تغذية

مخاطر المعلومات المضللة عن التغذية في وسائل التواصل الاجتماعي

محمد عبد اللطيف خرواط محمد عبد اللطيف خرواط
date
29 مارس 2025
آخر تعديل
date
10:55 ص
2 أبريل 2025
مخاطر المعلومات المضللة عن التغذية في وسائل التواصل الاجتماعي
باتت مواقع التواصل بيئة خصبة لنشر المعلومات الغذائية المضللة

في العصر الحالي، تعد وسائل التواصل الاجتماعي المصدر الأول لنسبة كبيرة من المستخدمين للحصول على المعلومات الصحية والغذائية. توفر هذه المنصات، مثل انستغرام ويوتيوب وتيك توك، وصولًا غير مسبوق إلى محتوى متنوع، لكنها في الوقت نفسه أصبحت بيئة خصبة لانتشار المعلومات المغلوطة. 

ومع غياب التنظيم والرقابة الفعالة، يتعرض الملايين يوميًا لنصائح غذائية غير دقيقة، وحميات غذائية غير مثبتة علميًا، ومكملات يتم الترويج لها دون أدلة كافية. تؤثر هذه الظاهرة على الصحة العامة، إذ يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات غذائية، سوء تغذية، وزيادة انتشار المفاهيم الخاطئة حول التغذية. يتناول هذا المقال، كيفية انتشار التضليل الغذائي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونتائجه المحتملة، والحلول الممكنة للحد من تأثيره على المجتمع.

مواقع التواصل الاجتماعي: بيئة خصبة لنشر المعلومات الغذائية المضللة 

تمثل وسائل التواصل الاجتماعي سلاحًا ذو حدين، فهي توفر معلومات قيمة لكنها في الوقت نفسه تُستخدم لنشر الأكاذيب والمفاهيم الخاطئة. في هذا السياق، نشرت المجلة العلمية الإسبانية Nutrición Hospitalaria والمعنية بالتغذية وعلم الطعام، مراجعة منهجية حللت الدراسات السابقة حول المعلومات المضللة المتعلقة بالتغذية على منصات التواصل الاجتماعي، مثل إنستغرام، إكس، يوتيوب، فيسبوك، وتيك توك.

استعرضت المراجعة دراسات نُشرت بين يناير/كانون الثاني 2017 ويونيو/حزيران 2024، إذ اختار الباحثون 28 دراسة من أصل 673 مقالة أولية. شملت هذه الدراسات أكثر من مليوني منشور على انستغرام، و1000 فيديو على يوتيوب، و46,000 تغريدة، بهدف تحديد المنصات الأكثر انتشارًا للمعلومات المضللة وتحليل أبرز محتواها.

أظهرت النتائج أن انستغرام بنسبة (50%) ويوتيوب بنسبة (39.28%) هما الأكثر استخدامًا لنشر المعلومات الغذائية غير الدقيقة، تليهما منصة إكس (10.72%) ثم تيك توك (5.13%). ومن أبرز الادعاءات الشائعة على هذه المنصات:

الحميات المعجزة والخرافات الغذائية

تُروّج على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع ما يُعرف بـ "الحميات المعجزة"، وهي أنظمة غذائية تعد بنتائج سريعة وفورية دون أي أساس علمي. ومن الأمثلة على هذه الحميات:

حمية التخلص من السموم (Detox Diets): تزعم هذه الحمية أن تناول عصائر معينة يمكنه "تطهير" الجسم من السموم، في حين أن الكبد والكلى يؤديان هذه الوظيفة بشكل طبيعي دون الحاجة لأي حمية خاصة.

لقطة شاشة من تيك توك

حمية الكيتو لفقدان الوزن السريع: على الرغم من أن نظام الكيتو الغذائي له فوائد علاجية في بعض الحالات، إلا أن الترويج له كوسيلة لفقدان الوزن السريع دون تحديد مخاطره الصحية يعد تضليلًا كبيرًا. إذ إنّ تقليل الفواكه والحبوب وبعض الخضروات قد يسبب نقصًا في الفيتامينات والمعادن، ما يؤثر على المناعة والهضم. يواجه البعض "إنفلونزا الكيتو" بأعراض مثل الصداع والتعب بسبب فقدان السوائل والمعادن. الاعتماد على الدهون المشبعة قد يزيد الكوليسترول الضار، مما يرفع خطر أمراض القلب. كذلك قلة الألياف تؤدي للإمساك، بينما الدهون الزائدة قد تسبب الإسهال. وانخفاض الكربوهيدرات قد يسبب اضطرابات هرمونية تؤثر على الدورة الشهرية والخصوبة.

