عمل

تحولت إلى مادة للتضليل بين مؤيدي ومعارضي سعيّد: أبرز ملامح سياسة الاقتراض في تونس

فريق تحرير مسبارفريق تحرير مسبار
date
19 مارس 2025
آخر تعديل
date
11:06 ص
20 مارس 2025
تحولت إلى مادة للتضليل بين مؤيدي ومعارضي سعيّد: أبرز ملامح سياسة الاقتراض في تونس
ارتفع حجم الدين الداخلي في تونس مقارنة بالدين الخارجي

أطلق الرئيس التونسي قيس سعيد، تصريحات بعد فشل مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي عام 2023، اتهم فيها الصندوق بمحاولة التدخل في سيادة تونس، مؤكدًا أن تونس ستعتمد على ذاتها.

وقال في اجتماع مجلس الأمن القومي التونسي يوم 25 سبتمبر/أيلول 2023 "تونس ستعول على نفسها في دعم ميزانيتها دون أن نتنازل عن ذرة واحدة من سيادتنا"، ثم عاود ليؤكد ذات المعنى في اجتماعه يوم 21 يناير/كانون الثاني 2025، مع رئاسة الحكومة ووزير المالية، إذ ذكرت رئاسة الحكومة في بيان رسمي لها، أنّ رئيس الدولة جدّد "تأكيده على ضرورة التقشف والتعويل على الذات، مشدّدا مرة أخرى على أنّه لا حلول وسطى في إنهاء المناولة والعقود المحدّدة في الزمن ومن يبتغي خلاف ذلك فهو يسير عكس مسار الثورة وحركة التاريخ".

 

وفي الخامس من فبراير 2025، أقال "سعيد" وزيرة المالية سهام البوغديري، والتي شغلت المنصب منذ العام 2021. وكلف مشكاة سلامة الخالدي، بدلًا منها، وهي الخطوة التي جاءت في ظل أزمة اقتصادية تعيشها البلاد، وجدل حول ملف المؤسسات المصادرة.

خلال 16 شهرًا هي الفترة بين تصريحي "سعيد"، تحولت ديون تونس إلى حديث دائم بين السياسيين في تونس ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وشهد الملف انتشار معلومات مضللة دعمًا أو نقدًا للرئيس التونسي.

وبينما اتهم الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، قيس سعيد بالتسبب في أن تضاعف الاقتراض، مؤكدًا أن الاقتراض تضاعف خلال فترة رئاسته 10 مرّات مقارنة بفترة حكمه، انتشرت ادعاءات على مواقع التواصل الاجتماعي حول قدرة تونس على سداد ديونها الخارجية.

كيف تطورت سياسات الاقتراض في تونس بعد خلاف سعيد مع النقد الدولي؟

أطلق سعيّد تصريحاته حول التخفيف من الاقتراض الخارجي الذي وصفه بأنه يمس من السيادة التونسية في نهاية عام 2023، وهو ما انعكس بشكل واضح على سياسة الاقتراض التونسية بعد هذا التاريخ.

توضح البيانات المالية من مشروعات الموازنة التي أقرها البرلمان التونسي، وتقارير الحسابات الختامية الصادرة عن وزارة المالية التونسية خلال السنوات العشر الأخيرة، أن تصريحات سعيّد لم تؤثر في نمو نسبة الاقتراض الكلية، إذ ظل الاقتراض يتزايد كأحد مصادر التمويل للموارنة، إذ بلغت القروض في موازنة عام 2019 الذي تولى فيه سعيّد حكم البلاد، نحو 9.7 مليار دينار بنسبة 23% من إجمالي الموازنة، وتصاعدت نسبة القروض من الموازنة في السنوات التالية لتمثل عام 2024 نحو 37.2% من إجمالي موازنة تونس، إلا أنها تراجعت نسبيًّا في مشروع موازنة عام 2025 لتمثل نحو 35.8%.

وبتتبع نسب الاقتراض في السنوات التي سبقت حكم سعيّد، تبين أنها بلغت 27.8%، و30%، و25% خلال السنوات 2016، 2017، و2018 بالترتيب، ما يعني أن ذات السياسة مستمرة من قبل تولي سعيّد، إلا أنها زادت خلال العامين الأخيرين في 2024 و2025.

تطور سياسة الاقتراض في تونس من 2016 حتى عام 2025

 

وعلى الرغم من زيادة القروض داخل الموازنة خلال عامي 2024- 2025، إلا أن سياسة الاقتراض قد اختلفت، إذ توسعت الحكومة التونسية في الاقتراض الداخلي مع التخلي بشكل كبير عن الاقتراض الخارجي، وبلغ الاقتراض الداخلي عام 2019 نحو 27.2% من إجمالي قروض العام، بينما مثّل الاقتراض الخارجي نحو 72.8%، حيث اعتمدت تونس على الاقتراض الخارجي بشكل أكبر نسبيًّا.

في عام 2024 تراجع اعتماد تونس بشكل كبير على الاقتراض الخارجي، والذي مثّل فقط 17.7% من إجمالي قروض العام، بينما ارتفع الاقتراض الداخلي ليمثّل 82.3% من إجمالي الاقتراض للعام، تلك السياسة استمرت في مشروع موازنة 2025، إذ يمثّل الاقتراض الداخلي 78% من قيمة القروض المخطط لها، بينما يمثّل الاقتراض الخارجي فقط 22% من القروض المخطط لها.

سياسة الاقتراض الداخلية والخارجية في تونس

تغير خريطة الجهات المُقرضة لتونس

لم يتعلق التغيير الذي قام به الرئيس قيس سعيّد، في مسار الاقتراض الخارجي بالتوسع في الاقتراض الداخلي وتقليص الاقتراض الخارجي فقط، إذ بتتبع الجهات المُقرضة لتونس، نجد أن تغييرًا كبيرًا طرأ على خريطة الاقتراض الخارجي من حيث الجهات المانحة.
إذ تكشف التقارير الختامية لموازنات ومشاريع الموازنات 2021 - 2024 عن تغييرات جوهرية في مصادر الاقتراض الخارجي لتونس. ففي عام 2021، اعتمدت البلاد على تمويل من المؤسسات المالية الدولية الكبرى، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والبنك الأفريقي للتنمية، والاتحاد الأوروبي، والوكالة الفرنسية للتنمية، وبنك التنمية الألماني KfW.
وخلال عام 2022، توقفت تونس عن الاقتراض من بعض هذه الجهات، خاصة صندوق النقد الدولي والبنك الأفريقي للتنمية، مقابل اللجوء إلى تمويلات من البنك الأفريقي للصادرات والواردات، إضافة إلى الاقتراض المباشر من الجزائر.
وفي عام 2023، واصلت تونس التخلي عن الاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنك الأفريقي للتنمية، كما تخلت أيضًا عن الاقتراض من الاتحاد الأوروبي وبنك التنمية الألماني KfW، وعوضت ذلك بالحصول على تمويلات من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي JICA، إلى جانب الاقتراض مجددًا من الجزائر، فضلًا عن مصادر تمويل جديدة من المملكة العربية السعودية وإيطاليا.
أما في عام 2024، فقد شهدت الموازنة استمرار التغيير في توجهات الاقتراض، حيث توقفت تونس عن الاقتراض من الوكالة الفرنسية للتنمية، مع تسجيل انخفاض ملحوظ في مستوى الاقتراض الخارجي بشكل عام.

سياسة الاعتماد على الذات في تونس: هل نجحت؟

رغم تصريحات الرئيس قيس سعيّد حول الاعتماد على الذات والتقشف للابتعاد على الاقتراض الخارجي، إلا أن الممارسات الفعلية خلال عامي 2024، و2025، كشفت اعتماد الحكومة التونسية على الاقتراض الداخلي لتعويض الاقتراض الخارجي، بينما لم تشهد الموارد الذاتية بالموازنة تطورًا متكافئًا لتعويض الاقتراض الخارجي دون اللجوء إلى مزيد من الديون الداخلية.

