ادعاءات مضللة ترافق حملة التطعيم ضد سرطان عنق الرحم في تونس
في السابع من إبريل/نيسان الجاري، أطلقت تونس حملة وطنية للتطعيم ضد فايروس الورم الحليمي البشري (HPV) المسبب لسرطان عنق الرحم، وهي حملة تهدف إلى تقديم اللقاح لفائدة 100 ألف فتاة في سنّ الـ12 عامًا في 2025.
وتُعرّف منظمة الصحة العالمية فايروس الورم الحليمي البشري، بأنه عدوى شائعة، يُصاب به تقريبًا جميع الأشخاص النشطين جنسيًا في مرحلة ما من حياتهم، دون أن تظهر عليهم الأعراض عادةً. وبحسب المنظمة "يمكن أن يؤثر فيروس الورم الحليمي البشري على الجلد والمنطقة التناسلية والحلق".
تعتمد تونس لأول مرة هذا اللقاح في الرزنامة الوطنية للقاح الموجه للأطفال، وتسعى بحسب وزارة الصحة إلى تحقيق تطعيم 90% من الفتيات بعمر 15 سنة بحلول سنة 2030، ضمن خطة صحية للقضاء على سرطان عنق الرحم.
وتزامنت الحملة مع انتشار ادعاءات مضللة وزائفة حول اللِّقاح، ومخاوف من تسببه في آثار جانبية على صحة الفتيات، رصد لكم "مسبار" أبرزها في ذا التقرير.
ادعاءات زائفة ومضللة حول التطعيم ضدّ سرطان عنق الرحم
منذ إعلان وزارة الصحة التونسية عن خطتها لتطعيم الفتيات اللاتي في سنّ الـ12 عامًا، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي أخبار مضللة وأخرى زائفة ادعت أنّ اللقاح يؤثر على خصوبة النساء ويُسبب العقم لهنّ، في حين ادعى آخرون أنّ اللقاح موجه أساسًا للمجتمعات الغربية التي تبدأ فيها النساء حياة جنسية مبكرة ومتعددة.
وفي حديثه مع مسبار، قال المدير العام للمركز الوطني لليقظة الدوائية رياض دغفوس، إنّ التطعيم ضدّ فايروس الورم الحليمي البشري (HPV) آمن وفعال ضد السرطانات التي يسببها وعلى رأسها سرطان عنق الرحم.
وأضاف دغفوس، أنّ اللقاح لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على خصوبة النساء ولا يسبب العقم لهنّ، مشيرًا إلى أنّ وزارة الصحة التونسية اعتمدته رسميًا وبشكل مجاني لحماية الفتيات من خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم.
وأشار دغفوس إلى أنّ اللقاح معتمد منذ سنة 2006، وتم على امتداد سنوات تطعيم أكثر من 200 مليون فتاة حول العالم، مع وجود إجماع على أنّه فعال ولا يشكل أي خطر على صحة الفتيات.
وأكد الطبيب التونسي في الإطار ذاته، أنّ الأرقام تشير إلى أنّ فايروس الورم الحليمي البشري يتسبب في 95% من الإصابة بسرطان عنق الرحم، في المقابل تُسجل تونس سنويًا نحو 400 حالة إصابة، وهو رقم مفزع، وفقه.
وفي تحقق سابق، عرض مسبار تقديرات علمية تشير إلى أن نحو 80% من الأشخاص النشطين جنسيًا قد يُصابون بنوع واحد على الأقل من فايروس الورم الحليمي البشري (HPV) خلال حياتهم.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تحدث حوالي 300 مليون إصابة جديدة بفايروس HPV سنويًا. ويرتبط هذا الفايروس بأكثر من 95% من حالات سرطان عنق الرحم، مع تشخيص حوالي 570,000 حالة جديدة سنويًا، تؤدي إلى وفاة نحو 311,000 شخص حول العالم. وتعد الأنواع 16 و18 من الفايروس من أبرز الأنواع المرتبطة بالسرطان، حيث تساهم في حوالي 70% من حالات سرطان عنق الرحم.
رياض دغفوس: الادعاءات المضللة أثرت على حملة التطعيم
أشار رياض دغفوس إلى أنّ الادعاءات المضللة والزائفة التي رافقت انطلاق حملة التطعيم، أثرت بشكل لافت على مسار الحملة، خصوصًا وأنّ هذا اللقاح يتطلب موافقة الأولياء لأنه موجه للأطفال.
وأكد الطبيب التونسي في حديثه مع مسبار، أنّ الأهالي أصيبوا بحالة من الخوف والهلع مع انتشار ادعاءات مفادها أنّه يشكل خطرًا على صحة الفتيات ويؤثر على خصوبتهنّ مستقبلًا، مشددًا على أنها "دفعت الأهالي إلى رفض تطعيم بناتهنّ".
وأكد دغفوس، أنّ الإطار الطبي وشبه الطبي والمسؤولين في وزارة الصحة تفاجأوا بحملة التضليل التي استهدفت برنامج التطعيم والتي لم تكن متوقعة، خصوصًا وأنّ الوزارة كان هدفها الحفاظ على صحة الفتيات وحمايتهنّ من الأمراض السرطانية.
وأوضح، أنّ الوزارة بصدد القيام بحملات توعوية للحدّ من مخاطر تأثير الأخبار الزائفة والمضللة على الأولياء والتلاميذ على حدٍّ سواء، لإنجاح حملة التطعيم وللحدّ من انتشار هذا النوع من السرطان.
وأوضح دغفوس أنّ حملة التطعيم تسير بنسق بطيء جدًا في المدارس الابتدائية ومراكز الصحة الأساسية، مؤكدًا أنّ تواصلها بهذا النسق لن يؤدي إلى تحقيق هدف تطعيم 90% من الفتيات اللاتي بعمر 15 سنة بحلول سنة 2030.
وأكد في المقابل، أن تونس لديها برامج لقاح معترف بها دوليًا، ونجحت على امتداد سنوات في إدخال لقاحات هامة في برنامجها الوطني، وتمكنت من القضاء على عديد الأمراض الشلل والسل والجدري والحصبة.
وأشار دغفوس، إلى أنه لم يتمّ تسجيل أي أعراض جانبية خطيرة على الفتيات اللاتي تلقين اللقاح منذ السابع من إبريل الجاري، موضحًا أنّه يخلف أعراضًا بسيطة مثل كل اللقاحات حول العالم كبعض الآلام الخفيفة وارتفاع طفيف في درجات الحرارة واحمرار في مكان الحقن، وهي أعراض لا تشكل أي خطورة، وفقه.
وأضاف أنّ اللقاح ضدّ الورم الحليمي لا يختلف عن باقي التطعيمات الموجهة للأطفال في تونس والمعتمدة منذ سنوات طويلة، مشيرًا إلى أنّ التحذيرات التي صدرت عن بعض الأطباء لا تستند إلى مبررات علمية، وأنّ عمادة الأطباء شرعت في اتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم.
وحول الادعاء المتداول بخصوص أنّ التطعيم موجه للدول الغربية بسبب تعدد العلاقات الجنسية للنساء، نفى الطبيب التونسي هذا الادعاء وأكد أنّ الفايروس يمكن أن ينتقل بواسطة التلامس الجلدي أو من الزوج إلى الزوجة، وأن تعدد العلاقات الجنسية يمكن أن يزيد فعلًا من خطر الإصابة لكن الفايروس يمكن أن ينتقل أيضًا عن طريق اللمس.
وبين أنّ اللقاح معتمد في عديد الدول العربية مثل دول الخليج والجزائر والمغرب، وأنه كان يُباع أيضًا في الصيدليات التونسية منذ سنة 2010 لكن بثمن باهضٍ، قبل أن تقرر الصحة التونسية اعتماده رسميًا ضمن برنامجها الوطني للقاح بشكل مجانيّ.
دراسات: اللقاح آمن وفعال ولا يسبب مشاكل في الخصوبة
يؤكد المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، في تقرير حديث صدر في يوليو/تموز 2024، أنّ لقاح فايروس الورم الحليمي البشري يوفر حماية آمنة وفعالة وطويلة الأمد ضد السرطانات التي يسببها الفايروس، وأنه لا يسبب مشاكل في الخصوبة.
وأشار إلى أنه تمّ توزيع أكثر من 135 مليون جرعة من لقاح فايروس الورم الحليمي البشري في الولايات المتحدة، وأنّه يخضع للمراقبة والبحث ولا يزال يتمتع بسجل سلامة مطمئن.
وأضاف المركز أنه يراقب بالتعاون مع إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، عن كثب، سلامة لقاحات فايروس الورم الحليمي البشري، ولم يتم الإبلاغ عن أي مخاوف تتعلق بالسلامة، وأنّ البيانات تستمر في إظهار أن اللقاح آمن وفعال للغاية.
وأوضح أنه منذ طرح لقاح فايروس الورم الحليمي البشري في الولايات المتحدة الأميركية عام 2006، انخفضت حالات الإصابة بأنواع فايروس الورم الحليمي البشري المسببة لمعظم سرطاناته بنسبة 88% بين المراهقات، كما أظهرت الأبحاث تراجع عدد النساء المصابات بسرطان عنق الرحم.
ووفق المصدر ذاته، فإنّ لقاح فايروس الورم الحليمي البشري لا يُسبب مشاكل في الخصوبة، وأنّ الأشخاص الذين يُصابون بسرطان ناتج عن فايروس الورم الحليمي البشري يحتاجون إلى علاج قد يحدّ أحيانًا من قدرتهم على الإنجاب، مثل استئصال الرحم، أو العلاج الكيميائي، أو الإشعاعي.
أما بخصوص الآثار الجانبية التي تظهر بعد تلقي اللقاح، فقد أشار المركز في تقريره إلى أنّ أكثر هذه الآثار الجانبية شيوعًا هي الإغماء والغثيان والصداع، مشيرًا إلى أنّ الإغماء بعد أي لقاح، بما في ذلك لقاح فايروس الورم الحليمي البشري يعدّ الأكثر شيوعًا بين المراهقين.
وأكد أنه لمنع الإغماء والإصابات الناتجة عنه، يجب على أي شخص يتلقى لقاح فايروس الورم الحليمي البشري الجلوس أو الاستلقاء أثناء التطعيم ولمدة 15 دقيقة بعد تلقي الحقنة.
هل يسبب اللقاح قصور المبيض الأولي للنساء؟
وفي تقرير ثانٍ نُشر في مارس/آذار 2025، أشار مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، إلى أنّه لم يعثر على أيّ دليل يُثبت أنّ لقاح فايروس الورم الحليمي البشري يسبب قصور المبيض الأولي (POI) أو ما يُعرف أيضًا باسم "انقطاع الطمث المبكر"، مشيرًا إلى "أنّ اللقاح سليم".
وجدد المركز تأكيده أنّ لقاح فايروس الورم الحليمي البشري لا يؤثر على خصوبة النساء، وأنّ إصابة المرأة بسرطان عنق الرحم هو الذي يمكن أن يمنعها من الإنجاب أو يقلل فرصتها في الحمل خصوصًا عند استئصال رحمها أو خضوعها للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أنها تبنت استراتيجية للتخلص من سرطان عنق الرحم عن طريق التطعيم والفحص والعلاج، وهو ما من شأنه أن يخفّض حالات المرض الجديدة بأكثر من 40%، والوفيات الناجمة عنه بمقدار خمسة ملايين وفاة بحلول عام 2050.
ويقع معدل الانتشار الأعلى لفايروس الورم الحليمي البشري المسبب لسرطان عنق الرحم في صفوف النساء في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 24%، وتليها أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بنسبة 16%، وبنسبة 14% في كل من أوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية، أنّ التطعيم هو أفضل طريقة للوقاية من عدوى فايروس الورم الحليمي البشري وسرطان عنق الرحم وسائر أنواع السرطان المرتبطة بالفايروس.
وينبغي إعطاء لقاحات فايروس الورم الحليمي البشري لجميع الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 9 أعوام و14 عامًا، قبل أن يصبحن نشطات جنسيًا، وفق المصدر ذاته.
اقرأ/ي أيضًا
هل حقًّا لم يوقّع قيس سعيّد اتفاقية لترحيل التونسيين من دول الاتحاد الأوروبي؟
هل وثّق تقرير "الاتجاهات العالمية 2040" مخططًا لتغيير ديموغرافي في تونس؟