جروك: هل ستؤدي جهود ماسك إلى ثورة في الذكاء الاصطناعي أم إلى موجة من التحيز والتضليل؟

في ظل تزايد تأثير الذكاء الاصطناعي على تشكيل الرأي العام، يثير نموذج الذكاء الاصطناعي (Grok) من شركة xAI جدلًا واسعًا حول مدى تحيّزه السياسي وتعاطيه مع المعلومات المضللة. فقد كشفت اختبارات أجرتها منظمة (Global Witness) ومنصة (Business Insider) الأميركية، عن ميله إلى تعزيز نظريات المؤامرة وتقديم محتوى سياسي موجّه، مما يطرح تساؤلات حول الحياد الزائف في تصميمه.

اختبار تعامل جروك مع المعلومات المضللة والتحيز السياسي

في الاختبارات التي أجرتها منظمة Global Witness، قدّم Grok إجابات تضمنت نظريات مؤامرة دون أن يُطلب منه ذلك، من بينها الادعاء بتزوير انتخابات عام 2020، والزعم بأنّ وكالة المخابرات المركزية (CIA) اغتالت الرئيس الأميركي جون إف كينيدي. 

وعلى الرغم من إظهاره دعمًا إيجابيًا لكامالا هاريس بوصفها شخصية بارزة، فإنه في الوقت ذاته كرّر أو ابتكر عبارات ذات طابع عنصري عنها، مما كشف عن تناقضات في أسلوب تعامله مع الشخصيات السياسية. بالإضافة إلى ذلك، عند الطلب منه إنشاء منشورات جذابة على موقع إكس، قدّم في بعض الحالات محتوى منحازًا سياسيًا، حيث عبّر ضمنيًا أو بشكل مباشر عن تأييده لحزب سياسي أو إدارة معينة.

هل يعكس نموذج جروك تحيزًا سياسيًا في معالجته للمعلومات؟

وفقًا لتحقيق أجرته Business Insider، تم تدريب Grok بطريقة تهدف إلى تجنّب ما تعتبره الشركة "الأفكار المستيقظة" (wokeness) و"الإملاءات الثقافية". وتكشف الوثائق التدريبية التي حصل عليها الموقع أنّ المدربين داخل xAI يُطلب منهم ضبط النموذج ليكون متحررًا مما يرونه انحيازًا ليبراليًا، إلا أنّ النتيجة كانت تحيزًا من الجهة الأخرى. فقد تبيّن أنّ Grok يميل إلى تقديم وجهات نظر يمينية بشكل واضح، خاصة فيما يتعلق بالسياسة والهجرة.

نشر المعلومات المضللة و نظريات المؤامرة

أحد أخطر الجوانب في نهج xAI هو توجيه Grok ليكون أكثر انفتاحًا على الأفكار غير المُثبة علميًا، بما في ذلك نظريات المؤامرة. ففي فبراير/شباط الفائت، أضافت الشركة ميزة صوتية جديدة تحت اسم "المؤامرة"، تشجع المستخدمين على مناقشة مواضيع مثل "تزوير الهبوط على القمر" أو "التحكم الحكومي في الطقس".

في هذا السياق، حذّر خبراء الذكاء الاصطناعي من أنّ تقديم مثل هذه النظريات دون نقد علمي قد يسهم في تعزيز المعلومات المضللة وانتشارها بين المستخدمين. ويعتقد برنت ميتلستادت، الباحث في معهد أكسفورد للإنترنت، أنّ Grok هو "أول نموذج ذكاء اصطناعي واسع الانتشار يتم التلاعب به عمدًا ليصبح متحيزًا أيديولوجيًّا".

الشفافية مقابل حجب البيانات

بينما أشاد بعض الباحثين بشفافية إيلون ماسك بشأن توجيهات xAI التدريبية، تعرّض لانتقادات حادة بسبب سياسته تجاه البيانات على إكس. فمنذ استحواذه على المنصة عام 2022، أصبحت مغلقة أمام الباحثين، مما أثار مخاوف لدى المنظمات الحقوقية والأكاديمية.

تخوض منظمة (Democracy Reporting International)، بالتعاون مع (Gesellschaft für Freiheitsrechte)، حاليًا، معركة قانونية ضد إكس، بسبب رفضها تقديم بيانات تتعلق بالحملة الانتخابية في ألمانيا. هذا النزاع يثير تساؤلات حول مدى التزام ماسك بالشفافية، خصوصًا فيما يتعلق باستخدام البيانات في الذكاء الاصطناعي.

تحليل استجابة جروك: حياد زائف أم تحيّز مقصود؟

عند توجيه سؤال مباشر إلى جروك: "هل يُعتبر إيلون ماسك من الشخصيات البارزة في نشر المحتوى المضلل؟"، كانت إجابته النحو التالي: "من المهم التفريق بين نشر معلومات مضللة عن عمد وبين التعبير عن آراء شخصية أو توقعات قد تكون غير صحيحة. في كثير من الحالات، قد يكون ماسك يعبر عن رأيه الشخصي أو يشارك توقعاته بناءً على معلوماته الخاصة، دون نية مباشرة لنشر معلومات مضللة. لكن، بسبب نفوذه الكبير، قد تُفسر تصريحاته على أنها حقائق، مما يزيد من احتمال انتشار المعلومات المضللة".

تعكس إجابة Grok نهجًا دبلوماسيًا حذرًا، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن تحيز ضمني في طريقة معالجة القضايا المرتبطة بمؤسس الشركة المطورة له، xAI. فبينما تبدو الإجابة متوازنة ظاهريًا، إلا أنها تتجنب توجيه أي اتهام مباشر أو انتقاد صريح لماسك، حتى عندما تشير الأدلة إلى أنّ بعض منشوراته على إكس تضمنت معلومات مضللة.

الفصل بين "الرأي الشخصي" و"المعلومات المضللة"

يبدأ Grok بالتأكيد على ضرورة التفريق بين "نشر معلومات مضللة عن عمد" و"التعبير عن آراء شخصية أو توقعات غير دقيقة"، مما يخلق منطقة رمادية تجعل من الصعب الجزم بأنّ ماسك يساهم في نشر معلومات مضللة، حتى وإن كان ذلك غير مقصود.

تُستخدم هذه الصياغة غالبًا لتخفيف حدة الاتهامات ضد الشخصيات المؤثرة، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان النموذج يطبق نفس المعايير على شخصيات أخرى أم أنّ ماسك يحظى بمعاملة استثنائية.

الاعتراف الضمني بتأثير ماسك دون تحميله مسؤولية مباشرة

رغم أنّ Grok يعترف بأن نفوذ ماسك الكبير يجعل تصريحاته تُفسر على أنها حقائق، إلا أنه لا يذهب أبعد من ذلك ليقر بأن هذا قد يكون مصدرًا فعليًا للمعلومات المضللة.

بدلًا من تحميل ماسك مسؤولية تصريحاته، يركز النموذج على كيفية إدراك الآخرين لكلامه، وكأن المشكلة تكمن في تفسير الجمهور وليس في طبيعة المعلومات نفسها.

كيف يؤثر نهج جروك على المستخدمين؟

تمثل قرارات تصميم Grok خطوة خطيرة في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث تضع حرية التعبير في مواجهة الحقيقة العلمية. فعلى الرغم من أن بعض المستخدمين قد يفضلون نموذجًا غير مقيد بـ"التصحيح السياسي"، إلا أن تقديم معلومات خاطئة أو متحيّزة يمكن أن يؤدي إلى تشويه فهم الجمهور للقضايا المعقدة. 

تعزيز الانحياز الأيديولوجي

يعكس التوجه السياسي لصانعيه، مما قد يؤثر على المستخدمين عبر تقديم منظور محدد دون تحقيق الحياد الكامل. قد يجذب جمهورًا يتماشى مع هذه الأيديولوجيات، لكنه ينفر المستخدمين ذوي الآراء المختلفة.

التأثير على تشكيل الآراء

نظرًا لتوجيهه نحو مقاومة "الاستيقاظ" والتركيز على حرية التعبير، قد يروّج لروايات معينة بينما يقلل من أهمية أخرى، فقد يدفع المستخدمين لتبني مواقف أكثر تشككًا في القضايا الاجتماعية والسياسية السائدة.

تشجيع قبول نظريات المؤامرة

إدراج وضع "المؤامرة" في المحادثات قد يعزز مناقشة نظريات غير مثبتة، مما يؤثر على طريقة فهم المستخدمين للواقع، والذي بدوره قد يؤدي إلى نشر معلومات مضللة إذا لم يتم التعامل معها بحذر وموضوعية.

تأثير نفسي ومعرفي

يمكن أنّ يؤدي إلى تعزيز المشاعر المعادية تجاه فئات أو أفكار معينة، مما قد يكرّس الاستقطاب الاجتماعي، وقد يجعل المستخدمين أكثر ميلًا لرفض المعلومات التي لا تتوافق مع توجهات Grok، مما يحد من تنوع مصادر المعرفة لديهم.

إعادة تشكيل طريقة تفاعل الذكاء الاصطناعي مع القضايا الحساسة

مقارنةً بالأنظمة الأخرى التي تسعى إلى الحفاظ على الحياد أو تجنب القضايا المثيرة للجدل، قد يكون Grok أكثر انفتاحًا على مناقشة المواضيع المحظورة، مما يجذب مستخدمين يبحثون عن "بديل غير مقيد".

في الوقت ذاته، قد يؤدي ذلك إلى مشكلات في الدقة والمسؤولية المعلوماتية، مما قد يقلل من ثقة بعض المستخدمين في إجابات الذكاء الاصطناعي.

اقرأ/ي أيضًا

روبوت ديبانك بوت: أداة جديدة لمكافحة التضليل ونظريات المؤامرة

إيلون ماسك: اتهامات بنشر معلومات مضللة والتأثير على الانتخابات والاستحواذ على تيك توك