أخبار

رغم الحقائق الموثقة.. مسؤولون أميركيون ينكرون المجاعة في غزة ويحرّفون القانون الدولي

فاطمة الخطيبفاطمة الخطيب
date
24 مايو 2025
آخر تعديل
date
2:59 م
26 مايو 2025
رغم الحقائق الموثقة.. مسؤولون أميركيون ينكرون المجاعة في غزة ويحرّفون القانون الدولي
مسؤولون أميركيون أنكروا مرارًا تجويع إسرائيل للمدنيين في غزة (Getty)

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يواجه أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع حصارًا خانقًا أدى إلى شلل شبه كامل في دخول المساعدات الإنسانية، وتدهور غير مسبوق في الأوضاع المعيشية.

وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة الصادرة عن منظمات أممية وحقوقية، بشأن خطر المجاعة والإبادة الجماعية، واصل مسؤولون أميركيون وإسرائيليون التشكيك في هذه التحذيرات أو إنكارها، في إطار خطاب سياسي يبرّر السياسات الإسرائيلية.

في المقال التالي، يرصد مسبار أبرز الادعاءات التي أطلقها مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون حول الوضع الإنساني في غزة، لا سيما إنكاره استخدام إسرائيل الغذاء كسلاح ضد المدنيين، ويفندها استنادًا إلى تقارير موثوقة صادرة عن منظمات دولية ووسائل إعلام بارزة. كما يعيد التحقيق تحليل تصريحات مضللة مشابهة تبنت خطابًا قانونيًا مضللًا لتبرير الانتهاكات المستمرة في غزة.

بولتون ينفي تجويع إسرائيل للمدنيين ويتهم حماس باستخدام الغذاء كسلاح

في مقابلة أُجريت بتاريخ 20 مايو/أيار الجاري، ضمن برنامج "المسائية" على قناة الجزيرة مباشر، نفى مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، استخدام إسرائيل الغذاء كسلاح ضد المدنيين في غزة، ردًا على سؤال بشأن الاتهامات المتكررة الموجهة لإسرائيل في هذا السياق.

وقال بولتون "لا أعتقد أن هذا ما يجري"، مشككًا في المعلومات التي تتحدث عن وقوع مجاعة في غزة، ومضيفًا أن "الجهة التي تطلق هذه الاتهامات مطالبة بتقديم الأدلة". زاعمًا أن حركة حماس، لا إسرائيل، هي الطرف الذي استخدم الغذاء كسلاح، بحسب تعبيره.

مقابلة جون بولتون مع الجزيرة

تقارير أممية تؤكد انتهاج سياسة التجويع الممنهج بحق المدنيين في غزة

على النقيض من مزاعم بولتون بشأن "غياب الأدلة على وقوع مجاعة في غزة"، تشير تقارير أممية إلى معطيات مؤكدة حول تدهور الوضع الإنساني في القطاع، الذي يواجه خطر مجاعة وشيكة بسبب الحصار الإسرائيلي ومنع دخول الغذاء والمساعدات.

ففي تقرير صدر عن برنامج الأغذية العالمي بتاريخ 12 مايو/أيار الجاري، حذر البرنامج من أن سكان غزة يواجهون خطر المجاعة الحقيقي، نتيجة تصاعد القتال واستمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والمساعدات.

ووفقًا للتقرير، يعيش نحو 470 ألف شخص في المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، أي مرحلة المجاعة الكاملة، فيما يعاني جميع سكان القطاع من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

كما توقع التقرير أن يحتاج ما لا يقل عن 71 ألف طفل وأكثر من 17 ألف أم إلى علاج فوري من سوء التغذية الحاد. وتشير تقديرات سابقة صادرة عن منظمات الأمم المتحدة في مطلع العام الجاري، إلى أن نحو 60 ألف طفل كانوا بحاجة إلى هذا العلاج بالفعل.

