علوم

الترويج لنظريات المؤامرة عبر العلوم الزائفة.. محتوى محمود صلاح مثالًا

محمود حمدي حسنمحمود حمدي حسن
date
19 أغسطس 2025
آخر تعديل
date
4:58 ص
20 أغسطس 2025
الترويج لنظريات المؤامرة عبر العلوم الزائفة.. محتوى محمود صلاح مثالًا
ادعاءات محمود صلاح الطبية قد تعرض من يصدقها لمخاطر صحية | مسبار

أشارت دراسة منشورة في مجلة بلوز وون Plose one العلمية، إلى أنّ خطر المحتوى المرتبط بنظريات المؤامرة، يكمن في أنها تجد صدى لدى فئات كبيرة من الجمهور، لأنها تتوافق مع أفكارهم المسبقة عن الموضوع المطروح.

المؤمنين بنظريات المؤامرة عادة ما يكونوا مصدقين بأفكارها بشكل مسبق
المؤمنون بنظريات المؤامرة عادة ما يكونوا مصدقين بأفكارها بشكل مسبق

كما تشير دراسة نشرت في 11 فبراير/شباط عام 2022، لدى مركز واشنطن للدمج الإداري الأميركي، إلى أنّ زيادة الاعتقاد في نظريات المؤامرة ازداد بالتزامن مع كوفيد-19، وارتفاع نسبة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بنسبة 13%، أي 330 مليون مستخدم جديد.

مع زيادة استخدام مواقع التواصل لنسبة 13% بعد كورونا تزايد الاعتقاد بنظريات المؤامرة
مع زيادة استخدام مواقع التواصل لنسبة 13% بعد كورونا تزايد الاعتقاد بنظريات المؤامرة

في هذا السياق، برز مؤخرًا اسم محمود صلاح، الذي يقدم نفسه كباحث فيما وراء الطبيعة، ويطرح سلسلة من الادعاءات التي تتراوح بين إنكار أمراض معروفة كالسرطان، والتشكيك في إنجازات علمية كهبوط البشر على القمر، وصولًا إلى الحديث عن زواحف فضائية تتحكم في العالم، ومشاريع علمية مزيفة للتحكم بالمناخ. في هذا المقال يحلل "مسبار" أبرز تلك الادعاءات ويفنّدها، بالاعتماد على التحليل والتوثيق، وفحص مدى صدقيتها العلمية، وشرح خطورة مثل هذا الخطاب على وعي الجمهور.

من هو محمود صلاح "عالم ما وراء الطبيعة"؟

يُعرّف محمود صلاح نفسه بأنه "دكتور وباحث في علم ما وراء الطبيعة"، وحاصل على "دكتوراه في الميتافيزيقا". بحث مسبار ولم يعثر على أي شهادات رسمية تفيد بحصوله على أي تخصص أكاديمي. 

يدعي محمود صلاح أنه درس الإعلام في جامعة أوستن الأميركية عام 2013
يدعي محمود صلاح أنه درس الإعلام في جامعة أوستن الأميركية عام 2013
كتب محمود صلاح في صفحته على الفيس بوك أنه حاصل على دكتوراة بالميتافيزيقا
كتب محمود صلاح في صفحته على الفيس بوك أنه حاصل على دكتوراة بالميتافيزيقا

قبل ظهور محمود صلاح كباحث فيما وراء الطبيعة، كان مهتمًا بكتابة الروايات الرعب وقدم برامج إذاعية وتلفزيونية ترفيهية، مثل برنامج "جمد قلبك" على إذاعة الشرق الأوسط، وشارك في برامج مثل "المجهول" و"علامة استفهام" و"أنا وهو وهي"، وهي برامج يغلب عليها الطابع الترفيهي والغرائبي.

وازدادت شهرته مع انتشار مقاطع قصيرة له على الإنترنت، قبل أن يتحول إلى تقديم نفسه بصفة الباحث العلمي في "الظواهر الخارقة". إذ يعتمد محتواه على الجمع بين الغرائبية والتهويل.

محمود صلاح ينكر وجود مرض السرطان

في أحد مقاطع الفيديو المتداولة من برنامج "حقيقة ولا خيال"، ينفي محمود صلاح وجود السرطان كمرض مستقل، واعتبره مجرد خلل في نمو الخلايا يمكن علاجه بسهولة بطرق طبيعية ومبنية على أنظمة غذائية، مدعيًا أنّ علاجات السرطان هي السبب الأساسي في الوفيات المتعلقة بالسرطان وليس العكس. هذا الادعاء مضلل، إذ يفتح الباب أمام المرضى للنزوح عن استخدام العلاجات الطبية المُثْبتة علميًا، ما قد يؤدي إلى نتائج سلبية على الصحة العامة. 

