ما حقيقة فيديو إخفاء الدفاع المدني السوري جثثًا لضحايا أحداث الساحل؟
يشهد الساحل السوري منذ السادس من مارس/آذار الجاري، تصعيدًا أمنيًا غير مسبوق، هو الأعنف منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الفائت. إذ اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الأمن السورية ومجموعات مسلحة موالية للنظام السابق في محافظتي اللاذقية وطرطوس.
وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أسفرت هذه الهجمات، التي شملت كمائن واشتباكات مسلحة، عن سقوط أكثر من 70 قتيلًا من الجانبين، بالإضافة إلى مفقودين وأسرى من الطرفين، كما سُجلت عمليات تصفية وإعدامات ميدانية للأسرى في بعض المناطق.
في سياق متصل، أرسلت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة تعزيزات عسكرية وأمنية إلى محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص، وسط انتشار أمني في العاصمة دمشق. وفي بيان نشرته وزارة الداخلية، أكّدت أنّ الهجوم كان "مدروسًا ومُعدًّا مسبقًا"، حيث استهدف دوريات ونقاط تمركز الأمن العام في مدينة جبلة وريفها، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف القوات الأمنية. وأضاف البيان أنّ المهاجمين استهدفوا منشآت حكومية وممتلكات عامة وخاصة، مما أسفر عن أضرار مادية.
وأعلنت القوات الأمنية حالة الاستنفار الكامل، واستقدمت تعزيزات من وزارة الدفاع ومن عدة محافظات سورية بهدف "إنهاء التهديد وإعادة الاستقرار إلى المنطقة".
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تضمّنت الحملة الأمنية عمليات قتل خارج نطاق القانون، شملت إعدامات ميدانية وعمليات قتل جماعي ممنهجة بدوافع "انتقامية وطائفية"، إضافة إلى استهداف المدنيين، بما في ذلك أفراد الطواقم الطبية والإعلامية والعاملين في المجال الإنساني. كما طاولت الانتهاكات المرافق العامة والممتلكات العامة والخاصة، ما تسبب في موجات نزوح قسري شملت مئات السكان، فضلًا عن اختفاء عشرات المدنيين وعناصر من قوى الأمن الداخلي.
في الأثناء، انتشرت مئات الصور ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتعلق بالانتهاكات والإعدامات الميدانية التي شهدها الساحل السوري. وبعد فحص دقيق من قِبل "مسبار"، لم يتم العثور على أيّ دليل يشير إلى أنّ هذه المقاطع نُشرت في وقت سابق أو أنها مضللة. يمكنكم الاطّلاع على أبرز تلك المشاهد في هذا المقال.
في المقابل، انتشرت العديد من المشاهد المضللة المنسوبة إلى الأحداث الأخيرة في الساحل، والتي اتخذت أشكالًا متعددة، أبرزها إعادة تدوير مشاهد قديمة، ونشر مشاهد طائفية مفبركة، والترويج لانقسامات مصطنعة، بالإضافة إلى تأييد مزيف لأطراف النزاع. وقد أفرد مسبار لهذا الجزء من المشاهد العديد من مواد التحقق التي أوضح حقيقتها، وجمعها لكم في مقال يمكنكم الاطّلاع عليه هنا.
الدفاع المدني يكشف لمسبار حقيقة فيديو إخفاء جثث ضحايا أحداث الساحل
من بين المشاهد التي انتشرت، مؤخرًا، مقطع فيديو يُظهر شخصًا يصور من داخل سيارة، موقعًا في منطقة جبلية، يظهر فيه عدد من عناصر الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) بالإضافة إلى بعض الأشخاص. ويُسمع في الفيديو أنّ الشخص يقول إنّ "الموقع كان يحتوي على أربع جثث"، ويضيف أنّ "الدفاع المدني التابع للهيئة كان يجمع الجثث بسرعة لكي لا يتم اكتشافها عند وصول الأمم المتحدة".
