إعادة تدوير الادعاءات المضللة عبر اجتزاء تحقيقات فندها برنامج بوليغراف

يُعدّ اجتزاء الأخبار أحد أخطر الأساليب التي تؤدي إلى انتشار المعلومات المضللة، إذ يتم تقديم جزء من الحقيقة بطريقة تخرجها من سياقها الأصلي، ما يغيّر معناها أو يوجهها نحو هدف معين. هذا الأسلوب يُستخدم على نطاق واسع في الإعلام التقليدي ومواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق أغراض سياسية، اقتصادية، أو اجتماعية.

تؤثر هذه الظاهرة على الرأي العام وتُسهم في تضليل الجمهور، كما تُركز هذه الممارسة عادةً على اقتباس أجزاء معينة من الأخبار أو التصريحات، وإخراجها من سياقها الأصلي، بهدف توجيه الرسائل بما يخدم أجندات سياسية معينة، سواء لدعم جهة ما أو تشويه صورة جهة أخرى، أو تُستخدم الأخبار المجتزأة لتعزيز الاستقطاب بين الجماهير، وإثارة الخلافات حول قضايا معينة.

كما أن الأخبار المثيرة والملفقة عادةً ما تحقق انتشارًا واسعًا، ما يؤدي إلى زيادة الإعجابات والمشاركات والتعليقات، وجذب زيارات أكثر، الأمر الذي يساعد هذه الجهات على تحقيق أرباح من الإعلانات والمحتوى المدفوع.

كيف يُستغل برنامج بوليغراف في ترويج المعلومات المضللة؟

وصل الأمر هذه المرة إلى أبعد من ذلك، إذ أصبح البعض يتعمد نشر التضليل عن طريق استغلال محتوى جهة تعمل في الأساس على مكافحة وتصحيح هذا التضليل، عبر قص واجتزاء فقرات يعرضها برنامج يشرح ويوضح طبيعة الخبر المضلل أو الزائف. 

هنا الحديث عن برنامج بوليغراف، وهو برنامج أسبوعي يُبثّ على التلفزيون العربي، إذ يستعرض أبرز الشائعات والأكاذيب التي تداولتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ويكشف حقيقتها والجهات التي تقف وراءها والأهداف السياسية منها.

يتضمن البرنامج فقرات توضح حقيقة هذه الأخبار والمعلومات المضللة والزائفة، ويقوم قبل عملية التصحيح بعرض الخبر المتداول كما جاء نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم يصححه.

لكن أصبح بوليغراف في مرمى الاستغلال من قبل ناشري المعلومات والأخبار المضللة، إذ تعمل بعض الحسابات أو الجهات التي تنشر هذه المعلومات، بالعمل على اجتزاء جانب من الأخبار التي يتحقق منها البرنامج ثم تعرضها وكأنها خبر تلفزيوني حقيقي يذيعه مقدّم البرنامج.

يأتي شكل التضليل المتعمد عن طريق اجتزاء وعرض الجزء الأول من التحقيق، والذي يحتوي على معلومات مضللة أو زائفة، مع إخفاء التصحيح الذي يأتي لاحقًا. أي يتم التلاعب بالمقاطع عبر استبعاد الأجزاء التي تدحض الخبر أو تضعه في سياقه الصحيح، واستخدام عناوين مضللة توحي بأن المعلومات الخاطئة التي عرضها البرنامج في البداية صحيحة، ويتم إعادة نشر مقطع الفيديو المجتزأ على مواقع التواصل الاجتماعي، دون ذكر أن الخبر قد تم تصحيحه لاحقًا.

خبر مجتزأ عن دعم زعيم كوريا الشمالية لمصر حال تعرضت لهجوم

استُغلّ البرنامج في العديد من هذه الحالات التي عمل "مسبار" على التحقق منها. ففي فبراير/شباط الجاري، نشرت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو ادعت أنه لبرنامج تلفزيوني يذيع خبرًا عاجلًا يفيد بأن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، صرح بأنه يدعم مصر بقوة في حال تعرضت لأي هجوم من أي جهة. 

في الحقيقة، مقطع الفيديو يعود إلى فقرة من برنامج بوليغراف عُرضت في مايو/أيار عام 2021، إذ تم اجتزأ الجزء الأول من حديث مقدم البرنامج نضال حمدي، والذي يتضمن شرحه للخبر المتداول ونشره كما هو متداول، وتجاهل ناشرو الادعاء توضيح حقيقته وتأكيد المذيع بأنه تصريح زائف ولا أساس له من الصحة.

بوليغراف يكشف حقيقة خبر هروب جنود مغربيين من الصحراء الغربية

في عام 2023، تداولت حسابات وصفحات مقطع فيديو مقتطع من إحدى حلقات برنامج بوليغراف، وادّعت أنّ المذيع نقل فيه خبرًا عن فرار المئات من الجنود المغربيين من الصحراء الغربية بسبب هجمات بوليساريو، وتمكن عدد منهم من الوصول إلى إسبانيا. وهو أيضًا مقطع فيديو مجتزأ، تم التلاعب به عن طريق قص الجزء الخاص بتوضيح المذيع بأنه خبر زائف ولا أساس له من الصحة، وانتشر المقطع وكأنه خبر حقيقي.

هل أعلن بوليغراف أن قوات الصاعقة المصرية ثاني أقوى قوات خاصة بعد الهند؟

سابقًا انتشر خبر عن البرنامج يقول إن قوات الصاعقة المصرية هي ثاني أقوى قوات خاصة في العالم بعد الهند، وأن الولايات المتحدة عرضت على بعض أفرادها المتقاعدين أن يدرّبوا القوات الأميركية، ولكنهم رفضوا ذلك. ويضيف المذيع "حتى إنّ إسرائيل طلبت من الأمم المتحدة خلال حرب الاستنزاف التدخل لإنهاء خدمة الصاعقة في الجيش المصري".

يعود مقطع الفيديو الأصلي إلى جزء من حلقة لبرنامج بوليغراف وعُرضت في 21 أغسطس/آب عام 2022. وكان مقدم البرنامج يكشف حقيقة خبر زائف نشرته حسابات وصفحات مصرية عن قوات الصاعقة المصرية وأنها الأقوى عالميًّا بعد الهند. وظهر المذيع في المشهد الأصلي وهو يروي تفاصيل الادّعاء المنشور على الصفحات، ثم يكمل حقيقة الخبر، لكن تعمدت الصفحات التي تتداول المقطع اجتزاء المقدمة دون أن تكمل بقية المشهد لتنقل الخبر وكأنّه حقيقي.

بوليغراف يوضح حقيقة فيديو مفبرك عن تهنئة بشار الأسد للشرع

في الأيام الأخيرة، نشر مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو من برنامج بوليغراف يتضمن مشهد لرئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد وهو يهنئ الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، بتوليه المنصب. وهو مشهد تم أيضًا العمل على اقتصاصه من البرنامج وتجاهل الجزء الذي يوضح فيه المذيع أن المشهد مُفبرك بواسطة الذكاء الاصطناعي.

التضليل المتعمد ودوره الأساسي في التأثير على الرأي العام

تكشف الدراسات أن التضليل المتعمد، يكون هدفه الأساسي التأثير على الرأي العام أو إخفاء الحقيقة والتلاعب بها بما يتماشى مع مصالح معينة، وقد تكون هذه المصالح سياسية. كما يمكن أن تلعب آلات الدعاية السياسية التابعة لبعض الحكومات على اجتزاء الصور والمقاطع ووضعها في سياق كاذب لمحاولة طمس جرائمها.

وظهر ذلك خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، إذ استغلت أداة التضليل الإسرائيلية منشورات عربية تقع في فخ اجتزاء الصور والمقاطع من سياقها، ثم تعيد آلة دعاية الاحتلال نشرها لخدمة لسرديتها.

وفي دراسة سابقة، عمل عليها فريق التعاون من منصات التحقق (مسبار، تحقق، صواب)، عن دور منصات التدقيق خلال الحرب على غزة وجنوبي لبنان، أظهرت النتائج تعقيد مشكلة التضليل الإعلامي والأساليب المستخدمة في نشره. وشملت الدراسة مجموعة من الأساليب التي يعتمدها المضللون عليها، مثل التلاعب بالعواطف، إخفاء الحقائق، والتأثير على الرأي العام. 

وتُعد دوافع التضليل عنصرًا أساسًا لفهم كيفية استخدام المعلومات المضللة لتحقيق أهداف محددة، سواء كانت سياسية، نفسية، أو اجتماعية. وانطلاقًا من هذا، تناولت الدراسة هذه الدوافع بعمق، محللة تأثيراتها على الرأي العام واتخاذ القرارات، وتوصلت نتائج التحليل، أن التلاعب بالعواطف كان في المقدمة، يليه إخفاء الحقائق، ثم التأثير على الرأي العام، إلى جانب دوافع أخرى.

وكشفت الدراسة أن إخفاء الحقائق كان من أبرز التكتيكات التي يعتمد عليها مروجو المعلومات المضللة، إذ يمثل 21 في المئة من أساليب التضليل. ويعتمد هذا التكتيك على إخفاء أجزاء مهمة من الحقيقة أو تقديم معلومات مجتزأة بهدف تشكيل رواية تخدم مصالح الجهات المروجة، إذ يتم استغلال قلة وعي الجمهور أو تحيزاتهم من خلال هذا الأسلوب، ما يسهم في نشر تصورات مغلوطة عن الواقع.

اقرأ/ي أيضًا

دراسة تكشف ضعف القدرة على اكتشاف التزييف العميق وتزايد التهديدات الرقمية

التأثير السلبي لانتشار المعلومات المضللة في مواقع التواصل على الأطفال