إسرائيل تدعي رفض حماس إطلاق سراح الأسرى لتبرير استئنافها الحرب على غزة
استأنفت إسرائيل حربها على قطاع غزة في 18 مارس/آذار الجاري، في مخالفة لبنود اتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع حماس، والذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني 2025. وفي إطار تبريرها عملية استئنافها للعدوان، اتهمت إسرائيل حركة حماس برفض إطلاق سراح الأسرى المحتجزين لديها. وزعم وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أن قرار العودة للقتال جاء نتيجة رفض حماس إطلاق سراح الأسرى، محذرًا من فتح أبواب الجحيم على غزة حال استمرار هذا الموقف.
بالتدقيق وجد "مسبار" مؤشرات على أن المبررات التي استندت إليها إسرائيل لتبرير استئناف حربها على غزة تحتوي على تضليل، حيث تعمدت الخلط في تبريرها بين رفض حماس للشروط الأحادية التي طرحتها إسرائيل خارج إطار الصفقة المتفق عليها، واستعدادها لمواصلة التفاوض على مراحل الصفقة التي تم التوقيع عليها. ويهدف هذا التضليل إلى خلق ذريعة لاستمرار الحرب وتبريرها أمام الرأي العام الدولي.
كيف تم الاتفاق على إطلاق سراح الأسرى؟
تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في 17 يناير 2025، ودخل حيز التنفيذ رسميًّا في 19 من نفس الشهر على الساعة السادسة والنصف صباحًا، بوساطة قطرية - مصرية - أميركية مشتركة. شملت الصفقة الاتفاق على إجراء عملية تبادل لكافة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة مقابل إيقاف العدوان نهائيًّا وانسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال ووضع برنامج لإعادة الإعمار، وذلك تدريجيًّا وعبر ثلاث مراحل، وقد تم وضع تفاصيل المرحلة الأولى من الاتفاق، في حين وضعت الهيكلة العامة لبقية المراحل، وتأجيل الاتفاق على تفاصيلها إلى حين التقدم في تنفيذ المرحلة الأولى.
ووفقا للاتفاق، تضمنت المرحلة الأولى خمس نقاط رئيسية شملت وقف إطلاق النار بين الجانبين وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة وعودة النازحين وإدخال المساعدات وتبادل الأسرى. وقد تم وضع بروتوكول مفصل لآلية تنفيذ كل هدف من هذه الأهداف، وفي بند تبادل الأسرى، تم الاتفاق بين الطرفين على الإفراج عن 33 أسيرًا إسرائيليًّا (أحياءً أو موتى) لدى المقاومة، مقابل عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين من بينهم أسرى من ذوي الأحكام العالية وآخرون من ذوي المؤبدات.
كما نص على أن تشكل المرحلة الأولى قاعدة لانطلاق مفاوضات المرحلة الثانية، التي ستشمل مناقشات أكثر تفصيلًا لاستكمال تبادل كافة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة وما يقابل ذلك من مطالب إضافية للمقاومة. وقد وافق الطرفان على الالتزام بتنفيذ الاتفاق بضمانة الوسطاء. وبحسب الاتفاق أيضًا، تبدأ مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين بشأن تفاصيل تنفيذ المرحلة الثانية في موعد أقصاه اليوم السادس عشر من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، مع ضرورة التوصل إلى اتفاق قبل نهاية الأسبوع الخامس من المرحلة الأولى.
إدانة ورفض دولي لاستئناف العدوان
عقب عودة القصف الإسرائيلي، أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، استئناف العدوان على غزة، وعبر عن غضبه من تنفيذ الاحتلال سلسلة من الغارات الجوية العنيفة على القطاع. وناشد الأمين العام للأمم المتحدة الاحتلال بضرورة التزامه باحترام اتفاق وقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق، كما طالب بإطلاق سراح الأسرى المتبقين دون قيد أو شرط.
بدوره أعرب المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني، عن صدمته من المشاهد المروعة للمدنيين الفلسطينيين عقب استئناف الاحتلال عدوانه على غزة، معتبرًا إن إعادة إشعال "الجحيم على الأرض" عبر استئناف الحرب لن يؤدي إلا إلى المزيد من اليأس والمعاناة، داعيا إلى ضرورة العودة إلى وقف إطلاق النار.
واتهم وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الاحتلال، بالتسبب في انهيار وقف إطلاق النار من خلال شنها غارات جوية وضربات مدفعية على غزة أدت إلى مقتل أكثر من 400 شخص معظمهم من النساء والأطفال، واصفًا الأمر بـ المروع للغاية، ومعتبرًا اليوم الذي استئناف فيه الاحتلال لعدوانه بأكثر الأيام دموية بالنسبة للفلسطينيين منذ بداية العدوان على غزة.
