غالبية السوريين متفائلون بالمستقبل: جدل حول دقة أرقام استطلاع إيكونوميست
نشرت مجلة ذا إيكونوميست، مطلع إبريل/نيسان الجاري، نتائج استطلاع رأي أُجري داخل سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، أظهر نسبًا مرتفعة من التفاؤل بين السكان. الاستطلاع أشار إلى أن 70 في المئة من السوريين متفائلون بالمستقبل، و80 بالمئة يشعرون بحرية أكبر مقارنة بما قبل، و66% قالوا إن الوضع الأمني قد تحسّن.
أثار استطلاع ذا إيكونوميست الذي خلص إلى أن غالبية السوريين يدعمون الحكم الجديد في البلاد، نقاشًا واسعًا بين المتابعين والناشطين، سواء داخل سوريا أو خارجها. وبينما رحّب البعض بصدور استطلاع رأي "شامل ونادر" كما قالت المجلة، أبدى آخرون تحفظات على منهجية الاستطلاع ودلالات نتائجه.
ذا إيكونوميست: 81% من السوريين يؤيدون حكم الشرع
أوردت مجلة ذا إيكونوميست أن استطلاعًا للرأي شمل 1500 سوريّ من مختلف المحافظات والطوائف أظهر أن 81 في المئة يؤيدون حكم الرئيس المؤقت، أحمد الشرع، فيما قال 22 في المئة فقط، إن ماضيه في تنظيم القاعدة يجب أن يمنعه من القيادة. عبّر عدد كبير من المشاركين عن شعورهم بأن النظام الجديد أكثر أمانًا وحرية وأقل طائفية مقارنة بنظام الأسد، وأبدى 70 في المئة تفاؤلهم تجاه مسار البلاد الجديد. وجاءت إدلب، كأكثر المحافظات تفاؤلًا بنسبة 99 في المئة، فيما كانت طرطوس الأقل تفاؤلًا، رغم أن 49 في المئة من سكانها عبّروا عن نظرة إيجابية مقابل 23 في المئة كانوا متشائمين.
وانتقد مستخدمون في منشورات على منصة فيسبوك النسبة المرتفعة لتأييد الشرع، التي بلغت 81 في المئة، وقارنوها بنسبة التأييد التي حصل عليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هذا العام (90%)، معتبرين أن مثل هذه الأرقام لا تظهر سوى في الأنظمة السلطوية، بخلاف القادة في الدول الغربية حيث نادرًا ما تتجاوز نسب التأييد 52%.
كما أثار سؤال حول دعم تطبيق الشريعة الإسلامية، الذي قال الاستطلاع إن 90% من السنّة وافقوا عليه، جدلًا واسعًا بسبب غياب التوضيح بشأن المقصود بمفهوم "تطبيق الشريعة"، وما إذا كان يشمل قوانين جزائية أم مجرد مرجعية قيمية.
وذهب آخرون للتشكيك في تمثيلية العينة، معتبرين أن استطلاع آراء 1500 شخص لا يكفي لعكس رأي مجتمع متعدد ومعقد مثل سوريا، كما طُرحت علامات استفهام حول آلية تنفيذ الاستطلاع في ظل الظروف الأمنية والميدانية، دون شفافية كافية بخصوص طريقة اختيار المشاركين أو ظروف إجراء المقابلات.
فيما اشتكى بعض الناشطين من أنهم لم يُسألوا ولم يعرفوا أحدًا شمله الاستطلاع. كما استنكر آخرون أن تنشر وسيلة إعلام بعراقة ذا إيكونوميست استطلاعًا "ضحلًا" حسب وصفهم.
في المقابل، دافع آخرون عن صدقية الاستطلاع، مشيرين إلى أن ذا إيكونوميست مؤسسة صحفية دولية ذات سمعة مهنية، ولا يُعرف عنها التواطؤ مع الأنظمة أو السلطات.
واستشهد مؤيدو النتائج بأن المجلة نفسها كانت قد نشرت في السابق مقالات شديدة الانتقاد للإدارة السورية الجديدة، ما يعزز فرضية استقلالها التحريري وعدم انحيازها للسلطة القائمة.
في المقابل، قال ذا إيكونوميست إن إجراء الاستطلاع يعد في حد ذاته مؤشر إيجابي في سياق إقليمي يمنع عادة هذا النوع من الأبحاث. ورغم أن ظروف التنفيذ لم تكن مثالية واعتمدت على مقابلات مباشرة في الأماكن العامة لضمان التوزيع الجغرافي، إلا أن تباين الإجابات حسب الانتماءات الدينية والعرقية يعزز من صدقيته. وأكدت المجلة أنه بهدف معالجة بعض التحيزات في البيانات، أعادت وزن العينة حسب المنطقة الجغرافية والفئة العمرية والانتماء إلى كردي أو علوي، وفقًا لأفضل التقسيمات المتاحة لنسب هاتين المجموعتين في السكان. ولم تُحدث هذه التعديلات سوى تأثير طفيف على النتائج.
ورغم الجدل الواسع الذي أثاره الاستطلاع حول المزاج الشعبي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، إلا أن تقييم دقة نتائجه لا يمكن أن يقتصر على النقاشات العامة فحسب، بل يتطلب مقاربة علمية تُعنى بمنهجية العمل الميداني ومدى التزامها بالمعايير البحثية المعتمدة، لا سيما في البيئات التي تعاني من انعدام الاستقرار السياسي والأمني. فالسياقات المعقدة، كما في الحالة السورية، تفرض تحديات استثنائية أمام الباحثين، ما يدفع إلى التساؤل حول مدى إمكانية إجراء استطلاع تمثيلي فعلي، خصوصًا في ظل غياب الشفافية حول آليات اختيار العينة، وضمانات الحياد، وحماية المستجيبين.
غياب التفاصيل المنهجية في استطلاع ذا إيكونوميست
في الاستطلاع، لم تنشر المجلة أي معلومات حول الجهة المنفذة ميدانيًا، ولا آلية اختيار المشاركين أو أسلوب التواصل معهم، كما لم تذكر توقيت جمع البيانات بدقة أو كيفية التعامل مع التوزيع الجغرافي والديموغرافي للعينة. أيضًا لم تذكر كيفية تأمين المشاركين نفسيًا وأمنيًا للإفصاح عن آرائهم في بلد ما زال يمر بمرحلة انتقالية محفوفة بالمخاطر والتوترات.
ورغم أن الخبر يشير إلى أن الاستطلاع شمل مشاركين "من مختلف المناطق والانتماءات الدينية والإثنية"، فإن هذا الوصف لا يشكّل بحد ذاته بيانًا منهجيًا كافيًا أو مقبولًا علميًا، فلم تُنشر أية معلومات حول كيفية اختيار المشاركين، أو نسبة هامش الخطأ، أو مدة جمع البيانات، أو معدل الاستجابة.
في البحث الكمي، لا تكفي الإشارات العامة لتوصيف العينة، بل يجب الكشف عن المعايير التفصيلية التي تتيح للباحثين والقراء تقييم مدى تمثيلية العينة وجودة النتائج. وعند غياب هذه الشفافية، يصبح أي تعميم لنتائج الاستطلاع موضع تساؤل منهجي، خصوصًا في حالات النزاع المعقدة التي تتطلب أقصى درجات التدقيق في جمع البيانات.
غالبًا ما يُعتمد في استطلاعات الرأي في مناطق النزاع على ما يُعرف بـ"العيّنة الميسّرة"، وهي تقنية تلجأ إليها بعض المؤسسات البحثية عند تعذر الوصول إلى عينة تمثيلية علميًا، لكنها تعطي نتائج غير دقيقة بالضرورة، وتكون شديدة التأثر بالسياق المحلي. وإن لم تكن هناك آلية شفافة للتحقق من المعطيات، فإن هذه النتائج تصبح عرضة للتوظيف السياسي والإعلامي.
اقرأ/ي أيضًا
لجوء سكان إلى قاعدة حميميم: كيف تباينت تغطية وسائل الإعلام لأحداث الساحل السوري؟