معلومات مضللة عن الكيتون

ترويج المكملات الغذائية بدون دليل علمي

تشهد وسائل التواصل الاجتماعي انتشارًا واسعًا للتسويق غير المنضبط للمكملات الغذائية، إذ يتم تقديمها على أنها ضرورية لكل شخص يرغب في تحسين صحته. من أشهر هذه المنتجات:

حبوب حرق الدهون: التي يتم الترويج لها على أنها قادرة على إذابة الدهون دون الحاجة إلى نظام غذائي متوازن أو ممارسة الرياضة.

معلومات مضللة عن كيفية التخلص من السمنة

مكملات البروتين لبناء العضلات: رغم أن البروتين مهم للرياضيين، إلا أن الترويج المفرط له دون الحاجة الفعلية قد يؤدي إلى استهلاك غير صحي.

معلومات مضللة عن المكملات الغذائية

مكملات الفيتامينات دون وصف طبيب: تناول الفيتامينات بدون حاجة حقيقية قد يكون غير ضروري بل ضارًا في بعض الحالات. مثلا، يلجأ البعض إلى تناول مكملات فيتامين D3 دون استشارة طبية عند الشعور بالإرهاق، أو آلام العضلات والعظام، أو تساقط الشعر. لكن هذه الأعراض قد تكون ناجمة عن مشكلات أخرى، مثل فقر الدم، أو اضطرابات الغدة الدرقية، أو الاكتئاب.

الاستخدام العشوائي للمكملات قد يؤدي إلى ارتفاع مستويات الكالسيوم في الدم، ما يزيد من خطر الإصابة بحصوات الكلى واضطرابات القلب. كما أن تناولها دون الحاجة الفعلية قد يخفي السبب الحقيقي للأعراض، مما يؤخر التشخيص السليم والعلاج المناسب. لذا، يُنصح بمراجعة الطبيب قبل اللجوء إلى أي مكمل غذائي.

مخاطر تناول فيتامين د3

الخرافات حول بعض الأطعمة

"الغلوتين ضار للجميع": بينما يجب على مرضى الاضطرابات الهضمية تجنب الغلوتين، فإن ذلك لا يعني أنه ضار لبقية الأشخاص.

معلومات ضارة عن الغلوتين

"السكر يسبب السرطان": رغم أن تناول السكر بكميات كبيرة ليس صحيًا، إلا أنه ليس السبب المباشر للإصابة بالسرطان كما تدعي بعض المنشورات.

معلومات مضللة عن السكر

المخاطر الصحية للمعلومات المضللة عن التغذية

1. زيادة معدلات اضطرابات الأكل

يساهم انتشار الحميات الغذائية غير العلمية في تعزيز اضطرابات الأكل مثل "الأنوريكسيا" و"البوليميا"، فيصبح الأشخاص مهووسين بفقدان الوزن بطرق غير صحية.

2. سوء التغذية بسبب النصائح الخاطئة

قد تؤدي المعلومات المضللة إلى اتخاذ قرارات غذائية غير صحيحة، مثل تجنب مجموعات غذائية أساسية (الكربوهيدرات أو الدهون) مما يسبب نقصًا غذائيًا ومشاكل صحية طويلة الأمد.

3. تأثيرات نفسية سلبية

قد يشعر الأفراد بالإحباط والاكتئاب عند فشلهم في تحقيق النتائج التي وعدتهم بها هذه الحميات المعجزة، مما قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الصحة النفسية.

4. تفاقم الأمراض المزمنة

يمكن أن تؤدي المعلومات الخاطئة إلى تفاقم حالات مثل السكري وأمراض القلب، خاصة عندما يتخلى المرضى عن العلاجات الطبية لصالح نصائح غير علمية منتشرة على الإنترنت.

5. الخداع التجاري

يتم استغلال المستهلكين لشراء مكملات غذائية غير فعالة أو منتجات تدّعي فوائد صحية غير مثبتة.

تجربة سيسيل سيمونز 

تروي الباحثة الاستقصائية سيسيل سيمونز في مقالها في صحيفة ذا غارديان تجربتها مع المعلومات الغذائية المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي بدأت بعد اكتشافها كتلة حميدة في ثديها. بحثًا عن حياة صحية، انجذبت إلى محتوى انستغرام وتيك توك الذي يروج لـ"التغذية النظيفة"، لكن سرعان ما وجدت نفسها عالقة في هوس غير صحي بالطعام، أعادها إلى اضطراب الأكل الذي عانت منه في مراهقتها.

أدركت لاحقًا أن الكثير من المؤثرين يستغلون مخاوف الناس الصحية للترويج لحميات غذائية غير مدروسة ومكملات غذائية مشكوك في فعاليتها. وبعد معاناة مع الإرهاق والتوتر، لجأت إلى طبيب تغذية، الذي ساعدها على استعادة توازنها الغذائي والنفسي عبر اتباع نظام صحي قائم على التوازن بدلًا من الحرمان.

تدعو سيمونز الآن إلى الحذر من المعلومات الغذائية المتداولة على الإنترنت، والاعتماد على مصادر علمية موثوقة، مؤكدة أن الطعام ليس عدوًا، بل جزء من حياة صحية ومتوازنة.

تجربة سيسيل سيمونز

كيف تنتشر المعلومات المضللة عن التغذية على مواقع التواصل الاجتماعي؟

1. سهولة الوصول والتفاعل السريع

تتيح هذه المنصات للمستخدمين مشاركة المعلومات بسرعة هائلة، ما يجعل التحقق من صحة المعلومات أمرًا صعبًا. على سبيل المثال، يمكن لمقطع فيديو عن "فوائد مذهلة" لحمية معينة أن يصل إلى ملايين المشاهدين خلال ساعات فقط، بغض النظر عن دقته.

2. تأثير المؤثرين (Influencers)

يلعب المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي دورًا رئيسيًا في نشر المعلومات الغذائية، حيث يميل المتابعون إلى تصديقهم أكثر من المصادر العلمية. بعض هؤلاء المؤثرين يفتقرون إلى الخلفية العلمية، مما يزيد من انتشار المعلومات غير الدقيقة.

3. الخوارزميات والتفاعل

تعتمد وسائل التواصل الاجتماعي على خوارزميات تروج للمحتوى الذي يلقى تفاعلًا عاليًا، بغض النظر عن مصداقيته. المحتوى الجذاب، الذي يعد بنتائج فورية، يحصل على مشاهدات أكثر، بينما المحتوى العلمي الموثوق قد لا يحظى بالانتشار نفسه.

4. نقص الوعي الصحي والرقمي

يفتقر الكثير من المستخدمين إلى القدرة على تقييم موثوقية المعلومات الصحية التي يستهلكونها عبر الإنترنت. يؤثر هذا النقص في الوعي على قراراتهم الغذائية، مما قد يؤدي إلى ممارسات غير صحية.

كيف نواجه التضليل الغذائي؟

1. تعزيز التثقيف الغذائي

يجب على المؤسسات الصحية تقديم برامج توعوية لتعزيز الفهم الصحيح للمعلومات الغذائية، وتشجيع التفكير النقدي عند استهلاك المعلومات عبر الإنترنت.

2. تنظيم المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي

من الضروري أن تعمل المنصات الرقمية على تحسين خوارزمياتها لتقليل انتشار المعلومات غير الدقيقة، وإضافة تحذيرات للمحتوى غير الموثوق.

3. زيادة دور الخبراء والمختصين

يجب أن يكون لأخصائيي التغذية والأطباء حضور أكبر على وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر المعلومات الصحيحة وتقديم بدائل موثوقة للمحتوى المغلوط.

4. فرض رقابة أكثر صرامة على التسويق الغذائي

يجب أن تفرض الجهات التنظيمية قوانين أكثر صرامة لمنع الترويج للمنتجات الغذائية والمكملات بدون أدلة علمية واضحة.

اقرأ/ي أيضًا

 

المصادر

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع