سياسة

إيران على وشك امتلاك سلاح نووي.. ادعاء نتنياهو وتأثير وهم الحقيقة

محمود سمير حسنينمحمود سمير حسنين
date
23 يونيو 2025
آخر تعديل
date
6:49 م
23 يونيو 2025
إيران على وشك امتلاك سلاح نووي.. ادعاء نتنياهو وتأثير وهم الحقيقة
يكرر نتنياهو الادعاء بأن إيران على وشك امتلاك سلاح نووي | مسبار

يحلل "مسبار" في هذا المقال عددًا من تصريحات بنيامين نتنياهو التي أدلى بها منذ تسعينيات القرن العشرين، إذ ادعى فيها مرارًا وتكرارًا أن إيران على بعد أيام أو أسابيع أو أشهر من صنع مئات الرؤوس النووية والذرية. ويُظهر البحث أنّ سردية نتنياهو تعتمد على ما يسمى ب"تأثير وهم الحقيقة" أو "illusory truth effect"، وهي ظاهرة تضليل معلوماتي تُستخدم في السياسة والتسويق، وهي "انحياز يدفع الأفراد إلى تصديق المعلومات وقبولها بعد تكرار التعرض لها بغض النظر عن صحتها"، حسب مجلة هارفارد بيزنس ريفيو.

كانت آخر تلك التصريحات، عندما خرج رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي يوم الجمعة 13 يونيو/حزيران الجاري، ليلقي خطابًا على العالم، يُعلن فيه أن الجيش الإسرائيلي قد بدأ بالفعل شن هجمات عسكرية على إيران، ضمن عملية عسكرية أطلق عليها "الأسد الصاعد"، وبرر العملية العسكرية على إيران بقوله إنها على بعد بضعة أشهر فقط، أو سنة من الآن لصنع أسلحة نووية، قائلًا "في السنوات الأخيرة، أنتجت إيران ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع تسع قنابل ذرية. وفي الأشهر الأخيرة، اتخذت إيران خطوات لم يسبق لها مثيل، خطوات لتحويل هذا اليورانيوم المخصب إلى أسلحة. وإذا لم تتوقف، فقد تنتج إيران سلاحًا نوويًا في وقت قصير جدًا. قد يستغرق الأمر عامًا. قد يكون ذلك في غضون بضعة أشهر أو أقل من عام. وهذا خطر واضح ومباشر على وجود إسرائيل".

ادعاء نتنياهو بحيازة إيران لقنابل نووية يرجع لعام 1992
ادعاء نتنياهو بحيازة إيران لقنابل نووية يرجع لعام 1992

وبالرغم من عدم توفير رئيس وزراء الاحتلال لأي معلومات أو أدلة قاطعة على احتمال صنع إيران أسلحة نووية وذرية، إلا أن بنيامين نتنياهو ألقى محتوى الخطاب نفسه باستخدام المصطلحات نفسها مرات عديدة على امتداد 30 عامًا.

بدأ تحذير نتنياهو العالم من تصنيع إيران أسلحة نووية عام 1992، في خطاب له أمام الكنيست الإسرائيلي كعضو ممثل لحزب الليكود، إذ قال "في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، يمكننا أن نفترض أن إيران ستصبح مستقلة في قدرتها على تطوير وإنتاج القنبلة النووية".

نتنياهو كرر مزاعمه حول امتلاك إيران سلاح نووي على مدى 30 عامًا
نتنياهو كرر مزاعمه حول امتلاك إيران سلاح نووي على مدى 30 عامًا

وفي السياق ذاته، قال بنيامين نتنياهو في كتابه المعنون "محاربة الإرهاب، كيف يمكن للديمقراطيات أن تحارب الإرهاب المحلي والدولي"، " إنّ توسع الإسلام المتشدد، وقدرته المتنامية على ترهيب الغرب وإلحاق أضرار جسيمة به، سيزداد بشكل لا يُحصى إذا نجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو الحركة السنية المتشددة في امتلاك أسلحة غير تقليدية، كيميائية أو بيولوجية أو حتى نووية. وتشير أفضل التقديرات حاليًا إلى أن إيران على بُعد ما بين ثلاث وخمس سنوات من امتلاك المتطلبات الأساسية اللازمة لإنتاج الأسلحة النووية بشكل مستقل. بعد ذلك، ستكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية قادرة على صنع أسلحة ذرية دون الحاجة إلى استيراد مواد أو تقنيات من الخارج".

كتب نتنياهو في كتابه عام 1995 عن استعداد إيران لامتلاك سلاح نووي في غضون أشهر
كتب نتنياهو في كتابه عام 1995 عن استعداد إيران لامتلاك سلاح نووي في غضون أشهر

أما في خطابه الذي ألقاه أمام الأمم المتحدة بمقرها في نيويورك عام 2012، كرر نتنياهو، ادعاءاته مؤكدًا أن إيران تبعد فقط أسابيع أو أشهر من صنع قنبلة نووية أو ذرية، إذ أنها الآن وصلت للمستوى الأخير الذي يخولها لصنع القنبلة، وعرض رسم بياني يشرح فيه النسبة المئوية التي وصلت إليها طهران من ناحية تخصيب اليورانيوم، بدون أدلة دامغة لإثبات مزاعمه. 

وهي الطريقة التي استخدمها في خطاباته المتواصلة منذ تسعينيات القرن العشرين، حول قدرات إيران النووية، والتي استخدمها أيضًا في حث الولايات المتحدة الأميركية على مهاجمة وغزو العراق، عندما أدلى بشهادته أمام الكونغرس الأميركي عام 2002، بحجة أن العراق على شفَا صنع أسلحة دمار شامل، منافسة إيران في سباق أسلحة الدمار الشامل، حسب قوله.

كيف يستخدم تأثير وهم الحقيقة في التأثير على الرأي العام؟

يقوم تأثير وهم الحقيقة على عملية تكرار المزاعم والادعاءات بالكمية الكافية لجعل المعرضين لها أقرب لتصديق المعلومة، حتى إذا كانت غير صحيحة، ففي ورقة بحثية نشرت على نيتشر ريفيو سايكولوجي في يناير/كانون الثاني من العام 2022، يقول الباحثين أنّ "التكرار يزيد من الإيمان بالمعلومات المضللة والحقائق على حد سواء. ويمكن أن تستمر الحقيقة الوهمية لأشهر بعد التعرض الأول لها، بغض النظر عن القدرة المعرفية، على الرغم من النصائح المتناقضة من مصدر دقيق، أو المعرفة المسبقة الدقيقة". وهو إن طُبق على حالة ادعاءات نتنياهو باقتراب امتلاك إيران لسلاح نووي، فنرى أن تكرار الادعاءات، سواء كانت مضللة أو صحيحة، يترك أثرًا على الجمهور. 

فبحسب الورقة البحثية نفسها المعنونة بـ"الدوافع النفسية للاعتقاد بالمعلومات المضللة ومقاومتها للتصحيح" المنشورة على نيتشر ريفيو، يقول القائمون على الورقة إنّه "عند تحديد ما هو حقيقي، غالبًا ما يميل الناس إلى تصديق صحة المعلومات، ويتبعون حدسهم بدلًا من التروي"، ويضربون مثالًا على ذلك بجائحة كوفيد-19. ففي مارس 2020، "اتفق 31% من الأميركيين على أنّ كوفيد-19 صُنّع وانتشر عمدًا، رغم غياب أي دليل موثوق على صنعه المتعمد. من المرجح أن يكون الناس قد تعرضوا لنظريات المؤامرة حول مصدر الفيروس عدة مرات، مما قد يكون سببًا مساهمًا في انتشار هذا الاعتقاد، لأن مجرد تكرار الادعاء يجعله أكثر صدقية من عرضه مرة واحدة فقط".

ووفق الدراسات العلمية، يعدّ مؤثر "سهولة المعالجة Processing Fluency" أي عندما تتكرر معلومة ما، يصبح من الأسهل على الدماغ معالجتها، وهذا الشعور بالسهولة يُفسر خطأً على أنه علامة على صحة المعلومة. ومن المشاعر المؤثرة الأخرى، التي تلعب دورًا مهمًا في اعتمال هذا التأثير لدى عقلية الجمهور، هو الشعور ب"الألفة"، فالتكرار يزيد من شعور الألفة تجاه المعلومة، مما يعزز الثقة بها ويقلل من الشكوك تجاهها. وبالتالي يؤثر على اتخاذ القرارات، خصوصًا في المجالات السياسية والاجتماعية، إذ تؤدي المعلومات المكررة إلى تشكيل آراء ومواقف ومعتقدات حتى لو كانت غير دقيقة.

من جانبها، نشرت مجلة ساينس دايركت العلمية في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مراجعة باسم "تأثير الحقيقة الوهمية: مراجعة لتأثير زيادة التكرار في عملية تصديق المعلومات المضللة"، ويقرأ في المراجعة أنه وبشكل عام تشير "دراسات تأثير الحقيقة الوهمية إلى أن التعرض المتكرر لادعاء كاذب أو مضلل قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى زيادة إدراك صحة هذا الادعاء، حتى لو كان يتعارض مع المعرفة السابقة أو غير قابل للتصديق. وهذا مهم بالنظر إلى المعلومات المضللة على شبكة الإنترنت، لأن عناوين الأخبار الكاذبة تتميز بتكرار أكبر من المقالات الإخبارية الحقيقية". أي أنه في كل مرة يزعم شخص ما بصحة ادعاءاته، تزداد نسبة قابلية تصديق الجمهور لهذا الزعم.

نتنياهو يعمد إلى تضليل الرأي العام في خطاباته  

في سياق استخدام رئيس الوزراء الإسرائيلي لمعلومات مضللة خلال خطاباته للتأثير على الرأي العام، نشر مسبار في يوليو/تموز عام 2024 الفائت، تقارير فندت مزاعم زائفة ومضللة روج لها نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس الأميركي، حينذاك، إذ روج لادعاءات مضللة حول عدم ضلوع جيش الاحتلال في مجازر قام بها جنود إسرائيليون بقطاع غزة، ومزاعم حول معاملة الاحتلال الأسرى المعتقلين والمحررين الفلسطينيين معاملة إنسانية، وصولًا إلى استخدام أرقام غير دقيقة بشأن ضحايا الحرب في غزة، وإنكار حدوث مجاعة وأزمة إنسانية بسبب منع الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية في القطاع.

اقرأ/ي أيضًا

كيف تؤدي شروط وتعديلات نتنياهو إلى إفشال المحاولات المتجددة لوقف إطلاق النار في غزة؟

ادعاء نتنياهو بأنّ إسرائيل لا تستهدف مناطق ومنشآت مدنيّة في إيران مضلّل

المصادر

كلمات مفتاحية

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar