر وضوحًا بيننا هو أننا نطلق عليهم اسم "أسرى فلسطينيين" ونسمي الإسرائيليين "رهائن"، مع أن العديد منهم في الواقع جنود في قوات الدفاع الإسرائيلية تم أسرهم بلباسهم العسكري".
وفيما وجهت لعدد من من المحتجزين الفلسطينيين تهمًا بالتواطؤ مع حماس، تقول الناشطة الفلسطينية بشرى الطويل في هذا السياق "إن العديد منهم لم توجه إليهم أي تهمة قط، ناهيك عن إدانتهم بارتكاب جريمة". وكانت الطويل قد احتُجزت لمدة 10 أشهر دون تقديم أي دليل على الإطلاق بشأن دوافع اعتقالها.
حرب غزة: نموذج للتحيز الإعلامي الغربي
إن قضية المعايير المزدوجة في التغطية الإعلامية الغربية للحرب في غزة معروفة جيدًا، وقد اتُهمت غرف الأخبار الكبرى مثل سي إن إن وبي بي سي بالتحيز لصالح إسرائيل في رواياتها الصحفية على مر السنين.
منذ السابع من أكتوبر 2023، واجهت وسائل الإعلام في العالم الغربي ردود فعل عنيفة وانتقادات بسبب تقاريرها المتحيزة. ووفقًا لتقرير غرفة الأخبار عابرة الحدود Unbias The News، فإن "السياق التاريخي كان مفقودًا" من التقارير الأولى في كبرى وسائل الإعلام الغربية، على الرغم من كونه جانبًا حاسمًا من الصراع الذي استمر ما يقرب من 80 عامًا.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، وقّع ما يقرب من 1500 صحفي يعملون في مؤسسات إخبارية مقرها الولايات المتحدة على رسالة مفتوحة تدين قتل الصحفيين على يد الجيش الإسرائيلي. كما حملوا غرف الأخبار الغربية "المسؤولية عن الخطاب غير الإنساني الذي برر التطهير العرقي للفلسطينيين"، مضيفين أن "وجهات النظر الفلسطينية والعربية والإسلامية" قد تم تقويضها ورفضها باعتبارها غير موثوقة.
من جهة أخرى، أبرزت مراجعة صحفية نشرتها مؤسسة الجزيرة للإعلام في عام 2024 أن المشكلة تعود إلى ما قبل السابع من أكتوبر بكثير، لكنها أصبحت أكثر وضوحًا منذ ذلك الحين.
والنتيجة هي أنه في وسائل الإعلام الغربية الأكثر شهرة ومعترف بها دوليًا، يظل الفلسطينيون بلا صوت.
اقرأ/ي أيضًا
اليمين المتطرف الشعبوي أكثر احتمالًا لنشر الأخبار الزائفة من اليسار
كيف استفاد الاحتلال الإسرائيلي من شركات التكنولوجيا الكبرى خلال حربه على غزة؟