هل تُصدّر شركة ميرسك السلاح إلى إسرائيل عبر موانئ مغربية؟
تتداول حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بيانًا، ادّعت أن شركة النقل البحري الدنماركية "ميرسك" أصدرته حديثًا، ردًّا على احتجاجات شهدها ميناء الدار البيضاء في المغرب، في 18 إبريل/نيسان الجاري، بعد رسو سفينة تابعة لها، يُعتقد أنها ستنقل معدات عسكرية إلى إسرائيل. وقال ناشرون إن الشركة نفت في البيان أن تكون شحنتها المتجهة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل مرورًا بالمغرب شحنة عسكرية.
تحقق "مسبار" من الادعاء، ووجد أن البيان المتداول من مارس/آذار الفائت، وليس لرد "ميرسك" على الاحتجاجات الرافضة لرسو سفينتها في ميناء الدار البيضاء المغربية. كما أقرت الشركة، مطلع الشهر الجاري على لسان أحد ممثليها، أن الشحنة تشمل حاويات فيها معدات عسكرية، هي أجزاء من مقاتلات إف-35. وبالتزامن مع الاحتجاجات في موانئ المغرب، نفت "ميرسك" لـقناة الجزيرة ادعاءات نقل الأسلحة والذخيرة إلى إسرائيل، لكنها أكدت بالمقابل التصريحات السابقة لممثلها بشأن احتواء الشحنة معدات عسكرية.
"ميرسك" تنفي اتهامات نقل الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل
في بيان نشرته يوم 18 مارس الفائت، قالت "ميرسك" إن شركة "ميرسك لاين ليميتد" (أم أل أل) التابعة لها ترتبط بعقود مع حكومة الولايات المتحدة، في إطار برنامج الأمن البحري الأميركي.
وأوضح البيان أن "ميرسك لاين ليميتد" تنقل بموجب تلك العقود البضائع إلى 180 دولة، بما فيها البضائع المدنية والعسكرية إلى إسرائيل. غير أن برنامج التعاون الأمني الأميركي، بحسب "ميرسك"، يمنع نقل البضائع السرية والحساسة، التي تشمل الأسلحة والذخائر، دون خطة نقل تُقدمها شركة النقل وتوافق عليها الحكومة الأميركية.
وادّعت "ميرسك" في البيان أن "ميرسك لاين ليميتد" لم تَعرِض من قبل خطة نقل على الحكومة الأميركية، ما يؤكد، حسبها، أن الشركة لم تنقل أبدًا معدات سرية أو حساسة، في إطار هذا البرنامج.
كذلك، اتهمت الشركة الدنماركية مجموعات ناشطين بنَسب أفعال ومواقف مفبركة إلى الشركة لحصد الانتباه والدعم، وبتقديم افتراضات على أنها حقائق موثّقة.

وصدر البيان بعد تعرض مجلس إدارة الشركة للمساءلة من قبل بعض مساهميها، خلال اجتماعها السنوي في مارس، بشأن اتهامات تورطها في نقل أسلحة إلى إسرائيل. وقدم أحد المساهمين، آنذاك، مقترحًا يقضي بوقف أي شحنات أسلحة متجهة إلى إسرائيل، في ظل استمرار الحرب على غزة. واعترض مجلس الإدارة على المقترح معتبرًا أنه يرتكز على فرضية غير صحيحة، مفادها أن الشركة تنقل الأسلحة إلى إسرائيل.
وشهدت العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الفائت، اعتصامات سلمية أمام مقر "ميرسك"، طالب المشاركون فيها عملاق النقل البحري بالامتناع عن نقل المعدات العسكرية إلى إسرائيل، ونددوا بدور الشركة في "دعم الإبادة الجماعية في فلسطين"، وفق ما نقلته يورونيوز آنذاك.
تحقيق صحافي يكشف أن "ميرسك" تنقل قطع مقاتلات إف-35 إلى إسرائيل
كشف تحقيق مشترك لموقعي "ذا ديتش" الإيرلندي و"ديكلاسيفايد يو كاي" البريطاني، نُشر في الرابع من إبريل/نيسان الجاري، أن قطع طائرات حربية تُنقل إلى إسرائيل، على متن سفينتي شحن تابعتين لشركة النقل البحري "ميرسك".
وقال الموقعان إنّهما عثرا على المعلومات عند مراجعتهما الحصرية لبيانات شحن، أظهرت أن سفينتا "ميرسك ديترويت" و"نيكسوي ميرسك"، التابعتين لشركة النقل البحري الدنماركية "ميرسك"، ستنقلان بضائع من مصنع القوات الجوية الأميركية رقم 4 في فورت وورث، في ولاية تكساس الأميركية، إلى ميناء حيفا في إسرائيل، بين الخامس من إبريل الجاري والأول مايو/أيار الداخل، على أن تنقل شركة أخرى البضائع برًا من ميناء حيفا إلى قاعدة نيفاتيم الجوية في بئر السبع.
ويشير التحقيق إلى أن شركة لوكهيد مارتن، المتعهد الرئيسي في التحالف الدولي لإنتاج طائرات إف-35، تستخدم المصنع لإنتاج مقاتلات إف-35 ومكوناتها، قبل إرسالها إلى شركاء الولايات المتحدة في الإنتاج، ومن بينهم إسرائيل. وتحتفظ إسرائيل بسرب مقاتلاها من طراز إف-35 في قاعدة نيفاتيم الجوية، وتستخدمه في شن الغارات الجوية على قطاع غزة، بحسب المصدر ذاته.

جدل بشأن الوجهات الحقيقية لحاويات معدات إف-35
بعد نشر تحقيق "ذا ديتش" و"ديكلاسيفايد يو كاي"، أكّد ممثلٌ لشركة "ميرسك" لموقع "ديكلاسيفايد يو كاي" أن سفينتا "ميرسك ديترويت" و"نيكسوي ميرسك" ستحملان حاويات بها أجزاء من طائرات إف-35، لكنه ادعى أن "الشحنات موجهة إلى دول أخرى منخرطة في برنامج إنتاج إف-35" وليس إلى إسرائيل. ويناقض ذلك ما ورد في البيانات التي اطلع عليها موقعا "ذا ديتش" و"كلاسيفايد يو كاي"، التي أظهرت أن بعض معدات مقاتلات إف-35، على الأقل، ستفرّغ في ميناء حيفا.

وكشف ممثل "ميرسك" أن "ميرسك لاين ليميتد" تنقل، في إطار برنامج إنتاج طائرات إف-35، قطع الغيار بانتظام بين دول تحالف المنتجين، بما في ذلك إسرائيل، حيث تُصنع أجنحة مقاتلات إف-35، موضحًا أن الشحنات تُنقل "بناءً على طلب الموردين وليس بطلب من وزارة الدفاع الإسرائيلية".
أما ما تعلق بالوجهة النهائية لمعدات إف-35، التي تصل إلى ميناء حيفا، فقد نفت "ميرسك" معرفتها بتفاصيل وجهة البضائع، مؤكدة أنها لا ترسل الشحنات بشكل مباشر إلى نيفاتيم أو إلى الجيش الإسرائيلي.
ووفقًا لما جاء في التحقيق، فإن "ميرسك ديترويت" تكون قد أبحرت في الخامس من إبريل الجاري من ميناء هيوستن في الولايات المتحدة، حاملة معدات مقاتلات إف-35، على أن ترسو بعد أسبوعين في ميناء طنجة المغربي، حيث من المقرر أن تُنقل حمولتها إلى "نيكسوي ميرسك"، التي سترسو في ميناء طنجة أيضًا قادمة من ميناء "الجزيرة الخضراء جنوبي إسبانيا، قبل أن تُبحر باتجاه ميناء حيفا، الذي من المقرر أن ترسو فيه بعد تسعة أيام، في الأول من مايو.
رسو سفينة "ميرسك ديترويت" في ميناء طنجة المغربي
بمراجعة بيانات موقع تتبع حركة السفن "مارين ترافيك"، وجد مسبار أن ناقلة الحاويات "ميرسك ديترويت" غادرت ميناء هيوسن الأميركي في الخامس من إبريل الجاري، وأنها توقفت في مينائي نورفلوك في ولاية فرجينيا ونيويورك في ولاية نيويورك على التوالي، قبل أن تبحر في 12 من الشهر ذاته باتجاه ميناء طنجة شمالي المغرب.

ويوم أمس الاثنين، رست "ميرسك ديترويت" في ميناء طنجة، الذي شهد يوم الأحد، 20 إبريل 2025، احتجاجات شعبية طالبت السلطات المغربية بوقف التطبيع مع إسرائيل وبمنع رسو السفينة في الميناء، ورفعت شعارات تطالب شركة "ميرسك" بعدم نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق ما أفاد به مراسل قناة الجزيرة.
ورست سفينة "نيكسوي ميرسك" في ميناء الدار البيضاء، صباح أمس الأول الأحد، قادمة من ميناء فالنسيا الإسبانية، قبل أن تُبحر مساء اليوم ذاته باتجاه ميناء الجزيرة الخضراء جنوبي إسبانيا. وكشفت أحدث البيانات التي اطلع عليها مسبار قبل نشر هذا المقال أنها لا تزال في خليج جبل طارق.

وتعقيبًا على الاحتجاجات التي شهدتها موانئ الدار البيضاء وطنجة، نفت شركة "ميرسك" لقناة الجزيرة ما وصفته بـ "ادعاءات بنقل الأسلحة والذخيرة إلى مناطق النزاع النشطة بما في ذلك إسرائيل"، وأكّدت أن سفينتي "نيكسوي ميرسك" و"ميرسك ديترويت" تحملان حاويات بها معدات لطائرات إف-35، متوجهة إلى دول منخرطة في برنامج صناعة طائرات إف-16، دون أن تستثني إسرائيل، موضحة أن "الاستنتاج بأنها تنقل تلك الأجزاء إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية "استنتاج مضلل".
يتضح مما سبق، أنه وعلى الرغم من إقرار "ميرسك" بمسؤوليتها عن نقل معدات إف-35 إلى ميناء حيفا في إسرائيل، إلا أنّها تتنصّل من المسؤولية الأخلاقية المترتبة عن الوصول المحتمل لتلك المعدات إلى الجيش الإسرائيلي، واستخدامها من قبله في حرب الإبادة ضد سكان قطاع غزة، وذلك لمجرد أنها ليست من ينقل المعدات برًّا إلى وجهتها النهائية.
اقرأ/ي أيضًا
الصورة ليست لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة داخل مجلس الشيوخ الأميركي
الفيديو من المغرب وليس لسقوط مظلي مالي على الحدود مع الجزائر