هل تقدم رند حامد محتوى صحيًّا دقيقًا على منصات التواصل الاجتماعي؟
في وقتٍ يشهد فيه العالم تزايدًا لافتًا لحضور مؤثري الطب البديل على منصات التواصل الاجتماعي، تتنامى المخاوف من انتشار معلومات صحية غير دقيقة قد تؤثر بشكل مباشر على قرارات الأفراد الصحية. ومن أبرز المؤثرين الرائجين حاليًا، رند حامد، التي تقدم نفسها كأخصائية في الطب الصيني التقليدي، وتبث محتوى علاجيًا يلقى رواجًا واسعًا بين المتابعين.
يتنوع المحتوى الذي تقدمه بين وصفات غذائية، ومفاهيم رمزية مستمدة من الطب الشرقي، وتحذيرات صريحة من ممارسات الطب الحديث، إلى جانب تأكيدات غير موثقة تدّعي شفاء أمراض خطيرة باستخدام وسائل "طبيعية". وعلى الرغم من حساسية ما تطرحه، يتابعها مئات الآلاف عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي: 267 ألف مشترك على يوتيوب، 161.4 ألف على تيك توك، 389 ألف على فيسبوك، و458 ألف متابع على إكس.
ومع انتشار هذا النوع من المحتوى، يبرز سؤال مهم: هل ما تقدمه رند حامد يمثل الطب الصيني التقليدي فعلًا؟ وهل تمتلك ادعاءاتها أي أساس علمي؟ هذا التحقيق يسعى إلى الإجابة عن تلك الأسئلة عن طريق مراجعة وتحليل أبرز ما تطرحه.
ما هو الطب الصيني التقليدي؟
الطب الصيني التقليدي (TCM) هو منظومة طبية متكاملة نشأت في الصين منذ آلاف السنين، وتعتمد على فلسفة عميقة تقوم على مفاهيم مثل "الطاقة الحيوية" وتوازن "الين واليانغ"، بالإضافة إلى العناصر الطبيعية الخمسة: الخشب، النار، الأرض، المعدن، والماء.
تسعى هذه المنظومة إلى استعادة التوازن الداخلي للجسم عن طريق وسائل علاجية متعددة تشمل الوخز بالإبر، الأعشاب الصينية، العلاج الغذائي، الحجامة، رياضات التاي تشي وتشي كونغ، والتدليك العلاجي. وتقوم عملية التشخيص في الطب الصيني التقليدي على ملاحظة اللسان وقياس النبض وفحص الوجه والصوت، ضمن إطار رمزي يختلف عن المنهجية التشريحية أو الفحوص السريرية المعتمدة في الطب الغربي. وعلى الرغم من الجدل العلمي القائم حول بعض مفاهيم هذا الطب، فقد اعترفت به منظمة الصحة العالمية كعلاج تكميلي يمكن استخدامه في بعض الحالات، بشرط أن يكون إلى جانب الطب التقليدي المعتمد وليس بديلًا عنه.
كيف تستخدم رند حامد الطب الصيني؟
رغم تقديمها لنفسها مختصة في الطب الصيني، تكشف مراجعة محتواها أنها توظّف المصطلحات الرمزية خارج سياقها الأصلي، وتربطها بادعاءات طبية لا تستند إلى أي مرجعية أكاديمية. ففي مواضع كثيرة، تدمج مفاهيم من الطب الصيني مع نظريات شخصية ومفاهيم غير علمية. فبتحليل الادعاءات في محتوى رند حامد تبين أن معظمها يفتقر إلى الأساس العلمي، سواء في الطب الحديث أو ضمن المراجع الأصلية للطب الصيني. ومن بين أبرز الأمثلة:
البلغم هو السبب الرئيس للأمراض المزمنة مثل التوحد والصرع والتليف والسكري والسرطان
تزعم رند أن البلغم المتراكم داخل الجسم يشكل بيئة سامة مسؤولة عن طيف واسع من الأمراض، بما في ذلك أمراض عصبية ومناعية وأورام.
إلا أن البلغم في الطب الحديث، يُعرف بأنه مخاط لزج تنتجه الخلايا المبطنة للجهاز التنفسي كاستجابة التهابية للعدوى أو المهيجات. لا ينتقل البلغم إلى الكبد أو الكلى أو الدماغ، ولا يسبب اضطرابات عصبية أو مناعية أو ورمية.
والتوحد اضطراب نمائي عصبي ناتج عن تفاعل معقد بين عوامل جينية وبيئية. أما الصرع فينجم عن نشاط كهربائي مفرط في الدماغ. والتليف الكبدي يصيب الإنسان نتيجة التهاب مزمن أو تسمم، والسرطان يحدث نتيجة طفرات جينية تؤدي إلى انقسام خلوي غير منضبط. ولم تُثبت أي دراسة منشورة وجود علاقة بين البلغم وهذه الحالات.
شوربة البصل كعلاج شامل
تقدم رند حامد شوربة البصل كعلاج منزلي فعال لمجموعة من الأمراض، تشمل: التليف والصرع والتوحد، والسكري والسرطان. وتستند في طرحها إلى تجارب فردية، وتستشهد بدراسة منشورة في مجلة Evidence-Based Complementary and Alternative Medicine عام 2021، تزعم أنها تدعم هذا الادعاء إذ تشير الدراسة إلى أن شوربة البصل "تجفف البلغم" وبالتالي تعالج الأمراض الناتجة عنه.
يحتوي البصل بالفعل على مركبات مضادة للأكسدة مثل الكيرسيتين، ومركبات الكبريت العضوي، وله خصائص مضادة للالتهاب ومنظمة للمناعة. لكن تأثيره يظل في إطار الدعم الغذائي، ولا يرقى ليكون علاجًا بديلًا أو رئيسيًا لأي من الأمراض المذكورة.
وفيما بتعلق بالدراسة التي أعدها Beigoli وآخرون عام 2021، فإنها لا تدعم الادعاءات المتعلقة بعلاج التليف أو الصرع أو التوحد أو السكري. بل تركز على الأثر الدوائي للبصل ومكوناته على الجهاز التنفسي. إذ له دور في تخفيف أعراض الربو والتهاب الأنف التحسسي من خلال إرخاء العضلات الملساء في المجاري التنفسية وتقليل الالتهاب الرئوي والارتشاح الخلوي، وتقليل إفراز وسطاء التهابية مثل IL-4 وIL-5 وTNF-α.
وعلى الرغم من وجود بعض النتائج الإيجابية في الدراسات الحيوانية وبعض الدراسات السريرية الصغيرة، فإن الباحثين أكدوا أن الأدلة السريرية ما تزال محدودة. وبالتالي لا يمكن اعتبار البصل علاجًا معتمدًا أو بديلًا للأدوية، بل ربما مكملًا غذائيًا مساعدًا فقط، وتحت إشراف طبي متخصص.
أما بالنسبة لطرق علاج الأمراض المذكورة وفقًا للطب الحديث المعتمد، فإن:
-
الصرع: يُعالج بأدوية مضادة للتشنجات، وتوقيف العلاج قد يسبب نوبات خطرة.
-
التوحد: يُدار بتدخلات سلوكية وتعليمية متخصصة، وليس له "علاج" دوائي معروف حتى الآن.
-
التليف (مثل تليف الكبد أو الرئة): يتطلب معالجة السبب المزمن، وفي بعض الحالات زراعة عضو.
-
السكري من النوع الأول: يعتمد بشكل أساسي على الأنسولين مدى الحياة، وأي تأخير في العلاج قد يؤدي إلى مضاعفات مميتة.
-
السرطان: تشير بعض الدراسات المخبرية والحيوانية إلى أن البصل يحتوي على مركبات ذات خصائص مضادة للتأكسد والتسرطن، مثل الكيرسيتين ومركبات الكبريت العضوي. ومع ذلك، لا توجد أدلة سريرية بشرية قوية تؤكد فعاليته في علاج أو الوقاية من السرطان. الاعتماد على البصل كبديل للعلاجات الطبية المعتمدة قد يؤدي إلى تفاقم المرض.
بناء على ماسبق، فإن الترويج لشوربة البصل كعلاج بديل دون سند علمي واضح يُعد تضليلًا خطيرًا، خصوصًا إذا أدى إلى إهمال العلاجات الطبية المعتمدة، إذ إن الاعتماد على تجارب فردية أو تفسير خاطئ لدراسات علمية يُشكل تهديدًا مباشرًا لصحة المرضى.
ورق الألومنيوم وأدوات الطبخ المعدنية تسبب التوحد والصرع
تدعي رند حامد أن استخدام ورق الألومنيوم أو أدوات الطبخ المعدنية يؤدي إلى تراكم معادن ثقيلة في الجسم تسبب اضطرابات عصبية، وتقترح الكزبرة كمزيل طبيعي للمعادن.
ولكن، لا توجد أدلة علمية على أن استخدام ورق الألومنيوم في ظروف الطهي العادية يؤدي إلى تراكم سام في الجسم. التسمم بالمعادن الثقيلة يتطلب تعرضًا طويل الأمد وبجرعات مرتفعة، كما في البيئات الصناعية. أما الكزبرة فلا تُعتبر عاملًا مزيلًا للمعادن الثقيلة حسب الأدلة السريرية، والتوحد كما ذكرنا آنفًا ليس ناتجًا عن تسمم معدني، بل هو اضطراب نمائي معقد قيد الدراسة. ادعاء كهذا يشكل تشويهًا للمفاهيم البيولوجية.
الحجامة تعالج التوحد والصرع والتصلب اللويحي وتساقط الشعر
تصف رند حامد الحجامة بأنها وسيلة لإخراج السموم وتحفيز الشفاء الذاتي، وتوصي بها لعلاج أمراض مناعية وعصبية.
إلا أن الحجامة ممارسة قديمة يستخدمها البعض لتسكين الألم أو الاسترخاء، ولا تُعدّ علاجًا معترفًا به في الأوساط الطبية لأي من الحالات المذكورة. كما لا توجد تجارب سريرية تُثبت فعالية الحجامة في علاج التصلب اللويحي أو التوحد أو الصرع. والاعتماد على الحجامة بديلًا عن العلاج الدوائي يشكل خطرًا طبيًا.
المشاعر السلبية تؤدي إلى أمراض عضوية مثل تليف الكبد وجفاف الكلى واضطراب الدورة
تقول رند حامد إن الغضب يضر الكبد، والخوف يجفف الكلى، وبينما توجد علاقة بين التوتر المزمن وصحة القلب والجهاز العصبي، إلا أن الزعم بأن "الخوف يجفف الكلى" أو "الغضب يسبب تليف الكبد" لا يستند إلى أي آلية فيزيولوجية معروفة. التليف يحدث بفعل فيروسات مزمنة أو تسمم. والكلى تتأثر بمستويات الضغط والسكر، لا بالعاطفة المجردة.
المكملات الغذائية واستنشاق البخور يسببان تساقط الشعر
تحذر رند من المكملات وتدعي أنها مرهقة للكبد وتؤدي إلى تساقط الشعر، كما تلقي باللوم على الشامبو والعطور والبخور.
ولكن المكملات الغذائية لا تضر الكبد ولا تسبب تساقط الشعر عند استخدامها بشكل صحيح. بل على العكس، يمكن أن تكون جزءًا أساسيًا من علاج تساقط الشعر الناجم عن نقص الفيتامينات والمعادن. يجب الحذر فقط من الإفراط أو الاستخدام العشوائي.ولا يوجد دليل علمي يربط بين العطور أو استنشاق البخور وتساقط الشعر.
التوابل الحارة “تسخّن الكبد” وتسبب تجلط دم الدورة
تربط رند حامد بين تناول الأطعمة الحارة مثل الشطة وسخونة الكبد، وتزعم أنها تؤدي إلى تجلط الدورة الشهرية.
ولكن، لا يوجد في الطب ما يُعرف بمصطلح “سخونة الكبد”. الكبد عضو مسؤول عن استقلاب المواد الكيميائية، ولا يتأثر مباشرة بتناول أطعمة حارة. وتجلط دم الدورة مرتبط بعوامل هرمونية وتخثرية داخل الرحم، وليس له علاقة بتناول البهارات. الكابسيسين الموجود في الشطة قد يسبب تهيجًا مؤقتًا في المعدة عند بعض الأشخاص، لكنه لا يسبب تغيرات دموية تؤثر على الطمث.
الزبيب الأسود يعالج فقر الدم وتساقط الشعر
تزعم رند أن شرب شاي الزبيب الأسود يعالج فقر الدم ويمنع تساقط الشعر الناتج عنه. ولكن، مع أنّ الزبيب يحتوي على نسبة جيدة من الحديد، لكن محتواه لا يكفي لعلاج فقر الدم الناتج عن نقص الحديد، خاصة في الحالات المتقدمة. تشخيص فقر الدم يتطلب تحاليل دم دقيقة لتحديد نوعه وسببه، وعلاجه يعتمد غالبًا على مكملات الحديد بوصفة طبية. أما تساقط الشعر فله أسباب متعددة، منها نقص الحديد، لكنه قد يكون أيضًا هرمونيًا أو وراثيًا أو نفسيًا، ولا يكفي شرب الزبيب الأسود لعلاجه دون تقييم طبي.
الحجامة تقلل لزوجة الدم وتعالج تساقط الشعر
تدعي رند أن الحجامة تخلص الدم من الشوائب، وتقلل لزوجته، وتُعالج تساقط الشعر، إلا أن الحجامة لم تُثبت علميًا أنها تغير من لزوجة الدم وفق المعايير الطبية المعتمدة. لزوجة الدم تتأثر بعدد كريات الدم الحمراء وتركيز البروتينات ودرجة الجفاف، ولا تتغير بسحب كمية صغيرة من الدم من الجلد. أما تساقط الشعر، فلا علاقة علمية مثبتة بينه وبين الحجامة. وبالتالي أي تأثير إيجابي ملاحظ غالبًا ما يكون نفسيًا أو مؤقتًا، ولا يعوض العلاج الطبي المعتمد.
كما تدّعي د.رند أن القهوة تؤدي إلى جفاف الكبد وتسبب اضطرابات في العين. ولكن الدراسات تشير إلى أن الكافيين، وخاصة الموجود في القهوة، قد يكون له أثر وقائي ضد أمراض الكبد، بما في ذلك تليف الكبد وسرطان الكبد، بفضل خصائصه المضادة للأكسدة. ولا توجد أدلة طبية على أن الكافيين يسبب “جفاف” الكبد. أما تأثيره على العين، فهو محدود، وقد يرفع الضغط داخل العين بشكل طفيف في حالات نادرة عند مرضى الزرق، لكنه لا يؤدي إلى أمراض عينية مزمنة لدى الأغلبية.
النرجسية ناتجة عن تضخم في اللوزة الدماغية ويمكن عكس ذلك بتغذية خاصة
تدعي رند أن الأشخاص النرجسيين يعانون من خلل في اللوزة، وأن هذا مرض يمكن تصحيحه بأطعمة خاصة.
ولكن هذا الادعاء غير صحيح علميًا. النرجسية ناتجة عن تفاعل معقد بين عوامل نفسية وبيولوجية واجتماعية، ولا يوجد دليل على أن تضخم اللوزة يسببها. كما لا توجد أي أدلة علمية تدعم أن نظامًا غذائيًا معينًا يمكن أن يعالج النرجسية أو يغيّر بنية الدماغ المرتبطة بها. العلاج النفسي، وليس التغذية، هو الأسلوب المثبت علميًا للتعامل مع هذه الحالة.
اقرأ/ي أيضًا