ادعاءات غير دقيقة لترامب عن دوافع إصدار الرسوم الجمركية
في الثاني من إبريل/نيسان الجاري، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم التعريفات الجمركية على السلع المستوردة على الخارج، وقد تم تطبيق ورفع وتعليق للرسوم في أقل من أسبوع.
أعلن ترامب عن رفع الرسوم المفروضة على الصين إلى 104% ولم تمض ساعات حتى قررت الصين الرد بالمثل، لتعلن عن رفع الرسوم المضادة المفروضة على الولايات المتحدة إلى 84% فما كان من الرئيس الأميركي إلا أن اتخذ قرارًا بتعليق كل الرسوم التبادلية مدة 90 يومًا واستبدالها بـ 10% ثابتة على كل الدول، مع رفع الرسوم الصينية إلى 125%.
شارك البيت الأبيض العديد من الدراسات الاقتصادية كي يدعم وجهة نظره في جدوى تلك الرسوم سواء في دعم الصناعة المحلية أوضبط عدم التوازن الموجود بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، إلا أن العديد من الدلائل التي صاحبت تلك القرارات تشير إلى تضليل سواء في آليات تطبيقها أو في جدواها المزعوم.
خسائر قياسية عقب إقرار الرسوم الجمركية
التدهور السريع في الأسواق الأميركية الذي صاحب تلك القرارات منذ الإعلان عنها ينافي ادعاءات ترامب بجدواها الاقتصادية، إذ انهارات أسعار أسهم العديد من الشركات الأميركية التي منيت بخسائر كبيرة، كما هبطت أسعار النفط إلى مستويات قياسية، إلى الحد الذي دفع بنك جي بي مورجان لرفع توقعاته بشأن حدوث ركود بالأسواق إلى 70%
ومع الوضع في الاعتبار أن تلك الرسوم لن تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأميركية فحسب، بل حتى ستؤدي لارتفاع تكلفة التصنيع بسبب تأثر بسلاسل الإمداد بالرسوم، وفق التقارير الإعلامية، فقد ورد في تقرير لصحيفة سي إن إن، أن السؤال لم يعد "ما السلعة التي سترتفع أسعارها؟" بل "متى سترتفع؟".
ولم يلبث ترامب إلا أن أتبع قرار رفع رسوم الجمارك بقرار تعليق الرسوم حيز التنفيذ، إذ قال في منشور على منصته الاجتماعية "تروث سوشيال" إن تعليقه الرسوم جاء بعد أن تقدمت 75 دولة بطلبات للولايات المتحدة للتفاوض بشأن تلك الرسوم.
بعد قرار التعليق، بدأت الأسواق في الانتعاش ثانية، إذ سجل مؤشر S&P 500 أعلى ارتفاع له في يوم واحد منذ عام 2008، كما حققت أسهم شركة نايكي (تصنع نحو نصف إنتاجها في فيتنام التي فُرض عليها 46% رسوم جمركية) مكاسبًا بنسبة ارتفاع 11% وآبل التي خسرت أكثر من 300 مليار دولار في يوم الإعلان عن الرسوم فقط، عادت أسهمها للارتفاع 15%، إلا أن الإغلاق النهائي للبورصة مازال على خسائر.
وفي حديثه للصحفيين يوم الخميس العاشر من إبريل الجاري، قال ترامب إن أداء القرار الاقتصادي "جيد للغاية"، كما قلل من الخسائر الاقتصادية التي وصفها بأنها "تكلفة التحول" في الاقتصاد.
قانون عمره 63 عامًا ورسوم تستهدف البطاريق!
اعتمد ترامب على المادة رقم 232 من قانون التجارة الذي يعود إصداره لعام 1962 أي أنه لجأ لقانون عمره أكثر من ستة عقود، لتمرير تلك الرسوم.
كما أن الرسوم نفسها لم تُفرض على الشركاء التجاريين فقط، فقد شملت جزرًا غير مأهولة بالسكان مثل جزر ماكدونالد وهيرد في القطب الجنوبي والتي تتسم بكونها قاحلة وغير مأهولة سوى بالبطاريق.
من ناحية أخرى، فرض ترامب رسومًا ضخمة على دول لا تصدّر للولايات المتحدة إلا سلعة واحدة مثل بتسوانا والتي زادتت رسومها بنسبة 37% على الرغم من أنها لا تصدر سوى الألماس، كما فرض تعريفات على دول لا تصدّر للولايات المتحدة سوى سلع معفاة من الرسوم مثل العراق بزيادة بلغت 39% مع أنها لا تصدر سوى البترول (المعفي من الرسوم).
كيف يتم تحصيل الرسوم؟
ولفهم أعمق للتعريفة، فهي تنقسم إلى شقين أساسيين: إما 10% ثابتة على كل المنتجات المستوردة من كل دول العالم، وإما نسبة أعلى من 10% تنطبق على منتجات 86 دولة أخرى، وتختلف من دولة لدولة، فعلى سبيل المثال، فيتنام فرضت زيادة بنسبة 46% والاتحاد الأوروبي 20% وهكذا، مع استثناء بعض السلع مثل الألمونيوم، ودولتي كندا والمكسيك التي تم فرض رسوم جمركية عليهم سابقًا.
ولكن تحصيل الرسوم يقع على عاتق الشركة الأميركية المستوردة، بمعنى أن أي سلعة مستوردة سيتم فرض الرسوم على سعرها، وتكون الشركة المستوردة ملزَمة بتوريد تلك الرسوم لوزارة الخزانة الأميركية.
هذا يعني أن المستورد الأميركي أمامه خيارات عدة، إما أن يتحمل جزء من الرسوم عن المُصدّر الأجنبي أو أن يتقاسمها معه أو أن يفرض عليه تحملها بشكل كامل، أو أن يفرضها على المستخدم الأخير، والأمر بالمثل أمام المصدر (فقد يفرض السلع بأسعار أكبر لتعويض خسارته) (مستهلك السلعة) (كما يحدث مع الهواتف المحمولة المستوردة في مصر، حيث يقوم المستهلك بسداد قيمة الضريبة المستحقة عن الهاتف).
فإذا افترضنا أن هناك سلعة سعرها 100 دولار في كل الدول وأن تلك السلعة سيتم إضافة قيمة الرسوم على سعرها لتحميلها للمستهلك النهائي، فإننا سنجد اختلافًا كبيرًا في قيمتها نتيجة الرسوم المفروضة على كل دولة.
وعلى الرغم من أن الرسوم التي فرضها ترامب في حربه التجارية مع الصين في ولايته الأولى تحمّل أغلبها المستهلك الأميركي، إلا أن خبراء في جامعة شيكاغو رؤوا أن التكهن بما سيحدث هذه المرة سيكون صعبًا.
كيف احتسب ترامب قيمة الرسوم؟
ادعى ترامب أن تلك الرسوم جاءت ردًا على رسوم فرضتها الدول الأخرى على الولايات المتحدة كما زعم أنه كان رحيمًا بالدول حين فرض رسومًا قد تصل إلى نصف الرسوم التي تفرضها الدول الأخرى عليها.
ولكن بتدقيق تلك النسب نجد أنها ليست الرسوم الجمركية التي تفرضها فعلًا تلك الدول على الولايات المتحدة كما يقول ترامب، إذ لجأ لنسب أخرى لاحتساب نسبة التعريفة الجمركية وهي "نسبة العجز التجاري بين الولايات المتحدة وجاراتها". الباحث الاقتصادي جيمس سوريكي هو أول من أشار لتلك المعادلة وهي ببساطة (قيمة العجز التجاري مع تلك الدولة/قيمة ورادات الولايات المتحدة منها).
ومفهوم العجز التجاري هو حاصل طرح (الصادرات - الواردات) فإذا جاء بالسالب فهذا يعني أن هناك عجزًا لصالح الدولة الأخرى (الواردات أكبر من الصادرات)، وإن جاء بالموجب فهو يعني أن الصادرات أكبر من الواردات وبالتالي لا يوجد عجز.
ولنأخذ بيانات التبادل التجاري مع فيتنام على سبيل المثال، طبقًا لما أعلنه مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة:
تصدّر الولايات المتحدة لفيتنام بقيمة 13.1 مليار دولار وتستورد منها بقيمة 136.6 مليار دولار
إجمالي العجز التجاري: 13.1 - 136.6 = -123.5 مليار دولار
إجمالي الرسوم :( 123.5 / 136.6 )100% = 90%
وهو الرقم الذي ذكره ترامب في لائحة الرسوم التي أقرها.
ماذا قال الخبراء الاقتصاديين عن قرارات ترامب الأخيرة؟
صحيفة ذا إيكونوميست وصفت تلك التعريفات بأنها أحد أكبر الأخطاء في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر، إذ إن فكرة تغريم الدولة نسبة مماثلة للعجز التجاري معها فكرة خاطئة، فمثلًا بوتسوانا والتي لا تصدر لها الولايات المتحدة أي سلعة تتعرض لرسوم ضخمة لكون الولايات المتحدة تستورد منها الألماس، فهل من المنطقي أن تضطر الولايات المتحدة أن تصدر لها حتى تعادل العجز التجاري وبالتالي تستطيع تقليل الرسوم وتأمين احتياجها من الألماس؟ شبهت الصحيفة الأمر بأن تذهب للصائغ لتشتري منه خاتم خطبة فيقول لك "قدم لي خاتم في المقابل أولا كي أعطيك ما تريد".
ستيفن دورلوف، أستاذ السياسة العامة في جامعة شيكاغو، قال في حوار مع موقع الجامعة، إن التهديد بفرض الرسوم ثم فرضها ثم تأجيلها تسبب في حالة عدم اليقين سادت الأسواق وأضرت بالاقتصاد.
كما كتب المحلل السياسي والصحفي الأميركي كريس هايز في مقاله لصحيفة ذا غارديان أنه مع انهيار قواعد الحوار التقليدية، أصبح لا يهم سوى أن يسمعك الجميع، مضيفًا "أي أن الاهتمام تحول من وسيلة لإيصال فكرتك إلى الغاية نفسها، وهو ما أدركه ترامب في تجربته مع الصحف الصفراء في نيويورك"، واصفًا أسلوب ترامب بأنه أشبه بـ"الركض عاريًا في منتصف الشارع.. مُنفّر.. لكنه آسر".
وفي مقال له بعنوان "ترامب ليس لديه فكرة ما الذي أشعله"، أكد إدوارد لوس، محرر الشؤون الأميركية في صحيفة فاينانشيال تايمز، أن قرارات ترامب مجنونة وأنه لا يمكن التنبؤ بما سيفعله، وأن ترامب "يريد نهب أقرب الناس إليه"، في إشارة لشركائه التجاريين كالاتحاد الأوروبي.
اقرأ/ي أيضًا
معلومات مضللة حول سياسات ترامب بشأن المهاجرين غير النظاميين
الفيديو من 2024 وليس لحريق أمام البيت الأبيض خلال الاحتجاجات الأخيرة ضد ترامب