تشويه وتحريض إسرائيلي ضد نشطاء سفينة مادلين وقوافل كسر الحصار عن غزة
انطلقت سفينة "مادلين"، التابعة لتحالف أسطول الحرية، مطلع يونيو/حزيران الجاري، من ميناء كاتانيا الإيطالي، وعلى متنها 12 ناشطًا من دول مختلفة، بينهم الناشطة المناخية السويدية غريتا تونبرغ، في محاولة رمزية لكسر الحصار البحري المفروض على قطاع غزة منذ سنوات.
أُطلق على السفينة اسم "مادلين" تكريمًا لأول صيادة في غزة. وتحمل السفينة كميات محدودة من المواد الغذائية والدوائية، مثل الحليب والأرز وحفاضات الأطفال، كمساعدات إنسانية رمزية لدعم سكان القطاع المحاصر.
وبحسب المنظمين، تهدف الرحلة إلى التنديد بالحصار الإسرائيلي غير القانوني على غزة، وتسليط الضوء على الوضع الإنساني الكارثي في ظل الحرب المستمرة. ومن بين النشطاء على متن السفينة شخصيات بارزة، أبرزهم البرلمانية الفرنسية من أصل فلسطيني ريما حسن، والممثل البريطاني ليام كانينغهام، إلى جانب تونبرغ.
كما زود تحالف أسطول الحرية السفينة مادلين بنظام تتبع متطور، بهدف ضمان سلامة النشطاء على متنها، وتعزيز الشفافية بشأن مسارها، ومساءلة أي جهة قد تقدم على اعتداء محتمل.
ويتيح النظام بثًا مباشرًا لموقع السفينة، مما يُمكن الجهات الداعمة، والصحفيين، والمراقبين القانونيين، ومنظمات حقوق الإنسان حول العالم من متابعة تحركاتها لحظة بلحظة. وتسهم هذه الشفافية في ردع أي تدخل غير قانوني، وتوفر آلية فاعلة لتوثيق الانتهاكات والتحقيق فيها عند وقوعها. ويعد التتيع جزءًا محوريًا من استراتيجية المقاومة السلمية والتضامن الدولي التي يقودها التحالف.
ومع اقترابها من وجهتها، أعرب طاقم السفينة عن مخاوف من اعتراض إسرائيلي محتمل ومنعهم من أداء مهمتهم، خاصة في ظل تصاعد التحذيرات الرسمية الإسرائيلية من السماح بالوصول إلى شواطئ غزة، التي تشهد ظروفًا إنسانية مأساوية خلال الحرب الإسرائيلية الجارية على القطاع منذ أكثر من 20 شهرًا.
وفي منشور للجنة المنظمة عبر موقع إكس، أوضحت أن السفينة تقترب تدريجيًا من سواحل غزة، ومن المتوقع أن تصل خلال الساعات القادمة، محذرة من أن الساعات القادمة حاسمة وحرجة.

في المقال التالي، يستعرض مسبار أبرز الروايات الإسرائيلية الرسمية والإعلامية حول السفينة وطاقمها، ويتناول الخطابات التحريضية والمعلومات المضللة التي روّجت عن القافلة، بما في ذلك اتهامات بمعاداة السامية، وعلاقات مزعومة بالإرهاب، وغيرها من السرديات التي حاولت نزع الشرعية عن المبادرة الإنسانية.
إسرائيل تتوعد باعتراض سفينة مادلين واعتقال طاقمها لمنع كسر حصار غزة
أعلن الاحتلال الإسرائيلي أنه لن يسمح لسفينة "مادلين" بالرسو على شواطئ قطاع غزة، مبرر ذلك بتطبيق الحصار البحري المفروض على القطاع منذ عام 2007.
وأوضح الجيش الإسرائيلي أنه "ينفذ الحصار على غزة، ومستعد لمجموعة واسعة من السيناريوهات" في حال اقتربت السفينة. ووفق تقديرات نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية، يعتزم الجيش اعتراض السفينة إذا لم تبتعد، وقد تم التخطيط لـ"استيلاء القوات عليها، ونقلها إلى ميناء أسدود، واعتقال النشطاء الموجودين على متنها، تمهيدًا لترحيلهم".
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية (كان) أن الحكومة قررت سحب السفينة قسريًا إلى ميناء أشدود واعتقال طاقمها، فيما أعلن المتحدث العسكري أن وحدة الكوماندوز البحري "شايطيت 13" وقوارب صاروخية في حالة استعداد "للتعامل مع أي استفزاز" و"للعمل في جميع الجبهات، بما في ذلك البحر". كما أوضحت التصريحات الإسرائيلية أن السفينة تُعد محاولة "غير قانونية" لكسر الحصار المفروض على القطاع.

