تكنولوجيا

كيف يكشف الذكاء الاصطناعي التقييمات والمراجعات المضللة وما تحديات تطبيقه عربيًا؟

فاطمة عمرانيفاطمة عمراني
date
22 أبريل 2025
آخر تعديل
date
7:58 ص
23 أبريل 2025
كيف يكشف الذكاء الاصطناعي التقييمات والمراجعات المضللة وما تحديات تطبيقه عربيًا؟
نموذج لكشف التوصيات المضللة وتحديات تطبيقه في العالم العربي | مسبار

نشرت مجلة Nature Scientific Reports، دراسة علمية تقترح نموذجًا تقنيًا هجينًا، يجمع بين تحليل المشاعر، والتعلّم الاتحادي، وتكنولوجيا البلوك تشين، بهدف رصد التوصيات الزائفة بدقة، من دون المساس بخصوصية المستخدمين.

دراسة حديثة تقترح نموذجًا تقنيًا هجينًا لرصد التوصيات الزائفة بدقة دون المساس بخصوصية المستخدمين
دراسة تقترح نظامًا ذكيًا يكشف التوصيات الزائفة ويحمي خصوصية المستخدم

تحليل المشاعر

وفقًا للدراسة، يسعى النموذج الهجين إلى "فهم" نبرة النصوص، ويعتمد في ذلك على تقنية تحليل المشاعر بوصفها الأداة الأساسية لفرز التوصيات. تنطلق الفكرة من فرضية أن المراجعات الزائفة غالبًا ما تتسم بعبارات مفرطة في الحماسة أو النقد، وتُكتب بصياغات مكررة أو مصطنعة. 

يسمح تحليل هذه النبرة وتحويلها إلى بيانات رقمية باكتشاف الأنماط العاطفية غير الطبيعية التي قد تشير إلى وجود تضليل.

لكن "فهم" المشاعر لا يعني بالضرورة فهم المعنى العميق للنص. فاللغة قد تكون ساخرة، أو محايدة في ظاهرها، أو مشحونة بإشارات ثقافية يصعب على الخوارزميات الأجنبية تفسيرها بدقة. وهنا تبرز إحدى أبرز نقاط الضعف التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند تطبيق هذا النوع من النماذج في بيئات لغوية غير إنجليزية.

التعلّم الاتحادي

أحد التحديات الجوهرية التي واجهها مطوّرو النموذج، هو تدريب النظام دون المساس ببيانات المستخدمين. فعلى الرغم من أن الخطر التقني وارد، إلا أن الخطر الأخلاقي أكثر تعقيدًا، ويظهر عندما تُجمع البيانات دون إذن، أو تُستخدم دون موافقة صريحة من أصحابها.

لحل هذه الإشكالية، اعتمد الباحثون تقنية "التعلّم الاتحادي"، التي تتيح للنموذج التعلم من بيانات المستخدمين المخزّنة على أجهزتهم، دون الحاجة إلى نقلها إلى خادم مركزي. ما يُشارك فعليًا مع النظام هو نتائج التعلم فقط، وليس البيانات الأصلية.

بنية مقترحة لتفنيد توصيات الويب المزيفة
البنية التقنية المقترحة لرصد التوصيات الزائفة على الإنترنت

ويساهم النموذج في تعزيز حماية الخصوصية من خلال إبقاء بيانات المستخدمين على أجهزتهم، ما يقلّل من خطر تسربها أو استغلالها لأغراض غير مشروعة. ومع تصاعد الاهتمام العالمي بالخصوصية الرقمية، يُمثّل هذا النهج خطوة متقدّمة نحو بناء أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر شفافية واعتمادًا.

البلوك تشين (Blockchain)

بوصفه سجلًا رقميًا غير قابل للتعديل، يُوفّر البلوك تشين للنموذج المقترح، مستوى إضافيًا من الشفافية إلى جانب الخصوصية. تُسجَّل كل عملية تدريب أو تعديل على النموذج ضمن سلسلة بيانات مشفّرة ومترابطة، مما يتيح تتبّع جميع التعديلات ومعرفة من قام بها ومتى. هذا التوثيق الدائم يعزّز من موثوقية النظام، ويُطمئن المستخدمين إلى أن بياناتهم تُدار ضمن إطار يمكن التحقق منه في أي وقت.

لا تقتصر وظيفة البلوك تشين على منع التلاعب، بل تفرض آلية رقابة دقيقة تُوثّق من أجرى التعديلات، ومتى، وبأي طريقة، مما يجعل أي تدخل غير مصرح به مرئيًا وقابلًا للتتبع.

الهيكلية المقترحة لتقنية البلوك تشين المعتمدة على التعلم الاتحادي
الهيكلية المقترحة لتقنية البلوك تشين المعتمدة على التعلم الاتحادي

تفوق رقمي لا يوازي فهم السياق

 تشير الدراسة إلى أن النموذج الهجين حقق أداءً عاليًا عند اختباره على بيانات من منصات Amazon وTripAdvisor وX، حيث بلغت الدقة 99%، ومعدل الاسترجاع 94%، ومقياس F1 نسبة 96%. وهي نتائج تتفوّق بوضوح على أداء معظم النماذج التقليدية في هذا المجال.

لكن على الرغم من هذه المؤشرات القوية، لا يعني ذلك أن النموذج "يفهم" السياق الكامل للنصوص. فالتحديات المرتبطة باللغة، والسخرية، والمعاني الضمنية لا تزال تُمثل فجوة يصعب على الخوارزميات تجاوزها بدقة.

نظام لحماية المستهلكين من التوصيات المضللة
نظام لحماية المستهلكين من التوصيات المضللة

صعوبة فهم السياق الثقافي واللغوي تقيّد دقة النماذج الذكية

رغم دقته العالية، لا يزال النموذج غير قادر على تمييز اللغة الساخرة أو المجازية أو المشحونة سياسيًا، كما لا يفسّر أسباب التضليل، بل يكتفي بالإشارة إلى وجود محتوى "يرجّح أن يكون مضللًا". وهذا القصور يفتح المجال لاحتمالات كبيرة للخطأ، خاصة في البيئات غير المستقرة أو النصوص المحمّلة بإشارات غير مباشرة، كما هو الحال في العالم العربي.

إضافة إلى ذلك، لا تتعامل جميع المجتمعات مع التوصيات الرقمية بالطريقة نفسها، فالثقافة، واللغة، وسياق الاستخدام، جميعها عوامل تؤثر في كيفية تلقّي المستخدمين للمراجعات وتفاعلهم معها. وبينما تطورت أدوات الذكاء الاصطناعي في بيئات غربية ضمن معايير واضحة، يظل السؤال قائمًا: هل يمكن لهذه الأدوات أن تلتقط تعقيدات اللغة والتفاعل في السياقات العربية؟

السياق العربي يعزز التوصيات المضللة بفعل العاطفة وغياب التشريعات

في البيئات الرقمية العربية، لا تتطلب التوصيات المضللة بالضرورة نوايا خبيثة أو حملات منسقة، بل يكفي أن تكون مشحونة بالعاطفة أو مصاغة بعبارات توحي بالثقة حتى تُحدث أثرًا بالغًا في قرارات الشراء. 

توضح دراسة منشورة في مجلة بحوث العلاقات العامة (العدد 52، 2024)، بعنوان تأثير مراجعات المنتجات المضللة على قرارات الشراء لدى المستهلكين السعوديين، أن 74% من المشاركين اتخذوا قرارات شراء بناءً على تقييمات ثبت لاحقًا أنها غير دقيقة أو مضللة. وتلفت الدراسة إلى أن اللغة العاطفية أو الأسلوب المقنع في التقييمات غالبًا ما يطغى على الحكم العقلاني، مما يجعل المستهلك أكثر عرضة للتأثر من دون تحقق.

تأثير مراجعات المنتجات المضللة على قرارات الشراء لدى المستهلكين السعوديين
تأثير مراجعات المنتجات المضللة على قرارات الشراء لدى المستهلكين السعوديين

هذا التأثير لا يحدث في فراغ، بل يتعزز في ظل بيئة قانونية غير محكمة. فبحسب كتاب صادر عن المعهد العالي للقضاء في سلطنة عُمان (2024)، بعنوان "الحماية المدنية للمستهلك من الإعلانات المضللة"، لا تقدّم بعض التشريعات العربية، مثل القانون العُماني والأردني، تعريفًا دقيقًا للإعلان المضلل، ولا تحدد بوضوح المعايير التي تُبنى عليها دعوى التضليل، سواء كانت داخلية أو خارجية. هذا الغموض يفتح المجال واسعًا أمام استغلال الثغرات القانونية، ويُضعف قدرة المستهلك على المطالبة بحقه، أو حتى التمييز بين المحتوى الترويجي والمحتوى الحقيقي.

إشكاليات القانون العماني والأردني فيما يخص تضليل الإعلانات
إشكاليات القانون العُماني والأردني فيما يخص تضليل الإعلانات

تشير دراسة أخرى بعنوان "حماية المستهلك من الإعلانات المضللة في النظام السعودي والقانون الإماراتي – دراسة مقارنة" إلى أن النظام السعودي لا يتضمن تعريفًا دقيقًا للإعلان المضلل، كما لا يحدد بوضوح من هو "المعلن" من الناحية القانونية. وتُعد هذه الثغرات محل نقد، إذ تفتح المجال أمام بعض المعلنين لاستغلال غياب التعريفات الواضحة في تضليل المستهلكين.

حماية المستهلك من الإعلانات المضللة في النظام السعودي والقانون الإماراتي - دراسة مقارنة -
ثغرات في القوانين الخليجية تضعف حماية المستهلك من الإعلانات المضللة

فعالية النموذج تظل مشروطة ببيئة رقمية داعمة

لذا، في السياق العربي، لا يُعد اعتماد النموذج الهجين حلًا كافيًا بحد ذاته، بل قد يشكّل خطوة أولى ضمن سلسلة طويلة من الإجراءات الضرورية لمواجهة التضليل والتزييف في المراجعات والتوصيات.

إذ تبقى فعاليته مرهونة بوجود بيئة داعمة تضمن استقلالية البيانات، وتكامل الأطر الرقابية، ورفع مستوى الوعي الرقمي لدى المستخدمين. من دون ذلك، ستظل فعالية أي نموذج، مهما بلغ من تطور، محدودة في معالجة جذور المشكلة.

نحو تعزيز الشفافية والمصداقية في الأسواق الرقمية عبر الذكاء الاصطناعي

استخدام الذكاء الاصطناعي في مراجعات وتوصيات المنتجات ليس مجرّد إضافة تقنية، بل يُمثل نقلة نوعية نحو تعزيز الشفافية والمصداقية في الأسواق الرقمية. فمن خلال تحليل الأنماط النصية، ورصد التكرار الآلي، والتعرف على الحسابات الزائفة، تتيح هذه التقنيات إمكانية كشف المراجعات المضللة وتصفية التقييمات غير الدقيقة، ما يوفّر للمستخدمين أرضية أكثر وضوحًا لاتخاذ قرارات شرائية واعية.

وفي السياق، بيّنت دراسة منشورة في مجلة Complex & Intelligent Systems أنّ دمج تقنيات معالجة اللغة الطبيعية والرؤية الحاسوبية في أنظمة التوصية لا يزيد فقط من دقة التوصيات، بل يعزّز كذلك من شفافيتها ويُحسّن تجربة المستخدمين معها.

في نهاية المطاف، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة فعالة في مكافحة التضليل الرقمي، لكنّ السؤال الأهم يبقى متعلّقًا بضمان حيادية هذه الخوارزميات. تحقيق ذلك يتطلّب التأكد المستمر من أن النماذج لا تُستخدم لانتهاك الخصوصية، أو التلاعب بالحقائق، أو توجيه المستخدمين بشكل مضلل.

اقرأ/ي أيضًا

كيف نتحقق من التقييمات المزيّفة للمنتجات والخدمات على الإنترنت؟

دراسة تكشف ضعف القدرة على اكتشاف التزييف العميق وتزايد التهديدات الرقمية

المصادر

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar