هل حقًّا لم يوقّع قيس سعيّد اتفاقية لترحيل التونسيين من دول الاتحاد الأوروبي؟
في السادس من إبريل/نيسان الجاري، وأثناء مشاركته في مراسم إحياء الذكرى 25 لوفاة الحبيب بورقيبة (أول رئيس لتونس من 1957 إلى 1987)، قال الرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد إن تونس لم تُبرم في عهده أيّ اتفاقية لترحيل التونسيين من الفضاء الأوروبي إلى بلادهم.
وأشار سعيّد في السياق إلى اتفاقيتين أبرمتا في عامي 2008 و2011، من قِبل من قال إنهم اختاروا الأخذ بإملاءات عدد من الجهات الأجنبية.
الرئيس سعيّد يوقع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي
تحقق "مسبار" من تصريح قيس سعيّد وتبين أنّه أمضى خلال عهدته الأولى مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي تضمنت فقرة تتفق بموجبها تونس مع الاتحاد الأوروبي على دعم "عودة" رعاياها الموجودين بصفة غير نظامية في دول الاتحاد الأوروبي إلى بلادهم.
وجاء في المذكرة الموقعة في 16 يوليو/تموز عام 2023، أن الطرفين "اتفقا على زيادة دعم عودة واستقبال المواطنين التونسيين الموجودين في وضع غير قانوني في الاتحاد الأوروبي، مع احترام القانون الدولي وكرامتهم والحقوق المكتسبة، ويتعهدان بالعمل معًا على إعادة إدماجهم الاقتصادي والاجتماعي في تونس".

سعيّد لم يعلن القطيعة مع سياسات الهجرة المعتمدة سابقًا
منذ تولي قيس سعيّد الرئاسة في تونس عام 2019، لم يعلن من خلال تصريحات صحفية أو عبر بلاغات لرئاسة الجمهورية، القطيعة مع السياسات السابقة للهجرة، بل حافظ عليها مع ألمانيا وإيطاليا وبحث مع الاتحاد الأوروبي عن حلول جديدة لمشاكل الهجرة، خاصة ما تعلّق منها بمسألة ترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين إلى دول الاتحاد الأوروبي.
في تصريح لـ"مسبار"، أكّد النائب السابق في البرلمان عن جهة إيطاليا والناشط في مجال الهجرة، مجدي الكرباعي، أن مذكرة التفاهم الموقعة بين تونس والاتحاد الأوروبي هي السبب الرئيسي في تسريع عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى تونس.
وأشار الناشط إلى أن عمليات الترحيل باتت تتم في ظرف 24 ساعة من وصول المهاجر التونسي إلى أوروبا، حيث يوضع أولًا في مركز احتجاز ثم يُرحّل قسريًا إلى تونس.
ويضيف الكرباعي أن العديد من المهاجرين غير النظاميين التونسيين، الموجودين في إيطاليا، "يفضّلون الانتحار على العودة قسريًا إلى تونس"، على حد تعبيره.
كما كشف الكرباعي أن المرحلين قسريًا يتعرضون لانتهاكات واعتداءات بعد وضعهم في مراكز الاحتجاز، حيث يتم إطعامهم أدوية مخدرة من أجل تسهيل عملية الترحيل.
وبحسب أرقام حصل عليها الناشط في مجال الهجرة بتنسيق مع وزارة الداخلية الإيطالية، ونشرها على موقع فيسبوك في الرابع من إبريل الجاري، فإن عمليات الترحيل من إيطاليا تتم أسبوعيًا. وبحسب المصدر ذاته "رُحّل ما بين الأول من يناير/كانون الثاني والـ31 مارس/آذار من السنة الجارية قرابة 470 مهاجرٍ تونسي من مطارات إيطالية، نحو مطار طبرقة الدولي بتونس".
من جانبه، أكّد أستاذ علم الاجتماع خالد الطبابي لمسبار، أنّ عمليات الترحيل القسري من دول أوروبية عدّة باتت تتم أسبوعيًا، خلال فترة حكم الرئيس قيس سعيد، سواء من فرنسا أو من ألمانيا أو من إيطاليا. واعتبر الطبابي "مذكرة التفاهم مع الجانب الأوروبي محطة دولية لتعجيل عملية الترحيل إلى تونس"، وقال إنها عمّقت الأزمة وزادت من الانتهاكات بحق المهاجرين غير النظاميين.
كما كشف مجدي الكرباعي لمسبار عن تسجيل انخفاض قدره 17 في المئة في عدد المهاجرين غير النظاميين الوافدين إلى إيطاليا من تونس، مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الفائتة. وأشار الكرباعي إلى أن تسعة آلاف مهاجر غير نظامي وصلوا هذه السنة إلى إيطاليا، بينما شهد مثل هذا التوقيت من السنة الفائتة توافد أكثر من 11 ألف مهاجر تونسي إلى السواحل الإيطالية.
وأرجع الناشط في مجال الهجرة الانخفاض إلى الاتفاقية المبرمة بين تونس والاتحاد الأوروبي في يوليو 2023، التي التزم فيها الرئيس قيس سعيد بحماية الحدود وغلقها أمام المهاجرين غير النظاميين. وأقرّت السلطات الإيطالية بتراجع أعداد التونسيين الوافدين إلى أراضيها مرجعة الفضل إلى الجهود التي بذلتها مع السلطات التونسية.
ونقلت وكالة أنباء إيطالية تصريحًا لرئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، في 14 يناير من العام الجاري، أكدّت فيه أنه "بفضل تحرك إيطاليا هناك انخفاض كبير في أعداد الوافدين عبر طريق وسط البحر الأبيض المتوسط"، فضلًا عن "انهيار أعداد المغادرين من تونس وليبيا".
كما أشارت ميلوني إلى انخفاض حالات دخول المهاجرين غير النظاميين المسجلين إلى الاتحاد الأوروبي عام 2024، إلى أدنى مستوى له منذ عام 2021.
وانتقد رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، عبر حسابه الرسمي على فيسبوك السياسات العمومية في مجال الهجرة. وأوضح أنّها "لم تتغيّر بل انحرفت أكثر نحو مزيد من الأمننة والأحادية والانغلاق والمساومة وانتهاك الحقوق، عبر الانخراط في مسارات أمنية أوروبية تتركز على مراقبة الحدود والتعاون في الترحيل، الذي بات يُسمّى إعادة القبول، والاستعاضة عن الاتفاقيات، الملزمة والخاضعة للمراقبة، بمحاضر الجلسات ومذكرات التفاهم غير الملزمة والعامة والتي لا يمكن متابعة تفاصيل تنفيذها".
ادعاءات حول إمضاء السبسي اتفاقية لترحيل المهاجرين التونسيين من أوروبا، ما حقيقتها؟
بالتزامن مع صدور تصريح قيس سعيد بشأن عدم إمضائه أيّ اتفاقية تنص على ترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين من أوروبا إلى بلادهم، تداول مستخدمون على منصتي "فيسبوك" و"تيكتوك" ادعاءً مفاده أن اتفاقية ترحيل المهاجرين التونسيين غير النظامين من أوروبا إلى تونس أُبرمت خلال فترة حكم الرئيس الراحل، الباجي قائد السبسي، وأن الرئيس قيس سعيد يُطبّق فقط بنود هذه الاتفاقية وليس مسؤولًا عن إبرامها.
بمراجعة تاريخ العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي، تبيّن أنّ معظم اتفاقيات تونس مع الاتحاد الأوروبي لم تُوقَّع خلال فترة حكم الرئيس الراحل، الباجي قائد السبسي.
بدأت الشراكة التونسية الأوروبية قبل قرابة عقدين من تولي الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي الرئاسة في تونس. ومثّل مؤتمر برشلونة، في نوفمبر/تشرين الأول 1995، المحطة الأولى لبناء شراكة إقليمية أورومتوسطية، وباتت تونس خلال السنة ذاتها أول دولة من جنوب البحر الأبيض المتوسط توقع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، والتي نصت على إنشاء منطقة تجارة حرة.
وطالع مسبار نسخة من الاتفاقية، التي وقعت في 17 يوليو 1995، ودخلت حيز التنفيذ في السادس أغسطس/آب 1998، ووجد أنها نصّت على مكافحة الهجرة غير النظامية وتوسِيع إجراءات إعادة المواطنين التونسيين إلى وطنهم.

كما أظهر بحث مسبار أن تونس عقدت جلسة مع فرنسا في عام 2008، بشأن إدارة عمليات الهجرة والتنمية التضامنية بين الحكومتين الفرنسية والتونسية.

وفي يناير عام 2009، اتفقت تونس مع إيطاليا على إمضاء اتفاقية تسمح بالطرد التدريجي للمهاجرين غير النظاميين التونسيين في مجموعات. وتنص الاتفاقية، التي أُمضيت في إبريل عام 2011، على تمويل مراكز احتجاز للمهاجرين في تونس، وإعادة قبول المهاجرين من دولة ثالثة، الذين عبروا تونس باتجاه إيطاليا. ووقّعت الاتفاقية مع إيطاليا فقط وليس مع الاتحاد الأوروبي.

وتوصّل مسبار إلى أن تونس وقّعت، في عام 2012، أي قبل تولي الباجي قائد السبسي الرئاسة، اتفاقية "شراكة مميزة" مع الاتحاد الأوروبي، مدعومة بخطّة عمل للفترة 2013-2017. وكان الهدف من تلك الشراكة هو "تطوير التعاون وتعميقه في مجالات البحث العلمي والتعليم العالي والشؤون الاجتماعية، وتسهيل تنقل الأشخاص، لاسيما من خلال تبني مقاربة شاملة للتعاطي مع مسألة الهجرة، كأحد روافد التنمية وخلق مواطن الشغل خاصة في المناطق المحرومة، إلى جانب تعزيز الدعم المالي المقدم من قبل الاتحاد الأوروبي إلى تونس"، بحسب ما ورد في نص الاتفاقية.
ووفقًا لرئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، فإن بقية الاتفاقيات المتعلقة بالترحيل القسري بقيت غير معلنة، منذ عام 2017 وإلى يومنا هذا.
وبالعودة إلى فترة حكم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي (2014-2019)، تبين أن السبسي أمضى اتفاقية في مارس عام 2017 مع ألمانيا فقط، وليس مع الاتحاد الأوروبي. وتُلزم المذكرة (التي اتفق حولها بداية) تونس بتحديد رعاياها الموجودين في ألمانيا بصفة غير قانونية، وعددهم 1500 رعية، وتسليمهم في غضون أسبوع الوثائق اللازمة للعودة إلى تونس عبر رحلات خاصة، تهبط في مطار النفيضة الواقع على الساحل التونسي.

وفي الثالث مارس عام 2017، زارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تونس، وتم خلال الزيارة توقيع الاتفاقية مع الجانب التونسي في ندوة صحفية وبحضور وسائل الإعلام.
اقرأ/ي أيضًا
الإحصائية التي تشير إلى أن 95.6 في المئة من التونسيين غاضبون من أداء قيس سعيّد مفبركة
هل البرلمان التونسي السابق برئاسة الغنوشي هو من أقر المحاكمة عن بعد؟
المصادر





















