بشهادات وأدلة.. استخدام إسرائيل للمدنيين كدروع بشرية في غزة كان ممنهجًا
كشف تحقيق جديد أجرته وكالة أسوشيتد برس أن القوات الإسرائيلية مارست بشكل ممنهج استخدام المدنيين الفلسطينيين كـ"دروع بشرية" خلال عملياتها العسكرية في قطاع غزة والضفة الغربية.
وأبرز التحقيق انتهاكًا خطيرًا ومتكررًا للقانون الدولي الإنساني في غزة والضفة الغربية، حيث يُجبر المدنيون على تنفيذ مهام عسكرية تحت التهديد، ما يشير إلى ممارسات الجيش الإسرائيلي وعدم التزامه بالقواعد الأخلاقية والقانونية.
ووفقًا للتحقيق، تحدث سبعة فلسطينيين وجنديان إسرائيليان عن استخدام الجيش الإسرائيلي للمدنيين كدروع بشرية، وهي ممارسة محظورة بموجب القانون الدولي.
استخدام المدنيين كدروع بشرية بتعليمات من قيادات الجيش
بحسب شهادات جمعها التحقيق، فإن استخدام المدنيين كدروع بشرية لم يكن تصرفًا فرديًا، بل جاء في كثير من الحالات بتعليمات من قيادات عليا في الجيش الإسرائيلي.
وتحدث ضابط إسرائيلي للوكالة بشرط عدم كشف هويته، وأكد أن "كل وحدة مشاة تقريبًا استخدمت فلسطينيًا لتأمين المباني قبل دخولها"، مشيرًا إلى أن الأوامر كانت تصدر عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي باستخدام مصطلحات مشفرة مثل "أحضِر بعوضة"، في إشارة إلى شخص فلسطيني يُستخدم كدرع.
وأوضح أن المصطلح كان معروفًا ومتداولًا بين الجنود، وأن الفلسطينيين كانوا يُشار إليهم أحيانًا بأوصاف مهينة.
وأشار الضابط الإسرائيلي إلى أن استخدام المدنيين لم يخلُ من الكوارث، موضحًا أن وحدة عسكرية أطلقت النار خطأً على فلسطيني كان يُستخدم كدرع من قِبل وحدة أخرى، بعد أن ظنوا أنه مقاتل.
كما تحدث عن وفاة فلسطيني آخر داخل نفق بعدما فقد وعيه أثناء استخدامه كدرع، وهو ما دفع بعض الجنود للمطالبة بإلباس هؤلاء المدنيين زيًا عسكريًا لتفادي سوء الفهم، إلا أن المقترحات لم تُؤخذ بجدية، حسب حديثه.
وقال جنديان لوكالة أسوشيتد برس، وثالث أدلى بشهادته لمنظمة كسر الصمت، إن القادة كانوا على دراية باستخدام الدروع البشرية وتسامحوا معه، بل وأصدر بعضهم أوامر بذلك.
وأكد الجنود - الذين لم يعودوا يخدمون في غزة، أن هذه الممارسة ساهمت في تسريع العمليات العسكرية، وتوفير الذخيرة، وحماية الكلاب العسكرية من الإصابة أو القتل. وأشاروا إلى أنهم لاحظوا استخدام الدروع البشرية بعد وقت قصير من اندلاع الحرب، وأن استخدامها أصبح واسع النطاق بحلول منتصف عام 2024.
الاحتلال يجبر المدنيين على دخول المنازل وحفر الأنفاق
وقال أيمن أبو حمدان، وهو فلسطيني يبلغ من العمر 36 عامًا، إن الجيش الإسرائيلي احتجزه لمدة 17 يومًا في صيف 2024، وأجبره على دخول منازل وحفر أنفاق في شمالي غزة، للتحقق من خلوها من العبوات الناسفة أو المقاتلين.
وأضاف "كانوا يضربونني ويقولون: إما أن تفعل هذا أو نقتلك"، موضحًا أن الجنود كانوا يقفون خلفه، ثم يدخلون المباني بعد تأكده من خلوّها لتفجيرها أو تدميرها.
وفي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، روى مسعود أبو سعيد (36 عامًا) أنه استُخدم كدرع بشري لمدة أسبوعين، حيث أُجبر على دخول مبانٍ ومستشفى لحفر أنفاق مشبوهة. وأشار إلى أنه ارتدى سترة إسعاف، وحمل هاتفًا ومطرقة وقاطعة سلاسل.
وأضاف أنه في إحدى العمليات، صُدم عندما التقى شقيقه، الذي كان يُستخدم بدوره كدرع بشري من قِبل وحدة أخرى، قائلًا "عندما رأيته، عانقته واعتقدت أن الجيش قد أعدمه".
وأوضح التحقيق أنه في منتصف 2024، حاولت وحدة عسكرية رفض استخدام المدنيين كدروع، بحسب شهادة أحد الرقباء، لكنهم قوبلوا برفض قاطع من قائد رفيع قال لهم "لا تقلقوا بشأن القانون الدولي".
وتحدث جندي عن استخدام صبي يبلغ من العمر 16 عامًا وشاب يبلغ من العمر 30 عامًا لبضعة أيام كدروع بشرية. وأوضح أن الفتى كان يرتجف باستمرار.
الاحتلال استخدم المدنيين كدروع بشرية بشكل واسع في عملياته
ولم تقتصر الانتهاكات على غزة، إذ أفاد فلسطينيون في الضفة الغربية أيضًا باستخدامهم كدروع بشرية، وقالت سيدة فلسطينية تُدعى حزار استيتي، إن قوات إسرائيلية اقتادتها من منزلها في مخيم جنين، وأجبروها على دخول شقق وتصويرها قبل اقتحامها. وقالت في حديثها مع الوكالة "كنت خائفة من أن يقتلوني، أو ألا أرى ابني مجددًا".
وقدمت الفلسطينية إيمان عامر شهادتها، حول استخدام الجيش الإسرائيلي لها كدرع بشري وإجبارها على تفتيش المنازل في مخيم جنين بالضفة الغربية.
وتقول منظمات حقوقية إن الجيش الإسرائيلي استخدم الفلسطينيين كدروع بشرية في غزة والضفة الغربية على مدار عقود، رغم أن المحكمة العليا الإسرائيلية حظرت هذه الممارسة عام 2005. إلا أن هذه الجماعات استمرت في توثيق انتهاكات، ويقول خبراء إن هذه الحرب تُعد الأولى منذ سنوات التي يشهد فيها استخدام واسع النطاق لهذا الأسلوب، إلى جانب جدل واسع بشأنه.
حالات سابقة تؤكد استخدام الجيش الإسرائيلي المدنيين كدروع بشرية
سبق ووثق "مسبار" حالات استخدام الجيش الإسرائيلي المدنيين كدروع بشرية خلال عملياته العسكرية في غزة والضفة الغربية، بعد تحقيقات وشهادات موثقة تؤكد تورط قوات الاحتلال في هذه الممارسات.
في غزة، وثّقت منظمات حقوقية حالات قامت فيها القوات الإسرائيلية بإجبار فلسطينيين على الدخول أمامهم إلى المنازل المشتبه بأنها تحتوي على مقاومين أو عبوات ناسفة.
في بعض الحالات، كان يتم احتجاز مدنيين داخل مبانٍ تستخدمها القوات الإسرائيلية كأماكن للمراقبة أو القيادة، بهدف تقليل احتمال استهدافها من قبل المقاومة.
والعديد من مقاطع الفيديو سبق وانتشرت، بعضها وثّقتها منظمات حقوقية وصحفيون ميدانيون، تُظهر جنودًا يجبرون مدنيين على التقدم أمامهم أثناء مداهمات أو على حمل معدات عسكرية.
وتضمن تقرير سابق شهادات لستة جنود إسرائيليين شاركوا في الحرب البرية على قطاع غزة، أكدوا فيها أنهم كانوا يطلقون النار متى يشاؤون، ويقتلون المدنيين لأغراض التسلية، ويحرقون المنازل، ويتركون الجثث في الشوارع، ويعتبرون كل رجل بين 16 و50 سنة "إرهابيًا".
وفقًا للقانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيف)، فإن استخدام المدنيين كدروع بشرية محظور تمامًا ويُعد جريمة حرب. رغم ذلك، لم تُحاسب إسرائيل بشكل فعلي على هذه الممارسات في أي محكمة دولية حتى اليوم.
اقرأ/ي أيضًا
رغم الحقائق الموثقة.. مسؤولون أميركيون ينكرون المجاعة في غزة ويحرّفون القانون الدولي
حسابات داعمة لإسرائيل تنشر مشاهد انتقائية للتشكيك في خطر المجاعة في غزة