حوادث الطيران حول العالم.. مشاهد مضللة وزائفة رصدها مسبار
تشهد مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخرًا، تزايدًا ملحوظًا في انتشار الأخبار والمشاهد التي تزعم وقوع حوادث طيران كارثية، وغالبًا ما تحظى هذه المواد بتفاعل واسع نتيجة لتأثيرها العاطفي القوي.
نظرًا للطبيعة الحساسة لحوادث الطيران وما تُثيره من قلق، تُصبح هذه الأخبار بيئة خصبة للنشر والمشاركة، خاصة في ظل غياب المعلومات الرسمية خلال الساعات الأولى من وقوع أي حادث محتمل. هذا الفراغ المعلوماتي يفتح المجال أمام الشائعات والتضليل، إذ يُستغل لنشر محتوى زائف أو إخراج مشاهد من سياقها الأصلي، ما يؤدي إلى تضليل الجمهور وإثارة الذعر دون مبرر حقيقي.
يتخذ التضليل المرتبط بحوادث الطيران عدة أشكال، أبرزها إعادة مشاهد قديمة لحوادث سابقة، وتقديمها على أنها حوادث حديثة. في بعض الأحيان، تُستغل لقطات من ألعاب محاكاة الطيران وتُروّج على أنها توثيق لحوادث حقيقية.
كما تنتشر ادعاءات زائفة حول وقوع حوادث في مواقع غير صحيحة، أو يتم المبالغة في حجم الحادثة وأسبابه، استنادًا إلى معلومات غير موثوقة، ما يساهم في تضليل الرأي العام وخلق حالة من القلق غير المبرر.
تنتشر هذه الشائعات بسرعة خاصة عندما تتأخر الجهات الرسمية في إصدار بيانات واضحة حول الحادث، ما يفتح المجال أمام نشر المعلومات المضللة. علاوة على ذلك، يُستغل الغموض الذي يُحيط ببعض الكوارث الجوية في اللحظات الأولى لانتشار نظريات المؤامرة، ما يؤدي إلى تحريف الحقائق وإثارة الجدل حول تفاصيل الحادث وأسبابه.
في هذا المقال، يستعرض "مسبار" أبرز المشاهد المضللة والزائفة التي رصدها وفنّدها بشأن حوادث الطيران، مسلطًا الضوء على الأساليب المستخدمة في نشر هذه المشاهد.
محاكاة الطيران الرقمية: كيف تُستخدم للتضليل في حوادث الطيران؟
في عصر التكنولوجيا المتقدمة، أصبح من السهل إنتاج محاكاة رقمية واقعية لحوادث الطيران، وهي أداة تُستخدم بشكل واسع في التدريب والترفيه. إلا أنّ هذا التقدم التكنولوجي حمل معه تحديات جديدة، إذ أصبح من السهل التلاعب بالواقع واستخدام هذه المحاكاة كأداة للتضليل. فمع تزايد استخدام المحاكاة الرقمية، ظهرت فيديوهات تُعرض على أنها توثيق حقيقي لحوادث طيران، بينما هي في الواقع محاكاة، بغرض التسلية والترفيه.
ففي سبتمبر/أيلول الفائت، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو زعم ناشروه أنه يُوثّق لحظة سقوط طائرة كانت تحمل ركابًا، ما أثار تفاعلًا كبيرًا بين المستخدمين الذين اعتقدوا أنه حادث حقيقي.
لكن تحقق لـمسبار أظهر أنّ الفيديو زائف، إذ نُشر في عام 2022، على قناة "BBB-Gaming" المتخصصة في محاكاة الطيران على موقع يوتيوب. وقد أوضحت القناة في وصف الفيديو أنه ليس حقيقيًا، بل هو جزء من تحدٍ تجريبي لهبوط الطائرات، مؤكدة أنّ "كل ما يظهر في الفيديو لا يحدث في الواقع".
وفي حادثة أخرى، تم تداول مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، ادّعى ناشروه أنه يُظهر محاولة فاشلة لطيار أميركي في الهبوط بعد تنفيذه غارات جوية على قطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
وقد انتشر المقطع بشكل واسع وحظي بتفاعل كبير من المستخدمين الذين اعتقدوا أنه حادث حقيقي. إلا أنه بالتحقق تبيّن أن الفيديو عبارة عن محاكاة رقمية لطائرة روسية من طراز "سوخوي سو-33". وقد نُشر الفيديو على قناة يوتيوب لمصمم رقمي يُدعى "X-stream"، وكان قد أرفق الفيديو بوسوم تشير إلى ألعاب محاكاة الطيران مثل "Flight Simulator" و"DSC".
كما تداول مستخدمون مقطع فيديو، ادّعوا أنه يُظهر طيارًا يتجنب الاصطدام بطائرة أخرى أثناء الهبوط. لكن بعد التحقق، تبيّن أنّ الفيديو لم يكن يوثق حادثة حقيقية، بل كان جزءًا من محاكاة طيران باستخدام برنامج "X-Plane Flight Simulator"، وكان يهدف إلى محاكاة تجربة قيادة الطائرات في بيئة رقمية واقعية.
إلى جانب هذه الأمثلة، نشرت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو آخر ادعى ناشروه أنه يُظهر طائرة عُمانية تحت قصف جوي، حيث نشبت النيران في الطائرة قبل أن تسقط. بالتحقق من الادعاء وجد مسبار أنّه زائف، فالفيديو نُشر في يناير/كانون الثاني 2020 على يوتيوب، وكان مجرد محاكاة رقمية لاحتراق طائرة عُمانية، ولا علاقة له بحادثة حقيقية. كما تبين أنّ القناة التي نشرته مختصة بنشر مقاطع محاكاة للطيران الافتراضي.
حوادث طيران مزعومة.. كيف تُستخدم مقاطع قديمة لخداع الجمهور؟
مؤخرًا، شهدت المنصات الرقمية تداولًا واسعًا لمقاطع فيديو تُظهر تحطم طائرات، حيث زُعم أنها توثّق حوادث حديثة، ما أثار مخاوف وتساؤلات بين المستخدمين. لكن بعد التحقق، تبيّن أنّ هذه الادّعاءات لا أساس لها من الصحة، إذ لم تسجل أيّ حوادث طيران حديثة تتطابق مع هذه المقاطع، بل إنها تعود إلى حوادث قديمة أُعيد نشرها في سياقات زائفة بهدف التضليل وإثارة الجدل.
من بين أبرز الأمثلة الحديثة على ذلك، انتشار فيديو يدّعي ناشروه أنه يُظهر تحطم طائرة ركاب سعودية، يوم 23 فبراير/شباط الفائت. بعد التحقق من صحة الادعاء، تبيّن أنّ الفيديو ليس من السعودية، بل يعود إلى حادث تحطم طائرة إخلاء طبي في فيلادلفيا بالولايات المتحدة، في الأول من فبراير/شباط الفائت. كما لم تنشر أيّ وسيلة إعلامية موثوقة أنباء حول تحطم طائرة ركاب سعودية، حديثًا. وكانت الطائرة قد سقطت بالقرب من مركز روزفلت التجاري، بعد دقيقة واحدة من الإقلاع، وكان على متنها ستة أشخاص من بينهم طفلة.
وفي يناير/كانون الثاني الفائت، تداولت مواقع إلكترونية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو ادّعت أنه يُظهر لحظة تحطم طائرة إطفاء أثناء عمليات إخماد الحرائق الأخيرة في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة. وسرعان ما لاقى الفيديو انتشارًا واسعًا، ما أثار حالة من الجدل والقلق بين المتابعين الذين اعتقدوا أنّ الحادث وقع مؤخرًا.
أظهر تحقق مسبارأنّ الفيديو مضلل، إذ يعود المشهد إلى حادث تحطم طائرة إطفاء صغيرة في تشيلي، وقع بتاريخ 16 يناير/كانون الثاني 2024، في مدينة مولي الواقعة وسط البلاد.
وفقًا للتقارير الإعلامية المحلية، كانت الطائرة في مهمة لمكافحة حرائق الغابات عندما اصطدم جناحها بعمود كهرباء أثناء التحليق على ارتفاع منخفض، مما أدى إلى فقدان السيطرة وسقوطها على الطريق السريع.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، نشرت مواقع إلكترونية وصفحات على فيسبوك وإكس، صورتين ادّعت أنهما توثّقان لحظة تحطم طائرتين نتيجة تصادمهما في مطار بغداد الدولي بسبب الرياح العاتية. وانتشرت الصورتان على نطاق واسع، مما دفع العديد من المستخدمين للتساؤل حول صحة الحادث.
لكن بعد التحقق، تبيّن أنّ الادعاء مضلل، إذ إنّ الصورتين قديمتان ولا علاقة لهما بأي حادث طيران حديث في العراق، إذ لم تصدر هيئة الطيران المدني العراقية أو أي وسيلة إعلام موثوقة أي إعلان حديث بشأن تصادم طائرتين في مطار بغداد الدولي.
في الواقع، تعود الصورتان إلى حادث وقع في السابع من مارس/آذار 2019، عندما اصطدمت طائرة تابعة للخطوط الجوية الكاريبية بجدار مبنى محطة مطار بياركو الدولي في جمهورية ترينيداد وتوباغو.
إعادة تداول مقاطع قديمة لحوادث طيران حقيقية
يُعدّ إعادة تداول مقاطع الفيديو خارج سياقها الزمني، والترويج لها على أنها توثق حادثة حديثة، أسلوبًا مضللًا يساهم في نشر معلومات غير دقيقة ويثير حالة من التشويش والقلق بين المتابعين.
في هذا الصدد، نشرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مقطع فيديو ادّعت أنه يوثّق تغطية قناة "فرانس 24" لحادثة تحطم طائرة عسكرية جزائرية، زُعم أنها كانت تقل عناصر من جبهة البوليساريو وضباطًا جزائريين، حديثًا. كما أشار مروجو الفيديو إلى أنّ النظام الجزائري يتكتم على الحادثة، ما أثار موجة من التساؤلات والتكهنات.
لكن تحقق مسبار كشف أنّ الادعاء مضلل، إذ تعود التغطية الإعلامية إلى حادث تحطم طائرة عسكرية جزائرية في عام 2018، وليس إلى حادثة حديثة. كما لم ترد أيّ تقارير رسمية أو إعلامية موثوقة عن سقوط طائرة عسكرية جزائرية، مؤخرًا.
2024.. العام الأكثر دموية في الطيران منذ 2018
شهد العام الفائت ارتفاعًا ملحوظًا في حوادث الطيران، ما جعله الأكثر دموية منذ 2018، وفقًا لشبكة سلامة الطيران، إذ أسفرت الحوادث الجوية عن وفاة 318 شخصًا خلاله. وأظهرت أبحاث أكاديمية "إمبري ريدل" للطيران أنّ 80 في المئة من هذه الحوادث كانت نتيجة خطأ بشري، إذ يتحمل الطيارون مسؤولية 53 في المئة منها، بينما سُجلت الأعطال الميكانيكية كسبب رئيسي في 21 في المئة فقط.
من بين الحوادث الأكثر فتكًا، جاء تحطم طائرة "جيجو إير" في كوريا الجنوبية، يوم 29 ديسمبر/كانون الأول 2024، كأكبر كارثة جوية خلال العام الفائت، إذ أسفر عن مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 175 شخصًا، إضافة إلى أربعة من أفراد الطاقم من أصل ستة.
كما شهد العام الفائت حوادث مميتة أخرى في البرازيل، كازاخستان، ونيبال، مما أعاد تسليط الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه سلامة الطيران العالمي.
وفي تقريرها السنوي، أفادت رابطة النقل الجوي الدولي (IATA) بأنّ معدل الحوادث بلغ 1.13 لكل مليون رحلة، وهو معدل أفضل من متوسط السنوات الخمس الفائتة (1.25)، لكنه شهد تراجعًا مقارنة بعام 2023 (1.09). كما سجل العام الفائت سبعة حوادث مميتة من أصل 40.6 مليون رحلة جوية، بارتفاع ملحوظ عن الحادث الوحيد المسجل في عام 2023، ومتوسط السنوات الخمس البالغ خمسة حوادث سنويًا.
ورغم ارتفاع عدد الوفيات إلى 244 حالة مقارنة بـ72 حالة فقط في 2023، إلا أن خطر الوفاة بقي عند 0.06، وهو أقل من متوسط السنوات الخمس (0.10)، لكنه ما يزال ضعف المعدل المسجل في العام الفائت (0.03). تأتي هذه الأرقام في وقت تتزايد فيه الدعوات لتعزيز إجراءات السلامة الجوية واتخاذ تدابير أكثر صرامة للحد من المخاطر في قطاع الطيران.
اقرأ/ي أيضًا
الصورة قديمة وليست لتدمير طائرة تابعة لقوات الدعم السريع في مطار نيالا
الفيديو ليس لعبور حاملة طائرات أميركية من قناة السويس بعد خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين