لجوء سكان إلى قاعدة حميميم: كيف تباينت تغطية وسائل الإعلام لأحداث الساحل السوري؟

تلعب وسائل الإعلام دورًا محوريًا في تشكيل تصورات الجمهور تجاه الأحداث الكبرى، إذ لا تقتصر وظيفتها على نقل الأخبار، بل تمتد إلى صياغة السرديات التي تحدد كيفية فهم تلك الأحداث. في السياقات المتوترة مثل الأحداث التي شهدتها سوريا، يصبح اختيار المصطلحات أكثر من مجرد تفاصيل لغوية، ويتحول إلى أداة تعكس توجهات سياسية وتؤثر في الرأي العام.

فمثلًا، في تغطية أحداث الساحل السوري الأخيرة، تباينت السرديات بين وسائل الإعلام، فبعضها وصف النازحين إلى قاعدة حميميم الروسية بأنهم "فلول النظام"، وبعضها اعتبرهم "مدنيين" أو "نازحين". هذا التفاوت في التوصيفات لم يكن مجرد اختلاف لغوي، بل ساهم في إثارة الانقسامات والجدل وزيادة الاستقطاب على مواقع التواصل.

في هذا التقرير، يستعرض "مسبار" كيف شكّلت التغطية الإعلامية صورة أحداث الساحل السوري، وما الدور الذي لعبته المصطلحات في توجيه السرديات، وتأثير ذلك على الخطاب العام.

الجزيرة: بين استخدام مصطلح "مؤيدو النظام المخلوع" وتعديل التوصيف لاحقًا

استخدمت قناة الجزيرة في بداية تغطيتها لأحداث الساحل السوري مصطلح "مؤيدي النظام المخلوع" عند الإشارة إلى اللاجئين إلى قاعدة حميميم الروسية، التي لجأ إليها حشد من سكان الساحل السوري، إثر هجمات دامية استهدفت بلداتهم وقراهم، وأسفرت عن مقتل المئات.

نشرت قناة الجزيرة مقطع فيديو عن تجمع في قاعدة حميميم، تحت عنوان "لقطات جوية تُظهر وجود فلول النظام السوري في قاعدة حميميم الروسية بمدينة اللاذقية".

استخدام هذا التوصيف في سياق الحدث السوري أثار موجة من الانتقادات والجدل.

بعد هذا الجدل، عدّلت الجزيرة المنشور واستبدلت الفيديو بآخر، وغيّرت النص التوضيحي للفيديو ليصبح: "لقطات خاصة للجزيرة تظهر وجود عشرات العائلات من مناطق الساحل داخل قاعدة #حميميم الروسية في محافظة #اللاذقية".

كما نشرت قناة الجزيرة الفيديو ذاته على منصات أخرى لها مثل الجزيرة-مصر. لكن بعد أن أثار جدلًا أيضًا، سارعت لحذف الفيديو من حساباتها تلك على منصات التواصل الاجتماعي دون استبداله.

استمرت الجزيرة في نشر تقارير أخرى عن الموضوع، مثل تقرير بعنوان "هل دعمت قاعدة حميميم فلول الأسد؟"، والذي استند إلى منشورات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أجج إثارة الجدل مجدّدًا والخلاف بين المستخدمين والذي ظهر في التعليقات على الفيديو.

القدس العربي: القوات الروسية تسمح لفلول الأسد بدخول قاعدة حميميم

تبنّت صحيفة القدس العربي مصطلح "فلول الأسد" عند الإشارة إلى اللاجئين في قاعدة حميميم، إذ جاء في أحد عناوينها "القوات الروسية تسمح لفلول نظام الأسد بدخول قاعدة حميميم".

العربي الجديد والتلفزيون العربي: بين توصيف اللاجئين والحديث عن تخلي روسيا عنهم

في المقابل استخدمت صحيفة العربي الجديد وتلفزيون العربي توصيف "مدنيون سوريون" بدلًا من "فلول النظام" و"مؤيدي النظام المخلوع"، لكنهما ركّزا على زاوية مختلفة، وهي أن روسيا طلبت من النازحين مغادرة القاعدة بسبب محدودية الموارد.

ونشر موقع العربي الجديد تقريرًا بعنوان "روسيا تطلب من المدنيين السوريين مغادرة قاعدة حميميم: مواردنا محدودة"، جاء فيه "طلبت روسيا من السوريين الذين لجأوا إليها خلال الأيام الماضية مغادرة قاعدة حميميم في ريف اللاذقية شمال غربي سورية، والعودة إلى مناطقهم، قائلة إنّ الوضع في سورية يتحسن تدريجيًا، وإن إمكانيات القاعدة لا تساعد على مواصلة استضافتهم فيها".

ونشر التلفزيون العربي مقطع فيديو بعنوان "ما المعلومات المتوفرة حتى الآن عن المدنيين السوريين الذين لجأوا إلى قاعدة حميميم الروسية؟"، أيضًا استخدم فيه مصطلح "مدنيين سوريين".

مونت كارلو: التركيز على شهادات "العلويين" وتوصيف الأحداث بالمجازر

في تغطيتها، أبرزت إذاعة مونت كارلو شهادات من "علويين" يروون فظائع ما وصفته بـ"المجازر" في الساحل السوري. استخدام مصطلح "مجازر" حمل دلالات تشير إلى وقوع انتهاكات جسيمة، بينما التركيز على شهادات "العلويين" يسلط الضوء على البعد الطائفي للأحداث. 

سانا: الإعلام الرسمي يتجنب المصطلحات المثيرة للانقسام

استخدمت وكالة سانا مصطلح "السوريون داخل القاعدة"، متجنبة أي تعبيرات قد تُفسَّر على أنها منحازة. إذ نشرت وكالة الأنباء السورية خبرًا بعنوان "مدير منطقة جبلة يزور قاعدة حميميم للاستماع إلى المواطنين السوريين داخلها"، وجاء في الخبر "أجرى مدير منطقة جبلة ومسؤول أمن المنطقة زيارة إلى قاعدة حميميم للاستماع إلى المواطنين السوريين داخلها، بهدف طمأنتهم والتأكيد على استتباب الأمن في قراهم، أسوة بمن سبقهم وعادوا إلى منازلهم".

انقسام حول أحداث الساحل السوري

شهدت الأحداث المتصاعدة في الساحل السوري تباينات حادة في التغطيات الإعلامية وانقسامًا واضحًا في الرأي العام. بعض وسائل الإعلام قدّمت روايات تُبرز معاناة المدنيين وتدعو إلى التدخل الإنساني، بينما ركّزت أخرى على الجوانب العسكرية والسياسية. هذا التباين في التغطية ساهم في خلق فجوة في فهم الجمهور للأحداث، إذ اعتمدت بعض وسائل الإعلام على المصادر التي تتماشى مع توجهاتها، ما زاد من حدة الاستقطاب والانقسام المجتمعي.

وفي السياق نفسه  نشر "مسبار" مقالًا عن مساهمة المعلومات المضللة في تأجيج أحداث الساحل السوري. إذ شهدت البلاد تصاعدًا غير مسبوق في وتيرة المعلومات المضللة، التي باتت تُستخدم بشكل واسع لتوجيه الرأي العام وتأجيج التوترات الطائفية والسياسية. وتنوّعت أساليب التضليل بين إعادة تدوير مشاهد قديمة، ونشر أخبار زائفة، وفبركة مقاطع فيديو وتصريحات.

وفي مقال آخر كشف "مسبار" عن وجود حسابات مشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي نشطت في الترويج المستمر لخطاب الكراهية، وتأجيج الانقسامات، وتعزيز حالة الاستقطاب.

اقرأ/ي أيضًا

كيف ساهمت المعلومات المضللة في تأجيج أحداث الساحل السوري؟

سوريا: شبكات تحريض تغذي العنف والكراهية وتهدد السلم الأهلي