وعبر لامي عن معارضته لاستئناف الاحتلال لعدوانها على غزة، مشيرًا إلى أن انهيار وقف إطلاق النار لن يعيد الأسرى ولن يحقق الأمن لإسرائيل، داعيًا إلى العودة الفوري لوقف إطلاق النار وسفك الدماء.
حماس تؤكد في بياناتها الاستعداد للتفاوض
خلال تنفيذ المرحلة الأولى، أبدت المقاومة في غزة استعدادًا للتوصل إلى صفقة شاملة تُفضي إلى تبادل كافة الأسرى، حيث أكدت حماس التزامها التام بكافة بنود المرحلة الأولى من الاتفاق الموقع مع الاحتلال، مؤكدة تنفيذها لكافة الالتزامات المتفق عليها بدقة وفي المواعيد المحددة. ومنذ حلول الموعد المحدد لانطلاق مفاوضات المرحلة الثانية، شرعت الحركة في إقامة الاتصالات وإجراء اللقاءات اللازمة من أجل بدء مفاوضات المرحلة الثانية، كما كررت تأكيد جاهزيتها واستعدادها للانتقال إلى المرحلة التالية من الصفقة، والسعي نحو تأسيس اتفاق شامل يضمن تبادلًا كليًّا للأسرى في إطار اتفاق منطقي ومتوازن بين الطرفين.
إثر نهاية المدة المحددة للمرحلة الأولى وقبل الانطلاق في أي مفاوضات بخصوص المرحلة الثانية، نشرت حماس بيانًا عددت فيه كافة الانتهاكات والخروقات التي ارتكبها الاحتلال خلال المرحلة الأولى من الاتفاق، مشيرة إلى أنها تعكس نيته الواضحة في إفشال المفاوضات التي من شأنها أن تفضي إلى إطلاق سراح الأسرى.
وأوضح البيان أن الاحتلال لم يلتزم بالبروتوكول الإنساني، حيث منع توفير خيم وكرفانات الإيواء والمعدات اللازمة لرفع الركام ومنع إدخال كميات المساعدات الإنسانية المتفق عليها، إلى جانب خروقات ميدانية تمثلت في استمرار التوغل في المناطق المتفق على انسحابه منها ومواصلته عمليات استهداف وقتل المدنيين وهدم المنازل واستمراره في غلق معبر رفح. كما تناولت الحركة خروقات الاحتلال المتعلقة بالأسرى والتي تمثلت في تأخير عمليات الإفراج عنهم والإهانة المتعمدة لهم وتعرضهم للضرب والتعذيب. وأشار البيان أيضًا إلى خروقات سياسية ارتكبها الاحتلال خلال المرحلة الأولى تمثلت أساسًا في تعمده تأخير بدء مفاوضات المرحلة الثانية ومطالبته بإبرام اتفاق جديد يخالف ما تم الاتفاق عليه بضمانة الوسطاء.
من أجل استئناف المفاوضات والوصول إلى اتفاق شامل حول قضايا المرحلة الثانية، أعلنت حركة حماس يوم 14 مارس الجاري (أسبوعين بعد نهاية المرحلة الأولى) أنها تعاملت بإيجابية مع مقترح جديد تم تقديمه من قبل الوسطاء، حيث وافقت على إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر الذي مازال على قيد الحياة، إضافة إلى أربعة جثامين أخرى لمزدوجي الجنسية، مؤكدة جاهزيتها التامة لبدء المفاوضات والوصول إلى اتفاق شامل، وداعية إلى إلزام الاحتلال بتنفيذ التزاماته كاملة.
الاحتلال يخرق الاتفاق ويستحدث شروطًا مخالفة
مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يومه الـ44، أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، رفضه الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق التي كان من المقرر أن تُفضي إلى إطلاق سراح المزيد من أسراه لدى المقاومة وفق الصفقة التي تم الاتفاق بشأنها. وأرفق نتنياهو موقفه بخطوات تصعيدية تمثلت في إيقاف دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع وذلك بعد ساعات فقط من انتهاء المرحلة الأولى، تلا ذلك قطع الكهرباء عن محطات تحلية المياه الضرورية لتوفير مياه الشرب لسكان غزة، في انتهاك لبنود الاتفاق مما أضعف فرص استمرار وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى.
وبدلًا من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، اشترط نتنياهو صيغة جديدة لاستمرار وقف إطلاق النار، حيث أكد تمسكه بخطة الصفقة التي اقترحها المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، والتي تنص على التزام حماس بإطلاق سراح نصف الأسرى المحتجزين لديها في اليوم الأول من الاتفاق على الخطة مقابل تمديد وقف إطلاق النار لمدة 50 يومًا إضافية فقط، دون الإشارة إلى مقابل آخر يمكن أن تحققه المقاومة مقابل هذه الخطة الجديدة.
وتعليقًا على ذلك، حمّلت حماس أميركا مسؤولية تعطيل اتفاق الصفقة، متهمة إياها بتقديم صيغ اتفاق غير مقبولة تتماشى فقط مع مطالب الاحتلال، داعية الإدارة الأميركية إلى التوقف عن انحيازها وتساوقها مع مخططات الاحتلال، ومؤكدة التزامها بتنفيذ الصفقة التي تم الاتفاق عليها بمراحلها الثلاثة.
اتهامات إسرائيلية بتعمد نتنياهو إفشال المفاوضات
وجهت صحيفة "هآرتس"، انتقادات لإسرائيل بعرقلة مفاوضات التوصل لاتفاق شامل وتسببها في انهيار وقف إطلاق النار، مما حال دون إعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، وقالت الصحيفة "إسرائيل وليست حماس هي من يمنع تنفيذ الاتفاق وعودة الأسرى".
وأشارت الصحيفة إلى أن جميع المقترحات التي تلقتها حماس من المبعوث الأميركي ويتكوف نابعة من رفض إسرائيل الالتزام بنصيبها من الاتفاق. وبالتالي، فإن محاولة تصوير رفض حماس لمقترحات ويتكوف كذريعة لاستئناف العدوان ليست سوى تلاعب وتضليل.
وأشارت الصحيفة أيضًا، إلى أن قرار نتنياهو باستئناف العدوان يعود إلى مصالح شخصية تتعلق بإعادة إيتمار بن غفير إلى الحكومة، على حساب الأسرى التسعة والخمسين الذين لا يزالون محتجزين في غزة.
وفي هذا السياق، وصفت الصحيفة اتهام حماس بتسببها في إيقاف الاتفاق بأنه كذبة، متهمة إسرائيل بتعمد رفض بدء مفاوضات المرحلة الثانية منذ اليوم السادس عشر للمرحلة الأولى، والذي كان من المقرر أن يؤدي إلى إطلاق سراح المزيد من الأسرى والتأسيس لإنهاء الحرب وإطلاق جميع الأسرى المتبقين. كما أضافت أن الاحتلال أخل باتفاق الانسحاب من محور فيلادلفيا وتعمد إيقاف المساعدات وإغلاق المعابر، رغم التزامه السابق بإدخالها طالما استمرت محادثات المرحلة الثانية.
بعد استئناف العدوان على غزة، خرجت مظاهرات حاشدة في إسرائيل تعبر عن رفضها لقرارات نتنياهو باستئناف الحرب، ومطالبة باستكمال المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق يوقف الحرب بشكل كامل وينشئ آلية لتبادل الأسرى.
واعتبر المتظاهرون أنه لم يعد هناك شيء مهم يستدعي العودة إلى الحرب، وإنما استئناف العدوان يتعلق فقط بمساعي المحافظة على تركيبة الحكومة وضمان بقاء نتنياهو في الحكم.
بدوره، اتهم موقع "والا" الإسرائيلي حكومة نتنياهو بالمبادرة بتجديد الحرب بصورة استباقية ومتعمدة، بما يخالف نص الاتفاق الموقع في قطر. وأكد الموقع أن "الاتفاق لم ينهار بل تم إسقاطه بيد إسرائيل، التي خرقت خطة صفقة الرهائن وتجاهلتها"، مشيرًا إلى أن استئناف العدوان جاء عشية اندلاع احتجاجات جديدة ضد الحكومة، نتيجة خطواتها لتعزيز ما وصف بـ "الانقلاب القانوني".
كما اتهم الموقع نتنياهو بتعمد رفض بدء مفاوضات المرحلة الثانية ومحاولته التحايل على الاتفاق الموقع مع حماس عبر الضغط على إدارة ترامب لوضع صيغة اتفاق جديدة تخدم مصالحه الشخصية. كما أشار أيضًا إلى أن استئناف العدوان أثار جدلًل واسعًا داخل المجتمع الإسرائيلي الرافض لهذه الخطوة التي تعرض الجنود والأسرى للخطر، مما تجلى في تصاعد التحركات الاحتجاجية ضد الحكومة.
بعد استئناف العدوان على غزة، خرجت مظاهرات حاشدة في إسرائيل تعبر عن رفضها لقرارات نتنياهو باستئناف الحرب، ومطالبة باستكمال المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق يوقف الحرب بشكل كامل وينشئ آلية لتبادل الأسرى.
إسرائيل تروّج لادعاءات مضللة حول ضحايا الفريق الإغاثي في بيت لاهيا
كيف وظّف جيش الاحتلال الإسرائيلي بيانات الفلسطينيين لتطوير نموذج ذكاء اصطناعي لمراقبتهم؟