سياسة

بعد فبركة قصة النفق في رفح.. مسبار يكشف زيف ادعاءات إسرائيلية أخرى عن أنفاق فيلادلفيا

محمد العترمحمد العتر
date
10 مايو 2025
آخر تعديل
date
4:53 ص
12 مايو 2025
بعد فبركة قصة النفق في رفح.. مسبار يكشف زيف ادعاءات إسرائيلية أخرى عن أنفاق فيلادلفيا
غالانت اعترف أن إسرائيل استخدمت صورة مضللة لعرقلة المفاوضات | مسبار

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، استخدمت الحكومة الإسرائيلية ذريعة عدم ثقتها في التزام مصر بمنع تهريب الأسلحة إلى المقاومة في غزة، لعرقلة جهود التهدئة أو وقف الحرب، باعتبار مصر وسيط أساسي في المفاوضات.

وعلى مدار الحرب، أعلنت إسرائيل مرارًا أن السيطرة العسكرية على محور فيلادلفيا، وبالتالي معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر، هي الوسيلة الوحيدة لقطع ما تصفه بـ"شريان رئيسي" لتزويد المقاومة بالأسلحة. واستندت هذه الرواية إلى ادعاءات متكررة بوجود أنفاق للمقاومة تمتد عبر الحدود.

بناءً على ذلك، كثّفت إسرائيل هجماتها على مدينة رفح، واستهدفت معبر رفح مرات عدة، وفي مواقع قريبة جدًا من الأراضي المصرية. من بين تلك الهجمات، قصف موقعًا في 16 أكتوبر 2023، وثّقته كاميرا قناة "القاهرة الإخبارية" من الجانب المصري، وحدد "مسبار" موقعه بدقة عبر الخرائط، ليتبيّن أنه استهدف بوابة الجانب المصري من المعبر بشكل مباشر.

إسرائيل تقصف الجانب المصري من الحدود مع غزة

وتشير المعطيات إلى احتمال أن تكون القذيفة المستخدمة في قصف بوابة معبر رفح المصرية من طراز MK-82 التي تزن نحو 227 كيلوغرامًا، منها قرابة 89 كيلوغرام مواد متفجرة. 

وعززت المحاكاة البصرية المدعومة بالذكاء الاصطناعي هذا الاحتمال، إذ بلغ نصف قطر كرة النار الناتجة عن الانفجار نحو خمسة أمتار، وهو رقم يتطابق مع متوسط قطر كرة النار لقذائف GBU-38 (النسخة الموجهة من قنابل MK-82 82 باستخدام طقم JDAM)، والتي تتراوح بين 5 و7.5 متر.

نصف قطر أثر القذيفة

وأظهرت القياسات على Google Earth Pro أن المسافة من نقطة الانفجار إلى الجدار الخرساني للمعبر، تبلغ نحو تسعة أمتار، حيث يغطي مزيج الدخان والتراب والتلفيات والأنقاض، الجدار الخرساني دون أن يتسبب في ضرر مباشر له، سوى بتحريك إحدى الكتل الخرسانية المكونة للجدار نتيجة للإزاحة الناجمة عن الانفجار. ويوافق ذلك أن حجم فوهة انفجار GBU-38 يبلغ ما بين مترين إلى أربعة أمتار. 

قصف إسرائيلي

إضافة إلى ذلك، يمكن في جزء من الثانية، قبيل الانفجار، رصد ذيل القذيفة، الذي يتطابق في شكله ولونه الفاتح مع ذيل طقم JDAM المميز بأجنحته العريضة والثابتة.

ذيل طقم JDAM المميز بأجنحته العريضة والثابتة

استنادًا إلى تلك النتائج، يُمكن ترجيح أن القصف لم يكن عرضيًا، بل مقصودًا، باستخدام قذيفة ذكية التوجيه، بما يعكس انسجامًا مع المساعي الإسرائيلية المبكرة للسيطرة على الحدود مع مصر، بغض النظر عن مدى صحة المزاعم المتعلقة بالأنفاق أو تهريب السلاح.

اجتياح الجيش الإسرائيلي مدينة رفح

في السادس من مايو/أيار 2024، اجتاحت القوات الإسرائيلية مدينة رفح، بعد أشهر من القصف المكثف. مثّل هذا الاجتياح مرحلة فارقة في الحرب الإسرائيلية على القطاع. وكان، على مدار أشهر، خطًا أحمر ليس فقط بالنسبة إلى مصر، التي شددت على عدم انتهاك الحالة الخاصة لمحور فيلادلفيا، ولكن أيضًا بالنسبة للإدارة الأميركية التي هدد رئيسها في حينها، جو بايدن، بأن عملية عسكرية في رفح من شأنها أن تؤدي إلى تعليق الأسلحة الأميركية لإسرائيل. 

يخضع محور فيلادلفيا للمادة الثانية من الملحق الأمني لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والموقعة في 1979. وتحدد المادة الثانية من ذلك الملحق المناطق الأمنية بين مصر وإسرائيل، حيث يأتي محور فيلادلفيا ضمن المنطقة "د"، التي يحظر فيها وجود أسلحة عسكرية ثقيلة مثل الدبابات والمدفعية والصواريخ.

وبعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في 2005 فيما عرف حينها بـ"فك الارتباط"، وقّعت إسرائيل مع مصر بروتوكول فيلادلفيا، الذي أقر انتقال سلطة تأمين ومراقبة المحور إلى الجانب المصري، من خلال نشر قوات بأسلحة خفيفة تقف على الجانب المصري من الحدود، وتراقب وتأمّن المحور.

رغم ذلك اجتاحت إسرائيل رفح، وانطلق اجتياحها من محور فيلادلفيا تحديدًا، كما كشف تحليل سابق لمسبار. وبعد الاجتياح أعلن الجيش الإسرائيلي عدة مرات، كشف أنفاق للمقاومة ادعى أنها تمر من محور فيلادلفيا.

يمكن رؤية آثار الآليات الإسرائيلية داخل محور فيلادلفيا حيث يشير السهمين الأحمر والأبيض
يمكن رؤية آثار الآليات الإسرائيلية داخل محور فيلادلفيا حيث يشير السهمين الأحمر والأبيض

ونشر الجيش الإسرائيلية بيانات ومواد بصرية ادعى أنها أدلة على مزاعمه المتكررة بشأن وجود أنفاق وبنى تحتية في فيلادلفيا، من بينها صورة لفتحة نفق نشرها في أغسطس/آب 2024، زاعمًا أنه أحد البنى التحتية الضخمة التي اكتشفها في محور فيلادلفيا، قبل أن يعترف وزير الدفاع السابق يوآف غالانت أن الصورة مضللة، وأن إسرائيل استخدمتها لعرقلة مفاوضات وقف إطلاق النار وتعزيز مزاعمها حول تهريب الأسلحة بين الحدود مع مصر.

وفقًا لغالانت، وتحقيق نشرته هيئة البث الإسرائيلية (كان)، فإن النفق المزعوم ليس أكثر من حفرةٍ ضحلة بعمق متر واحد، وضعت مركبة عسكرية بداخلها لتضخيم الأمر، وليتسنى لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يُصرّح بتمسكه بالاستيلاء على محور فيلادلفيا.

نفق فيلاديلفيا

رغم أن هذا النفق المزعوم هو الادعاء الوحيد بشأن وجود أنفاق في محور فيلادلفيا، الذي كُشفت فبركته من داخل إسرائيل نفسها، لكنه ليس الادعاء الإسرائيلي الوحيد المفبرك بشأن الأنفاق في محور فيلادلفيا. إذ رصد "مسبار" وحلل ادعاءات إسرائيلية رسمية سابقة عن اكتشاف أنفاق وبنى تحتية عسكرية في محور فيلادلفيا، ليتبين أنها لا تعدو كونها بروباغندا مضللة، استخدمتها على ما يبدو وسيلة للضغط على الجهود المصرية إلى جانب القطرية لوقف الحرب، وتعزيزًا لرغبة نتنياهو في السيطرة على كامل قطاع غزة، خاصةً محاور المستوطنات التي كانت في القطاع قبل 2005.

نفق مزعوم في فيلادلفيا يبعد عن المحور أكثر 1200 متر

في 29 مايو 2024، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي بيانًا عن اكتشاف وتفجير أنفاق في رفح، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنّها تقع على بعدٍ يتراوح بين 10 و40 مترًا من الحدود المصرية، أي أنها تقع داخل محور فيلادلفيا الذي يبلغ عرضه 100 متر. من بين تلك الأنفاق المزعومة، نشر الجيش الإسرائيلي فيديو لتفجير أحدها، قائلًا إن فتحة النفق "الضخم" تبعد مسافة 100 متر فقط عن معبر رفح.

نفق مزعوم في فيلادلفيا يبعد عن المحور أكثر 1200 متر

تحقق "مسبار" من صحة الادعاء، عبر إجراء مطابقة جغرافية لموقع النفق المزعوم وقياس المسافة بينه وبين الحدود المصرية، ليتبين أن ذلك النفق يقع على حدود قرية البيوك، وأن أقرب مسافة بينه وبين الحدود المصرية لا تقل عن 900 متر، فيما تبعد فتحته عن محور فيلادلفيا مسافة أكثر من 1.2 كيلومتر.

كما أنّ المشاهد التي نشرها الجيش الإسرائيلي تُظهر أن مسافة الانفجارات المتصلة أقصر من طول النفق المزعوم البالغ 1.5 كيلومتر وفقًا للجيش الإسرائيلي، ما يزيد من الشكوك حول صحة الادعاء الإسرائيلي.

تحقيق مسبار عن نفق إسرائيلي مزعوم

التضليل الإسرائيلي والخداع عبر الخرائط

يعتمد الجيش الإسرائيلي على خداع الخرائط لتمرير ادعاءاته المضللة، كمنهجية استخدمها مرات عدة بالأسلوب نفسه، ففي الخامس من يونيو/تموز 2024 نشر بيانًا ادعى فيه اكتشاف وتفجير نفق يمر في محور فيلادلفيا بطول كيلومترين، وأرفق مقطعي فيديو أحدهما لمسار النفق المزعوم، والآخر يُظهر تفجيره المفترض.

في الفيديو الذي يُظهر المسار المفترض للنفق المزعوم، يُمكن ملاحظة أن جزءًا من النفق يأتي في نفس موقع النفق المعلن عنه في 29 مايو 2024، لكن دون الجزء الأخير على شكل قوس، والمحاط بدائرة بيضاء في الصورة التالية، ما يثير الشكوك حول صدقية كلا الإعلانين، ويعزز احتمال أن تكون مسارات الأنفاق مرسومة بشكل اعتباطي.

التضليل الإسرائيلي والخداع عبر الخرائط

في الفيديو الثاني يظهر مشهدين لتفجير النفق، بالتدقيق فيهما تبين أنهما للتفجير نفسه لكن من زوايا تصوير مختلفة. يُظهر المشهد الأول نقطتي بداية ونهاية التفجير بوضوح، مع عناصر بصرية في الأرض المحيطة، تمكن "مسبار" من خلالها من تحديد موقع التفجير كما هو موضح في الصورة التالية.

تفجير النفق في محور فيلاديلفيا

استنادًا إلى المطابقة الجغرافية، تمكنّا من قياس طول التفجير، ليتبيّن أنه لا يتجاوز 206 أمتار، وعلى مسافة تبعد ما لا يقل عن 630 متر من محور فيلادلفيا، ما يثير الشكوك مرة أخرى حول حقيقة وجود نفق فعلي.

محور فيلادلفيا

إسرائيل تهاجم الوسطاء الساعين لإنهاء حرب غزة

إذًا، تكشف تلك النتائج أن الادعاءات الإسرائيلية حول الأنفاق في فيلادلفيا ليست سوى حملة تضليل ممنهجة، تأتي ضمن سياق سياسي أوسع يتضمن مساعي الإدارة الإسرائيلية لعرقلة المفاوضات، وإطالة أمد الحرب.

وينسجم ذلك مع الاتهامات التي وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا لقطر بـ"الازدواجية"، بسبب عدم وقوفها إلى جانب إسرائيل، وهي اتهامات وصفتها وزارة الخارجية القطرية بـ"التحريضية وغير المسؤولة"، ومحاولة لتبرير "الانتهاكات ضد المدنيين باستخدام شعارات زائفة". 

اقرأ/ي أيضًا

دمار واسع.. صور الأقمار الصناعية تدحض المزاعم الإسرائيلية والأميركية بمحدودية اجتياح رفح

الاحتلال الإسرائيلي يتراجع عن ادعاءات مضللة بعد الاستفادة من تأثيرها إعلاميًا

المصادر

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar