أبرز المزاعم الإسرائيلية عقب اعتراض سفينة مادلين واحتجاز نشطائها
تعرضت سفينة "مادلين" التابعة لأسطول الحرية (FFC)، والتي كانت تُقل 12 ناشطًا دوليًا، لعملية اعتراض نفذتها قوات كوماندوز إسرائيلية فجر الاثنين التاسع من يونيو/حزيران الجاري، أثناء إبحارها في المياه الدولية قبالة شواطئ غزة. كانت السفينة في طريقها إلى القطاع في محاولة لكسر الحصار البحري المفروض وإيصال مساعدات رمزية إلى السكان. اقتيدت السفينة لاحقًا إلى ميناء أسدود، واحتُجز النشطاء للتحقيق معهم تمهيدًا لترحيلهم.
وفي أول تعليق رسمي، قلّلت وزارة الخارجية الإسرائيلية من أهمية المبادرة، ووصفتها بـ"الخدعة الإعلامية"، مستخدمة أوصافًا ساخرة مثل "يخت السلفي" و"يخت المشاهير".
تضمن بيان الخارجية الإسرائيلية مجموعة من المزاعم والمعلومات المضللة، من بينها أن اعتراض السفينة تم لأن المنطقة البحرية قبالة غزة مغلقة أمام السفن غير المرخصة، وأن الحصار البحري "قانوني ويتماشى مع القانون الدولي". كما ادعى البيان أن سكان القطاع يتلقون مساعدات إنسانية منتظمة وفعالة، مشيرًا إلى دخول أكثر من 1200 شاحنة مساعدات خلال أسبوعين، وتوزيع 11 مليون وجبة غذائية عبر مؤسسة تُدعى "غزة الإنسانية".
في السياق نفسه، نشرت حسابات إسرائيلية على منصات التواصل الاجتماعي هذه الادعاءات بعدة لغات، مرفقة بصور كاريكاتيرية ومنشورات تسخر من المبادرة وتدعي أن المدنيين في غزة يتلقون مساعدات مباشرة من الجيش الإسرائيلي وفقًا للقانون الدولي.

وجد مسبار أن المزاعم التي روجت لها وزارة الخارجية الإسرائيلية وعدد من الحسابات الرسمية التابعة لها تحمل طابعًا مضللًا، إذ يتعارض الحصار البحري الذي يفرضه الاحتلال على قطاع غزة مع الاتفاقيات والقوانين الدولية. ويعيش القطاع تحت تهديد دائم بحدوث مجاعة بسبب الحصار الخانق، خلافًا للادعاءات الإسرائيلية التي تزعم توزيع مساعدات إنسانية بانتظام وفعالية عبر قنوات مختلفة.
كما رصد مسبار تضليلًا في الأرقام المتعلقة بحجم المساعدات التي سُمح بإدخالها إلى القطاع، حيث سعت إسرائيل إلى تصويرها على أنها كميات وفيرة وكافية لتلبية احتياجات السكان، في حين تُظهر تقارير أممية وإنسانية العكس.
مزاعم "الحصار القانوني"
تروج إسرائيل لمزاعم تفيد بأن الحصار البحري المفروض على قطاع غزة "قانوني" ويتماشى مع قواعد القانون الدولي. إلا أن هذه الادعاءات تعد مضللة. فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شدد الاحتلال من حصاره المفروض على القطاع، وصولًا إلى ما وصفته الأمم المتحدة بـ"الحصار الكامل"، الذي يعد محظورًا بموجب القانون الدولي الإنساني. وأكدت المنظمة حينها أن هذا النوع من الحصار قد يرقى إلى جريمة حرب، إذا ما اعتُبر شكلاً من أشكال العقاب الجماعي للسكان المدنيين، لا سيما مع منعهم من الحصول على السلع والمواد الأساسية اللازمة للبقاء.
ومع تصاعد الحرب على غزة، فرض الاحتلال قيودًا إضافية بلغت ذروتها في مارس/آذار الفائت، حين مُنع إدخال الغذاء والدواء وسائر المواد الأساسية. وفي تقريرها، وصفت منظمة العفو الدولية الحصار الإسرائيلي بأنه "قاسٍ وغير إنساني"، واعتبرته دليلًا إضافيًا على نية ارتكاب إبادة جماعية في القطاع.
يُظهر هذا الواقع أن الحصار المفروض على غزة ينتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي، التي تشترط لفرض أي حصار عسكري وجود تهديد أمني حقيقي وفوري، إضافة إلى مراعاة مبدأ التناسب بين الهدف العسكري والأثر على المدنيين. أما الحصار الإسرائيلي، فقد تجاوز نطاق الدفاع المشروع وأصبح عقوبة جماعية تستهدف سكانًا محاصرين.
كما يخالف الحصار المفروض نصوص اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين في أوقات الحرب، ولا سيما المادة 33 التي تنص على أنه "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي على مخالفة لم يرتكبها شخصيًا. تُحظر العقوبات الجماعية، وجميع تدابير التهديد أو الإرهاب". كذلك، تؤكد المادة 53 من القانون الدولي الإنساني ضرورة السماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق حتى في ظل الحصار، وتُحظر "تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب" وهو ما لم تلتزم به إسرائيل وفق ما توثق تقارير أممية وحقوقية متعددة.
تضليل بشأن كميات المساعدات
يشير بيان وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى دخول 1200 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة خلال أسبوعين، غير أن بيانات الأمم المتحدة تناقض الادعاء الإسرائيلي بشكل واضح. فبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، لم يتجاوز عدد الشاحنات التي دخلت القطاع منذ الاستئناف المحدود للمساعدات في 19 مايو/أيار وحتى 10 يونيو الجاري، 700 شاحنة فقط خلال 21 يومًا.
وأكدت الأمم المتحدة أن هذه الكمية تُعد ضئيلة جدًا مقارنة بما كان يُسمح بإدخاله خلال فترة وقف إطلاق النار المؤقتة، حيث كانت تدخل ما بين 600 إلى 700 شاحنة مساعدات يوميًا.
مزاعم حول تسليم المساعدات بانتظام وفعالية
من ناحية أخرى، زعمت وزارة خارجية إسرائيل، أن توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة يتم بانتظام وفعالية، عبر قنوات متعددة وآليات منسقة. كما روجت حسابات رسمية تابعة لها أن مئات الشاحنات وملايين الوجبات توزع يوميًا على السكان، في ما وُصف بأنه "أكبر عملية إغاثة إنسانية في العالم". وزعمت أيضًا، أن إسرائيل تبذل جهودًا لتسهيل دخول المساعدات إلى القطاع بما يتماشى مع قواعد القانون الدولي.
تفنيدًا للمزاعم الإسرائيلية بشأن فعالية توزيع المساعدات، وثق مدنيون في غزة مقاطع مصورة تُظهر ممارسات مهينة أثناء محاولات الحصول على المساعدات. كما أظهرت مقاطع أخرى لحظات إلقاء قنابل تجاه المدنيين المتجمعين قرب نقاط توزيع المساعدات، إلى جانب اتهامات متكررة بتعمد إطلاق النار عليهم مباشرة.
تعد هذه الممارسات انتهاكًا واضحًا للكرامة الإنسانية، وتشكل خرقًا للقانون الدولي الإنساني، لا سيما المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف لعام 1949، والتي تحظر "الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والمعاملة القاسية، والتعذيب، والمعاملة المهينة والحاطة بالكرامة".

وقد أدت آليات توزيع المساعدات التي تنفذها إسرائيل، والتي لا تتوافق مع القواعد والمعايير الإنسانية الدولية، إلى سقوط أكثر من 130 مدنيًا فلسطينيًا برصاص مباشر أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية، إضافة إلى إصابة أكثر من 1000 شخص بجروح، وذلك خلال أسبوعين، بحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة. واتهم البيان مؤسسة "غزة الإنسانية" (GHF)، التي تشرف على توزيع جزء من هذه المساعدات بانتهاك مبادئ العمل الإنساني الأساسية، وعلى رأسها الحياد، عدم الانحياز، الاستقلالية، والإنسانية.
الاحتلال يروج لمشاهد "إنسانية" خلال اعتراض سفينة مادلين والنشطاء يوثقون القمع
سعى الاحتلال إلى تصوير عملية اعتراض سفينة مادلين على أنها جرت بسلاسة، وأن قواته تعاملت مع النشطاء بشكل إنساني. وروجت وسائل إعلام وحسابات رسمية إسرائيلية صورًا ومقاطع فيديو مختارة بعناية، تُظهر تقديم المياه والغذاء للنشطاء، بهدف تعزيز هذه الرواية وصرف الانتباه عن الطبيعة القسرية للعملية التي نُفذت في المياه الدولية، وانتهت باحتجاز النشطاء وترحيلهم.
بالتوازي، أطلقت الحسابات ذاتها حملة سخرية وتشويه ضد المبادرة، عبر منشورات تقلل من أهميتها وتصفها بـ"الاستعراض الإعلامي"، وتشكك في جدوى حمولة السفينة الرمزية من المساعدات، مستندة إلى أرقام مضللة نشرتها وزارة الخارجية الإسرائيلية حول حجم المساعدات التي يتم إدخالها إلى غزة، في محاولة لتجريد المبادرة من بعدها الإنساني.
إلا أن مقاطع الفيديو وشهادات النشطاء الذين كانوا على متن السفينة تتعارض مع هذه الرواية. فقد وثق النشطاء لحظة اعتراض السفينة، وأكدوا أنهم تعرضوا لحصار من سفن حربية إسرائيلية، كما استخدمت طائرات مسيرة في ترهيبهم، وألقت إحداها مادة بيضاء كيميائية مجهولة على القارب والنشطاء، ما أدى إلى تغير لون الجلد لدى بعضهم.
وبعد الإفراج عنهم، كشف عدد من النشطاء من بينهم الصحفي عمر فياض تفاصيل عملية الاعتراض وظروف الاعتقال. وقال فياض إن الطائرات المسيرة اقتربت منهم بينما كانوا في المياه الدولية على بُعد نحو 100 ميل من شواطئ غزة، وألقت مادة غريبة سببت تهيجًا جلديًا. وأضاف أن الجنود اشترطوا تصويرهم أثناء تناول الطعام والماء، ما دفعهم إلى الامتناع عن الأكل والشرب لمدة يوم كامل رفضًا لاستغلال هذه اللقطات في الترويج الإعلامي.
وفي شهادته، أكد فياض أن الجنود تعمدوا إنهاكهم عبر منعهم من النوم، وأنه والناشطة السويدية غريتا تونبرغ تعرضا للإرهاق المتعمد. كما أكد أن النائبة الفرنسية الفلسطينية ريما حسن تعرضت لتهديد مباشر من ضابط إسرائيلي، قال لها "سأضرب رأسك بالحائط إذا لم توقعي على ورقة منع العودة إلى إسرائيل".
الاحتلال يهاجم نشطاء سفينة مادلين ويتهمهم بالإرهاب والمعاداة للسامية
تعد هذه الممارسات امتدادًا لحملة تحريض ممنهجة قادتها إسرائيل ضد سفينة مادلين منذ انطلاقها باتجاه قطاع غزة، شملت اتهام النشطاء على متنها بالإرهاب ومعاداة السامية. كما رصد مسبار دعوات إسرائيلية في الإعلام ومنصات التواصل تدعو إلى استخدام العنف ضدهم، في محاولة لتقويض شرعية المبادرة ووصمها بأبعاد عدائية وإرهابية.
اقرأ/ي أيضًا