وفقًا لناشري الادّعاء، فإنّ منظمة الخوذ البيضاء، التي وُصفت بأنها "إرهابية"، كانت قد نظفت آثار الجرائم التي ارتكبتها "هيئة تحرير الشام في إدلب على مدار سنوات". وزعموا أنّ المنظمة كانت تجمع جثث المدنيين الذين قُتلوا خلال العملية الأخيرة لقوات الأمن السورية في الساحل السوري، وأنها تقوم بإخفائها في الجبال لتغطية الأدلة.
من جانبها، أكّدت منظمة الدفاع المدني السوري لـ"مسبار"، أن الفيديو المتداول يُظهر عملية انتشال جثامين أشخاص قُتلوا في الأحداث الأخيرة في الساحل السوري، في العاشر من مارس/آذار الجاري، في منطقة طريق دريكيش بمحافظة طرطوس.
وأوضحت المنظمة أنّ العملية تمت بناءً على طلب من ذوي الضحايا، وبحضورهم. كما قدّمت لمسبار مجموعة من الصور التي توثّق انتشال الجثامين من الموقع، مؤكدة أنّ العملية تمت بحضور أهالي الضحايا وبإشرافهم.
وتُظهر الصور عناصر من المنظمة وهم يقومون بانتشال الجثث من الطريق ونقلها إلى سياراتهم، بحضور ذوي الضحايا.
وبمقارنة مقطع الفيديو المتداول بصور الدفاع المدني، تبيّن أنّ العناصر مطابقة، إذ ظهرت مركبة الدفاع المدني وسيارة سوداء بالترتيب ذاته، في كليهما.
كما ظهر في الفيديو المتداول شخص يرتدي معطفًا بني اللون وبنطالًا من الجينز الأزرق، وهو ما يتطابق مع الصورة التي زوّد بها الدفاع المدني مسبار، إذ ظهر الشخص ذاته وهو يشاهد عناصر الدفاع المدني أثناء نقل جثة أحد الضحايا ووضعها داخل مركبتهم.
علاوة على ذلك، تُظهر المشاهد في الفيديو المتداول تطابقًا واضحًا مع المعالم الجغرافية والطريق الظاهرة في الصور.
الدفاع المدني: انتشال 29 جثمانًا في اللاذقية وطرطوس
وفي تقرير أصدره يوم العاشر من مارس/آذار، أفاد الدفاع المدني السوري بأنّ فرقه المختصة انتشلت 29 جثمانًا في محافظتي اللاذقية وطرطوس، 15 جثمانًا منها من مدينة بانياس، و10 جثامين من جبلة وريفها، وأربع جثامين من طرطوس. وأوضح الدفاع المدني أنّ هذه الأعداد تمثل فقط الجثث التي تم انتشالها وتوثيقها من قبل الفرق المختصة.
وأشار التقرير إلى أنّ عمليات انتشال الجثث جرت بعد تلقي بلاغات بشأن مواقعها، وتمت بالتنسيق مع السلطات المحلية. كما تم توثيق الجثامين وفق الأصول القانونية قبل نقلها إلى المشافي لتسليمها إلى الطب الشرعي.
وفيما يخص عمليات الإجلاء، ذكر الدفاع المدني أنه أجلى خمسة عائلات من مدينة بانياس، بالإضافة إلى إجلاء عائلة من جبلة، بناءً على طلبهم، حيث تم نقلهم إلى الوجهات التي حددتها العائلات.
كما قدمت فرق المنظمة الدعم في إخماد الحرائق التي اندلعت في بعض المناطق، إلى جانب تقديم الإسعافات الأولية للمصابين.
الدفاع المدني يوثّق انتشال 122 جثمانًا في الساحل السوري خلال أربعة أيام
في السياق ذاته، أعلن الدفاع المدني السوري أنه انتشل 122 جثمانًا في الساحل السوري خلال الأيام الأربعة أيام الفائتة، في ظل تصاعد العنف في المنطقة.
ووفقًا لتقرير صدر أمس الأربعاء، فقد انتشلت فرق الدفاع المدني أمس 26 جثمانًا، بينها 17 في ريف اللاذقية وتسع في بانياس بريف طرطوس. وكان قد تم انتشال 22 جثمانًا يوم السبت، و45 جثمانًا يوم الأحد، إضافة إلى 29 يوم الاثنين.
وأشار الدفاع المدني إلى أنّ هذا العدد يشمل فقط الجثامين التي وثّقتها فرقه، فيما تولى الهلال الأحمر انتشال جثامين أخرى.
إلى جانب ذلك، أجلت الفرق خمس عائلات من بانياس وأخرى من جبلة بناءً على طلبها، ونقلتها إلى أماكن آمنة حددتها العائلات نفسها.
الدفاع المدني السوري يُعلق نشر الاستجابات بسبب التحديات الراهنة
من جهة أخرى، أعلن رئيس منظمة الدفاع المدني السوري، رائد الصالح، أنّ فرق الدفاع المدني تواصل العمل بكامل طاقتها في الاستجابة لنداءات الأهالي في الساحل السوري، مع التزامها بالمبادئ الإنسانية وسلامة فرقها الميدانية.
وفي تصريحات له، أكّد الصالح أنّ الدفاع المدني السوري "يبقى على العهد مع الشعب السوري ولن يتخلى عن تقديم المساعدة في هذه الأوقات العصيبة". وأضاف أنّ المنظمة اتخذت قرارًا بتعليق نشر تفاصيل الاستجابات عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي، مراعاة لحساسية وتعقيد الوضع الراهن.
وأشار الصالح إلى أنّ "القرار يهدف إلى حماية العمليات الإنسانية من أي تأثيرات سلبية"، مع التركيز على التنسيق الأمثل لضمان وصول المساعدات بشكل آمن وفعّال إلى كافة المحتاجين.
المرصد السوري: 3 مجازر جديدة ترفع حصيلة الضحايا إلى 1383
أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، يوم أمس 12 مارس، عن توثيق ثلاث مجازر جديدة في الساحل السوري، ما رفع حصيلة الضحايا المدنيين إلى 1383 منذ اندلاع الاشتباكات الأخيرة.
وفقًا للتقرير الصادر عن المرصد، شهد يوم أمس الأربعاء، ارتكاب ثلاث مجازر في محافظات طرطوس واللاذقية وحماة، راح ضحيتها 158 مدنيًا، غالبيتهم من أبناء الطائفة العلوية.
ووثّق المرصد السوري حتى الآن 50 مجزرة في الساحل السوري والمناطق الجبلية، توزعت الضحايا على أربع محافظات: اللاذقية (683 قتيلًا)، طرطوس (433)، حماة (255)، وحمص (12).
كما حذّر المرصد من استمرار دفن الضحايا في مقابر جماعية، معربًا عن مخاوفه من استغلال هذه القضية "لأغراض سياسية أو دعائية". مشيرًا إلى أن "تعرض أبناء الطائفة العلوية لمجازر جماعية"، مما قد يؤدي إلى استخدام الحادثة في "تروّيج سرديات مختلفة حول الجهة المسؤولة عن الجرائم".
واتهم المرصد القوات الأمنية السورية بارتكاب انتهاكات جسيمة، شملت الإعدامات الميدانية والتهجير القسري وحرق المنازل، مع غياب أيّ محاسبة قانونية. كما طالب المجتمع الدولي بإرسال فرق تحقيق مستقلة لضمان توثيق الجرائم، محذرًا من أنّ الإفلات من العقاب قد يؤدي إلى تهديد الاستقرار المجتمعي مستقبلًا.
في المقابل، أكّدت اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري عزمها محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي شهدتها محافظتا اللاذقية وطرطوس، مشددة على أنّ "لا أحد فوق القانون".
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم اللجنة، ياسر الفرحان، يوم الثلاثاء الفائت، عقب اجتماع أعضاء اللجنة مع الرئيس السوري أحمد الشرع. وأوضح الفرحان أنّ اللجنة ستخضع جميع المتورطين للمساءلة ضمن صلاحياتها، وستحيل نتائج تحقيقاتها إلى رئاسة الجمهورية والقضاء المختص، الذي سيصدر الأحكام وفق القانون.
الشرع يشكل لجنتين للتحقيق في أحداث الساحل وتعزيز السلم الأهلي
وكان الرئيس السوري، أحمد الشرع، قد أصدر يوم التاسع من مارس الجاري، قرارًا بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث الساحل، وذلك التزامًا بتحقيق السلم الأهلي وكشف الحقيقة.
تضم اللجنة عددًا من القضاة والخبراء القانونيين والأمنيين، وتكمن مهمتها في التحقيق بالانتهاكات التي تعرض لها المدنيون وتحديد المسؤولين عنها، إضافة إلى الكشف عن ملابسات الاعتداءات التي استهدفت المؤسسات العامة وعناصر الجيش والأمن، مع إحالة المتورطين إلى القضاء.
وأكّد القرار على ضرورة تعاون الجهات الحكومية مع اللجنة، التي يحق لها الاستعانة بمن تراه مناسبًا، على أن تقدم تقريرها النهائي إلى رئاسة الجمهورية خلال 30 يومًا من تاريخ صدور القرار.
كما أعلنت رئاسة الجمهورية، في اليوم ذاته، عن تشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي وتعزيز الوحدة الوطنية، مكلفة بالتواصل مع الأهالي في الساحل السوري وتقديم الدعم لضمان استقرارهم. وضمت اللجنة الدكتور أنس عيروط، والسيد حسن صوفان، والدكتور خالد الأحمد، الذين سيشرفون على تنفيذ مهامها.
الأمم المتحدة توثّق مقتل 111 مدنيًا في الساحل السوري وتدعو لتحقيق مستقل
وثّقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مقتل 111 مدنيًا في الساحل السوري، منذ بدء الهجمات الأخيرة، مؤكدة أنّ العدد الفعلي قد يكون أعلى مع استمرار عمليات التحقق. وأشارت إلى أنّ العديد من القتلى تعرّضوا لإعدامات ميدانية، يُعتقد أنها تمت على "أساس طائفي" في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، على يد مسلحين مجهولين وعناصر مرتبطة بقوات الأمن والجماعات المسلحة المتناحرة.
وفي بيان له، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إلى تحقيق مستقل ونزيه في الجرائم المرتكبة، مطالبًا بمحاسبة جميع المسؤولين عنها وفقًا لمعايير القانون الدولي. كما شدد على ضرورة التزام السلطات السورية بضمان العدالة للضحايا ومنع تكرار هذه الانتهاكات مستقبلًا.
وأفادت المفوضية بأنّ بعض العائلات قُتلت بالكامل، بمن فيهم نساء وأطفال، بعد اقتحام منازلهم. ووفقًا لشهادات الناجين، استجوب المسلحون السكان حول انتمائهم الطائفي قبل قتلهم أو إطلاق سراحهم. كما سُجلت هجمات على مستشفيات في اللاذقية وطرطوس وبانياس، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى من المرضى والأطباء والطلاب.
إلى جانب العنف، شهدت المنطقة عمليات نهب واسعة لمنازل ومتاجر، وسط نزوح عدد كبير من المدنيين إلى المناطق الريفية وقاعدة جوية روسية طلبًا للحماية.
وحذّرت المفوضية من تصاعد خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، التي تؤجج الانقسامات وتهدد التماسك الاجتماعي في سوريا.
من جهتها، نفت الأمم المتحدة إرسال أيّ بعثة تقصّي حقائق إلى الساحل السوري، مؤكدة أنّ أنشطتها تركز على تقديم المساعدات الإنسانية وضمان سلامة المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، داعية جميع الأطراف إلى وقف العنف وحماية الأبرياء.
اقرأ/ي أيضًا
كيف ساهمت المعلومات المضللة في تأجيج أحداث الساحل السوري؟
الجاني يوثق الجريمة: مشاهد لانتهاكات الساحل السوري لا مؤشر على أنها مضللة