أخبار

الحرب الإسرائيلية على إيران والادعاءات المرتبطة بالتلوث الإشعاعي

محمد عبد اللطيف خرواط محمد عبد اللطيف خرواط
date
28 يونيو 2025
آخر تعديل
date
9:18 ص
29 يونيو 2025
الحرب الإسرائيلية على إيران والادعاءات المرتبطة بالتلوث الإشعاعي
الحماية من الإشعاع تتطلب وسائل مدروسة مثل الابتعاد عن المصدر | مسبار

في أعقاب الهجمات الأخيرة التي نفذتها إسرائيل، ضد منشآت نووية في إيران يوم 13 يونيو/حزيران 2025، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي والعديد من المنصات الإعلامية سلسلة من الادعاءات المقلقة، تتعلق بتسرب إشعاعي محتمل يهدد سكان الخليج العربي والعراق. وبين المبالغة والتقليل من أهمية الادعاءات تضاربت الروايات حول مدى صحتها وحقيقة الوضع البيئي والإشعاعي في المنطقة.

هذا المقال يرصد أبرز الادعاءات التي انتشرت على نطاق واسع عن التسرب الإشعاعي، ويقارنها بمعلومات رسمية صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، وخبراء مستقلين في مجالات السلامة النووية والطاقة.

كارثة نووية في نطنز... هل نحن أمام تشيرنوبل الشرق الأوسط؟ 

انتشر على منصة إكس منشور حصد 1.3 مليون مشاهدة، زعم أن هيئة الطاقة الذرية الإيرانية أعلنت عن "تلوث إشعاعي خطير" داخل منشأة نطنز النووية، وتحدثت عن كارثة نووية وشيكة مشابهة لتشيرنوبل. 

كارثة نووية في إيران

ولكن بالتحقق من البيان الرسمي الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تراقب المنشآت الإيرانية منذ سنوات، تبيّن أنه لم يتطرق مطلقًا إلى تسرب إشعاعي. بل جاء في التصريح الذي أدلى به المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، أن هناك "احتمالًا بوجود تلوث إشعاعي وكيميائي داخل المنشأة فقط"، نتيجة الأضرار التي لحقت ببعض منشآتها التحتية بعد القصف.

وأضاف غروسي أن مستويات الإشعاع في محيط نطنز لم تتغير وظلت ضمن الحدود الطبيعية، ما يعني أن البيئة الخارجية، بما فيها الأجواء المحيطة، لم تتأثر. كما أشارت تحقيقات داخلية إلى أن نوعية التلوث داخل نطنز ناتجة بالأساس عن تسرّب مواد مثل سداسي فلوريد اليورانيوم (UF6)، وهي مادة سامة كيميائيًا أكثر منها مشعة، وتكمن خطورتها أساسًا إذا تم استنشاقها أو ملامستها المباشرة.

خطر التسرب الإشعاعي لدول الخليج

وفي السياق، انتشر مقطع فيديو على إكس، يصوّر شخصًا يدعي أن مفاعل بوشهر الإيراني لا يمثل خطرًا على الخليج لأنه لا يُنتج البلوتونيوم، ويتميز بنظام تبريد محكم، فضلًا عن أن الرياح تهب بعيدًا عن الخليج.

التسرب الإشعاعي لدول الخليج

ولكن على الرغم من أن مفاعل بوشهر الإيراني لا يُستخدم فعليًا لإنتاج البلوتونيوم المخصص للأسلحة النووية، إلا أن هذا لا يُلغي الخطر الإشعاعي الكبير الذي يمثله، لا سيما لدول الخليج القريبة منه. فالمفاعل يحتوي على آلاف الكيلوغرامات من الوقود النووي النشط والمستنفد، وهذا الأخير يُخزن في برك تبريد تعتمد كليًا على استمرار تدفق الكهرباء والمياه لتبقى آمنة. في حال حدوث أي خلل في أنظمة التبريد، سواء نتيجة هجوم عسكري أو حتى زلزال، فإن الحرارة داخل الوقود ترتفع بسرعة، ما يؤدي إلى تبخر الماء، ثم انكشاف الوقود، ومن ثم ذوبان القلب وتسرب مواد مشعة إلى الهواء أو البحر. هذا سيناريو شبيه بما حصل في كارثة فوكوشيما عام 2011.

أما الادعاء بأن اتجاه الرياح يحمي دول الخليج، فهو غير دقيق من الناحية العلمية؛ لأن الرياح في المنطقة متقلبة وتختلف حسب الفصل. في بعض الفصول، تهب الرياح من إيران باتجاه الخليج، ما يجعل انتقال الغبار الإشعاعي إلى البحرين وقطر والسعودية والإمارات أمرًا واردًا. أما من الناحية البحرية، فالمفاعل يقع مباشرة على الخليج، ويستخدم مياهه لتبريد الأنظمة. وبالتالي، في حال تسرب إشعاعي، ستعود المياه الملوثة مباشرة إلى الخليج العربي، الذي يتميز ببطء التيارات المائية فيه، ما يعني أن التلوث سيستقر لفترة طويلة ويؤثر بيئيًا وصحيًا واقتصاديًا.

كما أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان واضحًا في تحذيره، مؤكدًا أن أي ضربة مباشرة للمفاعل أو تعطيل أنظمة التبريد قد يؤدي إلى كارثة نووية تتطلب إجلاء السكان وفرض قيود على الغذاء والمياه لمسافات تصل إلى مئات الكيلومترات. لذا، فإن تبسيط الخطر أو نفي إمكانية التسرب الإشعاعي غير علمي، ويتعارض مع المعطيات الهندسية والبيئية والمناخية المتوفرة.

هل تقي شوربة الميسو" من الإشعاع النووي؟

وكان من أبرز الادعاءات التي حصدت انتشارًا كبيرًا، مقطع فيديو لكريم علي وهو طبيب مصري اشتُهر بتقديم محتوى مرتبط بالطب البديل، ادعى فيه أن شوربة الميسو هي الحل في حالة حدوث تلوث اشعاعي.

كريم علي

في ادعائه، ذكر علي رواية تشير إلى أن طاقم أحد المستشفيات اليابانية ومرضاه لم يتعرضوا لأضرار الإشعاع النووي وقت الحرب العالمية الثانية، بسبب تناولهم اليومي لشوربة الميسو المخمرة، لكن هذه القصة تعود إلى شهادة فردية للطبيب الياباني تاتسوهيرو أكيزوكي، الذي كتب عن تجربته الشخصية في مذكراته بعد الحرب، ولم يتم إخضاع روايته لأي دراسة علمية محكمة أو تحقق منهجي.

من الناحية العلمية، الميسوهو معجون مصنوع من فول الصويا المخمر، يحتوي على مركبات مضادة للأكسدة مثل الإيزوفلافونات والمعادن مثل الزنك والمنغنيز، بالإضافة إلى مكونات مفيدة للبكتيريا النافعة في الأمعاء. هذه العناصر قد يكون لها دور في تقليل الالتهابات وتحسين الصحة العامة والمناعة، إلا أن فعاليتها في مقاومة أو منع آثار الإشعاع المؤين الناتج عن انفجارات نووية مثل التي وقعت في ناجازاكي، غير مثبتة على الإطلاق.

بعض الدراسات المخبرية على الفئران، أظهرت أن الميسو قد يقلل من آثار الإشعاع على الخلايا الحيوانية، لكن هذه النتائج لا يمكن تعميمها على البشر، لأنها لا ترقى إلى مستوى الدليل السريري المطلوب لتأكيد وجود تأثير وقائي فعلي.

دراسة عن دور شوربة الميسو من الإشعاع النووي

ومن الجدير بالذكر، أن الحماية من الإشعاع تتطلب وسائل مدروسة مثل الابتعاد عن المصدر، واستخدام الحواجز الواقية (كالخرسانة والرصاص)، والتدخلات الطبية مثل أقراص يوديد البوتاسيوم التي تمنع امتصاص اليود المشع من قبل الغدة الدرقية. هذه الإجراءات مبنية على أدلة علمية قوية وتوصيات منظمات الصحة العالمية، بخلاف المبالغات التي تُروَّج عبر قصص غير مثبتة علميًا.

هل حدث تسرب إشعاعي من مفاعل فوردو بعد قصفه؟

تداول مستخدمون منشورًا حصد آلاف المشاهدات يدعي أن مفاعل فوردو تعرض لقصف أدى إلى تسرب إشعاعي، وأن منطقة الخليج ستكون أول المتضررين.

