شهادات وتقارير تكشف تجويع إسرائيل للأسرى الفلسطينيين وتدحض المزاعم بتلبية احتياجاتهم الغذائية

عمدت حسابات إسرائيلية على مواقع فيسبوك وإكس وانستغرام باللغتين العربية والفارسية خلال الفترة الأخيرة، إلى ترويج ادعاءات مضللة بشأن طبيعة الوجبات التي تقدمها مصالح سجون الإسرائيلية للأسرى الفلسطينيين خلال فترة أسرهم. زعمت هذه الحسابات أن الأسرى الفلسطينيين يتلقون وجبات غنية ودسمة، تفوق ما يحصل عليه ملايين الأشخاص في المنطقة، مدعية أن اللحوم تقدم لهم أربع مرات أسبوعيًّا. كما أرفقت هذه الادعاءات بصورة لقائمة طعام، تزعم أنها الوجبات الأسبوعية المقدمة للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

ووفقًا لهذه القائمة، يتضمن الإفطار شاي وخضروات وخبز ومربى أو شوكولاتة وجبنة. أما الغداء، فتدّعي القائمة أنه يشمل أطباقًا من اللحم والأرز والبطاطا والكسكس، أيام الأحد والثلاثاء والأربعاء والسبت، بينما يتم تقديم أطباق نباتية مثل الخضار والبقوليات مع الأرز أيام الاثنين والخميس والجمعة، مع الإشارة إلى أن الخبز متوفر في جميع الوجبات. أما وجبة العشاء، فتشير القائمة إلى تقديم الخضار والخبز والأرز أو الفلافل وطحينة أو الحمص وفاصوليا أو التونة، مع الإشارة إلى أن البيض يُقدَّم في بعض الوجبات.

لم تكتفِ هذه الحسابات بهذه الادعاءات، بل حاولت عقد مقارنة بين ما زعمت أنه مستوى المعيشة داخل السجون الإسرائيلية، وبين ما يتلقاه الأسرى الإسرائيليون لدى المقاومة في قطاع غزة، مدّعية أنهم يُحرمون من الطعام والأدوية والرعاية الصحية.

تحقق مسبار من الادعاءات التي روجها الاحتلال، ولاحظ أن ترويجها جاء بالتزامن مع إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل. وقد بدا هؤلاء الأسرى في حالة صحية متدهورة نتيجة الممارسات القمعية التي تعرضوا لها خلال فترة أسرهم، خاصة من خلال سياسة التجويع والحرمان من الطعام، وهو ما انعكس بشكل واضح على أوضاعهم الجسدية.

شهادات أسرى فلسطينيين تعكس واقع سوء الغذاء المقدم في سجون الاحتلال

يتجلى زيف ادعاءات الاحتلال بشأن جودة الوجبات المقدمة في سجونه من خلال الحالة الصحية المتدهورة التي يظهر عليها الأسرى الفلسطينيون عند إطلاق سراحهم. وتؤكد شهادات الأسرى المحررين الواقع القاسي الذي يفرضه الاحتلال، إذ يُستخدم الحرمان من الطعام كأداة للعقاب الجماعي ضدهم.

في هذا السياق، أكد الأسيرالمحرر بشار شواهنة، الذي أُطلق سراحه ضمن الصفقة الأخيرة بين حماس وإسرائيل، أن الأسرى الفلسطينيين يعيشون في ظروف لا إنسانية داخل السجون، وأوضح أن مصلحة السجون تعمدت حرمانهم من أبسط الحقوق الأساسية، بما في ذلك الماء والطعام والفراش، وأجبرتهم على النوم جائعين على أسرة حديدية باردة.

من جانبه، تحدث الأسير المحرر محمد دويكات عن الإهانات والاعتداءات الجسدية التي يتعرض لها الأسرى، بالإضافة إلى قلة الطعام وسوء جودته فغالبًا ما يكون ملوثًّا وغير صالح للأكل. كما أشار إلى انتشار الأمراض داخل السجون، مثل الجرب بسبب الظروف المعيشية القاسية، مؤكدًا أن مجرد كون الشخص أسيرًا فلسطينيًّا يجعله عرضة لكافة أشكال الانتهاكات داخل سجون الاحتلال.

لا تختلف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأسرى الفلسطينيين، سواء كانوا رجالا أم نساء، إذ يتعرض الجميع لانتهاكات جسيمة داخل السجون. في هذا السياق، تحدثت الأسيرتان المحررتان دانيا حناتشة وتحرير جابر عن المعاناة التي عاشتاها خلال فترة اعتقالهما.

أكدت دانيا حناتشة أن الأسيرات الفلسطينيات يواجهن إهمالًا طبيًا ممنهجًا داخل سجون الاحتلال، فتُترك المصابات دون علاج منذ لحظة اعتقالهن، في ظل غياب أبسط مقومات الحياة. وأضافت أن الانتهاكات لا تقتصر على الحرمان من العلاج، بل تشمل التعذيب والتنكيل اليومي، مثل التفتيش العاري الذي يُفرض على الأسيرات كإجراء مهين وقاس.

وأكد تحرير جابر على الظروف القاسية التي تعيشها الأسيرات، مشيرة إلى أنهن يتعرضن للتنكيل بشكل يومي، سواء من خلال سوء المعاملة ومنع العلاج أو استخدام التجويع كعقوبة ممنهجة. وأشارت إلى رداءة الطعام الذي يُجبرن على تناوله من أجل البقاء على قيد الحياة فقط، رغم أن كمياته غير كافية إطلاقًا، ما يجعل الأسيرات يبيتن جائعات في معظم الأيام.

وأضافت أن ظروف الاعتقال تتسم بانعدام أبسط الوسائل الحياتية، إذ ذكرت أن غرف السجن التي تضم 11 أسيرة لا تحتوي إلا على ملعقة طعام واحدة، ما يضطرهن إلى استخدامها بالتناوب، إذ تنتظر كل أسيرة انتهاء الأخرى حتى تتمكن من استعمالها.

إلى جانب الشهادات المصورة، تناقلت العديد من وسائل الإعلام إفادات صادمة تكشف حجم المعاملة اللاإنسانية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين، وهو ما يتناقض تمامًا مع الادعاءات التي يحاول ترويجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

لا تقتصر الانتهاكات على التنكيل والتعذيب الجسدي، بل تشمل أيضًا ممارسات وحشية مثل رش الأسرى بالمياه العادمة أو حرقهم بالمياه الساخنة أو إجبارهم على الركوع أو التبول عليهم. وتكشف شهادات أسرى اختاروا عدم الكشف عن هويتهم على أنهم واجهوا جحيما في سجون الاحتلال، حتى باتوا غير مدركين لمصيرهم. وتحدثوا أيضًا عن الجوع الذي يعانيه الأسرى بسبب قلة كميات الطعام وعدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي، وقال الأسير خ. ج. إن  الأسرى بسبب الجوع يجمعون لقيمات الطعام حتى يتمكنوا من الحصول على وجبة واحدة ليلًا.

ماذا يقدم الاحتلال للأسرى الفلسطينيين في سجونه؟

على عكس الادعاءات التي روجتها إسرائيل بشأن تقديم وجبات دسمة وغنية للأسرى الفلسطينيين، أكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في بيان لها، أن الاحتلال يتعمد استخدام الطعام كأداة للتنكيل بهدف إلحاق الأذى النفسي والجسدي بالأسرى.

وأوضحت الهيئة أن الوجبة التي يقدمها الاحتلال لعشرة أسرى هي في الواقع لا تكفي لأسير واحد، فضلًا عن رداءة جودة الطعام ورائحته الكريهة، ما أدى إلى فقدان العديد من الأسرى لعشرات الكيلوغرامات من أوزانهم نتيجة سوء التغذية المستمر.

في السياق ذاته، أصدرت منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية تقريرًا تحت عنوان "أهلًا بكم في جهنم"، تطرقت فيه إلى ظروف سجن الأسرى الفلسطينيين وسلطت فيه الضوء على الانتهاكات اللاإنسانية التي يتعرضون لها، والتغييرات القمعية التي فرضتها مصلحة السجون الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. واستند التقرير إلى شهادات 55 أسيرًا وأسيرة فلسطينيين احتُجزوا في السجون الإسرائيلية ومراكز التوقيف خلال هذه الفترة.

وعلى عكس المزاعم الإسرائيلية عن تقديم ثلاث وجبات يوميًا تتضمن اللحوم أربع مرات أسبوعيًّا إضافة إلى الخضروات والبقوليات، نقلت المنظمة شهادة الأسير ص. ب. وهو من سكان القدس الشرقية، الذي أكد أن سلطات الاحتلال صادرت كل كميات الأكل التي اشتراها الأسرى من "الكانتينة" منذ السابع من أكتوبر، ما أجبرهم على الاعتماد الكامل على الطعام الرديء الذي توفره مصلحة السجون. واعتبر أن هذه السياسة تهدف إلى تجويع الأسرى عقابًا لهم على عملية طوفان الأقصى.

وبحسب شهادة ص. ب.، فإن وجبة الفطور التي تقدمها مصلحة السجون تتكون فقط من 50 غرامًا من اللبنة لكل أسير، إلى جانب 10 شرائح صغيرة من الخبز يتقاسمها الأسرى فيما بينهم. أما عن وجبة الغذاء، فيقدم الاحتلال ثلاث ملاعق كبيرة من الأرز غير المطهو جيدًا لكل أسير، إلى جانب حساء حار دون طعم وأحيانًا ملعقة صغيرة من التونة أو كوب من حبات الذرة الساخنة دون أي ملح أو بهارات، أو على بيض نصف مسلوق ذي رائحة كريهة يعتقد أن صلاحيته منتهية، مؤكدًا بأن كل الطعام الذي يتم تقديمه يتميز بطعمه المقزز.

بدورها وجبة العشاء لا تختلف كثيرًا عن وجبة الغداء، إلا أن الاحتلال يتعمد أحيانا إضافة قطعة نقانق تكون غير مطبوخة جيدًا. وأكد ص. ب. في شهادته أيضًا بأن الأسرى لم يحصلوا على أي فواكه أو خضروات أو سكر أو ملح طوال كل هذه الفترة، كما لم يكن الطعام متبلًا (دون بهارات) على الإطلاق.

وتناول تقرير منظمة بتسيلم عشرات الشهادات لأسرى وأسيرات من قطاع غزة والضفة، أجمعوا كلهم على أن الاحتلال يتعمد تقديم طعام رديء جدًا وبكميات قليلة جدًا، فيتعمد أحيانًا تقديم الخبز المعفن للأسرى، وأحيانًا تقديم صحن أرز واحد يوميًّا لزنزانة بأكملها. أما الماء فيتعمد الاحتلال تقديمه إلى الأسرى على فترات متباعدة وأحيانًا مرة واحدة يوميًّا.

وكنوع من الإيغال في التنكيل بالأسرى من خلال الطعام، يتعمد الاحتلال تقديم طعام سيء للغاية في رمضان، بحسب ما تحدثت به الأسيرة من مخيم جباليا شيماء أبو جياب، التي أشارت إلى أن الاحتلال تعمد تقديم طعام فاسد في رمضان ومربى فاسد ومعكرونة فيها حشرات.

منظمات حقوقية تؤكد سوء واقع التغذية في سجون الاحتلال

تكشف المقارنة بين الحالة الجسدية للأسرى الفلسطينيين قبل الاعتقال وبعد إطلاق سراحهم، وفقدانهم العشرات من الكيلوغرامات خلال هذه الفترة، زيف ادعاءات الاحتلال بشأن طبيعة الوجبات التي يزعم تقديمها في سجونه.

وفي هذا السياق، اعتبر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن الحالة الصحية والجسدية المتدهورة للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، الذين أفرجت عنهم إسرائيل في إطار صفقة التبادل تعكس الظروف القاسية التي عاشوها خلال اعتقالهم، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والتجويع المتعمد، واصفًا ظروف الأسر في سجون الاحتلال بـ "القبور للأحياء".

ووثق المرصد شهادات عدد من المفرج عنهم، التي أجمعت على انتهاك الاحتلال بشكل صارخ لحقوق الأسرى والمعتقلين المكفولة بموجب القانون الدولي، مشيرًا إلى أن عددًا من الأسرى الذين تم الإفراج عليهم احتاجوا إلى نقلهم على الفور إلى المستشفيات لإجراء فحوصات طبية عاجلة، فيما بدا عدد منهم عاجزًا عن التعرف إلى الأشخاص الذين كانوا في استقباله لحظة الإفراج عنه، بسبب تأثره بالتنكيل والإذلال والتجويع والتعذيب المنهجي الذي مارسه الاحتلال ضد الأسرى، بمن فيهم أولئك المحكومين والمحتجزين من قبل السابع من أكتوبر 2023.

وفي السياق نفسه، تحدثت الأمم المتحدة في بيان لها، عن أن الانتهاكات الإسرائيلية واسعة النطاق والمنهجية بحق الأسرى الفلسطينيين على مدى عقود، وغياب أي قيود على ممارسات الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول 2023، تمثل جريمة ضد الإنسانية يمكن منعها.

وقالت الأمم المتحدة نقلًا عن خبراء أمميين مستقلين تلقوا تقارير موثقة أن الاحتلال يمارس جملة من الانتهاكات اللاإنسانية بحق الأسرى الفلسطينيين على غرار وضعهم في سجون تشبه الأقفاص، وتقييدهم إلى أسرّة معصوبي الأعين عراة ومجبرين على ارتداء الحفاضات، فضلًا عن تعمد حرمانهم من الرعاية الصحية الكافية والغذاء والماء والنوم. مشيرة أيضًا إلى تقصّد الاحتلال صعق الأسرى بالكهرباء بما في ذلك صعق أعضائهم التناسلية، وابتزازهم وتعذيبهم من خلال حرقهم بالسجائر.

وأشارت الأمم المتحدة إلى أن هذه الانتهاكات والظروف اللاإنسانية الفظيعة أدت إلى وفاة ما لا يقل عن 53 فلسطينيًّا خلال الأشهر العشر الأولى عقب انطلاق عملية طوفان الأقصى.

تقارير صحفية تؤكد تعمّد الاحتلال تجويع الأسرى الفلسطينيين

على عكس ما روجت له الحسابات الإسرائيلية، بشأن نوعية وكمية الطعام الذي تقدمه مصلحة السجون، كشف تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية في 26 يونيو/حزيران 2024، عن أن مصلحة السجون عملت على تقليص كمية وجودة الطعام المقدم للأسرى الفلسطينيين بشكل رسمي. وأشارت الصحيفة إلى أن مصلحة السجون باتت تعتمد التجويع كأسلوب من أساليب العقاب الجماعي ضد الأسرى الفلسطينيين، خاصة منذ السابع من أكتوبر 2023.

وتابعت الصحيفة بأن مصلحة السجون تعمدت إخفاء المعطيات الرسمية الخاصة بالوجبات المقدمة للأسرى، مؤكدة في الآن ذاته بأن الكميات التي بات تقدمها مصالح السجون، بإيعاز من وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، هي أقل من الحد الأدنى الملزم به الاحتلال بموجب القانون الدولي.

القوانين الدولية تشدد على احترام حقوق الأسرى 

تنص القوانين الدولية على غرار اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب، على ضرورة حماية حقوق الأسرى وضمان معاملتهم بكرامة وإنسانية، وتهيئة كل الظروف اللازمة من أجل ضمان إطلاق سراحهم وإعادتهم على الحال التي كانوا عليها.

وتشدد الاتفاقية في المادة 26 من الفصل الثاني من القسم الثاني المتعلق بمأوى وغذاء وملبس أسرى الحرب، على أن تكون وجبات الطعام الأساسية اليومية كافية من ناحية كميتها ونوعيتها وتنوعها لتكفل المحافظة على صحة أسرى الحرب في حالة جيدة ولا تعرضهم لنقص الوزن أو اضطرابات العوز الغذائي، كما تنص على أنه يجب أيضًا مراعاة النظام الغذائي الذي اعتاد عليه الأسرى. وتشدد الاتفاقية أيضًا على ضرورة تزويد الأسرى بكميات كافية من مياه الشرب، وأن يُسمح لهم بتدخين التبغ، ويحظر اتخاذ أي تدابير تأديبية جماعية بحقهم تمس الغذاء.

أما المادة 27 من تلك الاتفاقية فتنص على أن الجهة الحاجزة للأسرى يجب أن تزود الأسرى بكميات كافية من الملابس والملابس الداخلية والأحذية الملائمة لمناخ المنطقة التي يحتجز فيها الأسرى. أما المادة 29 من الفصل الثالث من الاتفاقية المتعلقة بالشروط الصحية والرعاية الطبية للأسرى، فتلزم الجهة الحاجزة للأسرى باتخاذ كافة التدابير الصحية الضرورية لتأمين نظافة المعسكرات وملاءمتها للصحة والوقاية من الأوبئة.

وفي سياق الادعاءات الإسرائيلية المضللة ومحاولته المتكررة للتنصل من الانتهاكات التي يرتكبها بحق الفلسطينيين، سبق أن تطرق مسبار في تقرير سابق إلى المعاملة اللاإنسانية للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وكشف التقرير تعمد الاحتلال شن حرب انتقامية تعسفية ضد الأسرى، بما في ذلك التعذيب والاغتصاب وغيرها من الانتهاكات الجنسية، إلى جانت التجويع وسوء المعاملة وتقييد حرية ممارسة الشعائر الدينية.

اقرأ/ي أيضًا

تقارير دولية تؤكد المعاملة اللاإنسانية للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي

حملة تضليل إسرائيلية تستهدف الأسير المحرر إبراهيم الشاويش