رغم وصول الأموال المطبوعة من روسيا.. لماذا تتأخر رواتب الموظفين السوريين؟
تزايد الجدل وتواصلت ردود فعل الشارع السوري حول أسباب تأخير صرف رواتب الموظفين، في ظل أنباء وإشارات عن وصول شحنات محملة بالعملة السورية إلى دمشق، دون الإعلان الرسمي من الحكومة السورية عنها أو معرفة كميتها وحجمها.
يرى محللون اقتصاديون أنّ تلك الشحنات من العملات الورقية التي طُبعت في روسيا ووصلت إلى دمشق، تكفي لدفع رواتب الموظفين، وقد تسهم في تحسين السيولة المالية الضرورية لتسيير العمليات المصرفية. ومع ذلك، تتكرر شكاوى الموظفين والمتقاعدين جراء تأخر صرف رواتبهم لعدة أشهر، وصعوبة كبيرة في السحب من الصرافات الآلية.
في الوقت ذاته، استمر مصرف سوريا المركزي في تطبيق سياسة حبس السيولة، ما عمق حالة الضبابية على الصعيد المالي، وسط تضارب واضح بين الحاجة الملحة للأموال والمطالب بزيادة الشفافية والمساءلة.
استمرت تلك الحالة حتى يوم أمس الأحد 11 مايو/أيار، عندما أعلن المصرف المركزي عن السماح بتمكين المتعاملين من أصحاب الحسابات الجارية المغذاة نقدًا، وحسابات الودائع لأجل المودعة بعد 7 مايو الجاري، من السحب بحسب رغبتهم في أي وقت وبدون سقف محدد، وذلك بعد سياسة حبس السيولة التي اعتمدها الأشهر الفائتة.
وحسب التعميم، تُلزم المصارف باتخاذ جميع التدابير الضرورية لتلبية طلب المتعامل بكسر الوديعة لأجل قبل موعد استحقاقها أو السحب من حساب التوفير، وتسليمه المبلغ المودع بالسرعة الممكنة، مع الأخذ بعين الاعتبار الآثار المترتبة على كسر الوديعة، مثل خسارة الفوائد أو العوائد، وفق الإجراءات المعتمدة لديهم.
بعد تأخر لأربعة أشهر.. صرف رواتب 700 ألف متقاعد
أعلنت وزارة المالية في الرابع من مايو الجاري، أن المؤسسة العامة للتأمين والمعاشات صرفت معاشات شهور يناير كانون الثاني، فبراير/شباط، مارس/آذار، وإبريل/نيسان، لـ700 ألف متقاعد، كما ستصرف يوم 15 مايو الجاري منحة القرار رقم 6 بتاريخ 15/3/2025، للمتقاعدين المدنيين والعسكريين الذين تقاعدوا قبل إبريل 2011 وما زالوا مستحقين لرواتبهم. إضافة إلى صرف معاشات ثلاثة أشهر سابقة للمتقاعدين العسكريين الذين تقاعدوا قبل عام 2011.
أزمة رواتب الموظفين السوريين
في إبريل الفائت، أفادت تقارير إعلامية بأن آلاف الموظفين لم يتمكنوا من قبض مستحقاتهم المالية بسبب نقص السيولة، إلى جانب خطة المصرف المركزي الرامية "لتجفيف السيولة بهدف زيادة الطلب على الليرة ورفع قيمتها السوقية".
موظفون حكوميون في دمشق تحدثوا لجريدة المدن، أنهم لم يستلموا رواتبهم عن الأشهر الأربعة الماضية، وأشار آخرون أن الصرافات الآلية التي يسحبون منها رواتبهم، تعج بمئات الأشخاص الذين ينتظرون أكثر من أربع ساعات، وغالبًا لا يتمكنون من الحصول على مستحقاتهم بسبب قلة السيولة.
كما أكد موظفون متقاعدون أنهم لم يتلقوا رواتب شهر مارس الفائت، لأن المصرف العقاري صرف لهم المنحة المالية التي أُقرت قبل عيد الفطر "بحجة عدم توفر الأموال الكافية".
وفي ظل نقص السيولة المالية ووجود أعطال في الصرافات الآلية التابعة للبنكين التجاري والعقاري، تتسبب هذه الحالة في فوضى وازدحامات كبيرة، حيث ينتظر الموظفون ساعات طويلة لاستلام رواتبهم.
وواصل مصرف سوريا المركزي تبني سياسة حبس السيولة في البنوك مع تحديد سقف السحب للمودعين بمبلغ مليون ليرة فقط في اليوم الواحد، ما انعكس سلبًا على القدرة الشرائية وإيقاف عجلة الإنتاج، حسب ما أفاد خبراء اقتصاديون.
الخبير الاقتصادي والمستشار التنفيذي لشؤون السيولة والنقد في وزارة الاقتصاد والصناعة السورية، جورج خزام، ذكر أن المصرف المركزي يحتجز أموال التجار والصناعيين المودعة قبل إلغائها، ما يقلل عرض الليرة السورية.
وأوضح أن هذا الاحتجاز أدى إلى ضعف الحركة الاقتصادية، وتصفية المصانع والشركات بسبب نقص السيولة، الأمر الذي زاد من البطالة والركود التضخمي.
وأضاف أن إدارة المصرف لم تتراجع عن هذا الخطأ، وأن انهيار الإنتاج وتراجع الطلب ومستوى الدخل، ناجم عن الانخفاض الوهمي في سعر صرف الدولار نتيجة تجفيف السيولة من قبل الصرافين والمصرف المركزي.
طائرة مملوكة لـ"خطوط المعلم" تنقل أموالًا من موسكو إلى مطار دمشق
وبالبحث وجد فراس دالاتي، الصحفي ومدقق المعلومات في مسبار، أن طائرة من طراز Airbus A300B4-203(F)، تملكها شركة "خطوط المعلم" المسجلة في قرغيزستان، حطت في مطار دمشق الدولي قادمة من موسكو يوم 14 إبريل.
كما أن الطائرة التي تُشغلها شركة My Indo Airlines الإندونيسية، والتي تتخذ من جاكرتا وسنغافورة مقرين لخطوطها، لم تكشف عن وجهتها إلا بعد دخولها الأجواء السورية. كما أظهرت البيانات أن الطائرة أجرت ما لا يقل عن 11 رحلة بين موسكو ودمشق خلال الأسبوع الأول من إبريل، دون الإعلان عنها مسبقًا إلا عند اقترابها من الهبوط.
وبحسب المعلومات الفنية، فإن قدرة الطائرة على النقل تصل إلى 30.5 طنًّا، ومن المحتمل أنها تنقل كميات من الأموال بحد أقصى طاقتها بسبب تكرار الرحلات. وإذا كانت الكميات المنقولة من فئة الـ 5000 ليرة سورية، فكل رحلة قد تنقل نحو 150 مليار ليرة (مايقارب 12 مليون دولار أميركي)، ليصل إجمالي المبالغ المنقولة خلال تلك الرحلات إلى نحو 132 مليون دولار.
وسبق أن أعلن مصرف سوريا المركزي في 14 فبراير الفائت عن وصول 300 مليار ليرة سورية إلى البلاد، قادمة من روسيا عبر مطار دمشق الدولي. كما أفاد مصدر حكومي لوكالة رويترز أن سوريا استلمت في الخامس من مارس الفائت، شحنة جديدة من العملة المحلية المطبوعة في روسيا، مع وجود توقعات بوصول مزيد من هذه الشحنات مستقبلًا، دون الكشف عن كمية المبالغ التي وصلت في تلك الشحنة.
تدفقات العملة السورية من روسيا وأزمة السيولة
أوضح الاستشاري الاقتصادي أسامة القاضي لـ"مسبار"، أن تسلم الأموال السورية التي طُبعت في روسيا سيساعد على تحسين السيولة اللازمة لدفع الرواتب وتداولها في المصارف السورية، ما سينعكس إيجابيًّا على وضع الاقتصاد.
ولفت إلى أن من غير المرجح أن يكون لهذه التدفقات أثر تضخمي، إذ إن البنك المركزي هو الذي يحدد كمية النقد المتداولة، وغالبًا ما يزود المصارف بالمبالغ حسب الحاجة حتى يسهل تسييل السيولة دون أن تؤدي لارتفاع الأسعار. لافتًا إلى أن المبلغ المطلوب أكبر بكثير من هذه الدفعات.
بينما أفاد الاستشاري الاقتصادي جلال بكار في تصريح لمسبار، أن نقل الأموال المطبوعة من روسيا، قد يزيد من التضخم إذا لم تُعالج مشكلة الليرة السورية أصولًا مع العملات الأجنبية. وأكد "بكار" أنه بدون شفافية من جانب البنك المركزي السوري وتطبيق تقنيات اقتصادية دولية لرسم خارطة جديدة لليرة، فإن تأثير هذه الأموال سيكون سلبيًا وليس إيجابيًا على الاقتصاد السوري.
وأشار إلى أنه نظرًا لأن حجم وكميات الأموال التي تصل إلى سوريا غير واضحة، لا يمكن تحديد تأثيراتها الداخلية أو الخارجية بشكل دقيق، ولكنها قد تُستخدم لصرف الرواتب والمتقاعدين. ولفت بكار إلى أن الاعتماد على قيمة الليرة السورية في ظل تدهورها لا يعكس الواقع الحقيقي للتضخم والحياة اليومية للأفراد، خاصة فيما يتعلق بتصريف العملات الأجنبية داخل سوريا.
مستقبل العملة السورية: تحديات العلاقات الدولية وتأثيرها على الإصلاحات النقدية
أشار الخبير الاقتصادي جلال بكار في حديث لمسبار، أن مستقبل العملة السورية، سواء من خلال إصدار عملة جديدة أو حذف الأصفار كما حدث مع الليرة التركية عام 2005، مرتبط بشكل كبير بالعلاقات الدولية والتوازنات السياسية، خاصة مع وجود اللاعب الإسرائيلي والدعم الأوروبي والأميركي لإسرائيل، بالإضافة إلى دعم تركيا وسوريا، وهو ما يجعل الأمور معقدة جدًا.
وأعرب بكار عن اعتقاده أن الملف السوري مرتبط بشكل حيوي بسياساته على المستويين الداخلي والإقليمي، وأن تأمين تدفقات مالية مباشرة بالعملات الأجنبية كالدولار واليورو هو الخيار الأنسب، لأنه يؤثر مباشرة على سعر الصرف ويُحسِّن من قيمة الليرة، على عكس التدفقات بالعملة السورية التي لن تكون ذات فائدة كبيرة في الظرف الحالي.
اقرأ/ي أيضًا
تسلّم سوريا أموالًا من روسيا: بين الادعاءات والتوضيحات الرسمية
غياب المصادر الرسمية في سوريا يزيد فوضى المعلومات بعد سقوط نظام الأسد