مقاطع مفبركة منسوبة لخالد الجبير وعمر عبد الكافي للترويج لمنتجات مشبوهة
انتشرت، حديثًا، موجة من المقاطع المفبركة التي تستهدف الجمهور العربي، مستغلة شخصيات معروفة، مثل الدكتور خالد الجبير والداعية عمر عبد الكافي، لترويج منتجات طبية مشبوهة. تُظهر هذه المقاطع المزيفة الشخصياتِ وكأنها تروّج لعلاجات "سحرية" لأمراض مزمنة، وتُنشر غالبًا من خلال حسابات حديثة أو مجهولة على منصات التواصل الاجتماعي تحمل أسماء وصورًا توحي بالموثوقية.
تُنتج مقاطع الفيديو تل باستخدام تقنية التزييف العميق، حيث تُعدّل ملامح الوجه ويُزوّر الصوت ليبدو مطابقًا لصوت شخصية معروفة، ضمن قالب يحاكي البرامج التلفزيونية الموثوقة. ثم تُروَّج عبر إعلانات ممولة تستهدف فئات معينة، مثل متابعي الصفحات الطبية أو الدينية.
رصد "مسبار" عشرات الصفحات المزيفة على موقع فيسبوك تنتحل هوية الدكتور خالد الجبير والشيخ عمر عبد الكافي، وتستخدم مقاطع فيديو مفبركة للترويج لمنتجات مشبوهة تزعم قدرتها على الشفاء السريع.
تعتمد هذه المقاطع على تقنيات تزييف رقمي واضحة، من أبرزها عدم تطابق حركة الشفاه مع الصوت، وتعبيرات وجه غير طبيعية، بالإضافة إلى عيوب بصرية مثل الحواف المشوشة. كما يُلاحظ أنّ الصوت المستخدم في هذه المشاهد مصطنع، إما مصقول بشكل مبالغ فيه أو يحمل نبرة آلية لا تتناسب مع طبيعة المتحدث الأصلي.
خرافة "خلية X" و"خلية Y"
على صفحة تحمل اسم "صيدلية د. عمر عبد الكافي لعلاج السكري"، انتشر مقطع مفبرك باستخدام الذكاء الاصطناعي حقق 2.7 مليون مشاهدة و537 مشاركة، يظهر فيه عمر عبد الكافي محذرًا من استخدام الأنسولين لعلاج السكري، مدعيًا أنه لا يعالج "السبب الجذري" للمرض.
ويزعم أن السبب الحقيقي هو وجود "خلية X" مسؤولة عن منع إفراز الأنسولين، وأن "خلية Y" طُوّرت خصيصًا لتحييدها والتخلص من السكري. كما يستشهد بأحاديث نبوية ويوجه المشاهدين للنقر أسفل الفيديو لمعرفة "الطريقة الآمنة" التي تغنيهم عن الإنسولين.
حتى اليوم، لا توجد أي مرجعية طبية أو بحث علمي موثوق يتحدث عن "خلية X" أو "خلية Y"، ودورهما في مرض السكري. هذه مصطلحات وهمية تُستخدم في المحتوى التضليلي لتسويق علاجات لا أساس لها من الصحة.
يتكوّن البنكرياس من نوعين رئيسيين من الخلايا بناء على وظائفها: الخلايا الإفرازية (الخارجية) والخلايا الصماء (الداخلية). الخلايا الإفرازية تُشكّل نحو 98% من كتلة البنكرياس، وتُعرف بالخلايا الحُبيبية (Acinar cells) التي تُفرز الإنزيمات الهضمية مثل الأميليز، الليباز، والتربسين، إضافة إلى الخلايا القنوية (Ductal cells) التي تُنتج البيكربونات لتعديل حموضة العصارة المعدية في الاثني عشر.
أما الخلايا الصماء، فتوجد ضمن جزر لانغرهانس وتمثل قرابة 2% من نسيج البنكرياس، لكنها ذات أهمية كبيرة في تنظيم سكر الدم. تتنوّع هذه الخلايا إلى عدة أنواع، أبرزها خلايا ألفا التي تُفرز هرمون الغلوكاغون لرفع مستوى السكر، وخلايا بيتا التي تُنتج الأنسولين لخفض مستوى السكر في الدم، وهي الأكثر عددًا ضمن الجزر.
كذلك توجد خلايا دلتا التي تفرز السوماتوستاتين الذي يُنظّم عمل بقية الخلايا، وخلايا PP أو F التي تُنتج الببتيد البنكرياسي المنظم لوظائف الهضم، وأخيرًا خلايا إبسيلون التي تفرز هرمون الغرلين المسؤول عن تحفيز الشهية.
مرض السكري معروف بأسبابه الطبية الواضحة، فالنوع الأول منه مرض مناعي ذاتي يهاجم خلايا بيتا المنتجة للأنسولين، أما النوع الثاني فعلاقته وثيقة بالسمنة وقلة النشاط والعوامل الوراثية.
والأنسولين ليس مجرد وسيلة لتخفيف الأعراض، بل هو ضرورة حياة، خاصة لمرضى السكري من النوع الأول. التوقف عن استخدامه قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل الحماض الكيتوني، الذي قد يهدد الحياة.
ادعاء وجود علاج نهائي للسكري في صفحة منسوبة للشيخ خالد الجبير
انتشر مقطع مفبرك باستخدام الذكاء الاصطناعي، حصد 3.1 ألف مشاهدة و 89 تعليقًا، يظهر فيه الدكتور خالد الجبير وكأنه يروّج لدواء "ثوري" يعالج السكري نهائيًا خلال شهر، دون أنسولين أو علاج تقليدي.
يدعو المقطع المرضى لعدم قياس السكر أو مراجعة الأطباء، ويوجههم لرابط يشرح "الطريقة الجديدة".
النوع الأول ناتج عن خلل مناعي مزمن. أما النوع الثاني، فقد تتحسن حالته بتغييرات في نمط الحياة، لكنه لا يُشفى تمامًا. لا توجد أي جهة طبية رسمية مثل FDA أو EMA أقرت بعلاج نهائي خلال أيام أو أسابيع، وأي ترويج لذلك هو تضليل. التوقف عن الإنسولين أو أدوية مثل الميتفورمين يعرض حياة المريض للخطر، وقد يؤدي إلى دخول في غيبوبة أو الوفاة.
خدعة تشخيص النوبة القلبية والسكتة الدماغية
انتشر مقطع فيديو على تيك توك حصد 79.7 ألف إعجاب و35.4 ألف مشاركة، يُظهر الشيخ خالد الجبير مرة أخرى وهو يدعي أن "ألم الرقبة مع ارتفاع ضغط الدم "مؤشر مباشر على سكتة دماغية أو نوبة قلبية وشيكة، ويرفق المقطع برابط لعلاج "يمنع حدوث الأزمة خلال أيام".
هذه الأعراض لا ترتبط طبيًا بالسكتة الدماغية أو النوبة القلبية. السكتة الدماغية غالبًا ما تظهر بشكل مفاجئ على هيئة ضعف في الوجه أو أحد الأطراف، أو صعوبة في النطق أو الرؤية، أو صداع شديد ومفاجئ.
أما النوبة القلبية، فعادة ما تبدأ بألم في الصدر، يرافقه ضيق في التنفس وتعرق شديد، وقد يمتد الألم إلى الذراع اليسرى أو الكتف.
لا يوجد دواء "سحري" يمنع هذه الأزمات فجأة. الوقاية تتطلب إدارة صحية شاملة تشمل التغذية والرياضة وضبط ضغط الدم والكوليسترول، بالإضافة إلى أدوية مثل الستاتين والأسبرين التي لا تؤخذ إلا بإشراف طبي.
المكمل "الثوري" لعلاج البروستاتا
في مقطع فيديو مفبرك تجاوز 800 ألف مشاهدة، يظهر الدكتور عمر عبد الكافي وهو يزعم أن الأطباء "يخفون" علاجًا فعالًا لمشاكل البروستاتا. يروّج المقطع لمكمل يُدعى Urofarm، ويصفه بأنه "ثوري" ويعالج البروستاتا نهائيًا خلال أسبوع. كما يدعو إلى التخلي عن "الطرق العمياء" في إشارة إلى الأدوية التقليدية، ويحث المشاهدين على النقر أسفل الفيديو للحصول على ما يسميه "الحل النهائي".
الحقيقة أن التهاب البروستاتا لا يُشفى خلال أيام، بل يتطلب علاجًا يستمر عادة من 4 إلى 6 أسابيع باستخدام المضادات الحيوية، وقد تُضاف إليه خيارات أخرى مثل العلاج الطبيعي، مضادات الالتهاب، حاصرات ألفا، أو حتى الجراحة في بعض الحالات. أما بالنسبة لـ Urofarm، فهو ليس علاجًا معتمدًا من قبل الهيئات الصحية الرسمية، بل يُصنّف كمكمّل غذائي عشبي يُسوّق لدعم صحة البروستاتا. ونظرًا لعدم خضوعه للتقييمات الصارمة التي تُطبّق على الأدوية، فمن المهم استشارة الطبيب قبل استخدامه، خاصة في حال وجود أمراض مزمنة أو تناول أدوية أخرى، لتفادي أي تفاعلات أو مضاعفات محتملة.
من الجدير بالذكر أن هذه المقاطع غالبًا ما تُصمّم لتبدو وكأنها مقتطفات من برامج إخبارية شهيرة مثل "الجزيرة" أو "سكاي نيوز"، بهدف منحها صدقية مزيفة وإقناع المشاهدين بسهولة.
نفي وتحذيرات رسمية
ردّ الدكتور خالد الجبير عبر قناة "غذاء القلوب"، نافيًا علاقته بتلك المقاطع، ومستنكرًا قيام بعض المتابعين بتوجيه اللوم إليه بناءً على محتوى مزيف.
كما ظهر الشيخ عمر عبد الكافي، في مقطع رسمي على قناته في يوتيوب، ليؤكد أنه لم يشارك يومًا في أي حملة إعلانية، محذرًا من استغلال صورته وصوته في مثل هذه الأفعال الاحتيالية.
تكمن خطورة هذه الممارسات في استغلال الثقة المسبقة التي يتمتع بها الأفراد المستهدفون. لذا عندما يُستخدم اسمهما لترويج منتج طبي، يتلقى الجمهور الرسالة بقدر كبير من القبول، خاصة لدى الفئات الأكبر سنًا أو من يعانون من أمراض مزمنة ويبحثون عن أمل في العلاج.
هذه الفئة هي الأكثر عرضة للتصديق، والأقل استعدادًا لتحليل التفاصيل التقنية التي قد تكشف التزييف.
تداعيات خطيرة تفوق التضليل الإعلامي
الاحتيال باستخدام الذكاء الاصطناعي لا يقف عند حد التضليل، بل يفتح الباب لأضرار صحية، وأخرى نفسية واجتماعية.
*المخاطر الصحية المباشرة: كثير من المرضى الذين يقعون ضحية لهذه الإعلانات ينفقون أموالهم على منتجات لا تمتلك ترخيصًا طبيًا أو فعالية مثبتة. كما أن استخدام هذه المنتجات قد يؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية، أو التفاعل مع أدوية أخرى بطريقة خطيرة. والأسوأ أن بعض المرضى يتخلون عن العلاج الطبي الموصوف، أملاً في "علاج معجزة" لا وجود له.
*خطر سرقة البيانات والابتزاز: الروابط المرافقة لتلك الحملات لا تُستخدم فقط للبيع، بل كثيرًا ما تقود إلى مواقع تجمع بيانات المستخدمين، بما في ذلك معلومات طبية خاصة. في بعض الحالات، تُستخدم هذه المعلومات لاحقًا في حملات تسويقية عدوانية أو حتى في محاولات ابتزاز.
*تأثير نفسي واجتماعي: بث الأمل الكاذب في نفوس المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة يؤدي إلى خيبة أمل نفسية كبيرة عند اكتشاف الخداع. كما أن الإنفاق المالي على منتجات غير فعالة يزيد الضغط الاقتصادي، خاصة لدى الأسر ذات الدخل المحدود.
*تشويه الثقة بالمصادر الموثوقة: عندما يُستخدم وجه طبيب معروف أو داعية مشهور للترويج لكذبة، يتزعزع الإيمان بوسائل الإعلام والمؤسسات الطبية. وتكرار هذه الظاهرة يؤدي إلى تآكل ثقة الناس بأي محتوى، سواء كان حقيقيًا أم لا.
* غياب الرقابة الكافية المنصات الاجتماعية: لم تطور بعد آليات فعالة لكشف هذه المقاطع أو منع انتشارها بسرعة. ما يزيد الأمر سوءًا هو قدرة المحتالين على الترويج لهذه المقاطع بتمويل مدفوع، لتصل إلى آلاف المستخدمين خلال ساعات.
علامات تساعد على كشف التزييف العميق
*حركة الشفاه غير المتطابقة مع الصوت، أو تعبيرات الوجه الجامدة وغير الطبيعية.
* عيوب بصرية مثل الحواف غير الواضحة أو تغيرات مفاجئة في الإضاءة داخل المقطع.
* الصوت المصقول بشكل مبالغ فيه أو النبرة الروبوتية التي لا تنسجم مع السياق.
* ملف شخصي مشبوه: إذا كان المقطع منشورًا من حساب جديد أو شبه فارغ من المحتوى، فذلك مدعاة للشك.
* ادعاءات مبالغ فيها مثل "نتائج مضمونة خلال أيام"، دون وجود مصدر طبي موثوق.
ويحذّر خبراء الأمن الرقمي من أن مثل هذه الممارسات ستتزايد مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي. لذلك، لا بد من سنّ تشريعات صارمة تجرّم استخدام الذكاء الاصطناعي في الاحتيال. وتطوير خوارزميات أقوى لرصد المحتوى الزائف. إضافة إلى تفعيل آليات إبلاغ فعالة على المنصات الاجتماعية. ومع كل ذلك، يظل الوعي المجتمعي هو خط الدفاع الأول.
على كل مستخدم التحقق من مصدر المحتوى قبل مشاركته، وتجنّب النقر على روابط مشبوهة أو إدخال معلومات شخصية في مواقع غير موثوقة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالصحة.
اقرأ/ي أيضًا
التضليل الطبي على تيك توك: مخاطر تهدد الصحة العامة
مخاطر المعلومات المضللة عن التغذية في وسائل التواصل الاجتماعي
المصادر