هل حدث تسرب إشعاعي من مفاعل فوردو بعد قصفه؟

ولكن، بحسب التقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لم تُسجل أي زيادة في مستويات الإشعاع خارج مفاعل فوردو أو أي من المواقع النووية الأخرى في إيران التي تعرضت لهجوم. وأكدت الوكالة أنها لم تتلقَ معلومات تفيد بوجود تسرب إشعاعي من فوردو، ووصفت مستويات الإشعاع في المناطق المحيطة بأنها "عند مستويات طبيعية"، ما يعني عدم وجود خطر بيئي إشعاعي على السكان أو على دول الجوار.

كما أن موقع فوردو هو منشأة تخصيب تحت الأرض، ولا يُصنف كمفاعل نووي لتوليد الطاقة مثل محطة بوشهر. كما أن المواد التي يتم التعامل معها فيه – وأهمها سداسي فلوريد اليورانيوم (UF₆) – ليست مواد شديدة الإشعاع بطبيعتها. فهي تحمل خطورة كيميائية أكثر من كونها خطورة إشعاعية، وتحديدًا عند استنشاقها أو ابتلاعها في حال تسربت داخل المنشأة نفسها، لا في البيئة الخارجية. وقد أوضحت الباحثة داريا دولزيكوفا من مركز الأبحاث الروسي في لندن أن هذه المواد، عندما تتفاعل مع بخار الماء في الهواء، تنتج مواد سامة كيميائيًا، لكنها لا تنتشر لمسافات طويلة، خاصةً في ظل أن المنشأة مبنية تحت الأرض ومحصّنة بطبقات من الخرسانة والصخور.

إيران تؤكد عدم وقوع نسرب نووي إشعاعي

كذلك أشار خبير السلامة البيئية سيمون بينيت من جامعة ليستر إلى أن الخطر على البيئة يبقى ضئيلًا في حالة استهداف منشآت مدفونة تحت الأرض، لأن المواد النووية تكون "مدفونة في آلاف الأطنان من الصخور والخرسانة"، ما يمنع تسربها للبيئة المحيطة.

على الجانب الخليجي، لم تسجل أجهزة الرصد البيئي التابعة لمجلس التعاون الخليجي أو الدول المعنية أي مؤشرات على وجود تلوث إشعاعي في مياه الخليج أو أجوائه. المجلس فعّل بالفعل مركز إدارة الطوارئ التابع له ومقره الكويت، كإجراء وقائي، وأفاد أن المراقبة مستمرة وأن الوضع تحت السيطرة. وقد أعلنت الدول الخليجية، مثل الإمارات وقطر والبحرين، أنها لم ترصد أي تغير في جودة المياه أو وجود إشعاع زائد.

كما تؤكد مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فإن الهجمات على منشآت التخصيب النووي بما في ذلك فوردو ونطنز، من غير المرجح أن تؤدي إلى عواقب إشعاعية خارج الموقع"، نظرًا لطبيعة المواد المستخدمة وبنية المنشآت. 

ومن جهته، أشار مدير برنامج السياسات النووية بالمؤسسة، جيمس أكتون، إلى أن المواد المشعة في مراحل التخصيب تكون "شبه مشعة" وخطرها الإشعاعي محدود خارج الموقع، لكنها قد تشكل خطرًا داخليًا قابلًا للإدارة بالإجراءات الوقائية المناسبة.

وقف إطلاق نار بين إيران وإسرائيل 

أطلقت إيران مساء الاثنين 23 يونيو/حزيران 19 صاروخًا، على قاعدة العديد، قالت إنها رد على قصف الولايات المتحدة، ثلاث منشآت لبرنامجها النووي مساء السبت، وبعد الهجوم الإيراني على قاعدة العديد، أعلن ترامب عن اتفاق لوقف الحرب، بين إسرائيل وإيران.

ويوم الثلاثاء 24 يونيو، أعلنت إسرائيل رصد صورايخ إيرانية في سمائها متهمة إيران بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، وردت على الهجوم بضربات صاروخية.

من جهته، صرح وزبر الخارجية الإيراني بعدم ثقة بلاده بوعود إسرائيل، مؤكدًا أن يران سترد بشكل حاسم على أي هجوم إسرائيلي، في حين صرح ترامب أن الصراع بين إسرائيل وإيران قد ينشب "مجددًا وربما قريبًا".

ترامب


اقرأ/ي أيضًا

إسرائيل بالعربية.. بروباغندا مضللة موجهة للجمهور العربي خلال الحرب على إيران

الفيديو ليس من داخل قمرة طائرة أميركية متجهة لاستهداف المفاعلات النووية الإيرانية

المصادر

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar