كيف استغلت إسرائيل حرائق الغابات لتشويه صورة الفلسطينيين؟
اندلعت حرائق غابات في التلال المحيطة بمدينة القدس في أواخر إبريل/نيسان 2025، ما دفع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إعلان حالة طوارئ وطنية. وقد التهمت النيران ما يُقدّر بنحو 6 آلاف فدان من الأراضي، من بينها ألفي فدان من الغابات.
انتشرت أخبار مضللة ومفبركة، ونظريات مؤامرة حول الحرائق وأسبابها. وقد استغل بعض مروجي نظريات المؤامرة داخل المجتمع الإسرائيلي هذه الواقعة لتوجيه أصابع الاتهام لفلسطينيين بالوقوف وراء الحرائق، التي استُخدمت لتأجيج الكراهية ضد الفلسطينيين وتبرير العنف تجاههم.
كما انخرطت وسائل إعلام إسرائيلية، وشخصيات بارزة في فبركة نظريات مؤامرة لتوجيه اللوم للفلسطينيين دون أي دليل. بداية من التهم الباطلة إلى مقاطع الفيديو المعاد تدويرها، وغيرها
من أشكال المعلومات المضللة.
نتنياهو ينشر ادعاءات لا أساس لها تتهم الفلسطينيين بإشعال الحرائق
بعد نحو 24 ساعة من اندلاع الحرائق، زعم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في كلمته خلال مسابقة الكتاب المقدس السنوية في القدس، أنّ 18 مشتبه بهم قد اعتُقلوا بتهمة إشعال الحرائق.
وقال نتنياهو "في الإعلام الفلسطيني، يتحدثون عن حرق الأرض"، في إشارة إلى مزاعم تفيد بتنسيق فلسطيني لإشعال الحرائق.

غير أن تصريحاته جاءت مخالفة ما أعلنت عنه الشرطة الإسرائيلية، التي ذكرت أن ثلاثة فقط، من الموقوفين المشتبه بهم كانوا فلسطينيين. ولم يُثبت تورط أي منهم بشكل مباشر في إشعال الحرائق الرئيسية.
من بين هؤلاء، شاب يبلغ من العمر 19 عامًا من بلدة العيسوية، أوقفته الشرطة بسبب منشورات تحريضية على مواقع التواصل الاجتماعي، أشاد فيها بالحرائق وربطها بـ "جرائم الجنود الإسرائيليين في غزة". وكتب في أحد منشوراته "أحرقوا غزة، فأحرقهم الله. إسرائيل تحترق، اللهم انتقم لنا".
أما المشتبه الثاني، رياض أبو طير، البالغ من العمر 63 عامًا والمقيم في أم طوبا، اعتُقل عقب ضبط الشرطة له وهو "يشعل النار في حقل مفتوح جنوب القدس"، وفقًا لما أوردته صحيفة يديعوت أحرونوت.
من ناحيتها، نشرت القناة 12 الإسرائيلية، مقطع فيديو ادعت أنه يُظهر أبو طير وهو يشعل النار، إلى جانب قرار المحكمة بتمديد اعتقاله.
غير أن صحيفة هآرتس، كشفت بعد فحص المقطع أنه محرّر من زاويتين مختلفتين، ويتضمن فجوة زمنية تبلغ تسع دقائق بين لقطات تظهر أبو طير يمشي في الحقل، وبين مشهد الدخان وهو يملأ المكان.
وأكدت الشرطة أن هذا المشتبه به لا علاقة له بحرائق التلال الرئيسية في العاصمة، إذ كان موقع الحريق بعيدًا عن حي هار حوما اليهودي وأقرب إلى حي بيت صفافا الفلسطيني. أما هوية المشتبه به الثالث فلم تُكشف بعد.
شخصيات ووسائل إعلام إسرائيلية تروّج لاتهامات ضد الفلسطينيين
ردّد عدد من الشخصيات الإسرائيلية البارزة مزاعم نتنياهو التي لا تستند إلى أدلة، في نمط متكرر من تحميل الفلسطينيين المسؤولية.
فقد نشر الناشط الإسرائيلي إيدي كوهين مقطع فيديو يدّعي أنه يُظهر فلسطينيًّا يشعل النار في غابة داخل إسرائيل، واصفًا إياه بالإرهابي.
لكن عند إجراء بحث عكسي للصور المضمنة في الفيديو، تبيّن أنه لا يمت بصلة إلى فلسطين أو إسرائيل. وقد نشرت وكالة رويترز المقطع للمرة الأولى عام 2021، وأرفقته بتعليق يشير إلى أنه يُظهر شخصًا يشعل النار في غابة بإيطاليا.
وقد دحضت العديد من منصات التحقق، بينها "فاك ريبورتر"، صحة الادعاء، لكنه ظل متداولًا.
ومن بين الحسابات التي روّجت للفيديو المضلل حساب باسم عقيدة القتال، المعروف بدعمه لخطاب الجيش الإسرائيلي، لكنه حذف الادعاء لاحقًا بعد أن نبّهه المتابعون إلى أنه الفيديو قديم. ورغم نشره تصحيحًا لاحقًا، فقد أصرّ على أن "هذا هو محمد من القدس الشرقية"، بدون تقديم أي دليل منطقي يدعم حجته.
أما عضو الكنيست والمحامية تالي غوتليف، اتهمت الفلسطينيين بإشعال الحرائق، ووصفتها بـ "هجوم إرهابي".

وفي منشور آخر لها، ألقت باللوم على الفلسطينيين في إلغاء مراسم إسرائيلية تم تعليقها بسبب الحرائق.
أما عضو الكنيست المتطرف زفي سوكوت، فاعتبر الفلسطينيين مذنبين من دون أدلة. وفي منشور له على موقع إكس للتواصل الاجتماعي، دعا إلى فرض حظر تجول وإغلاق على القرى الفلسطينية، مستغلًا الحرائق كمبرر. وقدّم طلبًا رسميًا بذلك إلى نتنياهو، جاء فيه قوله "يجب فرض حظر تجول على الفور في يهودا والسامرة، وعلى القرى الفلسطينية".
ترويج خرائط مضللة وإسقاط للحقائق الميدانية
في السياق ذاته، روّج مستخدمون آخرون خريطة زُعم أنها تُظهر مواقع اندلاع الحرائق، للإيحاء بأنها وقعت فقط داخل إسرائيل ولم تمتد إلى الضفة الغربية. من بين من روّجوا لها الناشطة اليمينية أييليت لاش، وشمعون ريكلين، الصجفي في القناة 14.
وشارك حساب "عقيدة القتال" هذه الخريطة، وأرفقها باقتباس من التوراة يُستخدم غالبًا لتبرير تهجير الفلسطينيين قسرًا، إذ يُحذر النص بني إسرائيل من إبقاء سكان كنعان الأصليين في أرضهم، لتجنّب الفتنة والوثنية.
لكن هذه المنشورات تجاهلت اندلاع حرائق في مدن مثل حيفا، التي تضم 33 ألف فلسطيني، وتل أبيب، التي تضم 25 ألفًا آخرين.
وأكدت صحيفة هآرتس، أن الحرائق امتدت إلى مناطق تابعة للسلطة الفلسطينية في 30 إبريل الفائت، بما في ذلك محيط أريحا وطولكرم.
كما أن الخريطة لا تعكس المواقع الحقيقية للحرائق، بل توحي بأنها وقعت على حدود الضفة الغربية ومحيط قطاع غزة، متعمدة استثناء المناطق الفلسطينية من نطاق النيران.
واللافت أن مدنًا مثل عسقلان وأسدود، القريبتين من غزة، لم يُسجل فيها أي حرائق حتى نهاية إبريل الفائت للعام الجاري.
وقد كرّست صحيفة جيروزاليم بوست هذه المزاعم بنشر تقرير بعنوان "إسرائيل تشتعل في حالة طوارئ وطنية يُعتقد أنها عمل إرهابي"، وادعت أن حركة حماس، نشرت على مواقع التواصل دعوة للفلسطينيين في الضفة وداخل إسرائيل لإشعال الحرائق.
كما نشرت الصحيفة مقالًا آخر كرر مزاعم التحريض على إشعال الحرائق.
وأرفقت صورة تُظهر شخصًا يرتدي الكوفية ويشعل النار في أرض زراعية. وظهر على الصورة نص باللغة العربية يقول "لتكن بيوت المستوطنين رمادًا تحت أقدام الثوار"، مع وسم "#احرقوا_بيوت_المستوطنين".

وقد بحث فريق "مسبار" عن مثل هذا النداء في القنوات الرسمية لحركة حماس، على تطبيق تليغرام، لكنه لم يعثر على أي دعوة مشابهة.
من جهته، نفى باسم نعيم، عضو المكتب السياسي لحماس والمتحدث باسمها، أي علاقة للحركة بهذه الحرائق. وقال في تصريحات لمجلة نيوزويك الأميركية "لا نعلم هوية المعتقلين، وليس لدينا معرفة مسبقة بهذه الأفعال".
وبالبحث تبيّن أن الصورة المتداولة نشأت من قنوات محلية على تليغرام مثل أخبار أريحا، وأخبار الخليل، وقناة طوفان الأقصى في يوليو/تموز 2024. وتضمنت هذه المنشورات ردود فعل غاضبة من شباب فلسطينيين على الحرب المستمرة في غزة، وتصاعد اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.
وتجدر الإشارة إلى أن صحيفة هآرتس نشرت في نفس يوم اندلاع حرائق القدس، تقريرًا يُفيد بأن مستوطنين إسرائيليين أشعلوا النار في أراض زراعية فلسطينية في الضفة الغربية.
نظريات المؤامرة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين
ليست هذه المرة الأولى التي تُوجَّه فيها اتهامات غير مثبتة للفلسطينيين بإشعال الحرائق. فخلال موجة حرائق شديدة قبل تسع سنوات، اتهمت السلطات الإسرائيلية المواطن الفلسطيني جواد قطوش من بلدة بتير بإشعال حرائق.
وقد اعتقله الشاباك لمدة خمسة أيام دون السماح له بلقاء محامٍ. وانتشر مقطع مصوّر له على وسائل الإعلام الإسرائيلية وهو يشعل النار. واحتفى سياسيون يمينيون متطرفون باعتقال ما سموه "الإرهابي" الذي جعل إسرائيل تعاني.
لكن عائلة قطوش أوضحت أنه كان ينظف أرضه من النفايات بالحرق، كما يفعل الفلاحون عادة. وكانت المسافة بين منزله وأقرب مستوطنة يهودية تبلغ 1.5 كيلومترًا، وفقًا لما نقله الصحفي نير حسون لدى هآرتس".
وبالرغم من إطلاق سراحه لاحقًا دون توجيه تهم، أُلغي تصريحه لدخول إسرائيل، وفقد عمله وساءت أحوال أسرته الاقتصادية بسبب فتح ملف جنائي ضده.
بعد ثلاث سنوات من هذه الحادثة، تبادل الفلسطينيون والمستوطنون الاتهامات بإشعال النار في أراضٍ زراعية. وقد اتهم الجيش الإسرائيلي في البداية الفلسطينيين، لكن منظمة بتسيلم الحقوقية نشرت مقطع فيديو أظهر مستوطنين يهود، أحدهم جندي في الجيش، وهم يشعلون النار في الأراضي.
أسباب حرائق الغابات الإسرائيلية
ما يزال السبب الدقيق للحرائق قيد التحقيق، إلا أن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ أشار إلى أن هذه الحرائق "جزء من أزمة مناخية لا يجوز تجاهلها".
وذكرت مصادر نقلتها صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن الإهمال من قِبل المتنزهين، إلى جانب الرياح العاتية والطقس الجاف، كان السبب الأرجح.
وسخر مسؤول كبير في جهاز الإطفاء الإسرائيلي من مزاعم الحرق العمد، مشيرًا إلى أن الأشجار التي احترقت كانت "أشجارًا فيها نسبة أعلى من الراتنج، وجذوعها أكثر جفافًا، وبالتالي اشتعلت بالصدفة".
وأشارت الباحثة الفلسطينية غادة ساسة، المتخصصة في الاستعمار البيئي، إلى أن الحرائق تفاقمت بسبب أنواع الأشجار غير الأصلية التي زرعتها إسرائيل منذ عام 1948.
فبحسب ساسة متطلعين، زرعت إسرائيل أكثر من 240 مليون شجرة لتغطية القرى الفلسطينية المهجّرة، 90% منها غير أصلية.
وأوضحت أن أشجار الأوكالبتوس الأسترالية، المعروفة بقابليتها الشديدة للاشتعال، كانت من العوامل الرئيسية وراء انتشار الحرائق، كما ساهمت هذه الأنواع في رفع درجات الحرارة وزيادة التصحر.
وقد بيّنت دراسات أن إسرائيل أكثر عرضة لدرجات الحرارة المرتفعة بسبب التغييرات الجذرية التي طرأت على بيئتها الطبيعية.
اقرأ/ي أيضًا
بعد فبركة قصة النفق في رفح.. مسبار يكشف زيف ادعاءات إسرائيلية أخرى عن أنفاق فيلادلفيا
الاحتلال الإسرائيلي يتراجع عن ادعاءات مضللة بعد الاستفادة من تأثيرها إعلاميًا
المصادر



















