المغرب والجزائر: استقطاب سياسي يغذي انتشار المعلومات المضللة
تشهد العلاقات بين المغرب والجزائر توترًا مستمرًا منذ عقود، نتيجة قضايا عدة، أبرزها نزاع الصحراء الغربية والخلافات الحدودية. أدت إلى إعلان الجزائر قرارها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب عام 2021.
في هذا الصدد، يتلقى "مسبار" يوميًا العديد من الاستفسارات من متابعينه حول الادّعاءات المتداولة على حسابات مغربية وجزائرية، إذ أصبحت الشائعات المتبادلة بين مستخدمين من الجانبين جزءًا يوميًا من المشهد الإعلامي. فمع كل حدث يؤثر في العلاقات الثنائية، تنتشر موجات من الادّعاءات المضللة والزائفة التي تثير الجدل، ما يدفع الجمهور للبحث عن الحقيقة وسط تدفق مستمر من المعلومات المتضاربة.
وتتنوع هذه الادّعاءات بين مزاعم سياسية تتعلق بالخلافات الدبلوماسية بين البلدين، وادّعاءات اقتصادية مضللة تتعلق بالأوضاع الداخلية لكل بلد، إضافة إلى الاتهامات المتبادلة بشأن القضايا الإقليمية، مثل ملف الصحراء الغربية، الذي يُعدّ من المواضيع الأكثر حساسية في العلاقات المغربية الجزائرية.
كما تلعب الرياضة دورًا لافتً في تأجيج هذا التراشق الإعلامي، إذ تنتشر الأخبار المضللة على منصات التواصل الاجتماعي خلال البطولات الرياضية، بهدف تشويه صورة المنافس أو التأثير على معنويات الجمهور.
في هذا المقال، يستعرض مسبار أبرز الادّعاءات المضللة التي تبادلتها حسابات جزائرية ومغربية في الآونة الأخيرة، ويسلط الضوء على الأبعاد السياسية لتلك الادعاءات ودورها في تصعيد التوترات بين البلدين.
تبادل للشائعات: من وفاة الملك إلى وفاة الرئيس
في الأيام الأخيرة، شهدنا مثالًا واضحًا لهذا التراشق الإعلامي بين البلدين، إذ نشرت مواقع إلكترونية وحسابات جزائرية على مواقع التواصل الاجتماعي، مساء السبت 16 فبراير/شباط الجاري، خبرًا على شكل تصميم لصحيفة "هسبريس" المغربية، يفيد بأنّ الديوان الملكي المغربي أعلن وفاة ملك المغرب محمد السادس إثر جلطة دماغية.
انتشر الخبر تحت عشرات الوسوم المختلفة على موقع إكس، من بينها "#محمد_السادس_في_ذمة_الله"، "#وفاة_محمد_السادس"، و"#محمد_السادس"، ما ساهم في تعزيز انتشار الشائعة على نطاق واسع.
وبالتزامن مع ذلك، شهد محرك البحث "غوغل" ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات البحث عن اسم ملك المغرب، ما أشار إلى تزايد الاهتمام بصحة الادعاء. وفي هذا السياق، قدّر فيسبوك أنّ اسم الملك محمد السادس تم تداوله أكثر من 77 ألف مرة خلال الساعات الثلاث الأولى من انتشار الشائعة.
وادّعت بعض الحسابات الجزائرية أنّ صحيفة هسبريس نشرت خبر الوفاة ثم حذفته بعد خمس دقائق. في المقابل، اتهم العديد من المستخدمين المغاربة جهات جزائرية بالوقوف وراء نشر هذه الشائعة بهدف إثارة البلبلة.
من جانبها، نفت هسبريس عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي صحة الخبر المنسوب إليها، وذلك بعد ساعات من انتشاره. وأكدت أنّ محاولات الزج بها في نشر أخبار زائفة ما تزال مستمرة عبر استغلال هويتها البصرية.
وأوضحت الصحيفة أنّ هذه الادعاءات تأتي ضمن "مسلسل عبثي" يستهدف مؤسسة دستورية في المغرب، مشددة على أنّ محتواها الرسمي متاح فحسب عبر صفحاتها الرسمية بروابط واضحة.
لم تقتصر حملة الشائعة الأخيرة على ادّعاء وفاة الملك محمد السادس فحسب، بل سرعان ما انتقل التراشق الإعلامي إلى الجانب الجزائري.
إذ نشرت حسابات وصفحات مغربية، في اليوم التالي، خبرًا زائفًا على شكل تصاميم منسوبة إلى قنوات إخبارية جزائرية، تزعم وفاة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إثر أزمة قلبية مفاجئة بعد عودته من إثيوبيا. كما أشارت بعض الحسابات الأخرى إلى أنّ سبب وفاته يعود إلى جرعة زائدة من الكوكايين.
جاءت هذه المزاعم كرد فعل مباشر على الادّعاءات التي استهدفت ملك المغرب، ما أدى إلى تصاعد موجة جديدة من المعلومات المضللة التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي. وكما حدث في حالة الملك محمد السادس، انتشر الخبر الزائف على نطاق واسع عبر مواقع التواصل، مرفقًا بعشرات الوسوم المختلفة.
كما نشرت بعض الحسابات المغربية، صورة ادّعت أنها لإعلان صادر عن الديوان الجمهوري الجزائري يعلن فيه وفاة الرئيس عبد المجيد تبون. وجاء في البيان المزعوم "تقرر إعلان الحداد الوطني لمدة أربعة أيام، مع تنكيس الأعلام في جميع المؤسسات الرسمية داخل الوطن، وكذلك في السفارات والقنصليات الجزائرية في الخارج، وفاءً لروح الفقيد وتقديرًا لمسيرته في خدمة الوطن. كما سيتم تنظيم مراسم جنازة رسمية يشارك فيها كبار المسؤولين في الدولة، إلى جانب شخصيات وطنية ودولية".
مشاهد مفبركة للرئيس تبون وللملك محمد السادس
في إطار تبادل المعلومات المضللة بين المغرب والجزائر، تنشر العديد من الحسابات المغربية والجزائرية صورًا مفبركة وغير لائقة للرئيس تبون وللملك محمد السادس، بهدف تشويه صورتهما وإثارة الجدل حولهما.
ومن أبرز تلك المشاهد التي انتشرت على نطاق واسع، مقطع فيديو يُظهر تبون وهو يبدو في حالة سُكر، وأمامه طاولة تحتوي على مشروبات كحولية.
لكن، تحقق لمسبار كشف أنّ الادعاء زائف، إذ تبيّن أنّ الفيديو تم التلاعب به عبر إضافة صور المشروبات الكحولية، إلى جانب تعديل الصوت في المشهد الأصلي لتضليل المشاهدين.
كما نشر مستخدمون صورة ادّعوا أنها تُظهر الرئيس تبون وهو يحمل كوب نبيذ. إلا أنّ مسبار تحقق من الصورة ووجد أنّها زائفة، ولا تُظهر تبون ممسكًا بكوب نبيذ كما زُعم.
وتعود الصورة الأصلية إلى حوار صحفي أجراه الرئيس الجزائري مع مجلة لوبوان الفرنسية في يونيو/حزيران 2021، حيث تحدث عن الوضع الداخلي في الجزائر وعدد من الملفات الإقليمية، من بينها ملف الصحراء الغربية.
في سياق مشابه، تداولت حسابات جزائرية، صورة زُعم أنها تُظهر ملك المغرب عند حائط البراق في القدس المحتلة برفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إلا أنه بالتحقق من الصورة، تبيّن أنها زائفة، إذ تُظهر الصورة الأصلية وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو إلى جانب نتنياهو عند حائط البراق عام 2019.
كذلك، تداولت صفحات جزائرية صورة، ادّعت أنها لملك المغرب في حانة في بلجيكا. إلا أنه بالتحقق منها، تبيّن أنها مفبركة، إذ التُقطت الصورة الأصلية في متجر "VHS Paris" للقطع الإلكترونية في باريس عام 2019.
إنّ انتشار الصور ومقاطع الفيديو المفبركة في سياق التراشق بين المغرب والجزائر، يعكس خطورة التضليل في تأثيره على العلاقات بين الشعوب. قد تزيد هذه الحروب الرقمية من تعميق الخلاف بين البلدين ويخلق أجواء من التوتر والعداء.
تبادل الشائعات الرياضية بين المغرب والجزائر
لطالما كانت المنافسات الرياضية بين المغرب والجزائر ساحة لتبادل الادّعاءات المضللة، إذ لعبت الشائعات الرياضية دورًا في تأجيج التوترات بين الجماهير وزيادة حدة الخلافات بين البلدين. وغالبًا ما يتم استغلال الأحداث الرياضية لنشر معلومات مضللة وزائفة بهدف التأثير على الرأي العام وإثارة الجدل.
أحدث مثال على ذلك هو الخبر المتداول مؤخرًا عبر حسابات جزائرية، منسوب إلى موقع "فوت أفريكا"، يزعم أنّ هناك احتمال لسحب تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 من المغرب. لكن بالتحقق تبيّن أنه زائف، إذ لم ينشر الموقع أي خبر حول هذا الموضوع.
أكّد موقع "فوت أفريكا" عبر منشور على فيسبوك أنه لم ينشر أيّ مقال يتعلق بسحب تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 من المغرب، مشيرًا إلى أنّ "بعض وسائل الإعلام المغرضة تروّج معلومات زائفة". كما أكّدت الصحفية "ليديان نبو"، التي زُعم أنها كتبت المقال، أنّ المقال المذكور غير موجود على الإطلاق، واصفة إياه "بالتلاعب الإعلامي".
كما نشرت صفحات جزائرية أخرى أمس، مقطع فيديو ادعت أنه يعود لتغطية قناة "فرانس 24" لخبر سحب تنظيم كأس أمم أفريقيا 2025 من المغرب بسبب عدم جاهزيته. لكن بالتحقق، تبيّن أنه زائف.
يعود الفيديو الأصلي إلى تغطية قناة "فرانس 24" للقرعة النهائية لكأس أمم أفريقيا 2025، التي نُشرت على يوتيوب في 28 يناير/كانون الثاني الفائت، بعنوان "كأس الأمم الأفريقية 2025: القرعة النهائية".
هذه الأمثلة ما هي إلا جزء من نمط متكرر، إذ تتحول المنافسات الرياضية بين البلدين إلى ساحة لتبادل الشائعات والادعاءات المضللة. وخلال افتتاح بطولة كأس أمم أفريقيا للاعبين المحليين 2022 "الشان" في الجزائر عام 2023، انتشرت العديد من الادعاءات المضللة من قِبل حسابات مغربية حول الجزائر، وقد فنّدها مسبار في العديد من المواد التي يمكن الاطلاع عليها في هذا المقال.
تقرير: التوتر بين المغرب والجزائر يمتد إلى "حرب معلومات" على الإنترنت
حذّر تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، صدر في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، من أنّ الضغوط المتصاعدة في الأزمة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر قد تؤدي تأجيج سباق التسلح الثنائي، وانتشار المعلومات المضللة، وتصاعد العداء على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ باتت المنصات الرقمية ميدانًا للمواجهة بين مستخدمين مغاربة وجزائريين، يتبادلون الاتهامات والمعلومات المضللة، ما يعمّق الخلاف بين البلدين.
وأشار التقرير إلى ظهور شبكة من الحسابات المغربية تُعرف باسم "Moorish" عام 2017، التي تروّج لمواقف يمينية متطرفة وتستهدف الصحفيين المستقلين، النسويات، والناشطين اليساريين. كما تُعظّم هذه الحسابات أحيانًا العنف ضد جبهة البوليساريو والجزائر.
وفي المقابل، انتشرت في الجزائر حسابات معادية تُعرف باسم "Dzoorish"، وهي تردّ على Moorish" بنشر صور ومنشورات هجومية ومعلومات مضللة ضد المغرب، ما أدى إلى سباق تسلّح رقمي بين الجانبين، بحسب وصف التقرير.
وفي فبراير/شباط 2021، أعلنت شركة ميتا عن حذف 385 حسابًا على فيسبوك وست صفحات، و40 حسابًا على انستغرام بعد انتهاكها سياسة الشركة الخاصة بـ "السلوك غير الأصيل المنسق"، مؤكدة أنّ الشبكة نشأت في المغرب وركزت على استهداف الجمهور المحلي.
ووفقًا لميتا، اعتمد المشرفون على الشبكة حسابات مزيفة لنشر المحتوى عبر مجموعات متعددة، ما أدى إلى زيادة ظهور المنشورات بشكل مصطنع. وتنوع المحتوى المنشور بين المحتوى الساخر والمقالات المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية، والتي تناولت قضايا محليّة مختلفة.
الشائعات تعمق الخلافات بين الشعبين المغربي والجزائري
يشير خبراء إلى أنّ الخلافات بين البلدين قديمة، إلا أنّ الظاهرة الجديدة المتعلقة بانتشار الشائعات والأخبار المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تشكل تهديدًا خطيرًا، إذ تلعب هذه الأخبار دورًا عميقًا في تسميم الحوار بين الشعبين، ما يعزز لغة الكراهية والعنصرية. ويرى الخبراء أنّ "غالبية الشعبين طالما حافظا على علاقات طيبة تتجاوز الخلافات السياسية، لكن هذه الأخبار تساهم في تقويض هذه الروابط".
ويؤكّد العديد من الخبراء أنّ هذه المنشورات "تساهم في نقل الخلافات من المستوى السياسي بين الحكومات إلى المستوى الشعبي، مؤسسة بذلك لخطاب جديد مغاير لثقافة التسامح والتعايش التي ميزت العلاقات بين الشعبين رغم الخلافات الحادة في فترات زمنية سابقة".
من جانب آخر، أعرب العديد من الحقوقيين عن قلقهم مما يحدث، مشيرين إلى أنّ حجم الخلافات بين الشعبين لم يصل إلى هذا المستوى من قبل، رغم الأزمات السياسية المتتالية التي مرت بها علاقات البلدين. مؤكّدين أنّ "المناوشات لم تعدّ تقتصر على النظامين، بل انتقلت إلى جزء كبير من الشعبين، حيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة للملاسنات وتبادل الشتائم ونشر الإشاعات والإشاعات المضادة".
في السياق ذاته، يقول الخبراء إنّ الحملات الإلكترونية المنظمة، تعتمد على استخدام روبوتات إلكترونية، ويُحتمل أنّ تكون قد تم تعزيزها مؤخرًا بتقنيات الذكاء الاصطناعي. مضيفين أنّ نطاق هذه الحملات قد اتسع ليشمل مجموعة واسعة من الفئات المجتمعية، إذ شملت صانعي المحتوى وناشطي منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى قطاعات الرياضة، الجامعات والفن. وقد تم استغلال هذه المجالات في نشر خطاب عداء وكراهية، مما ساهم في التأثير على الرأي العام على مختلف الأصعدة.
اقرأ/ي أيضًا
الصورة مفبركة وليست لملك المغرب وهو يقرأ التوراة في معبد يهودي