ويعرّف مشروع الموازنة التونسية الموارد الذاتية، بأنها تلك الموارد التي تحصل عليها الدولة من المداخيل الجبائية، والمداخيل غير الجبائية، والهبات. إلا أن تتبع أوجه تمويل الموازنة في السنوات من 2021 إلى 2025، يكشف أن تلك الوعود لم تتحقق، إذ ارتفعت الموارد الذاتية في تمويل الموازنة التونسية من 33.5 مليار دينار عام 2021 بواقع 60.9% من تمويل الموازنة، لتصل عام 2025 إلى 50.03 مليار دينار بواقع 63.9% من تمويل الموازنة.

بينما ارتفعت قيمة القروض في تمويل الموازنة التونسية من 14.22 مليار دينار عام 2021 بواقع 25.8% من تمويل الموازنة، لتصل عام 2025 إلى 28 مليار دينار، بواقع 35.8%، لتبلغ نسبة النمو في القروض بين عامي 2021 و2025 نحو 38.76%.

من جانبه، يقول محمد صالح سويلم، الرئيس المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي، إن مبدأ التعويل على الذات يعني حثَّ المواطن التونسي على العمل وزيادة الإنتاجية. وإذا تمكّنت الدولة من جلب موارد بأقل كلفة من الأسواق المالية العالمية، فهذا أمرٌ جيدٌ ومحمود، وهو ما تدعمه النظريات الاقتصادية. ولكن، خلاف ذلك، لا ينبغي أن تنغلق على نفسها.

وأضاف، "يعتمد النمو الاقتصادي على تحسين الناتج المحلي الإجمالي، والذي يتضمن الاستهلاك، والاستثمار، والصادرات، والواردات. أي أن مصادر النمو ثلاثة: الاستهلاك العمومي والفردي، والاستثمار العام والخاص، والفرق بين صادرات الدولة ووارداتها. فإذا كانت بلادنا تطمح إلى غدٍ أفضل وإلى التطور والنهضة، فإنها تحتاج إلى استثمارات ضخمة في العديد من المجالات، مثل البنية التحتية، والصحة، والتعليم، والطيران، وهذا يتطلب الكثير من الأموال".

وتساءل "كيف يتمّ التعويل على الذات في حين يُنفق 30% من ميزانية الدولة على خدمة الدين؟ وغدًا قد ندفع خدمة الدين ولا نجد من أين ندفع الرواتب!".

وحول سياسة التحوّل في الاقتراض من الدين الخارجي إلى الداخلي، قال: "في هيكلة الدين العمومي التونسي، كانت نسبة الثلثين دينًا خارجيًا، والثلث دينًا محليًا. أما الآن، فقد انقلبت الوضعية، وقد نصل إلى نسبة 50/50 أو حتى ثلثين دينًا محليًا وثلثًا دينًا خارجيًا. هذه الوضعية لا تزعجني... بالعكس، إذا كانت ديوننا عمومية فقط. ولكن إذا استمرت تونس في العزلة عن الخارج، فستفقد قدرتها على التفاوض والاحتكاك بالأسواق العالمية. وأنا أحبذ أن تبقى تونس دائمًا في الأسواق المالية، وأريدها أن تعود إليها في القريب العاجل، وأن تظل أبوابها مفتوحة للبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ولكل الهيئات المالية. كما أنني لا أؤمن بوجود ضغوط تمارسها هذه الهيئات، فهناك دائمًا مجال للتفاوض والحوار".

اقرأ/ي أيضًا

أبرز الادعاءات المضللة حول نقص البطاطا في الأسواق التونسية

ادعاءات زائفة ومضللة رافقت موسم جني الزيتون الحالي في تونس

المصادر

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar