ما حقيقة مشاهد إسقاط طائرات صينية مساعدات إنسانية فوق غزة؟
منذ الثاني من مارس/آذار الفائت، تواصل إسرائيل فرض حصار شامل على قطاع غزة، يشمل الإغلاق الكامل لجميع المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات الغذائية والتجارية. نتيجة لذلك، يواجه أكثر من 2.1 مليون فلسطيني خطر المجاعة، وسط تحذيرات دولية متصاعدة من تفاقم الكارثة الإنسانية.
في الأيام الأخيرة، نشرت حسابات متعددة اللغات على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو تُظهر ما قيل إنها عمليات إنزال جوي لمساعدات إنسانية فوق قطاع غزة، مع الادعاء بأنها مقدّمة من الصين في محاولة لكسر الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ مارس الفائت. وقد لاقت هذه المقاطع رواجًا واسعًا وتفاعلاً كبيرًا، قبل أن يُعاد تداولها مؤخرًا من قِبل حسابات ناطقة بالعربية، مكررة المزاعم ذاتها.
رصد "مسبار" عددًا من مقاطع الفيديو المضللة التي زُعم أنها توثّق إنزالات جوية صينية تهدف إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، ويقدّمها لكم في هذا التقرير.
المشاهد ليست لطائرات صينية تُسقط مساعدات إنسانية على غزة
نشرت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخرًا، مقطع فيديو ادّعت أنه يُظهر طائرات شحن عسكرية صينية محمّلة بالمساعدات الإنسانية، تقوم بكسر الحصار المفروض على قطاع غزة من خلال عبور الأجواء وإلقاء مساعدات غذائية وطبية للسكان.
إلا أن مسبار تحقق من الادعاء وكشف أنه مضلل، إذ تبيّن أن مقطع الفيديو يعود إلى 19 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وقد نُشر على حساب الناشط الفلسطيني حسن الملاحة عبر انستغرام، حيث ظهر فيه أثناء توثيق عملية إنزال جوي للمساعدات فوق غزة.
وفي السياق ذاته، أفادت شبكتا سي إن إن وإن بي سي، بأن طفلًا يبلغ من العمر ثلاث سنوات قُتل خلال عملية إنزال جوي نفّذتها دولة الإمارات العربية المتحدة، وأسقطت خلالها 81 طردًا غذائيًا في منطقة خان يونس جنوبي قطاع غزة، في اليوم ذاته.
كما تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد تُظهر مقاتلات تحلّق في تشكيلات جوية فوق منطقة الأهرامات في مصر، وادعت أن تلك الطائرات تابعة لسلاح الجو الصيني، في طريقها لتنفيذ عملية إنزال جوي لمساعدات إنسانية فوق قطاع غزة.
لكن، تحقيقًا أجراه مسبار أظهر أن الادعاء مضلل، إذ تبيّن أن المشاهد المتداولة تعود لمناورات جوية، وليست لطائرات صينية تعبر الأجواء المصرية في طريقها لتنفيذ إنزال مساعدات إنسانية على قطاع غزة.
وقد نُشرت اللقطات في الأول والثاني من مايو/أيار الجاري، وتُظهر مقاتلات مصرية وصينية تُحلّق فوق أهرامات الجيزة ضمن تدريبات جوية مشتركة بين البلدين.
وفي السادس من مايو، أعلنت القوات المسلحة المصرية اختتام فعاليات التدريب الجوي المشترك "نسور الحضارة 2025"، والذي انطلق في 21 إبريل/نيسان واستمر لعدة أيام في إحدى القواعد الجوية المصرية، بمشاركة طائرات مقاتلة متعددة الطرازات من الجانبين.
وأوضحت وزارة الدفاع المصرية أن التمرين جاء ضمن خطة التدريبات العسكرية المشتركة مع الدول الشقيقة والصديقة، بهدف تعزيز آفاق التعاون العسكري ورفع الكفاءة القتالية للقوات الجوية المصرية والصينية.
وانتشر مقطع فيديو آخر مؤخرًا، ادّعى ناشروه أنه يوثّق عملية إنزال جوي لمساعدات إنسانية في قطاع غزة.
إلا أن تحقق مسبار كشف أن الادعاء مضلل، إذ إن المقطع يعود إلى عام 2024 ويوثّق عملية إنزال جوي لمساعدات إنسانية أُسقطت فوق قطاع غزة، حينها.
يُذكر أنه منذ 27 مارس الفائت، لم تُسجل الصين أي عمليات إنزال جوي لمساعدات إنسانية للفلسطينيين في غزة، في ظل استمرار الحصار المفروض على القطاع. وبدلًا من ذلك، اقتصرت المساعدات الصينية على التنسيق مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنظمات إنسانية دولية أخرى.
وكانت أحدث شحنة مساعدات مؤكدة قد أُعلنت في أوائل مارس/آذار، وتضمّنت 60 ألف طرد غذائي وُزعت توزيعها عبر الوكالات، دون اللجوء إلى أي عمليات إنزال جوي.
الصين تدعو إلى تحرك دولي عاجل لإنهاء الكارثة الإنسانية في غزة
دعت الصين، في 13 مايو/أيار الجاري، المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء المأساة الإنسانية المتفاقمة في غزة، وقال فو تسونغ، مندوب الصين لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة إحاطة في مجلس الأمن الدولي، إن "غزة أصبحت جحيمًا حيًا، حيث تتسبب الغارات والعمليات العسكرية الإسرائيلية في سقوط ضحايا مدنيين يوميًا".
وأشار فو إلى أن قرابة نصف مليون شخص في غزة يواجهون مستويات كارثية من الجوع، مطالبًا إسرائيل بالامتثال للقانون الإنساني الدولي ورفع الحصار المفروض على القطاع، بما يتيح إيصال الغذاء والدواء والمساعدات الحيوية دون عوائق.
كما شدد على ضرورة حماية العاملين في المجال الإنساني، داعيًا إلى محاسبة المسؤولين عن ذلك، مؤكدًا على أهمية تأمين عمل الوكالات الإنسانية وعدم استهدافها. كما دعا فو إلى وقف فوري للهجمات الإسرائيلية على غزة، محذرًا من أن العمل العسكري لا يسهم في حل الصراع، بل يزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية.

خطر المجاعة في غزة حرج و22% من السكان يواجهون وضعًا كارثيًا
أصدر "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" (IPC) تقريرًا جديدًا، حذّر فيه من أن قطاع غزة يواجه مستوى "حرجًا" من خطر المجاعة، مع تزايد احتمالات انزلاق السكان إلى مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.
ووفقًا للتقرير، الذي أعده خبراء من منظمات غير حكومية ووكالات تابعة للأمم المتحدة، فإن جميع سكان قطاع غزة، البالغ عددهم نحو 2.1 مليون نسمة، سيعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي بحلول سبتمبر/أيلول 2025. ويواجه نحو 470 ألف شخص، أي ما نسبته 22% من السكان، وضعًا "كارثيًا" (المرحلة الخامسة) من التصنيف الأممي لانعدام الأمن الغذائي.
وأكد التقرير أن "بعد 19 شهرًا من الحرب، لا يزال قطاع غزة يواجه خطرًا حرجًا من المجاعة"، مشيرًا إلى أن السلع الأساسية اللازمة لبقاء السكان على قيد الحياة قد نفدت بالفعل أو من المتوقع أن تنفد خلال أسابيع، في ظل الحصار الإسرائيلي المشدد وتعطيل دخول المساعدات الإنسانية.
وخلال الفترة من الأول من إبريل/نيسان حتى 10 مايو/أيار الجاري، يُصنّف نحو 244 ألف شخص في المرحلة الخامسة (الكارثة)، بينما يواجه 925 ألفًا المرحلة الرابعة (الطوارئ) من انعدام الأمن الغذائي، بحسب التقرير.
غوتيريش: غزة تعيش "جحيمًا بشريًا".. والأمم المتحدة تؤكد جاهزيتها لتوصيل المساعدات فورًا
في تصريحات قوية أدلى بها أمس السبت، على هامش قمة جامعة الدول العربية في العاصمة العراقية بغداد، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن معاناة الفلسطينيين في غزة تجاوزت كل حدود البشاعة والقسوة، مؤكدًا أن "الكلمات لم تعد كافية لوصف هول الوضع الإنساني هناك".
وأضاف غوتيريش أن "فرض سياسة الحصار والتجويع هو استخفاف سافر بالقانون الدولي"، مطالبًا برفع الحصار فورًا والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
وشدد على ضرورة التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، والإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن، وضمان تدفق حر وآمن للمساعدات الإنسانية. كما أشار إلى أهمية المؤتمر الدولي رفيع المستوى المرتقب في يونيو/حزيران، برئاسة مشتركة بين فرنسا والسعودية، معتبرًا إياه "فرصة لا يمكن تفويتها للمضي نحو حل الدولتين".
وفي بيان منفصل، طالب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، بالسماح الفوري بتوصيل المساعدات إلى المدنيين في غزة بسرعة وأمان. وقال إن الأمم المتحدة وشركاءها يمتلكون الخبرة، والقدرة اللوجستية، والثقة المجتمعية لتقديم المساعدات الإنسانية على نطاق واسع.
وأكد فليتشر أن هناك خطة جاهزة للتنفيذ، مبنية على مبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلال، ومدعومة من تحالف دولي واسع. وأضاف "نحن نعرف كيف نصل إلى المدنيين المحتاجين، ونعلم كيف نوزّع المساعدات بكفاءة وكرامة، دون تأخير أو تشتيت، ولدينا كل الموارد اللازمة لذلك، فقط نحتاج إلى السماح لنا بالقيام بعملنا".
اقرأ/ي أيضًا
رغم الأدلة.. حسابات تشكك في صورة طفلة فلسطينية تعاني من المجاعة في غزة
حملة تضليل ممنهجة: حسابات تشكّك في استهداف مطعم التايلندي والسوق الشعبي في غزة