كما أفاد تقرير مشترك صادر عن الأمم المتحدة وعدد من الجهات الدولية، بأن قطاع غزة بأكمله يواجه خطرًا كبيرًا بحدوث مجاعة، في ظل الحرب الإسرائيلية، واستمرار إغلاق المعابر، وندرة حادة في الغذاء. وأشار التقرير إلى أن أزمة الجوع وسوء التغذية تفاقمت بشكل ملحوظ منذ منع دخول المساعدات بشكل كامل في الثاني من مارس/آذار الفائت، ما بدد المكاسب الإنسانية التي تحققت خلال وقف إطلاق النار السابق.

ووفقًا لتحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، فإن تواصل العمليات العسكرية والإغلاق التام للمعابر، إلى جانب نقص المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، قد يؤدي إلى تجاوز عتبة المجاعة خلال الأشهر المقبلة في شمالي قطاع غزة ومدينة غزة ورفح.

وفي بيان مشترك، حذّرت 17 وكالة تابعة للأمم المتحدة ومنظمة غير حكومية من أن الغالبية العظمى من الأطفال في غزة يعانون من حرمان غذائي شديد، ما يزيد من خطر تفشي سوء التغذية الحاد.

وفي تعليق لها، قالت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) "خطر المجاعة لا يحدث فجأة، بل يتطور في البيئات التي يُحظر فيها الوصول إلى الغذاء وتنهار فيها البنية الصحية.. الجوع أصبح واقعًا يوميًا لأطفال غزة".

المجاعة في غزة

رغم توفر المساعدات الغذائية الحصار الإسرائيلي يمنع وصولها إلى غزة

رغم وجود أكثر من 116 ألف طن من المساعدات الغذائية الجاهزة للإدخال، وهي كمية تكفي لإطعام مليون شخص لمدة أربعة أشهر، فقد حال استمرار إغلاق المعابر دون دخولها إلى القطاع، وفقًا لما أفاد به برنامج الأغذية العالمي. كما خُزّنت مئات البالات من المواد التغذوية المنقذة للحياة عند المعابر، بانتظار السماح بإدخالها.

وفي بيان صدر بتاريخ 25 إبريل/نيسان الفائت، أعلن البرنامج نفاد كامل مخزونه من الطعام في غزة، بما في ذلك الحصص المخصصة لمطابخ الوجبات الساخنة. وأوضح أن جميع المخابز الـ25 التي يدعمها توقفت عن العمل، نتيجة نفاد دقيق القمح، ووقود الطهي، والطرود الغذائية التي كانت تكفي الأسرة الواحدة لمدة أسبوعين فقط.

ضحايا التجويع والحرمان الصحي يتزايدون في غزة بفعل الحصار الإسرائيلي

من جانبه، حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من ارتفاع حاد في أعداد الوفيات بين كبار السن والمرضى والأطفال في قطاع غزة، نتيجة الجوع الشديد، وسوء التغذية، والانهيار التام في الرعاية الصحية، في ظل الحصار الإسرائيلي المشدد والظروف المعيشية القاتلة المفروضة على السكان.

وفي بيان صدر يوم الأربعاء 20 مايو الجاري، أكد المرصد أن إسرائيل ترتكب جرائم تجويع متعمد وحرمان منهجي من العلاج، في سياق جريمة إبادة جماعية مستمرة منذ أكثر من 19 شهرًا، حيث يُستخدم الحصار كأداة لإحداث معاناة شديدة واستهداف الفئات الأضعف.

وخلال 24 ساعة فقط، وثق المرصد وفاة 26 فلسطينيًا، بينهم تسعة أطفال، نتيجة سياسة ممنهجة تعتمد التجويع وحرمان المرضى من الوصول إلى العلاج، وهو ما أدى إلى شلل شبه كامل في القطاع الصحي منذ فرض الحصار الكامل في الثاني من مارس الفائت، وكان من أبرز تجلياته توقف عمل مستشفى غزة الأوروبي.

كما لفت المرصد إلى أن ما زُعم عن إدخال مساعدات إنسانية لم ينعكس على الأرض، حيث لم تصل سوى خمس شاحنات فقط محملة بمكملات غذائية وأكفان، في وقت تُقدّر فيه الحاجة إلى آلاف الشاحنات يوميًا لتغطية الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للسكان.

تصاعد الوفيات بسبب الجوع والحرمان من العلاج في غزة

وفي تصريح لمسبار، كشف مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة، إسماعيل ثوابتة، أن سياسة الحصار الإسرائيلي ومنع إدخال المساعدات أودت بحياة 326 شخصًا خلال 80 يومًا، نتيجة نقص الغذاء والدواء، إضافة إلى تسجيل أكثر من 300 حالة إجهاض بين النساء الحوامل بسبب سوء التغذية.

وأوضح ثوابتة أن الاحتلال لم يسمح بدخول أي شاحنة مساعدات أو وقود منذ الثاني من مارس الفائت، رغم أن القطاع يحتاج إلى ما لا يقل عن 44 ألفًا من الشاحنات لتغطية الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية.

تجاهل انتقائي لتقارير المجاعة رغم ورودها في الإعلام الأميركي

خلال المقابلة، أصر المذيع على مساءلة جون ويلتون بشأن المصادر القانونية والإعلامية التي استند إليها في تصريحاته، مطالبًا إياه بتحديدها بالاسم. فأشار ويلتون إلى اعتماده على صحف بارزة مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز، بالإضافة إلى مواقع إلكترونية أخرى.

عندها سأله المذيع مباشرة "ألم تطّلع على تغطيات واشنطن بوست التي تناولت حصار غزة وتجويع سكانها؟"، في إشارة إلى التغطية الموسعة للكارثة الإنسانية خلال الأيام الأخيرة.

لكن ويلتون اكتفى برد فضفاض، قائلًا إنه "لا يتفق مع كل ما يُنشر"، مع تأكيده في الوقت نفسه على أن واشنطن بوست تُعد من أبرز مصادره الإعلامية.

في السياق، راجع فريق مسبار تغطية صحيفة واشنطن بوست ليتبيّن وجود انتقائية في ما يختاره ويلتون من محتوى. فقد نشرت الصحيفة خلال الأيام القليلة الماضية نحو عشرة تقارير تناولت تصاعد المجاعة في غزة، والحصار الإسرائيلي المستمر، بينها تقارير تحليلية وشهادات ميدانية.

ولم تقتصر التغطية على التطورات الأخيرة، بل وثقت الصحيفة منذ أشهر معاناة السكان في تقارير إنسانية. ففي الرابع من إبريل/نيسان 2024، نشرت تقريرًا يروي تجربة محمود المدهون من بيت لاهيا، الذي بادر مع أسرته إلى افتتاح مطبخ شعبي يوفر الطعام لعشرات العائلات الجائعة. وصف التقرير تفاصيل الحياة اليومية تحت الحصار، حيث تبدأ العائلة يومها منذ الفجر لتأمين حساء نباتي بسيط من الخضروات المتبقية، بينما تصطف مئات العائلات أمام منزلهم في مشهد يجسّد عمق الكارثة.

كما أبرز التقرير توقف عدد من المنظمات الإغاثية الدولية عن العمل بسبب الهجمات الإسرائيلية، من بينها منظمة "أنيرا" و"مطبخ العالم المركزي"، الذي علّق عملياته بعد مقتل سبعة من موظفيه في غارة إسرائيلية.
 ومنذ أكتوبر 2023، فرضت إسرائيل حصارًا خانقًا على شمال غزة، ومنعت دخول المساعدات، رغم اعتماد نحو مليوني فلسطيني على وكالة الأونروا كمصدر رئيسي للبقاء على قيد الحياة، وفق ما أكدته الصحيفة.

تغطية واشنطن بوست للمجاعة في قطاع غزة
تغطية واشنطن بوست للمجاعة في قطاع غزة

في 12 مايو 2024، نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا بعنوان "ما هي المجاعة؟ إليك ما تحتاج لمعرفته مع تفاقم الأزمة في غزة". افتُتح التقرير بتحذير صريح جاء فيه "كل غزة في خطر حرج من المجاعة، ومن المتوقع أن تتدهور الأوضاع في الأشهر المقبلة، وفقًا للهيئة العالمية الرائدة في تصنيف الطوارئ الغذائية".

أكد التقرير أن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، رغم الإدانة المتكررة من منظمات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة، يمثل العامل الرئيسي في تعميق الكارثة الإنسانية. كما قدّم شرحًا تفصيليًا لتعريف المجاعة ومعايير إعلانها دوليًا، موضحًا أن الوضع في غزة يقترب بل يتجاوز أحيانًا الحدود المعتمدة لإعلان حالة المجاعة.

تُشكل هذه المعطيات، الصادرة عن جهة إعلامية أميركية، والمدعومة ببيانات من منظمات دولية موثوقة، ردًا مباشرًا على محاولات التقليل من خطورة الأزمة أو حصرها في إطار "أزمة غذائية" عابرة. فالتقارير تؤكد أن تدهور الأوضاع ليس نتيجة ظروف طبيعية، بل بفعل سياسات إسرائيلية ممنهجة تقيد دخول الغذاء والدواء.

إن تجاهل جون بولتون لهذه الحقائق، رغم صدورها من وسائل إعلام أميركية بارزة، يعكس تعمدًا واضحًا في تسويق رواية سياسية منفصلة عن السياقين الإنساني والقانوني للأزمة.

هل يجيز القانون الدولي القتال في مناطق مدنية بحجة وجود مقاتلين؟

في المقابلة ذاتها، نفى جون بولتون ارتكاب إسرائيل لجريمة إبادة جماعية، معتبرًا أن مقتل المدنيين، بمن فيهم الأطفال، يُعد "أضرارًا جانبية" ناتجة عن ردّها على هجوم حماس في السابع من أكتوبر على مستوطنات غلاف غزة. وأضاف أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، متهمًا حماس باستخدام المدنيين كدروع بشرية، ومشيرًا إلى أن القانون الدولي لا يحظر القتال في المناطق المأهولة بالسكان.

لكن الادعاءات التي ساقها بولتون تتناقض بوضوح مع نصوص القانون الدولي. فمنذ عام 1946، صنّفت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإبادة الجماعية كجريمة دولية، قبل أن تُدرج رسميًا في اتفاقية عام 1948 الخاصة بمنع هذه الجريمة والمعاقبة عليها. وقد أصبحت هذه الاتفاقية ملزمة حتى للدول غير المصادقة عليها، وفق ما أقرّته محكمة العدل الدولية، نظرًا لتجسيدها لمبادئ القانون الدولي العرفي.

وتنص المادة الثانية من الاتفاقية على أن الإبادة الجماعية تشمل أفعالًا تُرتكب بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو دينية، كليًا أو جزئيًا، وهو تعريف تبنّته أيضًا المحكمة الجنائية الدولية في نظامها الأساسي.

وفي سياق الحرب الأخيرة على غزة، أُثيرت تساؤلات قانونية جدية بشأن استخدام الفوسفور الأبيض في مناطق مدنية. وبموجب اتفاقيات جنيف، يُعدّ استخدام الأسلحة الحارقة ضد المدنيين، أو حتى في مناطق يُحتمل وجودهم فيها، انتهاكًا جسيمًا يرتقي إلى جريمة حرب.

 تقارير دولية عديدة وثّقت استخدام هذا النوع من القنابل في أحياء سكنية خلال الهجمات على القطاع، ما يعزز الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، خلافًا لما ادّعاه بولتون.

أما بخصوص مزاعمه بشأن غياب الحظر القانوني على القتال في المناطق المدنية، فإن القانون الدولي الإنساني، ولا سيما البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، يفرض قواعد صارمة تحظر شن الهجمات على مناطق مأهولة أو استخدام المدنيين كدروع بشرية.

وتنص المادة 51 من هذا البروتوكول على وجوب التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، وتمنع الهجمات العشوائية التي تعرض المدنيين للخطر. كما تُلزم أطراف النزاع باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتفادي الإضرار بالمدنيين. ولا تُعدّ المناطق المدنية أهدافًا مشروعة لمجرد وجود عناصر مسلحة فيها، ما لم تتحول بالكامل إلى أهداف عسكرية خالية من المدنيين. ويبقى الالتزام بمبادئ التمييز، والتناسب، والاحتياط شرطًا أساسيًا في كل الأعمال القتالية.

خبراء قانون دولي يفنّدون رواية بولتون عن حرب غزة

ردًا على تصريحات جون بولتون، يؤكد الدكتور حسن بلبل، أستاذ القانون الدولي المساعد في جامعة البوسفور التركية، لمسبار أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة لا تمنح إسرائيل حق الدفاع عن النفس فيما يخص الأراضي المحتلة. فبصفتها دولة محتلة ومعتدية، فإن التزامها القانوني هو إنهاء الاحتلال، لا استخدامه ذريعة لمزيد من العنف.

ويشير بلبل إلى أن الرواية الغربية التي تروّج لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس لا تعبّر فقط عن انحياز سياسي، بل تسهم في تشكيل عرف قانوني استثنائي عبر الخطاب، يسمح لإسرائيل بتجاوز القيود الدولية المفروضة على استخدام القوة. ويقول إن التكرار المتعمد لهذا الخطاب من قبل قادة الغرب يخلق واقعًا قانونيًا موازيًا، يشرعن الإفلات من المحاسبة.

ويؤكد بلبل أن ما يجري في غزة، بناءً على اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. فالاتفاقية لا تشترط تدميرًا كاملًا للجماعة، بل يكفي ارتكاب أحد الأفعال التالية بنية التدمير الجزئي: القتل، التسبب بأذى جسدي أو نفسي جسيم، أو فرض ظروف معيشية تؤدي إلى الفناء. ويشير إلى أن إسرائيل، خلال الأشهر العشرين الماضية، ارتكبت جميع هذه الأفعال، بشكل ممنهج.

ويضيف أن النية، وهي العنصر الحاسم في جريمة الإبادة الجماعية، يمكن تلمّسها من تصريحات صادرة عن مسؤولين إسرائيليين، مثل وصف الفلسطينيين بـ"الحيوانات البشرية"، وإنكار وجود مدنيين في غزة، واستخدام إشارات دينية تحريضية. ويقول "هذه التصريحات لا تُخفي النية، بل تعلنها صراحة".

ويستشهد بلبل كذلك بما أكدته محكمة العدل الدولية، إضافة إلى تقارير حقوقية عديدة، بأن إسرائيل تُمارس نظام فصل عنصري. كما يشير إلى تقرير فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الأممية المعنية بالأراضي الفلسطينية، والذي صدر تحت عنوان "تشريح الإبادة الجماعية"، وخلص بوضوح إلى أن ما يجري في غزة هو إبادة جماعية مكتملة الأركان.

وفي السياق ذاته، يدعم هذا التوجه القانوني الدكتور لويجي دانييلي، أستاذ القانون الدولي المشارك في جامعة موليزي الإيطالية، الذي قال في تصريح لمسبار إن تصريحات بولتون تمثل "تحريفًا قانونيًا متعمدًا"، يهدف إلى التغطية على ما وصفه بـ"19 شهرًا من المجازر الممنهجة، وتجويع السكان، وتدمير النظام الصحي".

ويرى دانييلي أن استهداف المدنيين والبنية التحتية في غزة لا يندرج ضمن أعمال الحرب التقليدية، بل يُعد جزءًا من استراتيجية إبادة جماعية متكاملة. ويؤكد أن ضرب مناطق مدنية معروفة مسبقًا بصفتها كذلك، لا يُعد هجومًا عشوائيًا، بل تدميرًا ممنهجًا لهياكل الحياة المدنية.

مزاعم أميركية متكررة حول المجاعة والمساعدات الإنسانية في غزة

يواصل مسؤولون أميركيون، منذ بداية الحرب على غزة، إطلاق تصريحات رسمية تنفي الواقع الإنساني في القطاع، وتقدم صورة مضللة بشأن دخول المساعدات الإنسانية.
ففي 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، على سبيل المثال، زعمت الإدارة الأميركية أن إسرائيل لم تنتهك القانون الأميركي فيما يتعلق بإدخال المساعدات إلى غزة، بل أكدت أنها حسّنت من إجراءاتها لضمان تدفقها.
 لكن تدقيقًا أجراه مسبار، استنادًا إلى تقرير مشترك أصدرته ثماني من أبرز المنظمات الإنسانية العاملة في غزة، كشف أن الادعاء الأميركي مضلل. وشملت الجهات الموقعة على التقرير: أنيرا، كير الدولية، ميد غلوبال، ميرسي كور، مجلس اللاجئين النرويجي، أوكسفام، المنظمة الدولية للاجئين، وأنقذوا الأطفال.
وأكد التقرير الجماعي، الصادر في اليوم نفسه، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي فشلت تمامًا في تلبية متطلبات تسهيل دخول المساعدات، مشيرًا إلى أن العوائق الإسرائيلية ما تزال تُقيّد بشدة وصول الإغاثة الضرورية للسكان المحاصرين.

وفي 30 سبتمبر/أيلول 2024، قدّم وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، تقريرًا للكونغرس أقرّ فيه بأن إسرائيل انتهكت القانون الدولي خلال حربها على غزة.
 لكن بلينكن زعم في الوقت ذاته أن وزارته لا ترى أن إسرائيل تتعمد منع وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ولم يخلص إلى وجود منع ممنهج يوجب وقف الدعم العسكري الأميركي.

تجاهل بلينكن بذلك تقارير أممية ودولية كانت قد أكدت أن إسرائيل تعرقل دخول الإغاثة الإنسانية إلى غزة، ما يُعد انتهاكًا مباشرًا للقانون الأميركي، الذي يحظر تزويد أي دولة بالسلاح إذا ثبت منعها وصول المساعدات الإنسانية خلال النزاعات.

وفي السياق ذاته، كشف تحقيق استقصائي نشرته صحيفة برو بابليكا في 24 سبتمبر أن بلينكن تجاهل عمدًا تقارير من منظمات إنسانية، وثّقت منذ أكثر من 11 شهرًا إجراءات إسرائيلية تعسفية تعيق دخول المساعدات إلى غزة، وطالبت الإدارة الأميركية بالتحرك للضغط على إسرائيل لوقف تلك الانتهاكات.

وفي 25 أكتوبر 2023، زعم المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية، سامويل وربيرغ، أن حركة حماس تسرق المساعدات الإنسانية المخصصة لسكان غزة، معربًا عن قلق بلاده من احتمال استيلاء الحركة عليها.

لكن مسبار كشف في تحقيق موسع، أن الادعاء مضلل، استنادًا إلى إفادات من منظمات دولية عاملة في غزة، من بينها وكالة الأونروا وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، والتي أكدت أنها تسلمت المساعدات التي دخلت القطاع دون أن يتم تحويلها أو مصادرتها.

تفنيد مسبار لادعاء أميركي مضلل يتهم حماس بسرقة المساعدات

وتُظهر تصريحات المسؤولين الأميركيين المتكررة بشأن الوضع الإنساني في غزة، لا سيما فيما يتعلق بنفي المجاعة وتبرئة إسرائيل من عرقلة دخول المساعدات، نمطًا ممنهجًا من توظيف الخطاب الإعلامي لتلميع صورة الاحتلال وتبرير سياساته.

ورغم وفرة التقارير الدولية الموثوقة التي توثق الانتهاكات الإسرائيلية، تتعمد الولايات المتحدة تجاهلها أو تحريفها بما يخدم أهدافًا سياسية.

ولا تقتصر هذه الممارسات على التصريحات الرسمية، بل تمتد إلى محاولات تشكيل وعي عام زائف، من خلال استخدام لغة قانونية وسياسية تبريرية تتنافى مع الواقع الميداني، ما يعزز مناخ الإفلات من المساءلة ويُضفي شرعية زائفة على الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في قطاع غزة.

اقرأ/ي أيضًا

رغم التشكيك الإسرائيلي والأميركي: دراسات ومنظمات دولية تدعم دقة أرقام الضحايا الصادرة عن الجهات الفلسطينية

مناظرة ترامب وهاريس وأبرز الادعاءات المضللة حول الحرب الإسرائيلية على غزة

المصادر

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar