حسابات داعمة لإسرائيل تنكر صحة مشاهد نجاة الطفلتين ورد وحنين من مجزرة مدرسة الجرجاوي
في 26 مايو/أيار الجاري، استهدفت غارة جوية إسرائيلية مدرسة فهمي الجرجاوي في حي الدرج في مدينة غزة، ما أسفر عن سقوط عدد من الضحايا والمصابين، معظمهم من النساء والأطفال. وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع مصوّر يوثّق لحظة محاولة طفلة النجاة وسط ألسنة اللهب والدخان، مثيرًا موجة من التفاعل والتعاطف الواسع مع المدنيين المتضررين.
بالتزامن مع انتشار المقطع، تداولت حسابات إسرائيلية وأخرى مؤيدة لإسرائيل عبر موقع إكس مزاعم تُشكّك في صحته، واعتبرت أنه "مُفبرك" و"مُعدّ مسبقًا"، ضمن حملة تهدف إلى التشويش على الرواية الفلسطينية وتقويض صدقيتها.
في المقال التالي، يفنّد "مسبار" المزاعم المتداولة بشأن الفيديو، من خلال تحليل المقطع والتثبّت من هوية الطفلة التي ظهرت فيه، ويستعرض تفاصيل الغارة الإسرائيلية وسياقها الإنساني.
ويأتي ذلك استكمالًا لسلسلة تقارير أعدّها مسبار خلال الحرب على غزة، وثّق فيها أنماطًا متكررة من تداول مقاطع مُضلّلة أو التشكيك في محتوى يُوثّق الانتهاكات بحق المدنيين، ضمن محاولات لتقويض السردية الفلسطينية وتشويه الحقائق على الأرض.
تشكيك إسرائيلي في فيديو نجاة الطفلة ورد جلال
رصد مسبار تداول عدد من الحسابات الإسرائيلية وأخرى داعمة لإسرائيل على موقع إكس، مقاطع فيديو تتعلق بالطفلة ورد جلال الشيخ خليل، بهدف التشكيك في مشهد ظهورها أثناء محاولتها النجاة من الغارة الجوية على مدرسة فهمي الجرجاوي في غزة.
يوم أمس الاثنين، نشر حساب "هدى جنات" مقطعًا يُظهر الطفلة برفقة الناشط والمصور الفلسطيني مؤمن أبو العوف، مشيرًا إلى أن الفيديو الذي وثّق لحظة نجاتها من النيران "مُفبرك". وادعى الحساب أن الطفلة لم تكن تحمل أي آثار واضحة للإصابة أو الاتساخ، ووصف المشهد بأنه "مسرحية"، زاعمًا أنها كانت تقرأ من شاشة أثناء التصوير، في محاولة للطعن في صدقية المشهد وتفاعلها الطبيعي فيه.
وفي منشور لاحق، نشر الحساب ذاته مقطعي فيديو من مكانين مختلفين للطفلة، تحت عنوان "تمثيلية الفتاة التي قالوا إنها وسط النار"، مواصلًا التشكيك في شهادتها وتصريحاتها بشأن نجاتها من الحريق.
في السياق نفسه، نشر حساب"GAZAWOOD1"، بتاريخ 26 مايو الجاري، المقاطع ذاتها، مستخدمًا أسلوب الأسئلة الاستنكارية للتشكيك في تعرض الطفلة لأي إصابة، في محاولة للطعن في صدقية المشهد الإنساني الذي وثّق لحظة نجاتها.
مجزرة مدرسة فهمي الجرجاوي: استهداف جديد للمدنيين في غزة
في المقابل، تُظهر الوقائع الميدانية أن الغارة الجوية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر الاثنين 26 مايو الجاري، استهدفت مدرسة فهمي الجرجاوي في حي الدرج وسط قطاع غزة، والتي كانت تؤوي نازحين، وأودت بحياة 31 مدنيًا، بينهم 18 طفلًا و6 نساء، إضافة إلى إصابة عشرات آخرين بجراح متفاوتة.
وثّقت وسائل إعلام محلية ودولية آثار الغارة، وأظهرت الصور والمقاطع المصورة اندلاع حرائق في ساحة المدرسة والخيام المنصوبة داخلها. وظهرت في المشاهد جثامين أطفال ونساء، وعدد من المصابين وهم يحاولون النجاة أو البحث عن ناجين تحت الأنقاض.

وأثار مقطع مصور يظهر طفلة تسير وسط النيران، محاولة النجاة، تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي. تداوله الآلاف، وعبّر كثيرون عن صدمتهم من حجم الدمار واستهداف المدنيين في أماكن يُفترض أن تكون آمنة كمراكز إيواء.
وأكدت مصادر طبية في غزة أن معظم المصابين من الأطفال، وأن عددًا منهم نُقل إلى المستشفيات بحروق شديدة واختناقات ناتجة عن استنشاق الدخان.
الطفلة التي ظهرت في مشهد النجاة وسط النيران هي حنين الوادية
في مقطع مصور نشره المصور الصحفي وسام شبات في موقع انستغرام بتاريخ 26 مايو، أكّد أحمد الوادية، عم الطفلة حنين، أن الفتاة التي ظهرت تسير وسط ألسنة اللهب في الفيديو المتداول هي بالفعل ابنة شقيقه، حنين الوادية. وأوضح أنها الناجية الوحيدة من عائلتها، التي فقدت أفرادها في الغارة على مدرسة فهمي الجرجاوي. وتظهر حنين في الفيديو مصابة بحروق بالغة نتيجة الاستهداف الإسرائيلي.
في شهادتها، روت الطفلة أنها استيقظت لتجد جثمان خالها حمزة إلى جوارها، بينما كانت النيران تشتعل من حولها. وأضافت أنها سمعت صوت شقيقتها "ميمي" تناديها، فبدأت بالصراخ "يمّا، يمّا" وهي تبحث عنها وسط الركام. ولتبقى على قيد الحياة، اضطرت حنين لعبور ألسنة اللهب والخروج من المدرسة وهي تبكي.
من جانبه، أكد الناطق الرسمي باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل، في تصريح خاص لمسبار، أن المجزرة التي استهدفت مدرسة فهمي الجرجاوي في حي الدرج في مدينة غزة يوم 26 مايو، أسفرت عن نجاة طفلتين على الأقل من تحت الركام والنيران.
الطفلة الأولى هي حنين الوادية، التي ظهرت في المقطع المتداول على منصات التواصل الاجتماعي وهي تحاول الهرب وسط ألسنة اللهب. وأوضح بصل أن حنين أُصيبت بحروق بليغة في وجهها والجانب الأيمن من جسدها، ونُقلت إلى المستشفى لتلقي العلاج.
أما الطفلة الثانية، فهي ورد جلال، التي ظهرت في المقاطع ذاتها التي استغلتها حسابات إسرائيلية وأخرى داعمة لإسرائيل للتشكيك في الاستهداف الإسرائيلي ومشهد الطفلة حنين. وبيّن بصل أن ورد كانت داخل المدرسة أثناء القصف، وأصيبت بجروح طفيفة وخدوش، قبل أن تُنقل لتلقي الرعاية الطبية.
ورد جلال أصيبت بجروح طفيفة خلال قصف مدرسة الجرجاوي
تواصل مسبار مع المصور والناشط الفلسطيني مؤمن أبو العوف، الذي أكد أن الطفلة التي ظهرت في المقطع الذي تتداوله حسابات إسرائيلية هي ورد جلال الشيخ خليل، وهي ناجية من الحريق الذي اندلع نتيجة قصف استهدف مدرسة فهمي الجرجاوي. وأضاف أن الطفلة نجت مع والدها وشقيقها.
ونشر أبو العوف عدة مقاطع مصورة للطفلة ورد. وبحسب مراجعة مسبار، تظهر ورد في هذه المقاطع وعليها آثار الغبار والدخان الناتج عن الحريق، كما تبدو في حالة نفسية صعبة.
وفي السياق ذاته، بثت قناة الجزيرة مباشر بتاريخ 26 مايو، مقطع فيديو يُظهر الطفلة ورد جلال وهي تروي ما حدث معها أثناء قصف مدرسة فهمي الجرجاوي.
قالت ورد خلال المقابلة إنها فقدت والدتها وإخوتها نتيجة الحريق، مشيرة إلى أنها اضطرت للمشي فوق النار للهروب من ألسنة اللهب. وقد ظهرت على جسدها آثار حروق وخدوش خلّفها الحريق، وهو ما وثقته الكاميرا في التسجيل المصور.
من جانبه، قال إياد الشيخ خليل، عم الطفلة ورد، في تصريح لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إنه كان نازحًا في منطقة أخرى عندما وصله نبأ المجزرة عبر وسائل الإعلام، والتي أسفرت عن استشهاد شقيقه، والد الطفلة. وأشار إلى أنه سيتولى رعاية ورد، البالغة من العمر خمس سنوات، بعد أن فقدت أسرتها المكونة من ستة أفراد في القصف على مدرسة فهمي الجرجاوي.
إدانات دولية ومحلية لاستهداف مدرسة تؤوي نازحين في غزة
تصاعدت الإدانات الدولية والمحلية إثر المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق عشرات المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال، والتي أودت بحياة أكثر من 30 شخصًا وأدت إلى إصابة عشرات آخرين.
وفي السياق، وصف المستشار الألماني فريدريش ميرتس الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مدرسة فهمي الجرجاوي، والتي كانت تؤوي نازحين فلسطينيين في حي الدرج في مدينة غزة، بأنها "مأساة إنسانية وكارثة سياسية". جاء ذلك في كلمته خلال المنتدى الأوروبي الذي نظمته هيئة الإذاعة والتلفزيون الألمانية الغربية يوم الاثنين، حيث أعرب عن استيائه من تصاعد الهجمات على المدنيين، مؤكدًا أن استمرار هذا النوع من العمليات يفاقم الأوضاع الإنسانية ويهدد الاستقرار السياسي في المنطقة.
من جهته، أدان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بشدة استهداف المدرسة، واصفًا المجزرة بأنها جريمة إبادة جماعية متعمدة، وأكد أنها تأتي في سياق سياسة ممنهجة ضد المدنيين الفلسطينيين.
بدوره، اعتبر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أن استهداف مدرسة فهمي الجرجاوي يشكل امتدادًا مباشرًا لجريمة التطهير العرقي والإبادة الجماعية، التي يواصل جيش الاحتلال ارتكابها بحق أبناء الشعب الفلسطيني منذ نحو 600 يوم.
إسرائيل تعلن مسؤوليتها عن مجزرة مدرسة فهمي الجرجاوي
من جانبه، أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، مسؤولية الجيش عن تنفيذ الغارة التي استهدفت مدرسة فهمي الجرجاوي في غزة، وذلك في منشور له على موقع إكس.
وزعم أدرعي أن حركة حماس كانت تستخدم مبنى المدرسة "كمجمع قيادة وسيطرة لجمع معلومات وتخطيط اعتداءات ضد الجيش الإسرائيلي"، على حد تعبيره، مشيرًا إلى أن الجيش وجهاز "الشاباك" استهدفا من وصفهم بـ"إرهابيين مركزيين من حماس والجهاد الإسلامي" داخل المجمع.
ولم يقدم أدرعي أي أدلة أو صور تدعم هذه المزاعم، كما لم تُنشر حتى لحظة إعداد التحقيق أي معلومات مستقلة تؤيد رواية الاحتلال. تُكرّر هذه المزاعم النمط نفسه الذي استخدمته إسرائيل في معظم استهدافاتها لمنشآت ومواقع مدنية خلال الحرب، حيث تُبرر الضربات بادعاءات بوجود "نشاطات عسكرية" داخل هذه المنشآت. وكان مسبار قد فند عددًا من المزاعم المماثلة في تقارير سابقة، بينت عدم صحة الادعاءات الإسرائيلية بشأن أهداف مدنية سبق استهدافها.
حملات التشكيك الإسرائيلية في معاناة الأطفال الفلسطينيين خلال الحرب
في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، لم تقتصر الانتهاكات على القصف والدمار فقط، بل امتدت لتشمل حملات تشويه إعلامي تستهدف الأطفال الفلسطينيين. فقد تحولت صور ومقاطع فيديو لأطفال ناجين أو مصابين جراء العدوان إلى مواد يُشكك بها، ضمن محاولات منظمة لتقويض الرواية الفلسطينية ونزع تعاطف الرأي العام العالمي.
فعلى سبيل المثال في 12 مايو الجاري، شككت حسابات إسرائيلية في صحة صور تُظهر الطفلة الفلسطينية دانا الحاج، المصابة بسوء تغذية، واتهمت ناشريها بنشر "معلومات مضللة". وادعت تلك الحسابات أن الصور مأخوذة من مصادر قديمة، مستندة إلى نتائج بحث عكسي باستخدام أداة Google Lens.
لكن تحقيقًا أجراه مسبار فند هذه الادعاءات، وأكد أن الصور حديثة، وقد التُقطت قبل أيام من نشرها. وأوضح المصور الصحفي أسامة الكحلوت، في تصريح لمسبار، أنه هو من وثّق الحالة في مدينة دير البلح، مبينًا أن الطفلة تعاني من سوء تغذية حاد، وأن والدتها ظهرت في الفيديو وهي تحذر من وفاتها في حال عدم نقلها عاجلًا لتلقي العلاج.
وفي واقعة مشابهة مؤخرًا، تداولت حسابات إسرائيلية صورة لطفلة فلسطينية مبتورة الساقين، زاعمة أنها "مزيفة" أو "مولدة باستخدام الذكاء الاصطناعي"، دون أن تقدّم أي أدلة تدعم هذا الادعاء. بدوره، أوضح مسبار أن الصورة حقيقية، وتوثّق حالة الطفلة رهف، التي فقدت ساقيها جراء غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزل عائلتها في سبتمبر/أيلول 2024.
وتكررت المزاعم الإسرائيلية طوال أشهر الحرب، وشملت تشكيكًا بصور حقيقية، واستخدام مشاهد تمثيلية للترويج بأن الفلسطينيين في غزة "يفبركون إصاباتهم". ففي فبراير/شباط 2024، تداولت حسابات إسرائيلية صورتين لأطفال ممددين على الأرض، وأرفقتهما بوسم "باليوود غزة"، ضمن حملة تشكيك واسعة بالرواية الفلسطينية. اتهمت تلك الحسابات الفلسطينيين بتزوير مشاهد الضحايا، فيما سخرت أخرى بالقول "غزة بحاجة إلى توظيف مزيد من اللاعبين المحترفين"، في محاولة لنفي وقوع الإصابات وتقويض صدقية الصور المتداولة.
إلا أن التحقق الذي نشره مسبار حينها، أوضح أن الصور توثق مشهدًا تمثيليًا نُفذ ضمن فعالية تضامنية مع ضحايا العدوان، ولا يُعد دليلًا على فبركة أو تلاعب كما زعمت الحسابات الإسرائيلية.
حسابات ناطقة بالعربية تروّج لرواية الاحتلال وتستهدف ضحايا الحرب على غزة
تجدر الإشارة إلى أن مسبار كان قد كشف سابقًا أن الحساب الذي يستخدم اسم "هدى جنات"، والذي شارك في الترويج لمزاعم مضللة بشأن استهداف مدرسة فهمي الجرجاوي ومشهد الطفلة حنين، ينشر روايات إسرائيلية باللغة العربية، تُشكك بوجود ضحايا مدنيين وتتبنى خطابًا دعائيًا داعمًا للاحتلال.
وأظهر التحقق أن الحساب جزء من شبكة من حسابات مجهولة الهوية، تروّج لمحتوى تضليلي وتحرض على فصائل المقاومة، ضمن محاولات ممنهجة لتقويض الرواية الفلسطينية وتفريغها من محتواها الإنساني.
يُشار إلى أن المزاعم المرتبطة بالتشكيك في مشاهد نجاة الضحايا ليست جديدة، بل تُعد امتدادًا لحملة أوسع ظهرت منذ الأسابيع الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة. فقد نشرت حسابات مؤيدة لإسرائيل، من بينها حساب "Gazawood" على إكس، محتوى تحت وسم "باليوود" (Pallywood)، بهدف نزع الصدقية عن توثيق معاناة الفلسطينيين، من خلال اتهامهم بفبركة الإصابات أو تلفيق مقاطع الضحايا.
وكان مسبار قد وثق في وقت سابق هذه الحملة الممنهجة، وأشار إلى أنها تُستخدم بشكل منسق ضمن استراتيجية تضليل تهدف إلى التشكيك في الانتهاكات الموثقة بحق المدنيين.
استهداف مستمر للأطفال في قطاع غزة
أكدت وزارة الصحة في قطاع غزة أن العدوان الإسرائيلي، الذي بدأ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أودى بحياة 16 ألف و503 أطفال فلسطينيين، في حصيلة تعكس استهدافًا مباشرًا وممنهجًا للأطفال. وتوزعت أعمار الضحايا بين رضع وأطفال حتى سن 17 عامًا.
وفي سياق متصل، أوضح الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في إبريل الفائت، أن نحو 39 ألف و384 طفلًا في قطاع غزة فقدوا أحد والديهم أو كليهما بعد مرور 534 يومًا على بدء العدوان، من بينهم قرابة 17 ألف طفل فقدوا والديهم معًا، ليواجهوا الحياة بلا عائل في واقع يفتقر لأبسط مقومات الطفولة الآمنة.
اقرأ/ي أيضًا