اتهامات بالإرهاب ومعاداة السامية في حملة إعلامية إسرائيلية ضد نشطاء سفينة مادلين
من خلال تتبع التغطية الإعلامية في مواقع إسرائيلية بارزة مثل "يديعوت أحرونوت"، "إسرائيل اليوم"، و"هيئة البث الإسرائيلية"، والبحث باستخدام كلمات مفتاحية باللغة العبرية مثل (ספינת מדלן)، تبيّن أن الخطاب الإعلامي تجاه سفينة "مادلين" وطاقمها اتخذ منحيين رئيسيين، نزع الشرعية عن القافلة، وتشويه صورة الناشطين المشاركين فيها.
فعلى سبيل المثال، تساءل موقع "يديعوت أحرونوت" عن "دوافع كراهية إسرائيل" التي تقف وراء مشاركة الناشطة السويدية غريتا تونبرغ، وادّعى أن بعض النشطاء "يهلّلون للإرهابيين"، وينكرون أحداث السابع من أكتوبر (عملية طوفان الأقصى)، ويعبّرون عن مواقف "معادية للسامية".
كما نقل الموقع عن مصادر أوروبية، أبرزها صحيفة "بيلد" الألمانية، أن بعض المشاركين في القافلة يحملون "أيديولوجيات معادية للغرب وتدعم الإرهاب"، بحسب تلك التقارير.
من جهتها، ركزت صحيفة "إسرائيل اليوم" على تصريحات منسوبة لتونبرغ تتضمن الدعوة إلى "تحطيم الصهيونية"، وأشارت إلى تأييدها المزعوم لـ"شرعية الاعتداءات التي نفذتها حماس". وقدّمت التغطية القافلة على أنها "توجه مؤيد للإرهاب"، ووصفت النشطاء بأنهم "متطرفون" و"معادون للسامية".
كما وصفت بعض التغطيات القافلة بأنها "حملة إعلامية مضادة لإسرائيل"، فيما ركز الإعلام الحكومي على تحذيرات الجيش الإسرائيلي من "استفزازات محتملة" مرتبطة بمرور السفينة.
وتناولت مقالات أخرى دور النشطاء من منظور سياسي واجتماعي، مقدّمةً إياهم على أنهم "يمينيون متطرفون" أو "أنصار سلام زائف"، مع مزاعم بأنهم يخفون أجندات سياسية أو أيديولوجية خلف غطاء إنساني.


وزير الجيش يهاجم القافلة ويتهم النشطاء بمعاداة السامية والترويج لدعاية حماس
في تصريح رسمي، أعلن وزير الجيش الإسرائيلي إسرائيل كاتس أنه أصدر تعليمات مباشرة للجيش الإسرائيلي بالتحرك الحازم لمنع سفينة "مادلين" من الوصول إلى غزة، مؤكدًا أن إسرائيل "لن تسمح لأي جهة بخرق الحصار البحري المفروض على القطاع". وهاجم كاتس المشاركين في القافلة، وخص بالذكر الناشطة غريتا تونبرغ، واصفًا إياها بـ"المعادية للسامية"، متهمًا إياها ورفاقها بنشر "دعاية حماس"، مضيفًا "ارجعوا، لن تصلوا إلى غزة". كما شدد على أن إسرائيل ستتصدى لأي محاولة لكسر الحصار أو دعم ما وصفها بـ"المنظمات الإرهابية" عن طريق البحر أو الجو أو البر، في خطاب يعكس تصعيدًا في لهجة التحريض والتجريم تجاه المبادرة ونشطائها.

حملة تحريض تستهدف طاقم سفينة مادلين
في السياق ذاته، رصد مراقبون دوليون حملات إلكترونية مؤيدة لإسرائيل استهدفت طاقم سفينة مادلين، ودعت إلى التدخل العنيف ضدهم.
ووفقًا لتقرير نشرته منظمة ميدل إيست مونيتور شنت حسابات مؤيدة لإسرائيل حملة تحريضية واسعة على مواقع التواصل ضد الناشطة غريتا تونبرغ ورفاقها، عقب إعلان مشاركتهم في أسطول الحرية الهادف إلى كسر الحصار البحري المفروض على غزة.
فعلى سبيل المثال، نشر السيناتور الأميركي ليندسي غراهام تغريدة قال فيها "أتمنى أن تعرف غريتا وأصدقاؤها السباحة!"، وهي عبارة فسرت على نطاق واسع بأنها تهديد مبطن بإغراق السفينة أو استهدافها.
من جهته، ذهب الباحث الصهيوني الأسترالي أرسن أوستروفسكي، مدير مركز أبحاث السياسات، إلى أبعد من ذلك، إذ وصف تونبرغ عبر منشور في موقع إكس بأنها "الجهادية الصغيرة"، مضيفًا "تحاول الدخول إلى غزة لتُظهر تضامنها مع حماس. سيكون أمرًا مؤسفًا حقًا إن حصل شيء ما لقافلتها".
وقد اعتبر التصريح من قبل عدد من المراقبين تحريضًا مباشرًا على استهداف السفينة ومن عليها، ما يعكس تصاعد نبرة العداء تجاه الأصوات المتضامنة مع غزة خلال الحرب الإسرائيلية.

إسرائيل تكرر خطاب التشويه وتهاجم قوافل كسر الحصار
لم تكن سفينة مادلين استثناءً في طريقة تعاطي إسرائيل الإعلامي والأمني مع محاولات كسر الحصار البحري المفروض على قطاع غزة. فمنذ فرض الحصار في عام 2007، إذ واجهت معظم القوافل التضامنية حملات تحريض وتضليل إعلامي رافقتها عمليات استهداف للقوافل الإنسانية.
ففي عام 2010، قادت سفينة "مافي مرمرة" التركية ضمن أسطول الحرية ست سفن نحو غزة، وعندما رفضت التوقف، هاجمتها وحدة "شايطيت 13" التابعة للبحرية الإسرائيلية في المياه الدولية، ما أدى إلى اندلاع اشتباك وأسفر عن مقتل 10 مواطنين أتراك.
وفي عام 2018، أُعيد تسيير "أسطول الحرية" في محاولة جديدة لكسر الحصار. ورغم انطلاقه بعد سنوات من حرب 2014، إلا أن البحرية الإسرائيلية اعترضته واقتادت السفن إلى ميناء أسدود، حيث جرى احتجاز النشطاء وترحيلهم لاحقًا. وربطت التغيطة الإعلامية الإسرائيلية القافلة بدوافع سياسية مريبة.
بشكل عام، اعتمد الخطاب الرسمي والإعلامي الإسرائيلي في كل مرة الرواية ذاتها، وهي وجود "التهديد الأمني"، ووصم القوافل بـ"محاولات تسلل إرهابية"، وتصوير المشاركين كواجهة لمنظمات "متطرفة" أو "معادية للسامية".
وبالعودة إلى الخطاب الإسرائيلي تجاه سفينة مادلين المتوقع أن تصل يوم غد الإثنين، يظهر بوضوح أنه امتداد لهذا النهج المتكرر. فقد ركز الإعلام على تشويه أهداف القافلة والتشكيك في نوايا المشاركين، في الوقت ذاته، ترافقت التغطية مع حملات تحريض رقمية واسعة على مواقع التواصل، ربطت النشطاء بالإرهاب ووصفتهم بالتطرف ومعاداة السامية.
وباستثناء بعض الأحداث البارزة، كما في حادثة مرمرة، لم تنجح أي قافلة بحرية منذ 2007 في كسر الحصار فعليًا، حيث يتم اعتراضها دائمًا من قبل البحرية الإسرائيلية، فيما تتكرر الرواية ذاتها في الإعلام وهي تسويق القوافل كتهديد، لا كتضامن إنساني.

تحذيرات دولية من جريمة حرب إسرائيلية محتملة في عرض البحر
وجهت اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة رسالة علنية إلى وزارة الخارجية البريطانية عبر موقع إكس، اليوم الأحد، حذرت فيها من أن إسرائيل "تستعد لارتكاب جريمة حرب في المياه الدولية"، في إشارة إلى التهديدات الرسمية الإسرائيلية باعتراض سفينة مادلين المتجهة نحو القطاع.
من جهتها، اعتبرت منظمة العفو الدولية أن قافلة أسطول الحرية، وتحديدًا سفينة مادلين، تشكل "مبادرة تضامنية مهمة لتسليط الضوء على الحصار غير القانوني والخانق الذي تفرضه إسرائيل على غزة"، في ظل الإبادة الجماعية الجارية في القطاع.
وأكدت المنظمة أن القافلة "يجب أن يسمح لها بأداء مهمتها السلمية بأمان، دون أي تهديد أو اعتداء"، مشددة على أنه "لا يوجد أي مبرر لمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، في ظل مستويات كارثية من الجوع والمعاناة، وفي واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي صنعها الإنسان في العالم".
اقرأ/ي أيضًا