تسلّم سوريا أموالًا من روسيا: بين الادعاءات والتوضيحات الرسمية
تداولت مواقع إلكترونية وحسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، خبرًا عن وصول مبالغ ضخمة من روسيا إلى سوريا عبر مطار دمشق الدولي. ووفقًا لهذه الحسابات، يُقدّر المبلغ بنحو 60 تريليون ليرة سورية من فئة 5 آلاف ليرة، أي ما يعادل خمسة مليارات دولار.
في السياق ذاته، أشارت حسابات أخرى إلى أن تقارير نُشرت مؤخرًا، كشفت تفاصيل مثيرة تتعلق بأموال ضخمة هرّبها الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد إلى روسيا قبل فراره من البلاد. ووفقًا لهذه التقارير، فإنّ النظام السوري أرسل عام 2019 وحده نحو 21 طائرة محمّلة بالنقد إلى موسكو، تضمنت قرابة طنين من اليورو و250 مليون دولار نقدًا. وقد دفع هذا الأمر، بحسب الروايات المتداولة، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى التدخل شخصيًا وإصدار قرار يقضي بإعادة 500 مليار ليرة سورية إلى دمشق، في خطوة أثارت تساؤلات حول مصير هذه الأموال وتداعياتها على الاقتصاد السوري في ظل الأزمة الحالية.
ما صحة الأرقام المتداولة بخصوص المبلغ الواصل من روسيا إلى سوريا؟
في أعقاب انتشار معلومات متضاربة حول المبلغ الذي وصل من روسيا إلى سوريا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صرّح المكتب الإعلامي في مصرف سوريا المركزي، في 14 فبراير/شباط الجاري، لوكالة الأنباء السورية (سانا)، عن وصول مبالغ مالية من فئة الليرة السورية إلى سوريا قادمة من روسيا عبر مطار دمشق الدولي.
وأكد المكتب الإعلامي أنّ "الأرقام المتداولة بشأن حجم وكميات هذه الأموال غير دقيقة بالمرة"، مشيرًا إلى أهمية "الاعتماد على المعلومات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية في المصرف المركزي، والابتعاد عن تداول الشائعات والمعلومات غير الموثوقة".
من جانبها، نقلت وكالة رويترز عن مصدر مطلع قوله إنّ المبلغ الذي طُبع في روسيا يقدّر بـ"مئات المليارات من الليرة السورية"، ما يعادل عشرات الملايين من الدولارات الأميركية. وأوضح المصدر أنّ النقود طُبعت في روسيا خلال فترة حكم الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، لكنها لم تُشحن إلى سوريا قبل عملية "ردع العدوان".
وأضاف المصدر أنّ الإدارة السورية الجديدة أمرت الشركة الروسية المسؤولة عن الطباعة بوقف إنتاج العملة بعد فرار الأسد إلى موسكو، دون تقديم تفاصيل عن سبب تسليم النقود المطبوعة سابقًا في 14 فبراير الجاري.

وثيقة مسرّبة من المصرف المركزي السوري
كذلك، تداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة لوثيقة، قالوا إنها مسربة من مصرف سوريا المركزي، موجهة إلى مطار دمشق الدولي، وتتضمن تعهدًا بتسديد رسوم هبوط طائرة وخدمات الطيران المدني والخدمات الأرضية.
وفقًا للوثيقة المتداولة، فإن الشحنة المتوقعة تضم أموالًا من المتوقع وصولها عبر طائرة قادمة من روسيا إلى مطار دمشق الدولي بتاريخ 14 شباط، مع التزام المصرف المركزي بتغطية تكاليف الخدمات المرتبطة بها. كما حملت الوثيقة توقيع حاكمة مصرف سوريا المركزي المكلفة بتسيير الأعمال، ميساء صابرين.
من جانب آخر، شككت بعض الحسابات في صحة الوثيقة المتداولة، التي تم تسريبها بالتزامن مع الأنباء حول وصول شحنة مالية ضخمة من روسيا إلى سوريا. في هذا السياق، أكّد مصدر في مصرف سوريا المركزي، في تصريح لموقع "صوت العاصمة"، صحة الوثيقة المسربة، موضحًا أنها تحمل توقيع وخاتم حاكم المصرف المركزي السوري.
وأشار المصدر إلى أنّ "المبلغ الذي تم نقله من روسيا إلى سوريا يبلغ 300 مليار ليرة سورية فقط"، نافيًا صحة الادعاءات التي تتحدث عن تحويل تريليونات الدولارات. مضيفًا أنّ هذه الأموال تعود إلى سوريا والشعب السوري، وهي جزء من عقد موقّع بين النظام السابق وروسيا، وكان من المفترض أن تصل قبل مطلع عام 2025، إلا أنّ التطورات السياسية الأخيرة أدت إلى تأخير وصولها.
كما كشف المصدر أنّ العقد ينص على دفعة إضافية سيتم إرسالها في وقت لاحق، وقد تكون بقيمة أكبر من الدفعة الحالية. وأوضح أنّ النظام السابق كان يموّل طباعة العملة السورية في روسيا عبر دفع تكاليفها بالعملة الصعبة مباشرة من خزينة القصر الرئاسي، دون أي تدخل من المصرف المركزي.
من جهة أخرى، كشف مصدر خاص لموقع "تلفزيون سوريا" عن تفاصيل اتفاقية موقّعة بين سوريا وروسيا منذ عام 2009، تتعلق بطباعة العملة السورية في روسيا. وأكد المصدر أنّ أول دفعة من الليرة السورية المطبوعة حديثًا وصلت إلى البنك المركزي السوري قبل نحو أسبوع، وذلك بعد فترة طويلة من شح السيولة النقدية في السوق المحلية.
فاينانشيال تايمز: الأسد نقل 250 مليون دولار من المصرف المركزي إلى موسكو
كشفت صحيفة فاينانشيال تايمز في ديسمبر/كانون الأول 2024، أنّ نظام الأسد أرسل نحو 250 مليون دولار نقدًا إلى روسيا بين عامي 2018 و2019، في الوقت الذي كانت فيه عائلته تشتري أصولًا بشكل سري في موسكو. وأوضحت الصحيفة أنّ هذه الأموال نُقلت عبر 21 رحلة جوية بين مارس/آذار 2018 وسبتمبر/أيلول 2019.
ووفقًا لتحليل سجلات مصرفية اطّلعت عليها الصحيفة، فإنّ النظام السابق، الذي كان يعاني من نقص حاد في العملات الأجنبية، نقل أوراقًا نقدية تزن نحو طنين من فئتي 100 دولار و500 يورو إلى مطار فنوكوفو في موسكو، إذ تم إيداعها في بنوك روسية خاضعة للعقوبات الغربية.
وأوضحت الصحيفة أنّ هذه التحويلات غير الاعتيادية جاءت في سياق اعتماد دمشق المتزايد على الدعم العسكري الروسي، بما في ذلك مشاركة عناصر مجموعة "فاغنر"، بالتزامن مع استثمارات عقارية سرية لعائلة الأسد في روسيا.
كما نقلت الصحيفة عن مصدر مطلع على بيانات مصرف سوريا المركزي، أنّ احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي كانت "معدومة تقريبًا" بحلول عام 2018، ما أجبر النظام على إرسال المدفوعات نقدًا. موضحًا أنّ الأموال كانت تستخدم لشراء القمح من روسيا، ودفع تكاليف طباعة العملة السورية، إلى جانب النفقات الدفاعية. مشيرًا إلى أنّ البنك المركزي السوري كان يسدد المدفوعات "وفقًا لما هو متاح"، مؤكدًا أنّ العقوبات الدولية فرضت على دمشق التعامل نقدًا بدلًا من اللجوء إلى المعاملات المالية الرسمية.
وأظهرت السجلات التجارية الروسية، وفقًا لشركة "Import Genius" المتخصصة في بيانات الاستيراد، أنّ البنك المركزي التابع للنظام السوري أرسل في 13 مايو/أيار 2019 شحنة نقدية بقيمة 10 ملايين دولار، تم نقلها إلى موسكو عبر مطار فنوكوفو. وفي فبراير من العام نفسه، تم إرسال 20 مليون يورو إضافية.
وبحسب البيانات، فإنّ هذه الأموال نُقلت عبر 21 رحلة جوية بين مارس 2018 وسبتمبر 2019، بقيمة إجمالية تجاوزت 250 مليون دولار. كما أظهرت السجلات أنّ مثل هذه التحويلات النقدية بين البنك المركزي السوري والبنوك الروسية لم تكن تحدث قبل عام 2018.
ووفقًا للصحيفة، فإن الأموال التي أرسلها النظام السوري تم استلامها من قبل بنك "RFK" الروسي، الخاضع لسيطرة شركة الأسلحة الحكومية "Rosoboronexport". كما نقلت السجلات أنّ البنك المركزي السوري حوّل أيضًا في مارس 2018 مليوني دولار إلى بنك "TsMR" الروسي، وهو بنك آخر تعرض لعقوبات أميركية بسبب تعاونه مع النظام السابق.
سعر الليرة السورية أمام الدولار الأميركي
تراجعت الليرة السورية أمام الدولار الأميركي في السوق الموازية، إذ تجاوز سعر الصرف أمس حاجز 11 ألف ليرة سورية لكل دولار، وفقًا لما أظهرته بيانات موقع "الليرة اليوم".
وبحسب المصدر، بلغ سعر صرف الدولار في سوق دمشق نحو 11,100 ليرة للشراء و11,300 ليرة للبيع، في وقت ما يزال فيه السعر الرسمي في نشرات المصرف المركزي يقارب 13 ألف ليرة للدولار، بعد أن كان عند مستويات 15 ألف ليرة قبيل سقوط النظام في ديسمبر الفائت.
ما تأثير وصول مبالغ مالية من روسيا على الليرة السورية؟
في سياق التأثيرات الاقتصادية، أوضح مدير مركز حرمون للدراسات الاستراتيجية، المستشار والخبير الاقتصادي سمير سعيفان لصحيفة القدس العربي، أنّ ضخ 300 مليار ليرة سورية، قد يكون له أثر إيجابي محدود على الاقتصاد المحلي، نظرًا لكون المبلغ صغيرًا مقارنة بحجم الاقتصاد السوري، رغم معاناته من شح السيولة النقدية.
وأشار سعيفان إلى أنّ زيادة الكتلة النقدية في السوق قد تساعد في تحريك عجلة الاقتصاد مؤقتًا، إلا أن تأثيرها سيعتمد على التوازن بين العرض والطلب على الليرة السورية. فإذا تجاوزت النقود المتداولة الحاجة الفعلية للسوق، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من التراجع في قيمة الليرة وارتفاع إضافي في سعر الدولار.
كما أوضح أنّ التأثيرات الأولية لضخ هذه الأموال قد تكون سلبية على الليرة السورية، لكنها قد تتحسن لاحقًا في حال حدوث انتعاش اقتصادي وزيادة المبادلات التجارية، ما قد يساعد في استقرار العملة المحلية.
تأثير غياب المصادر الرسمية على انتشار المعلومات المضللة
غالبًا ما يؤدي غياب المصادر الرسمية إلى انتشار المعلومات المضللة على نطاق واسع، خاصة في ظل انتشار الأخبار المتداولة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. عندما تكون المعلومات غير موثوقة أو غير مؤكدة، يصبح من السهل على الأفراد نشرها بسرعة، ما يعزز تأثيرها بين الجمهور خاصة في الأزمات السياسية أو الاقتصادية.
علاوة على ذلك، يُعزز غياب المعلومات الرسمية من حالة الارتباك بين الجمهور ويزيد من تدهور الثقة في المؤسسات الحكومية. عندما يتداول الأفراد معلومات غير مؤكدة، يصبح من الصعب تحديد الحقيقة وسط هذه الفوضى. بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب التوضيحات الرسمية يفتح الباب لتفسير الأخبار بشكل مغلوط أو جزئي، مما يؤدي إلى تشكيل تصورات خاطئة حول القضايا الحالية. ومن أجل الحد من انتشار هذه المعلومات، من الضروري أن تعتمد المجتمعات على المصادر الرسمية التي تضمن دقة المعلومات وتساعد في إعادة الثقة إلى الجمهور.
اقرأ/ي أيضًا
غياب المصادر الرسمية في سوريا يزيد فوضى المعلومات بعد سقوط نظام الأسد
فوضى المعلومات بعد سقوط الأسد: من آثار التعتيم ومنع النظام للإعلام المستقل