تكنولوجيا

شبكة دعائية إسرائيلية تستهدف الفلسطينيين بلهجة محلية ورسائل مضللة

فاطمة حمادفاطمة حماد
date
13 أبريل 2025
آخر تعديل
date
5:18 م
13 أبريل 2025
شبكة دعائية إسرائيلية تستهدف الفلسطينيين بلهجة محلية ورسائل مضللة
يكشف مسبار شبكة دعائية إسرائيلية تستهدف وعي الفلسطينيين (Getty)

في خضمّ الحرب التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي تجدّدت بعد وقف إطلاق النار المؤقت. بالتوازي، تزايدت الاجتياحات والانتهاكات في الضفة الغربية، إلى جانب التضييقات في القدس وسائر مناطق فلسطين. وفي ظل هذا التصعيد، تجاوزت المواجهة حدود الميدان لتصل إلى فضاء الوعي والرواية.

توسعت أدوات الدعاية الإسرائيلية لتواكب الواقع الرقمي، إذ ظهرت صفحات ناطقة بالعربية تُدار من داخل إسرائيل، بواجهات ناعمة تتظاهر بالحوار والانفتاح، بينما تروّج لرواية الاحتلال وتبرّر جرائمه، مستخدمة لغة محلية توظّف الرموز الدينية والعاطفية، وتستهدف الوعي الفلسطيني بشكل مباشر.

رغم أن محاولات التأثير على الرأي العام العربي ليست جديدة، إذ اعتمدت إسرائيل لسنوات على الإعلام الموجّه والدبلوماسية العامة، فإن المرحلة الحالية تشهد تطورًا لافتًا في الشكل والأسلوب. إذ تُقدّم هذه الروايات عبر لهجات مألوفة، ومنشورات مصممة بعناية، تستثمر اللحظات السياسية والدينية والاجتماعية الحرجة لإعادة تشكيل إدراك الفلسطينيين لذواتهم ولمقاومتهم ولمحتلهم.

تركّز هذه الشبكة على تصوير الاحتلال كقوة حامية، وتحميل المقاومة مسؤولية الدمار، والدعوة إلى الخلاص الفردي مقابل ما يُوصف بـ"مستقبل أفضل". وتُغلَّف هذه الرسائل بمقاطع قصيرة توظّف رموزًا دينية واجتماعية لتمرير محتوى مضلل. وتعتمد في مضمونها على إعادة إنتاج مزاعم مألوفة في الخطاب الرسمي الإسرائيلي، لكنها تُقدَّم بأسلوب جديد وموجّه للفلسطينيين، مثل مزاعم الاغتصاب خلال عملية طوفان الأقصى، واستخدام المستشفيات لأغراض عسكرية، واستغلال المدارس والمساجد، وسرقة المساعدات، وادعاء احترام حرية العبادة.

وفي محاولة لفهم هذا الخطاب وتحليل أدواته الرقمية، رصد "مسبار" نشاطًا واضحًا لخمس صفحات على موقع فيسبوك تُدار من داخل إسرائيل. تعمل هذه الصفحات بشكل متزامن، وتتشارك في خطاب موحّد يجمّل صورة الاحتلال ويشوّه صورة المقاومة. تُقدَّم بأسماء ذات طابع إنساني أو عقلاني أو حواري، وتُصمَّم بواجهات جذابة ولهجات قريبة من الجمهور، تمنحها مظهرًا محليًا مقبولًا، بينما تمارس فعليًا نشاطًا منظمًا يعيد إنتاج الرواية الإسرائيلية بلغة ناعمة ومضلّلة.

يهدف هذا التحقيق إلى تفكيك البنية الرقمية لتلك الشبكة، وتحليل رسائلها وآليات عملها، ورصد اللغة المستخدمة في منشوراتها، لفهم كيف تتحوّل الدعاية الرقمية إلى أداة نفسية ممنهجة تسعى إلى تقديم الاحتلال كخيار عقلاني، وتشويه صورة المقاومة، وتحميل الفلسطينيين مسؤولية ما يتعرضون له.

بعد بدء الحرب على غزة صفحات إسرائيلية تخاطب الفلسطينيين بالعربية

تُظهر بيانات "شفافية الصفحة" في فيسبوك أن الصفحات الخمس تُدار من داخل إسرائيل، وقد أُنشئت ثلاث منها خلال فترة متقاربة بين أكتوبر ونوفمبر 2023، بالتزامن مع تصاعد العدوان على قطاع غزة، ما يشير إلى وجود تخطيط رقمي موجّه للتأثير على وعي الفلسطينيين في لحظات الأزمات. تعود صفحة "فيدنا لمستقبل مشترك" إلى نوفمبر 2022، و"طريق السلامة" إلى فبراير 2023، لكن نشاطهما تصاعد بوضوح مع بداية الحرب، ضمن الخطاب الدعائي ذاته.

بدأت الصفحات بالنشر المكثّف بعد السابع من أكتوبر، ما يعزّز فرضية تنسيقها ضمن حملة رقمية تهدف إلى إعادة تشكيل الرأي العام في الضفة الغربية والقدس، عبر خطاب ناعم ومضلل. ورغم أن أيًا منها لا يحمل توثيقًا رسميًا، إلا أن إنتاجها يتم بأسلوب احترافي، يستخدم اللغة العربية بلهجة فلسطينية، وتصميمات جذابة ومقاطع قصيرة بمضامين دينية وعاطفية، تمنحها مظهرًا محليًا مألوفًا يخفي حقيقتها كأداة دعائية إسرائيلية.

تعتمد الصفحات على أسماء محايدة لا ترتبط بإسرائيل، وتخاطب الجمهور بأسلوب شخصي مثل "يا أهل جنين" و"إلى شباب الضفة"، و"أهالي الضفة الأعزاء"، لبناء علاقة ظاهرية قائمة على الثقة. وتبدو بعض منشوراتها ذات طابع اجتماعي أو ديني، لكنها تصب في اتجاه واحد: تبرئة الاحتلال من جرائمه، تحميل المقاومة مسؤولية الدمار، الدعوة لتجنّب الصراع، والترويج للخلاص الفردي على حساب الوعي الجماعي.

نشاط صفحات تُدار من إسرائيل بأسماء محايدة وتواريخ متقاربة
نشاط صفحات تُدار من إسرائيل بأسماء محايدة وتواريخ متقاربة

الحقيقة تحكي

تُعد "الحقيقة تحكي" من أبرز الصفحات الناطقة بالعربية التي رصدها مسبار ضمن الشبكة الرقمية الإسرائيلية. تُقدم الصفحة نفسها بواجهة حوارية واسم يوحي بالحياد وكشف الحقائق، وتعرّف نفسها بأنها تكشف "الحقيقة وراء كل الأحداث الأخيرة في الضفة الغربية"، لكنها في الواقع تُشكّل نموذجًا للدعاية الرقمية الناعمة التي تستهدف الفلسطينيين، خصوصًا في الضفة الغربية. أُنشئت في نوفمبر 2023، ونشرت أكثر من 60 منشورًا حتى مارس 2025، جميعها موجّهة للجمهور الفلسطيني.

تتبنى الصفحة استراتيجية تستغل الأزمات، خاصة خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل، لترويج خطاب دعائي يصوّر الفلسطيني كمسبب للعنف، والمقاومة كمصدر للدمار، مقابل تصوير إسرائيل كقوة "حامية" تتدخل حفاظًا على الاستقرار. وتُمرّر هذه الرسائل من خلال مقاطع فيديو كرتونية وتمثيلية، وتصميمات مؤثرة، وعبارات افتتاحية عاطفية مثل "أهل الضفة" و"يا سكان المنطقة"، في محاولة لخلق علاقة ظاهرية تقوم على الرعاية والاهتمام.

لا تقتصر الرسائل التي تبثّها الصفحة على التحذير أو التهديد المباشر، بل تستخدم أساليب متعددة تمزج بين الترهيب، والسخرية، والوعظ الأخلاقي، والمشاهد الإنسانية المؤثرة، بهدف تمرير رسائل سياسية وأمنية تُبرّر الاعتداءات الإسرائيلية، وتعيد تشكيل وعي المتلقي، خاصة لدى جمهور الضفة الغربية.

خطاب دعائي يُقارن بين مدن الضفة لتبرير العدوان على جنين

أحد أبرز الأمثلة على هذا الخطاب، فيديو نُشر في 11 فبراير/شباط الفائت، في اليوم الثاني والعشرين من العدوان الإسرائيلي على جنين ومخيمها، يُقارن بين جنين من جهة، ورام الله والخليل من جهة أخرى، من حيث الاستقرار الاقتصادي والحالة الأمنية.

يعرض الفيديو مشاهد من أسواق الخليل كمثال على "الحياة الطبيعية"، ثم ينتقل إلى مشاهد من جنين تُظهر نقصًا في البضائع، إغلاقًا للأسواق، ودمارًا في الطرق، ويصفها بأنها "مدينة اختارت العنف"، محمّلًا سكانها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، في مقابل تقديم رام الله والخليل كنموذجين لـ"الحياة السليمة".

يتضمّن الفيديو أيضًا شهادات من سكان جنين يتحدثون عن واقعهم وتطلّعاتهم، ثم يُختتم برسالة صريحة "لا تسمحوا بتدمير مدينتكم باسم الوطن، اختاروا الأسلم لكم، ولعائلاتكم ولتجارتكم".

يعتمد هذا النمط على مقارنة مضلّلة تُفرغ العدوان من سياقه السياسي والعسكري، وتُحمّل الضحية مسؤولية النتيجة، في محاولة لصناعة قناعة بأن "الهدوء" خيار فردي، لا نتيجة نظام قمعي أو واقع استعماري مفروض.

مقارنة بين جنين والخليل ورام الله

خطاب دعائي إسرائيلي يحمّل غزة ثمن العدوان ويبرّئ الاحتلال من جرائمه

كما يُلاحظ في خطاب الصفحة اعتماد مقارنة ممنهجة بين الضفة الغربية وقطاع غزة أيضًا، تُستخدم كأداة تهديد مبطّن تستند إلى ثنائية "الدمار مقابل الهدوء". يُقدّم نموذج المقاومة في غزة كمصدر للفقر والانهيار والدمار، في مقابل تصوير الضفة الغربية كمنطقة ما تزال "تملك الخيار"، وبإمكانها تجنّب المصير ذاته إذا اختارت الطاعة والسلام.

ويظهر هذا النمط بشكل خاص في منشورات نُشرت خلال شهر رمضان، مثًلا تُقارن صور مائدة إفطار عائلية في الضفة بمشهد لعائلة في غزة وسط الأنقاض، في محاولة لصناعة تعاطف مقلوب مع الجاني، وتحميل الضحية مسؤولية ما تتعرض له.

تتجاهل هذه المقارنات المتعمدة السياق الحقيقي في غزة، بما يشمل العدوان الإسرائيلي المستمر، والحصار المفروض على القطاع، وإغلاق المعابر، ومنع دخول المساعدات الإنسانية. وتُقدَّم النتائج الكارثية للحرب باعتبارها "عقوبة طبيعية" لاختيارات أهل غزة، في تبرئة واضحة للاحتلال من أفعاله، وإعادة صياغة الجريمة.

مقارنة بين الضفة وغزة

كما يعتمد الخطاب البصري لصفحة "الحقيقة تحكي" على ثنائيات مشوّهة تعزز الرواية الأمنية الإسرائيلية، وتُستخدم لتبرير الاعتقال وهدم المنازل، وفرض العقوبات الجماعية. يُبنى هذا الخطاب على رموز عاطفية مثل الأم، والدين، والقيم الأسرية، ويُقدَّم بلغة وعظية تُحمّل الأمهات مسؤولية "ضبط الأبناء"، وتدعو إلى الطاعة، وتحذّر من "التحريض". بهذه الطريقة، يُدمج الخطاب الأمني بالديني والمجتمعي، في إطار يبدو اجتماعيًا وأخلاقيًا، لكنه يخفي نوايا دعائية واضحة.

في تجسيد مباشر لهذا النمط، نشرت الصفحة في الأول من سبتمبر/أيلول 2024 فيديو كرتوني يقارن بين شابين فلسطينيين: أحمد من الخليل، وشادي من مخيم نور شمس. يظهر أحمد كابن مطيع يعمل ويدرس في جو من الاستقرار، بينما يُصوّر شادي كمقيم في بيئة فوضوية تنهار فيها الحياة بسبب المسلحين، وتُفجّر أمام منزله بسطة العائلة.

نُشر الفيديو بعد اجتياح الاحتلال للمخيم، والذي خلّف دمارًا واسعًا دمّر خلاله 150 منزلًا، وتسبّب بخسائر قُدّرت بـ30 مليون دولار. وفي السياق، يُستخدم الفيديو لإعادة توجيه المسؤولية من الاحتلال إلى السكان، عبر خطاب يُحمّل الضحية تبعات العدوان، ويُروّج لفكرة أن المقاومة هي السبب، لا الاحتلال.

مقارنات بين شاب من الخليل وآخر من مخيم نور شمس

مكانة الأم والدين في خدمة السردية الأمنية

في منشور آخر بتاريخ 20 مارس/آذار 2024، تستغل الصفحة أجواء شهر رمضان ومكانة الأم لبث رسالة أمنية مُغلّفة بالعاطفة. يُظهر الفيديو أمًا تحتضن ابنها، بينما يدعو النص الأمهات إلى مراقبة أبنائهن وتوجيههم نحو "الطريق الصحيح".

يوظّف المنشور لغة دينية تقليدية، تتحدث عن صلة الأرحام وفضل الأم، لينتهي بتحذير أمني واضح "نحن سنفعل بيد من حديد مع أي شخص يقوم بأعمال شغب وينخرط في التخريب". بهذا، تُحمّل الأسرة مسؤولية الضبط الأمني، ويُقدّم الاحتلال كجهة تحذّر لحماية الأبناء.

استغلال الدين في خدمة السردية الأمنية

في منشور بصري نُشر بتاريخ 29 يناير/كانون الثاني 2024، توظّف صفحة "الحقيقة تحكي" مقطعًا كرتونيًا يحمل خطابًا دعائيًا مُضلّلًا، يروّج لرواية تُحمّل فصائل المقاومة في غزة، وتحديدًا حماس، مسؤولية الاستحواذ على المساعدات الإنسانية، في محاولة لتحريض جمهور الضفة الغربية ضدها. يُظهر الفيديو رسمًا لأنبوب كُتب عليه "مساعدات إنسانية لقطاع غزة"، تتدفّق عبره المواد الغذائية، لكنها تُحوَّل داخل نفق إلى مقاتل ملثّم يرتدي عصبة كتائب القسام.

في محاولة لإظهار حماس كجهة تختلس المساعدات وتُسبّب معاناة المدنيين، متجاهلًا حقيقة أن الاحتلال هو المسؤول الفعلي عن حصار القطاع ومنع دخول الإمدادات الإنسانية.

ما يعكس أسلوب الصفحة في إعادة إنتاج الرواية الإسرائيلية، عبر استخدام أدوات بصرية مبسطة ومؤثرة، تُوجّه الاتهام نحو الضحية وتُبرّئ الجهة المسؤولة عن الحصار.

اتهام سرقة المساعدات في غزة

كما توظّف الصفحة المحتوى الديني في الترويج لروايتها، من خلال اقتباس آيات قرآنية خارج سياقها، واستخدامها في منشورات تُبرّر السياسات الإسرائيلية وتُحمّل الضحية مسؤولية العنف، في محاولة لإضفاء شرعية دينية على خطاب أمني وسياسي موجّه.

حقيقة واضحة

تُقدَّم صفحة "حقيقة واضحة" صفحة بواجهة إعلامية تبدو مستقلة، وتصف نفسها بأنها مصدر "للحقيقة الواضحة من الضفة الغربية"، في محاولة لإضفاء طابع محلي وموثوق على محتواها.

نشرت الصفحة نحو 32 منشورًا خلال فترة زمنية قصيرة، تضمنت مقاطع فيديو تمثيلية وكرتونية، وأخرى مكتوبة باللهجة المحلية، ما يعكس محاولة للتقرب من الجمهور الفلسطيني. وتكرّرت فيها عبارات افتتاحية من قبيل "أهل القدس الأعزاء" و"سكان الضفة الأعزاء"، لبناء علاقة ظاهرية تقوم على القرب والثقة.

وتروّج بعض المقاطع لادعاءات مضللة، من بينها نفي فرض قيود على دخول المسجد الأقصى، واتهام المقاومة بالتسبب في الدمار والمواجهات، وغيرها من المزاعم المضللة.

"الضفاوي والغزاوي": مقارنة ساخرة تُخفي مزاعم مضللة ضد غزة

من بين أكثر المنشورات اللافتة في صفحة "حقيقة واضحة"، فيديو ساخر يُقارن بين "الضفاوي" و"الغزاوي"، ويُقدّم الضفاوي كرمز للاستقرار والنجاح، في مقابل الغزاوي الذي يُصوَّر كمحاصر، فقير، مستغَل، ويُخزّن الصواريخ تحت المستشفيات.

يُعيد هذا الفيديو إنتاج رواية مضلّلة ومتكررة في خطاب الاحتلال الرسمي والإعلامي، خصوصًا في كل مرة يتم فيها استهداف مستشفى داخل قطاع غزة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الادعاءات المتكررة التي روّج لها جيش الاحتلال ضد مستشفى الشفاء، باعتباره "مقرًا لحماس" أو يحتوي "أنفاقًا ومراكز قيادة" تابعة لها، من دون أن يقدّم أدلة تثبت هذه المزاعم.

وقد عمل مسبار خلال الحرب على غزة على تفنيد الرواية الإسرائيلية بشأن مستشفى الشفاء، مستندًا إلى تقارير وتحليلات ميدانية وشهادات موثّقة.

تنتهي المقارنة الساخرة برسالة صريحة تقول "لا تخلوهم يستغلوكم أنتم أيضًا"، في دعوة مباشرة لأهالي الضفة للانخراط في نموذج "الخلاص الفردي" الذي تروّج له الصفحة.

"الضفاوي والغزاوي": مقارنة ساخرة تُخفي مزاعم مضللة ضد غزة

الدين والعاطفة في خدمة الاحتلال

تسعى الصفحة إلى نفي الرواية الفلسطينية بشأن الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، من خلال منشورات تروّج لما تصفه بـ"الحقائق" وتتهم وسائل الإعلام الفلسطينية أو الناشطين بـ"نشر الأكاذيب والتحريض". وتبرز هذه الرسائل في منشورات مباشرة تقول مثلًا "هذه أخبار كاذبة وتُسمى فيك نيوز.. تحافظ دولة إسرائيل على حرية العبادة دون أي تقييد"، في محاولة لتبرئة الاحتلال من الانتهاكات، وتقديمه كراعٍ لحرية العبادة والسلام في القدس.

مزاعم أن إسرائيل تحافظ على حرية العبادة

وتستخدم الصفحة لغة دينية مألوفة لتقريب رسائلها من الجمهور الفلسطيني، من خلال آيات قرآنية، وتصميمات رمضانية، وتهاني بعيد الفطر.
وتُمرّر هذه العناصر ضمن منشورات تدعو إلى التركيز على العبادة وتجنّب ما تصفه بـ"التحريض"، مثل "استغلوا ليلة القدر في الصلاة والأعمال الصالحة وابتعدوا عن العنف"، و"من أجل عشر أواخر هادئة وسعيدة، تجاهلوا التحريض وركزوا على العبادة". 
كما تُظهر مقاطع الفيديو مشاهد لمصلين داخل المسجد الأقصى، بهدف تروّيج صورة التعايش والهدوء، ونفي الواقع القمعي الذي يعيشه المقدسيون.

حقيقة واضحة تهاجم جنين وتروّج رواية الاحتلال عبر شيطنة المخيمات

تُعرض في الصفحة مشاهد لهدم منازل فلسطينيين نفذوا عمليات ضد الاحتلال، إلى جانب مقاطع تُظهر مصادرة أموال من مخيم جنين، وتربطها بعبارات مثل "المخربين" و"المفسدين"، في خطاب يحمّل الأهالي مسؤولية ما يحدث.

وتدّعي الصفحة أن الأموال التي تصل إلى المخيمات تُستخدم "لشراء الكحول والمخدرات"، في محاولة لتصوير البيئة المقاومة كمجتمع منحرف وفاسد.

في أحد المنشورات، تقول الصفحة "ملايين الدولارات وصلت إلى مخيم جنين… ولكن ما حدث فعليًا: صرفت على التخريب، كحول ومخدرات للمسلحين، عبوات ناسفة تعرض الأطفال للخطر."

وترافق هذه الادعاءات مشاهد تفجير ودمار، تُستخدم لبناء سردية دعائية تُقلب فيها الأدوار: حيث يُقدّم الاحتلال كقوة تحافظ على النظام، بينما يُصوّر الضحايا كمسبّبين للفوضى، في خطاب يُبرّئ إسرائيل من مسؤوليتها عن العنف والانهيار في تلك المناطق.

وتنسجم هذه الرسائل مع استراتيجية إسرائيلية أوسع تُعرف بـ"شيطنة المخيمات"، حيث تُستخدم صورة المخيم كمصدر دائم للفوضى والعنف، بهدف كسر أي تعاطف معه وتجريد مقاومته من بعدها السياسي والإنساني.

مزاعم تهاجم جنين ومخيمهاتكرار مزاعم تتعلق بالمخيمات بهدف تحويل الضحايا إلى متهمين وتبرئة الاحتلال

وفي منشور كرتوني على سبيل المثال، عن مخيم نور شمس، تستخدم الصفحة صورة مشوّهة تُظهر المخيم في حالة دمار وفوضى، مع وجود جرذان بشكل رمزي مهين، وتُحمّل سكانه مسؤولية ما تصف+ه بـ"النشاطات التخريبية". يهدف هذا الخطاب إلى تبرير الاعتداءات الإسرائيلية على المخيم، من خلال تصوير السكان كجزء من المشكلة، لا كضحايا، في محاولة لتبرئة الاحتلال من جرائمه بحق المدنيين.

مخيم نور شمس

خطاب يتقاطع مع الرواية الأمنية الرسمية

اللافت أن الصفحة تُعيد إنتاج خطاب الاحتلال الرسمي بلهجة عامية مألوفة، مستخدمة عناصر بصرية طفولية (كرتون، رموز مرورية، تهاني موسمية)، لكن مضمونها يحمّل الفلسطينيين مسؤولية العنف والدمار، ويبرّر جرائم مثل هدم منازل منفذي العمليات أو مصادرة أموال من مخيمات الضفة، باعتبارها خطوات "لحماية الأمن والاستقرار".

فيدنا لمستقبل مشترك

في مزيجٍ بين لغة التطبيع الاجتماعي والدعوة إلى التهدئة، تبرز الصفحة الثالثة "فيدنا لمستقبل مشترك" كأداة دعائية تُسوق خطاب الاحتلال بلغة تُخاطب الوعي المحلي، وتُغلّف رسائلها بوعود بمستقبل آمن.

ورغم أن الصفحة أُنشئت في عام 2022، إلا أن نشاطها ازداد بشكل ملحوظ بعد اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر 2023، وتحديدًا منذ نوفمبر –الشهر الثاني للحرب– وهو توقيت متزامن مع انطلاق أو تفعيل صفحات أخرى ضمن الشبكة الرقمية الإسرائيلية، ما يشير إلى وجود تنسيق منظّم في الحملة الإعلامية.

نشرت الصفحة نحو 60 منشورًا خلال الفترة بين نوفمبر 2023 ومارس 2025، ووجّهت معظم محتواها للفلسطينيين في الضفة الغربية، خاصة في جنين ومخيمها. تتبنى الصفحة خطابًا يبدو تصالحيًا في مظهره، يركّز على مفردات مثل "التنمية" و"المستقبل" و"الحياة الأفضل"، لكنه في مضمونه يُعيد إنتاج الرواية الأمنية الإسرائيلية، ويحمّل المقاومة الفلسطينية مسؤولية الأوضاع الميدانية، ويُقدّم الاحتلال كطرف يسعى لحفظ الأمن والاستقرار، وتُشارك معلومات مضللة ضمن محتواها.

يتّضح هذا التوجه منذ أول منشور في هذه المرحلة، الذي يدعو المتابعين إلى تقديم معلومات عبر رقم واتساب، تحت شعار بناء "مستقبل ناضج وواعي"، في خطوة تُظهِر محاولة لصناعة علاقة ظاهرية تقوم على الشراكة، لكنها تُوجّه فعليًا نحو التطبيع الأمني وتشجيع التبليغ الفردي.

كما يتقاطع توقيت منشورات الصفحة مع لحظات ميدانية حساسة، كعمليات الاقتحام والاجتياح، إذ يُستثمر الحدث الأمني لترويج روايات تُحمّل الفلسطينيين وحدهم تبعات العنف، وتُبرّئ الاحتلال من مسؤوليته.

مقارنات بصرية لتبرير العدوان الإسرائيلي

تعتمد صفحة فيدنا لمستقبل مشترك على نمط متكرّر من المقارنات البصرية، تُستخدم لتبرير الهجمات الإسرائيلية، عبر تصوير جنين – تحديدًا – كنموذج لـ"الدمار الناتج عن المسلحين"، في مقابل مدن أخرى كرام الله وبيت لحم، تُقدَّم كرموز لـ"الاستقرار والحياة الطبيعية".

في أحد أبرز الأمثلة، نُشر في 30 أغسطس/آب 2024، يُعرض مقطعٌ يظهر آثار الدمار الواسع في جنين بعد اجتياحها، مع تعليق صوتي يقول "الجيش نظّف المنطقة من التخريب"، يليه نداء مباشر "شو قراركم؟"، في دعوة لاختيار "الهدوء" كطريق وحيد لتجنّب المصير ذاته.

يندرج هذا النوع من الخطاب ضمن ما يمكن وصفه بـ"الترهيب المقنّع"، حيث يُطرح الخضوع للاحتلال كخيار عقلاني وآمن، بينما تُحمّل المقاومة المسؤولية الكاملة عن الموت والدمار، في تجاهل متعمد للسياق السياسي والعسكري ولجذر الصراع القائم.

ويُشار إلى أن الفيديو نُشر في اليوم الثالث من الحصار الإسرائيلي المتواصل على جنين ومخيمها، في توقيت يعكس بوضوح توظيف الصفحة للحظات العدوان لتوجيه خطابها الدعائي. 

فيديو دعائي خلال حصار جنين

رموز دينية وإنسانية في خدمة الرواية الإسرائيلية

تُظهر الصفحة قدرة واضحة على توظيف الرموز الدينية والإنسانية في خدمة روايتها الأمنية، بأسلوب يتقاطع مع ما رُصد سابقًا في الصفحتين حقيقة واضحة والحقيقة تحكي. ففي منشور موجه لأهالي جنين، يُعرض فيديو يحاكي مشهدًا مستقبليًا افتراضيًا: مجمّعات سكنية وحدائق وأطفال يلهون، يُقابلها مشاهد حقيقية لدمار المخيم، مع رسالة تقول إن "المسلحين يدمرون الضفة ومستقبلكم". هذا النمط يُعيد إنتاج ثنائية دعائية تربط المقاومة بالخراب والطاعة بالبناء، في خطاب يُفرّغ العدوان من سياقه السياسي ويحوّله إلى نتيجة لاختيارات "خاطئة" يُمكن تجنّبها.

ويُعيد المنشور بذلك إنتاج نمط متكرر في الشبكة الرقمية ذاتها، حيث تُقدَّم الطاعة باعتبارها الطريق الوحيد نحو "مستقبل آمن"، بينما تُحمّل المقاومة وحدها تبعات الدمار. وفي منشور آخر، تُستخدم صورة لطفل يعبر الشارع بينما يزرع مقاتل يرتدي عصبة "كتيبة طولكرم" قنبلة أمامه، في محاولة دعائية مباشرة لتبرئة الاحتلال من قتل الأطفال، وتحميل المقاومة المسؤولية. 

مزاعم أن الأطفال في فلسطين تستهدفهم المقاومة

تكرار مزاعم الاغتصاب بصيغة جديدة وموجهة لجمهور الضفة الغربية

في محاولة جديدة لدمج الرواية الأمنية بالدينية والأخلاقية، نشرت الصفحة مقطع فيديو دعائي يربط فصائل المقاومة الفلسطينية، وتحديدًا كتائب القسام، بالانتهاكات الأخلاقية والاعتداءات الجنسية، وهي رواية تتقاطع بشكل مباشر مع خطاب الاحتلال الرسمي والإعلامي بعد عملية طوفان الأقصى.

يقدّم الفيديو، الموجه بشكل صريح لـ"رجال الضفة"، ادعاءً مضلّلًا بأن مقاتلي القسام "اغتصبوا إسرائيليات"، ويستخدم لغة دينية مستندة لمفاهيم شرعية مثل "حفظ العرض من مقاصد الشريعة"، مع تحريض مباشر يقول فيه المتحدث "يا رجال الضفة، من يقوم بهذه الجرائم ممكن يعملها لأي امرأة حتى نسوانكم.. احموا نسوانكم من وحوش حماس، احموا أمهاتكم وخواتكم...".

تكرار مزاعم الاغتصاب بأسلوب جديد موجه لأهل الضفة

ويأتي الفيديو، في سياق حملة إسرائيلية مستمرة لتثبيت مزاعم الاغتصاب والاعتداءات الجنسية خلال عملية طوفان الأقصى، وهي روايات سبق أن فنّدها مسبار في مقالات سابقة، وأوضح عدم وجود أي دليل يدعمها، رغم تكرارها في الخطاب الإسرائيلي الرسمي والإعلامي. وفي المقابل، أظهرت شهادات لأسيرات فلسطينيّات أُفرج عنهن تناقضًا واضحًا مع هذه الرواية، إذ نفين تعرضهن لأي اعتداء أو عنف جنسي.

على الجانب الآخر، توثّق تقارير دولية وحقوقية عديدة ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي لانتهاكات موثّقة بحق النساء الفلسطينيات، شملت الاعتداءات الجنسية، والتعذيب، والتفتيش المهين، والتهديد بالاغتصاب، والحرمان من الفوط الصحية والطعام والدواء، إضافة لاحتجازهن في ظروف قاسية ولا إنسانية.

مزاعم دعائية تنكر اعتداءات الاحتلال على المقدسات

مثل باقي الصفحات ضمن الشبكة الرقمية الإسرائيلية الناطقة بالعربية، تروّج صفحة فيدنا لمستقبل مشترك لرواية دعائية تنفي دور الاحتلال في الاعتداء على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية، وتحمّل فصائل المقاومة، خصوصًا في غزة والضفة، مسؤولية ما يحدث.

ويعتمد الخطاب على صور ومقارنات بصرية، تُظهر مساجد مدمّرة في غزة وجنين، وتُرفَق بتعليقات تزعم أن "الاحتلال يسهل دخول المصلين للأقصى"، وأن "المقاومة تستغل المساجد لأغراض تخريبية كمخازن أسلحة ومخابئ للمسلحين". بذلك، يُعاد إنتاج الرواية الرسمية الإسرائيلية التي تسعى لتقديم الاحتلال كـ"راعٍ لحرية العبادة"، في مقابل تصوير المقاومة كجهة "تُدنّس المقدسات"، خاصة بالتزامن مع شهر رمضان.

مزاعم دعائية تنكر اعتداءات الاحتلال على المقدسات

وفندّ مسبار حينها المزاعم التي تدّعي أن الاحتلال الإسرائيلي يضمن حرية العبادة للفلسطينيين، موضحًا أنها مضللة. وأوضح في مقال موسع أن سلطات الاحتلال فرضت شروطًا معقّدة على دخول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، ونشرت عددًا كبيرًا من الحواجز التي أعاقت وصولهم إلى القدس، ومنعت العديد منهم من الدخول، واعتدت على بعض المصلّين. كما بيّن التقرير أن هذه التضييقات طالت المسلمين والمسيحيين على حدّ سواء، وترافقت مع اقتحامات متكررة نفذها مستوطنون للأقصى خلال رمضان، ما يتناقض تمامًا مع الرواية التي تروّج لها هذه الصفحات.

ومن الأمثلة اللافتة على هذا الخطاب، إدراج صورة مدمّرة لمسجد الأنصار في جنين ضمن منشورات الصفحة، دون الإشارة إلى أن المسجد ذاته تعرّض للقصف مرتين على الأقل خلال الاجتياحات الإسرائيلية، إحداها في 2023، والأخرى في سبتمبر/أيلول 2024، وفق توثيقات إعلامية وحقوقية.

وعلى عكس المزاعم التي تروّج لها الصفحة، تشير المعطيات الرسمية الصادرة عن وزارة الأوقاف في غزة إلى حجم غير مسبوق من استهداف المقدسات. فقد كشف المتحدث باسم الوزارة، إكرامي المدلل، في تصريح نُشر أواخر يناير/كانون الثاني الفائت، أن الاحتلال دمّر نحو 738 مسجدًا تدميرًا كليًا، ما يعادل 79% من إجمالي المساجد في القطاع، إلى جانب تضرر 189 مسجدًا جزئيًا. كما أكد أن القصف طال عددًا من المساجد والمصليات أثناء تواجد المصلين فيها، وأدى إلى تدمير ثلاث كنائس بالكامل داخل مدينة غزة.

ويُشار إلى أن هذا التصريح صدر خلال فترة سريان وقف إطلاق النار، إلا أن ذلك لم يمنع الاحتلال من استئناف عملياته لاحقًا، إذ قصف في 23 مارس/آذار مسجدًا في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة. ووفقًا لتغطية وسائل الإعلام، فإن المسجد ذاته تعرّض للاستهداف ثلاث مرات منذ بداية الحرب.

مزاعم دعائية تنكر اعتداءات الاحتلال على المقدسات

حوار صريح 

تتبنّى صفحة "حوار صريح" خطابًا يبدو في ظاهره محايدًا ومنفتحًا، إلا أنها في الواقع جزء من الشبكة الرقمية الإسرائيلية التي تستهدف الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس. أُنشئت الصفحة في نوفمبر 2023، ونشرت نحو 50 منشورًا حتى مارس الفائت، ويتقاطع محتواها وخطابها مع الصفحات الثلاث السابقة، مع اعتماد أسلوب بصري مشترك يقوم على مقاطع كرتونية تمثيلية وتصميمات ثلاثية الأبعاد.

تعتمد الصفحة في هويتها البصرية على صورة رمزية تُظهر وجهين متقابلين يفصل بينهما شريط صوتي، في محاولة لتقديم نفسها كمساحة حوارية. لكن المحتوى الفعلي يكشف عن تبنّي خطاب دعائي ممنهج، يُستخدم فيه أسلوب محلي مألوف يخاطب الجمهور الفلسطيني بلغة شخصية، ويُوظَّف فيه الدين والعاطفة لتمرير رسائل سياسية وأمنية.

توجّه الصفحة منشوراتها بشكل خاص إلى أهالي الضفة الغربية، وتروّج للرواية الإسرائيلية الرسمية من خلال تبرير الانتهاكات، وتحميل الفلسطينيين المسؤولية، ونشر مزاعم مضللة في سياق عاطفي يتضمن مقارنات بين غزة والضفة، بأسلوب يهدف إلى نزع شرعية المقاومة وتقديم الاحتلال كجهة حامية.

تكرار مزاعم مضللة حول المستشفيات في قطاع غزة بأسلوب جديد لتبرير استهدافها خلال الحرب

في 22 ديسمبر 2023، نشرت صفحة حوار صريح مقطع فيديو مصمّمًا بتقنية الرسوم الثلاثية الأبعاد، يُظهر مشهدًا تمثيليًا داخل مستشفى أطفال في غزة، تُطلق فيه صواريخ من غرفة العناية المكثفة، بجانب ألعاب أطفال، مع تعليق "رصاصات الحركة هي حبات الدواء لأطفالكم". يُعيد الفيديو إنتاج مزاعم تروّج لها الدعاية الإسرائيلية منذ بداية الحرب على غزة، لتبرير استهداف المستشفيات، مثل مستشفى الشفاء والمعمداني ومجمع ناصر الطبي.

ورغم تكرار هذه المزاعم في الخطاب الإعلامي والرواية الرسمية الإسرائيلية، لم تُقدَّم أدلة دامغة على صحتها. في المقابل، وثّقت منظمات دولية ووسائل إعلام ارتكاب الجيش الإسرائيلي انتهاكات جسيمة بحق المنشآت الطبية، بينها اقتحامات وقصف مباشر ومجازر داخل المستشفيات.

تزامن نشر الفيديو مع إعلان منظمة الصحة العالمية خروج جميع مستشفيات شمال غزة عن الخدمة، بسبب النقص الحاد في الوقود والإمدادات الطبية والكوادر. ويتميّز أسلوب الصفحة في تسويق هذه المزاعم بلغة ناعمة تُقدَّم على أنها "نصائح" للجمهور، في محاولة لإضفاء طابع حواري وإنساني على الخطاب الدعائي.

خلال الفترة نفسها، استهدف الاحتلال بشكل مباشر عدة مستشفيات في القطاع، منها مجمع ناصر الطبي، أكبر مستشفى في خانيونس، الذي أصيب مبنى الولادة فيه بقذيفة لم تنفجر بتاريخ 18 ديسمبر. كما حُوصر مستشفى كمال عدوان شمالي غزة وتعرض للقصف، فيما عانى مستشفى العودة في جباليا من حصار استمر أسبوعين تسبب بنقص حاد في الأدوية والمياه والطعام.

وتضاف إلى هذه الانتهاكات مجزرة قصف المستشفى المعمداني في أكتوبر 2023، واقتحامات متكررة لمجمع الشفاء الطبي، ضمن نمط ممنهج يستهدف البنية الصحية في القطاع. وترافقت هذه الهجمات مع حملات دعائية تحاول تبرئة الاحتلال من مسؤولية الجرائم المرتكبة بحق الطواقم الطبية والمرضى، عبر اتهام المقاومة باستغلال المنشآت الصحية لأغراض عسكرية.

مزاعم استخدام المقاومة للمستشفيات

المزاعم المضللة ذاتها حول المستشفيات ولكن هذه المرة في الضفة لتبرير استهدافها

في 30 يناير 2024، نشرت الصفحة فيديو كرتونيًا مصمّمًا بتقنية الرسوم ثلاثية الأبعاد، يُظهر مقاومًا يختبئ تحت سرير مريضة داخل مستشفى ابن سينا في مدينة جنين. يُعيد الفيديو إنتاج المزاعم الإسرائيلية ذاتها حول استخدام المستشفيات لأغراض عسكرية، ولكن هذه المرة في الضفة الغربية، لتبرير عمليات الاقتحام والاستهداف.

جاء نشر الفيديو بالتزامن مع عملية اغتيال نفذتها وحدة خاصة من جيش الاحتلال داخل مستشفى ابن سينا، حين تسللت قوتان إلى المستشفى متنكرة بزيّ الطواقم الطبية وبملابس مدنية. الدفعة الأولى، المكوّنة من ثلاثة أفراد بزي أطباء، اقتحمت قسم التأهيل في الطابق الثالث واغتالت محمد جلامنة والشقيقين محمد وباسل عزاوي. كان باسل يتلقى العلاج إثر إصابته في غارة إسرائيلية بتاريخ 15 أكتوبر 2023، استهدفت مجموعة من المواطنين قرب مقبرة جنين.

أما الدفعة الثانية، فضمّت ثمانية أفراد تنكّر بعضهم في هيئة امرأة تحمل رضيعًا، وآخر جلس على كرسي متحرّك للتمويه، قبل أن يشهروا أسلحتهم داخل الأقسام المختلفة، ويعتدوا بالضرب والتنكيل على طاقم المشفى، ويقيّدوا الموظفين، ما أثار الذعر بين المرضى والمرافقين.

إعادة ترويج هذه المزاعم في سياق الفيديو، وتقديمها بطريقة "محاكية للواقع"، يكشف هدف الصفحة في تبرير هذه الجريمة، وتوجيه الرأي العام الفلسطيني نحو تحميل المقاومة مسؤولية ما يجري، بدلًا من مساءلة الاحتلال عن انتهاكاته المتكررة داخل المنشآت الطبية.

ذات المزاعم المضللة حول المستشفيات ولكن هذه المرة في الضفة لتبرير استهدافها

إعادة إنتاج الخطاب الأمني بمفردات محلية

تعتمد الصفحة على استخدام لهجة محلية مألوفة ورسائل توجيهية موجهة للأهالي، وهو أسلوب مشترك مع باقي الصفحات في الشبكة. من أمثلة ذلك منشورات مثل "إلى سكان مخيم الفارعة، لا تتحدونا، أعمال تخريبية تؤدي إلى دفع ثمن"، أو "الأمر بإيديكم وبيرجع الكم"، الموجّهة لأهالي جنين، فضلًا عن مقارنات مباشرة مثل "تكونوش غزة الثانية".

يُستخدم هذا الأسلوب لتقديم العدوان الإسرائيلي كـ"ردّ فعل" مشروع، وتحميل السكان المحليين المسؤولية الكاملة عمّا يحدث، متجاهلًا السياق السياسي والعسكري القائم، والمتمثل في الاحتلال والاستعمار الاستيطاني.

استخدام الدين والعاطفة لتبرير الانتهاكات

نشرت الصفحة عدّة مقاطع خلال شهر رمضان، تحذّر فيها من ما تصفه بـ"التحريض"، وتدعو إلى "الهدوء" و"الابتعاد عن التخريب"، بينما تُحمّل فصائل المقاومة مسؤولية استغلال المساجد. في أحد مقاطع الفيديو، يُخاطَب الفلسطينيون بشكل مباشر "لا تصدقوا من يقول إن الأقصى في خطر"، في محاولة لتبرئة الاحتلال من انتهاكاته بحق المسجد الأقصى.

تعرض الصفحة مقاطع مصوّرة من باحات الأقصى تُظهر أجواء هادئة، لتدعم مزاعمها، بينما تتجاهل التوثيقات الحقوقية والإعلامية التي أكدت فرض الاحتلال قيودًا صارمة على وصول الفلسطينيين للمسجد الأقصى، وتوثيق اعتداءات على المصلين، خاصة خلال شهر رمضان.

ويُعد هذا الأسلوب تكرارًا واضحًا لما استخدمته باقي الصفحات ضمن الشبكة نفسها، حيث يُوظَّف المحتوى الديني والعاطفي لتبرئة الاحتلال.

استخدام الدين والعاطفة لتبرير الانتهاكات

التحريض على فصائل المقاومة واتهامها بالفساد والانحراف الأخلاقي

في مارس الفائت، نشرت الصفحة مقطع فيديو دعائي يتهم فصائل المقاومة، وتحديدًا "كتيبة طولكرم"، بتعاطي المخدرات، مدّعية أن 93% من النشطاء يستخدمون "اللاريكا"، وأن غالبيتهم يُجبرون على ذلك كشرط للمشاركة في العمل المقاوم، ويُقدّم هذا الخطاب باستخدام مشاهد بصرية مبالغ فيها، وأرقام لا يُستند فيها إلى أي مصادر موثوقة، في محاولة لتجريد المقاومة من بعدها الأخلاقي والقيمي، وتصويرها كظاهرة منحرفة وفاقدة للشرعية.

ويُشكّل هذا النوع من المضامين امتدادًا لنمط دعائي واضح تتبعه الصفحة، حيث يُعاد استخدام عناصر بصرية وعاطفية مألوفة كالدين، والأسرة، والمجتمع، لتبرير الرواية الأمنية الإسرائيلية، وتحميل الضحية مسؤولية ما يجري، في مقابل تبرئة الاحتلال من جرائمه.

التحريض على فصائل المقاومة واتهامها بالفساد والانحراف الأخلاقي

وبهذا، تُقدّم صفحة حوار صريح نموذجًا إضافيًا للدعاية الناعمة داخل الشبكة الرقمية الناطقة بالعربية، التي تستهدف الفلسطينيين، وتعيد إنتاج خطاب الاحتلال بلغة محلية، تغلّف الرسائل الأمنية بواجهات حوارية وإنسانية مضلّلة.

طريق السلامة

في الصفحة الخامسة من الشبكة الرقمية الإسرائيلية الناطقة بالعربية، تبرز صفحة طريق السلامة بخطاب دعائي يرتكز على ثنائية واضحة: الطاعة تُفضي إلى النجاة، والمقاومة تُؤدي إلى الخراب. نشطت الصفحة بكثافة منذ نوفمبر 2023، ونشرت أكثر من 65 منشورًا حتى مارس الفائت، يتقاطع معظمها مع لحظات ميدانية حساسة في الضفة الغربية، ويُعاد فيها إنتاج الرواية الإسرائيلية بأسلوب ناعم ومبسّط.

تعتمد الصفحة على مزيج من المقاطع المصمّمة بتقنيات الذكاء الاصطناعي والرسوم الثلاثية الأبعاد، إلى جانب مشاهد واقعية لاقتحامات وعمليات اعتقال وهدم، تُرفق غالبًا بنصوص عاطفية موجهة للفلسطينيين، تُحمّل المقاومة مسؤولية العنف والدمار، وتُقدّم الاحتلال كقوة "حامية" تسعى لفرض النظام وحماية المدنيين.

تُوجّه الصفحة منشوراتها إلى مناطق محددة مثل جنين، بيت أمر، مخيم عسكر، ونور شمس، مستخدمة نداءات مباشرة في خطابها، في محاولة لصناعة علاقة ظاهرية تقوم على النصح والتحذير. ويتقاطع هذا الأسلوب بشكل واضح مع النهج المعتمد في باقي صفحات الشبكة، حيث تُغلّف الرسائل الأمنية والسياسية بواجهة إنسانية أو مجتمعية، لتسهيل تمرير الرواية الإسرائيلية داخل وعي الجمهور الفلسطيني.

مزاعم تبرّر استهداف المرافق المدنية وتُصوّر الاحتلال كقوة مضطرة للتدخل

في منشورات متكررة، تُعرض مشاهد قصف ودمار مرفقة بتعليقات مباشرة تتهم كتيبة جنين و"المسلحين" بالمسؤولية عن تدمير المخيمات، بينما يُصوّر الجيش الإسرائيلي كقوة مضطرة للتدخل لوقف ما تُسميه "أعمال التخريب". وتُعاد في هذه المنشورات سردية إسرائيلية مألوفة، تزعم استخدام المباني المدنية كمخابئ للمسلحين، لتبرير استهداف الجامعات، والمدارس، والمستشفيات، والمساجد. وتُدمج هذه المزاعم ضمن مقاطع فيديو تعرض مشاهد من الحياة اليومية إلى جانب مشاهد اقتحام وقصف، في محاولة لتمرير رسالة واضحة "لا مكان آمن للمقاومين، وستدخل قوات الأمن كل مؤسسة لإيقافهم".

مزاعم تبرّر استهداف المرافق المدنية وتُصوّر الاحتلال كقوة مضطرة للتدخل

تكرار مزاعم سرقة المساعدات وتجاهل الحصار الإسرائيلي وحرب التجويع في غزة

تُكرّر الصفحة اتهامات سبق أن روجت لها صفحات أخرى ضمن الشبكة، مثل زعم سرقة المقاومة للمساعدات الإنسانية في قطاع غزة، متجاهلة المنع الإسرائيلي لدخول المساعدات، والتضييقات والقيود التي تفرضها إسرائيل على دخول الإمدادات الإنسانية، بالإضافة إلى الحصار المستمر خلال الحرب على غزة، وسياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال بحق سكان القطاع.

مزاعم سرقة المساعدات الإنسانية

خطاب دعائي موجه لنساء الضفة لتروّيج مزاعم الاغتصاب في طوفان الأقصى

كما يُلاحظ استهداف واضح للنساء في منشورات الصفحة، من خلال تكرار مزاعم تعرض إسرائيليات للاغتصاب خلال عملية طوفان الأقصى، وتقديمها بلغة عاطفية ظاهرها النصح، وتُوجّه بشكل مباشر لنساء الضفة الغربية، بأسلوب عامي لجعل الرسالة أقرب للجمهور المستهدف.

من بين هذه المنشورات، نص يقول: "نساء الضفة الغربية الكريمات... تخيّلن لو حصل بكنّ ما حدث لإسرائيليات يوم 7 أكتوبر"، ويتضمن خطابًا مثل: "من امرأة لإمرأة... لازم تكونوا أول المتعاطفات... حافظوا على حالكن"، في محاولة لاستثارة الغضب العاطفي، من خلال بناء مخاوف شخصية واجتماعية.

ورغم أن هذه المزاعم تُستخدم في الإعلام الإسرائيلي والرواية الرسمية منذ بداية الحرب، إلا أن الصفحات ضمن هذه الشبكة تعتمد أسلوبًا جديدًا في تسويقها، من خلال توجيهها بشكل خاص لنساء الضفة الغربية، بصيغة حوارية تُخاطب الأمهات والزوجات والفتيات.

مزاعم الاغتصاب في عملية طوفان الأقصى

إلى جانب استغلال الرموز الدينية والاقتباس من آيات قرآنية، تواصل الصفحة استخدام المناسبات الدينية، مثل شهر رمضان، لتمرير رسائلها الدعائية، بأسلوب مماثل لما اعتمدته الصفحات الأخرى ضمن الشبكة، والتي سبق أن عرض التحقيق نماذج منها.

تنشط الصفحة خلال الأعياد والمناسبات الدينية، وتنشر مقاطع مرفقة بآيات قرآنية تُستخدم لتقريب الخطاب من الجمهور. من بين الأمثلة، مقطع فيديو أُرفق بآية "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا"، وخُصّص للحديث عن يحيى السنوار – قبل اغتياله – في دعوة ضمنية لرفض المقاومة، قُدّمت على أنها خطر يجب طرده من "بيوت الضفة".

وفي منشور آخر خلال شهر رمضان، عرضت الصفحة مقطعًا من المسجد الأقصى، مرفقًا بنص يتحدث عن "التحريض" و"ضرورة الحفاظ على قدسية ليلة القدر"، في محاولة لتحميل من يُطالب بحماية الأقصى مسؤولية توتير الأجواء. يُستخدم هذا النمط لتبرير الإجراءات القمعية بحق المصلين، وتقديم الاحتلال كجهة تحترم حرية العبادة وتحرص على قدسية الأماكن، في تجاهل تام للواقع القمعي والتضييقات الموثقة في القدس.

استغلال الدين في الترويج لمزاعم أن الاحتلال يراعي حرية العبادة

فيديو خيالي يُسوّق التخلّص من المقاومة كشرط للتقدم في غزة

في نقلة نوعية ضمن أدوات الشبكة الرقمية الإسرائيلية، يعتمد أحد المقاطع المنشورة على صفحة طريق السلامة على محتوى مولَّد بالكامل باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويُقدّم تصوّرًا افتراضيًا لمدينة غزة عام 2030، تتحوّل فيه إلى نموذج للنهضة التكنولوجية والتنمية المستدامة، شرط التخلص من المقاومة.

ويعرض الفيديو مشاهد مصمّمة بدقة، تُظهر بحر غزة، مكتبات حديثة، قطارات سريعة، مزارع مائية، وشخصيات فلسطينية غير حقيقية تُجسّد "جيل المستقبل"، ضمن سردية تقول إن كل هذا ممكن "إذا طُردت الحركة من بينكم".

ويُشكّل هذا الخطاب تطورًا في أدوات التأثير الدعائي، عبر "التحفيز الهادئ" القائم على صور إيجابية طموحة، تهدف إلى إعادة برمجة الإدراك الجمعي للفلسطينيين، خاصة الشباب، باستخدام أدوات إقناع عاطفية ومجتمعية مستقبلية، تفصل بين الواقع السياسي والمحتل، وتُعيد توجيه الغضب من الاحتلال نحو من يُصوَّرون كمُعطّلين للتقدم داخل المجتمع الفلسطيني.

وفي الوقت ذاته، يُعد هذا النمط من الخطاب شكلًا ناعمًا من أشكال تبرئة الاحتلال، إذ يُخفي تمامًا دوره في تدمير غزة وفرض الحصار عليها، ويُقدّم واقعًا افتراضيًا مشروطًا بالطاعة كبديل عن سردية النكبة والعدوان.

ويُقدّم بذلك نموذج مثالي، مشروط بخيار سياسي أو أمني، ويُستثمر الذكاء الاصطناعي ليس فقط في صياغة المشهد، بل في تضليل العاطفة وتوجيه الإدراك، ضمن بنية دعائية تُعيد تعريف الفاعل والضحية.

غزة عام 2030

المقارنات الثنائية في صفحات الشبكة

يعرض أحد المقاطع في الصفحة مقارنة بصرية بين طفل من غزة يرتدي زيًا عسكريًا ويجلس وسط الأنقاض، وآخر من رام الله يبدو سعيدًا في بيئة آمنة، مرفقة بعبارة "لا تسمحوا لهم بضرر حياة أولادكم"، ويقدّم هذا النموذج ضمن خطاب يُحمّل المقاومة مسؤولية الدمار، ويُروّج لفكرة أن الطاعة تؤدي إلى الاستقرار، في تجاهل تام للاحتلال كسبب رئيسي للمعاناة.

ويُعد هذا النمط من المقارنات العاطفية والمضلّلة جزءًا متكرّرًا في خطاب الصفحات الخمس ضمن الشبكة الرقمية الإسرائيلية الناطقة بالعربية، حيث يُستخدم الأطفال والرموز الأسرية لإعادة توجيه الغضب نحو الداخل الفلسطيني، وتبرئة الاحتلال من جرائمه.

مقارنة بين طفل في غزة وطفل في رام الله

الإعلانات الممولة في الشبكة تروّج لرواية الاحتلال وتستهدف وعي الفلسطينيين 

إلى جانب المحتوى المنشور على الصفحات التابعة للشبكة الرقمية الإسرائيلية الناطقة بالعربية، يُظهر تحليل بيانات "مكتبة شفافية الإعلانات" في ميتا اعتمادًا واضحًا على الإعلانات المموّلة كأداة مركزية لتوسيع التأثير. فقد استُخدمت هذه الإعلانات للوصول إلى جمهور واسع داخل الضفة الغربية، وتُظهر بيانات الجمهور الذي تلقّى الإعلان فعليًا أن النسبة الساحقة من المشاهدات جاءت من الضفة، بنسب قاربت 99%.

ورُصدت إعلانات نشطة في ثلاث صفحات على الأقل ضمن الشبكة، هي طريق السلامة، فيدنا لمستقبل مشترك، والحقيقة تحكي، بميزانيات متفاوتة وصلت في بعض الحالات إلى 300 شيكل إسرائيلي للإعلان الواحد، وحققت انتشارًا تراوح بين 100 ألف وحتى مليون مشاهدة.

اللافت أن الإعلانات المدفوعة لم تكتفِ بالترويج لمحتوى عاطفي أو ديني، بل تضمّنت رسائل مباشرة تُحمّل المقاومة مسؤولية الدمار، وتدعو إلى "الهدوء" و"التخلّي عن العنف"، باستخدام صور رمزية لأطفال، ومستشفيات، ومساجد، ومشاهد مستقبلية مصمّمة بالذكاء الاصطناعي. ورغم طابعها "التوعوي" الظاهري، إلا أنها تُخفي جوهرًا أمنيًا يسعى إلى تبرير جرائم الاحتلال وتبرئته.

وتُظهر تواريخ هذه الإعلانات أنها نُشرت في توقيتات حساسة، مثل اجتياحات، عمليات قصف، أو مناسبات دينية كرمضان، ما يعكس استراتيجية دعائية موجهة تستغل لحظات التصعيد لتكثيف الرسائل، وخلق تشويش في الرواية، ومحاولة خلخلة الوعي الجمعي.

أما على مستوى الجمهور، فتُظهر تحليلات الأداء أن الفئة الأكثر تعرضًا للإعلانات كانت بين 25-34 عامًا، تليها فئة 35-44، وهما من أكثر الفئات تأثيرًا في تشكيل الرأي العام. كما تكشف الرسوم البيانية عن تفاعل أعلى من الذكور، ما قد يشير إلى استهداف ضمني للفئات الأكثر انخراطًا في العمل السياسي أو المقاوم.

ويعكس هذا الاستخدام المكثف للإعلانات الممولة كيف تحوّلت الشبكة الرقمية إلى حملة دعائية مموّلة بالكامل، تستثمر الموارد المالية والتقنيات الرقمية للوصول إلى وعي الفلسطينيين في لحظات الضعف أو التوتر، وتوجيه إدراكهم بعيدًا عن جوهر الصراع: الاحتلال نفسه.

إعلانات ممولة على صفحة فيدنا لمستقبل مشتركإعلانات ممولة على صفحة الحقيقة تحكيإعلانات ممولة في صفحة طريق السلامة

تفاعل متباين مع منشورات الشبكة يكشف قابلية بعض الفئات لتصديق خطابها الدعائي

يُظهر تحليل التفاعلات على منشورات الصفحات التابعة للشبكة أن جزءًا كبيرًا من الجمهور يتفاعل مع المحتوى بالرفض أو السخرية، خصوصًا عندما يكون الخطاب سياسيًا أو يستهدف فصائل المقاومة الفلسطينية. لكن في المقابل، تُسجّل بعض المنشورات، حتى تلك التي تهاجم المقاومة بشكل مباشر، تفاعلًا إيجابيًا من بعض المستخدمين، إمّا عن قناعة أو دون إدراك لهوية الصفحة ومضمونها الدعائي، مما يعكس قابلية بعض الفئات لتصديق الخطاب عندما يُقدّم بلغة مألوفة أو عاطفية.

كما تُظهر منشورات أخرى، خاصة التي تستخدم مفردات دينية أو تحاكي مشاعر المجتمع، تفاعلًا أعلى وارتياحًا ظاهرًا، ما يدلّ على أن بعض المتابعين لا يميّزون بين المحتوى المحلي والمحتوى الإسرائيلي الموجَّه. هذا التباين في التفاعل يُبرز جانبًا إضافيًا من خطورة الشبكة، إذ لا تعتمد فقط على الإعلانات المموّلة، بل تبني استراتيجيتها على تقديم المحتوى بأسلوب تدريجي يزرع الشكوك ويُعيد تشكيل الإدراك، مستهدفة شرائح غير سياسية بالضرورة، مثل الطلاب، النساء، أو فئات مجتمعية أقل انخراطًا في الشأن العام، ما يُسهّل اختراقها والتأثير عليها.

تزامن المنشورات مع العمليات الميدانية

يُظهر التحقيق بوضوح أن الصفحات التابعة للشبكة تنشط بشكل مكثف خلال الاجتياحات والعمليات العسكرية في الضفة الغربية، مثل اقتحام مخيم جنين أو مخيم نور شمس. وخلال هذه الفترات، تزداد وتيرة النشر بشكل ملحوظ، مع تكرار الرسائل ذاتها: "الجيش جاء لحمايتكم"، "المقاومة سبب الدمار"، و"القرار بأيديكم".

وهذا النمط من التفاعل الزمني مع الأحداث الميدانية يؤكد أن هذه الصفحات لا تعمل بعشوائية، بل تُوظّف ضمن ماكينة دعائية منسّقة، تُستخدم كذراع إعلامي موازٍ للعمل العسكري، وتُسهم في تبريره وترويجه داخل المجتمع المستهدف، من خلال رواية ناعمة تُعيد تعريف الضحية والمعتدي.

بجمع كل المعطيات، يتضح أن ما يجري ليس نشاطًا رقميًا معزولًا، بل حملة نفسية رقمية ممنهجة. لا تهدف هذه الشبكة إلى الإقناع الفوري، بل تسعى إلى زعزعة المفاهيم تدريجيًا، وخلق حالة مستمرة من التشويش والتضليل.

ومن خلال تكرار الرسائل، واستغلال الرموز الدينية، واستهداف الفئات المجتمعية الأقل وعيًا سياسيًا، تعمل هذه الصفحات على إعادة تشكيل وعي الفلسطينيين تجاه المقاومة، والاحتلال، وحتى مفهوم الهوية الوطنية.

اقرأ/ي أيضًا

شبكة حسابات تعمل بالذكاء الاصطناعي تروّج للرواية الإسرائيلية خلال الحرب على غزة

حسابات بأسماء عربية تروّج للدعاية الإسرائيلية خلال العدوان على قطاع غزة

المصادر

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar