كيف ساهمت المعلومات المضللة في تأجيج أحداث الساحل السوري؟
منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، تمر سوريا باضطرابات سياسية وأمنية متزايدة، إذ تولّت حكومة انتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع الحكم في ظل تحديات معقدة، أبرزها إعادة الإعمار والحفاظ على وحدة البلاد.
وفي السادس من مارس/آذار الجاري، شهدت مناطق الساحل السوري تصعيدًا عسكريًا واسع النطاق، مع اندلاع اشتباكات بين فصائل مسلحة مرتبطة بالنظام السابق وقوات الأمن التابعة للسلطات الحالية في محافظتي طرطوس واللاذقية. وأسفرت هذه المواجهات عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، إلى جانب وقوع ضحايا مدنيين، ما عمّق التوترات وأثار مخاوف من امتداد العنف إلى مناطق أخرى.
على وقع هذه التطورات، أعلنت الحكومة الانتقالية عن اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لدمجها ضمن مؤسسات الدولة، بهدف توحيد القوى العسكرية تحت مظلة واحدة. وفي السياق ذاته، أعلنت وزارة الدفاع السورية، يوم الاثنين 10 مارس الجاري، استكمال العملية العسكرية ضد المجموعات المسلحة المتحالفة مع الحكومة السورية في مناطق الساحل، مؤكدةً أنها "حققت أهدافها بالكامل".
لكن التقارير الحقوقية ما تزال تكشف عن انتهاكات واسعة في مناطق الساحل، حيث قُتل مئات المدنيين. إذ وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير أولي صدر أمس الثلاثاء، مقتل 803 أشخاص خارج نطاق القانون بين 6 و10 مارس الجاري.
وفي ظل المعارك الأخيرة، شهدت البلاد تصاعدًا غير مسبوق في وتيرة المعلومات المضللة، التي باتت تُستخدم بشكل واسع لتوجيه الرأي العام وتأجيج التوترات الطائفية والسياسية. وتنوّعت أساليب التضليل بين إعادة تدوير مشاهد قديمة، ونشر أخبار زائفة، وفبركة مقاطع فيديو وتصريحات.
إعادة تدوير المشاهد القديمة وتأثيرها على الرأي العام
يمتد التضليل في النزاعات إلى إعادة تدوير مشاهد قديمة وإسقاطها على سياقات جديدة، خاصة في الأحداث التي تحمل أبعادًا طائفية حساسة. وفي الاشتباكات الأخيرة بالساحل السوري، برز هذا الأسلوب بوصفه الأكثر استخدامًا وتأثيرًا، حيث شكّل أحد الأدوات الرئيسية في التضليل الإعلامي الذي واكب الأحداث. فقد جرى تداول مقاطع فيديو وصور قديمة، بعضها يعود إلى دول أخرى، وإسقاطها على الوقائع الجارية، ما أدى إلى تصعيد التوترات وإثارة العواطف لدى مختلف الأطراف.
إن إعادة نشر مشاهد خارج سياقها لا يهدف فقط إلى تضليل الجمهور بشأن حقيقة ما يجري على الأرض، بل يعزز أيضًا الانقسامات الطائفية ويؤجج مشاعر الغضب والخوف. ترويج مشاهد قديمة على أنها جرائم حديثة بحق طائفة معينة يدفع المتابعين إلى التفاعل بناءً على معلومات مغلوطة، مما يزيد من حالة الاحتقان ويؤثر في الاستجابات المجتمعية والسياسية للأحداث، وفي بيئة متوترة كهذه، يصبح التحقق من المحتوى البصري ضرورة ملحّة لكشف التلاعب بالسرديات الإعلامية ومنع انتشار معلومات غير دقيقة تُفاقم النزاع بدلًا من المساهمة في فهمه.
ما يؤثر أيضًا في عمل وسائل الإعلام ومنصات تدقيق المعلومات، إذ يعقّد جهودهم في تقديم صورة دقيقة للأحداث. انتشار المشاهد المضللة يُحدث تشويشًا في تدفق المعلومات، ما يصعّب على الجمهور التمييز بين الحقيقة والتزييف، ويضعف الثقة في المصادر الإعلامية، ويمنح مروّجي التضليل مساحة أكبر للتلاعب بالسرديات الإعلامية وتوجيه الرأي العام.
ورغم العدد الكبير لمشاهد الانتهاكات والتي تحقق منها مسبار ولم يجد ما يدل على أنها ليست من أحداث الساحل، ونشرها في تقرير منفصل، إلا أن مشاهد عديدة قديمة انتشرت وُنسبت إلى الأحداث الأخيرة.
إحدى الحالات التي شهدت تداول مشاهد قديمة على أنها مرتبطة بأحداث الساحل السوري، تداولت مواقع إلكترونية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، ادّعت أنه يوثّق صلب وإعدام قوات الأمن السورية لمواطن مسيحي خلال الهجمات الأخيرة على منطقة الساحل.
إلا أن تحقّق مسبار كشف أن المشهد قديم، ويعود في الأصل إلى إعدام نفذه جيش الإسلام، التابع لـ"القيادة العامة الموحدة في الغوطة الشرقية"، بحق القيادي في جيش الأمة، ماجد خبية، الملقب بأبو علي خبية، وذلك بإطلاق النار على رأسه في الأول من سبتمبر/أيلول 2015.
وضمن موجة إعادة تداول مشاهد قديمة وربطها بأحداث الساحل السوري، انتشرت مقاطع فيديو مختلفة تستهدف أطرافًا متعددة في النزاع. على سبيل المثال، نشرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو زُعم أنه يُظهر عائلة سنية قُتلت على يد عناصر مسلحة موالية لقوات الأسد في مدينة اللاذقية، بسبب أصولها من إدلب.
لكن تحقّق مسبار كشف أن الادعاء مضلل، إذ تبين أن مقطع الفيديو قديم، وقد سبق تداوله في وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 11 ديسمبر 2024. وأفادت التقارير آنذاك بأنه يوثق لحظة محاولة عشرات العائلات التعرف على أقاربها، عقب تسليم نحو 36 جثة لمعتقلين من سجن صيدنايا إلى مستشفى المجتهد في دمشق.
وبعد انتشار تقارير حقوقية تتحدث عن انتهاكات وجرائم قتل استهدفت مدنيين من عائلات تنتمي إلى الطائفة العلوية في الساحل السوري، أقرّ مسؤولون سوريون بحدوث انتهاكات خلال العملية التي أطلقتها قوى الأمن في المنطقة، والتي قُتل خلالها أكثر من 100 عنصر أمني. وأرجعوا مسؤولية هذه الانتهاكات إلى "حشود غير منظمة من المدنيين والمقاتلين' الذين سعوا إما إلى دعم قوات الأمن أو ارتكاب جرائم وسط فوضى القتال".
تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد زُعم أنها توثّق جرائم ضد العلويين في الساحل السوري. تحقّق مسبار من صحة هذه المشاهد التي نُسبت بشكل مضلل إلى أحداث الساحل، وكشف حقيقتها.
من بين هذه المشاهد، صورة ادّعت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي أنها تُظهر مقتل نساء وأطفال على يد قوات موالية للحكومة السورية، خلال الهجمات الأخيرة على الساحل.
كشف تحقّق مسبار أن الصورة قديمة، إذ نشرتها وسائل إعلام في مايو/أيار 2016، مشيرةً إلى أنها توثّق هجومًا شنه مقاتلون على قرية الزارة قرب مدينة حماة، وأسفر عن مقتل مدنيين، بينهم نساء وأطفال.
كما نشرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، ادّعت أنه يُظهر لحظة قيام عناصر من الإدارة السورية الجديدة بإطلاق النار على عائلة سورية من الطائفة العلوية.
إلا أن تحقّق مسبار كشف أن الفيديو قديم، ويعود إلى لبنان. وقد نُشر في 27 يناير/كانون الثاني من العام الجاري عبر وسائل إعلامية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي. وأفادت هذه المصادر بأنه يوثّق إطلاق جنود إسرائيليين النار على سيارة عائلة لبنانية دخلت بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان لتفقد منزلها، ما أدى إلى مقتل الأب أمام أطفاله.
تصريحات مولّدة بالذكاء الاصطناعي وتأثيرها على أحداث الساحل السوري
مع تصاعد الاشتباكات في الساحل السوري بين عناصر تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية من جهة، ومسلحين موالين للنظام السابق من جهة أخرى، برزت خلال هذه المرحلة أدوات تضليل أكثر تطورًا، تمثّلت في نشر تصريحات مفبركة مولّدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، نُسبت إلى مسؤولين وسياسيين بهدف إعادة تشكيل السرديات السياسية وتعزيز الانقسام حول ما يجري على الأرض.
وباتت هذه التقنيات قادرة على إنتاج مقاطع عالية الدقة، ما يجعل كشف التزييف أكثر تعقيدًا، خصوصًا مع انتشار المقاطع عبر منصات إعلامية وحسابات مؤثرة دون التحقق من صحتها. وفي خضم أحداث الساحل السوري، استُخدمت هذه التصريحات المفبركة لخلق تصورات مضللة حول مواقف بعض الشخصيات الفاعلة، سواء لتأجيج المخاوف من التدخلات الخارجية أو لإضفاء شرعية على مزاعم غير دقيقة.
من الجدير بالذكر، أن عددًا كبيرًا من الجمهور يجد صعوبة في كشف حقيقة المشاهد المفبركة. ووفقًا لدراسة حديثة أجرتها iProov، وهي شركة متخصصة في تقنيات التحقق البيومتري، كشفت عن فجوة كبيرة في قدرة المستهلكين على التمييز بين المحتوى الحقيقي والمفبرك.
وشملت الدراسة ألفي مشارك من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، حيث تم اختبار قدرتهم على التمييز بين محتوى حقيقي وآخر مزيف تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي. وأظهرت أن 0.1 في المئة فقط من المشاركين تمكنوا من التمييز بدقة بين جميع المحتويات الحقيقية والمزيفة، سواء كانت صورًا أو مقاطع فيديو، مما يبرز أهمية تدقيق هذه المقاطع وكشف حقيقتها، خصوصًا خلال الأحداث والنزاعات.

فعلى سبيل المثال، تداولت وسائل إعلامية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو ادّعت أنه يُظهر رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي، بوعاز بيسموت، وهو يدعو إلى فرض سيطرة إسرائيلية كاملة على سوريا، معتبرًا أن مستقبل البلاد يجب أن يكون مشابهًا لوضع الأردن، دون أي قدرات عسكرية مستقلة.
ويتضمن المقطع المنسوب إلى بيسموت التصريح التالي "إسرائيل لن تسمح بظهور قوة عسكرية جديدة في سوريا بعد انهيار نظام بشار الأسد، ودمشق يجب أن تخضع لنفوذ كامل من قبل إسرائيل"، وأن السيطرة عليها ستكون أمرًا حتميًا.
إلا أن تحقّق مسبار كشف أن الادعاء مفبرك. وعلّق بوعاز بيسموت على الفيديو المتداول عبر حسابه في موقع إكس، أمس السبت، مؤكدًا أنه مفبرك وأنه تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي. وأضاف في تعليق باللغة العربية "هذا الفيديو مزور. هذا ليس صوتي. أطالب بحذفه فورًا!".
ومن خلال البحث، وجد مسبار أن الفيديو الأصلي نُشر في التاسع من يوليو/تموز 2024، حيث ظهر بوعاز بيسموت في اللقاء مرتديًا الملابس نفسها، خلال حوار مصور مع مجلة Quillette، نُشر عبر قناة المجلة على موقع يوتيوب. وتناول خلاله الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، واعتداءات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، إضافة إلى مواضيع أخرى. وقد ظهر في الفيديو الأصلي وهو يتحدث بطريقة طبيعية، بخلاف المقطع المفبرك، حيث بدا حديثه غير متناسق، مع تكرار لقطات معينة، وهي من الخصائص التي تتماشى مع المقاطع المنتجة بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
كما تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو آخر، ادّعت أنه يظهر الرئيس السوري أحمد الشرع وهو يعلن القبض على حوثيين من اليمن، تسللوا إلى سوريا عبر لبنان وشاركوا في محاولة الانقلاب الفاشلة في الساحل السوري.
إلا أن تحقّق مسبار كشف أن الادعاء زائف، إذ إن مقطع الفيديو مفبرك، والكلام مولّد بالذكاء الاصطناعي. ولم يعلن الرئيس السوري عن اعتقال أي عناصر حوثية تسللت إلى سوريا عبر لبنان أو شاركت في الأحداث الأخيرة في الساحل السوري.
أما الفيديو الأصلي، فيوثّق كلمة مصوّرة ألقاها الرئيس السوري أحمد الشرع عقب التوترات الأمنية التي شهدتها منطقة الساحل السوري مساء السابع من مارس الجاري. وشدد فيها على عزم السلطات ملاحقة المسلحين الموالين للنظام المخلوع، بالتزامن مع استمرار الاشتباكات، داعيًا في الوقت ذاته قوى الأمن إلى عدم السماح بالتجاوز في رد الفعل. وأكد أن "بعض فلول النظام الساقط سعت لاختبار سوريا الجديدة التي يجهلونها"، مشددًا على أن "سوريا واحدة موحدة من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها".
وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس السوري الشرع، في كلمته المصورة التي لم تتجاوز مدتها أربع دقائق و11 ثانية، لم يشر إلى جماعة الحوثي، ولم يعلن عن إلقاء القبض على أي عناصر تابعة لها.
مشاهد مضللة تُنسب إلى لاجئين سوريين لتروّيج دعمهم للقتال في الساحل
مع استمرار الاشتباكات في الساحل السوري، انتشرت مشاهد تدّعي أنها تُظهر لاجئين سوريين يعبرون عن تأييدهم للعمليات العسكرية في المنطقة. وهو محتوى مُضلل جرى تداوله للتأثير على الرأي العام، والترويج لوجود دعم شعبي من اللاجئين السوريين للتحركات العسكرية.
توظيف هذه المشاهد لا يقتصر على التضليل العفوي أو الأخطاء في التوثيق، بل يُستخدم أحيانًا كأداة للدعاية الإعلامية، حيث تُعاد تدوير مقاطع قديمة، أو تُقتطع المشاهد من سياقها، ما يؤدي إلى نشر تصورات مغلوطة حول مواقف اللاجئين من النزاع، وانتشار هذه المشاهد في بيئة متوترة يزيد من حدة الانقسامات، ويفتح المجال أمام التحريض ضد فئات معينة، أو خلق سرديات سياسية غير دقيقة حول مواقف اللاجئين السوريين تجاه الأزمة.
ومع تصاعد استخدام هذه الأساليب، تزداد الحاجة إلى التدقيق في مصادر هذه المشاهد، والتحقّق من تاريخها وسياقها الأصلي، وعدم الاعتماد على المحتوى المرئي دون تحليل موثوق. إذ إن تداول مقاطع مزيفة أو منسوبة خطأً قد يشوّه فهم الأحداث، ويوجّه الرأي العام استنادًا إلى معلومات غير دقيقة، مما يزيد من تعقيد المشهد الإعلامي المحيط بالأحداث الجارية في سوريا.
وفي السياق، تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعي فيديو، ادّعت أنهما يُظهران سوريين يحتفلون في مصر تأييدًا لما قامت به قوات الأمن العام التابعة للسلطة السورية في الساحل السوري.
إلا أن تحقّق مسبار كشف أن الادعاء مضلل، إذ تبين أن مقطعي الفيديو قديمان، وليسا لسوريين يحتفلون في مصر تأييدًا للقوات التابعة للسلطة السورية الانتقالية في الساحل السوري.
وقد نُشر مقطعا الفيديو عبر حسابات على منصة تيك توك، في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، على أنهما لفرحة سوريين في منطقتي 6 أكتوبر ومدينتي، بسقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في اليوم ذاته، وذلك بعد سيطرة فصائل المعارضة على الحكم.
وتداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو آخر، ادّعت أنه يوثّق مظاهرة في شوارع أوروبا، زُعم أنها تضم لاجئين سوريين يؤيدون العمليات العسكرية الأخيرة التي تنفذها قوات الأمن السورية في الساحل السوري.
وبالتحّقق من أصل المقطع، وجد مسبار أنه يعود إلى ديسمبر 2024، وهو يوثّق تجمّعًا لسوريين في مدينة إيسن الألمانية، احتفالًا بسقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد، عقب سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على الحكم في البلاد آنذاك.
مشاهد منسوبة لدول أخرى تُظهر احتفالًا بالعمليات العسكرية في الساحل
في سياق مشابه، نُشرت مشاهد تُظهر مسيرات في دول أخرى على أنها تحتفل بالعملية العسكرية في الساحل السوري، مما يعزز صورة مضللة حول المواقف الإقليمية تجاه النزاع.
وقد تؤدي مثل هذه الادعاءات إلى تشويه الحقائق، وتضليل الجمهور، وإثارة توترات طائفية وسياسية، خاصة بين لبنان وسوريا.
إذ تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، ادّعت أنه يُظهر مسيرة احتفالية في لبنان يوم الجمعة، دعمًا للحملات الأمنية التي تنفذها القوات السورية في منطقة الساحل.
غير أن تحقيق مسبار كشف أن الادعاء مضلل، إذ تبين أن المقطع نُشر سابقًا، في 10 فبراير/شباط، لمسيرة في لبنان رُفعت خلالها الأعلام السورية، وذلك قبل اندلاع الاشتباكات الأخيرة في منطقة الساحل السوري.
تحريف المشاهد لتعزيز روايات ذات بعد طائفي
في إطار التضليل المرافق لأحداث الساحل السوري، تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، ادّعت أنه يُظهر لحظة اعتقال قوات الأمن العراقي لسوريين مؤيدين للسلطة الجديدة في سوريا، بسبب موقفهم من الاشتباكات الجارية في الساحل.
غير أن تحقّق مسبار كشف أن المقطع قديم، إذ نشره الأمن الوطني العراقي في الرابع من مارس/آذار 2022، موضحًا أنه يُوثّق لحظة إلقاء القبض على اثنين من أبرز تجار المخدرات، كانا بحوزتهما 100 كغم من الكريستال في مدينة بغداد. وبالتالي، فإن الفيديو لا علاقة له بالأحداث الجارية في سوريا أو بأي اعتقالات على خلفية الصراع في الساحل السوري.
ومع ذلك، أفادت تقارير إخبارية باعتقال خمسة لاجئين سوريين ومدونين عراقيين بسبب تعليقات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بتأييد العمليات الأمنية التي تنفذها السلطات السورية ضد عناصر من نظام بشار الأسد المخلوع. لكن السلطات العراقية لم تصدر أي بيان رسمي بشأن الاعتقالات.
مشاهد مضللة لتعزيزات عسكرية في معارك الساحل السوري
لم يخلُ التضليل الإعلامي في الفضاء الرقمي من تداول مشاهد تدّعي أنها توثّق تعزيزات عسكرية خلال الاشتباكات الأخيرة في الساحل السوري، وهو نمط متكرر في كل حدث عسكري بارز واشتباكات.
على سبيل المثال، تداولت وسائل إعلام عربية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو على نطاق واسع، ادّعت أنه يُظهر دخول تعزيزات عسكرية تركية حديثة إلى سوريا عقب التوترات الأمنية في محافظة اللاذقية.
غير أن تحقيق مسبار كشف أن المشهد قديم، إذ يعود مقطع الفيديو الأصلي إلى الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2019، ويوثّق رتلاً عسكريًا يضم 130 مركبة متجهة إلى منطقة أكشاكالي في ولاية شانلي أورفة، لتعزيز الحدود مع سوريا.
التضليل وتأثيره على النزاعات المسلحة
تكشف النماذج الواردة في التقرير عن حجم التضليل الذي رافق أحداث الساحل السوري، حيث استُخدمت المعلومات المضللة كسلاح لتوجيه الرأي العام، وتأجيج الانقسامات، وإعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني.
وأظهرت النماذج التي عمل مسبار على تفنيدها أن التضليل الإعلامي في معارك الساحل السوري اتخذ عدة أشكال، أبرزها إعادة تدوير المشاهد القديمة، ونشر مشاهد طائفية مضللة، والترويج لانقسامات مصطنعة، إلى جانب تأييد مزيف لأطراف النزاع. كما برزت أساليب أكثر تطورًا، مثل نشر تصريحات مفبركة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحريف الحقائق حول المواقف الإقليمية، في محاولة لصناعة روايات بديلة تخدم أجندات سياسية مختلفة.
ومع تزايد تعقيد أساليب التضليل، وارتفاع وتيرته في النزاعات مثل معارك الساحل السوري، تصبح الحاجة إلى التحقق من المعلومات أكثر إلحاحًا، مما يتطلب وعيًا إعلاميًا أكبر، والاعتماد على مصادر موثوقة قبل تصديق المحتوى المتداول أو إعادة نشره. فالقدرة على كشف التلاعب بالمعلومات لم تعد خيارًا، بل ضرورة في مواجهة حملات التضليل التي تعيد رسم الواقع وفق مصالح أطراف النزاع.
اقرأ/ي أيضًا
مشاهد مضللة منشورة على أنها لأعمال انتقام من مقاتلين تابعين لنظام الأسد