فوفقًا للأبحاث المنشورة في مجلات طبية موثوقة مثل The Lancet وNature Medicine، فإنّ السرطان عبارة عن "مجموعة معقدة من الأمراض الناجمة عن طفرات جينية تؤدي إلى تكاثر غير منضبط للخلايا". هذا التفسير تم تأكيده بتجارب مخبرية ومئات الآلاف من الدراسات السريرية. 

العديد من الأشخاص يموتون سنويًا بأنواع مختلفة من مرض السرطان

كما أنّ معدلات النجاة من السرطان تحسنت بشكل ملحوظ بفضل العلاجات الحديثة مثل العلاج المناعي والعلاج الموجه، وهو ما يتناقض جذريًا مع ادعاءات صلاح. هذا الادعاء يتجاهل حقيقة علمية وطبية راسخة، إذ يُعرّف المعهد الوطني للسرطان NCI، بأنه "مجموعة أمراض تنشأ نتيجة نمو غير طبيعي للخلايا ينتشر بشكل غير منضبط، وقد يغزو أنسجة وأعضاء أخرى". كما أن تطور العلاجات الموجهة والعلاجات المناعية يعتمد بشكل أساسي على فهم الطفرات الجينية المسببة له.

تتبنّى بعض المزاعم المضللة مقولات مثل أنّ "السرطان ليس مرضًا حقيقيًا "، وأنّ "العلاج الطبي كيميائيًا أو إشعاعيًا يقتل المرضى، وليس المرض نفسه"، وتروّج لفكرة أن العلاجات الطبيعية وحدها كافية.

هذه الادعاءات لا ترتكز على أدلة علمية دقيقة، إذ إنّ السرطان مُعترف به كمرض نسيجي نموذجي، يُعرف بظهور نمو خبيث للخلايا مفرطة الانقسام، وقد وُثّق بدقة عبر العديد من الدراسات الطبية حول الطفرات الجينية وتكوّن الأورام وانتقالها.

الادّعاء بأن العلاج هو الذي يسبب الوفاة وليس الورم، لا يجد أساسًا في المجال العلمي. فالدراسات السريرية أظهرت أن من اختاروا العلاج الطبيعي فقط، ورفضوا العلاج التقليدي كانوا أكثر عرضة للوفاة المبكرة، خاصة في أنواع السرطان القابلة للعلاج مثل سرطان الثدي، القولون والرئة، إذ كانت احتمالات البقاء على قيد الحياة منخفضة بشكل واضح في حال الاعتماد على العلاجات الطبيعية دون الطب التقليدي.

لا ينصح الطب باللجوء إلى علاجات الطب البديل لأسباب تتعلق بموت المستخدمين أحيانًا

بالرغم من أن العلاج الكيميائي والإشعاعي قد يُضعف جهاز المناعة مؤقتًا، إلا أن الهدف منه قتل الخلايا شديدة الانقسام. ويجري أثناء العلاج مراقبة المرضى واستخدام مضادات العدوى عند الضرورة.

في السياق ذاته، ظهرت فئة جديدة من العلاجات الطبية تعرف باسم العلاج المناعي immunotherapy، يعمل على تحفيز جهاز المناعة ذاته ليهاجم الخلايا السرطانية بفعالية أكبر، ويحسّن معدلات النجاة، وهو جزء من التوجّهات الحديثة لعلاج السرطان ضمن مجموعة تكميلية، وليس معاديًا للمناعة.

علاجات جديدة مثل العلاج المناعي  يعمل على التقليل من خطر الوفاة لمريض السرطان
علاجات جديدة مثل العلاج المناعي يعمل على التقليل من خطر الوفاة لمريض السرطان

فعلى سبيل المثال، دراسة Yale/NCI لقاعدة البيانات الوطنية في الولايات المتحدة الأميركية، وجدت أن المرضى الذين اختاروا العلاج البديل فقط، كانوا أكثر عرضة للوفاة بنسبة تصل إلى خمسة أضعاف بعد خمس سنوات، مقارنة بمن تلقوا العلاج الطبي المعتاد، خاصة في سرطان الثدي والقولون والرئة، بينما لم تُظهر اختلافًا ذا شأن في سرطان البروستات منخفض المرحلة حيث المراقبة النشطة قد تكون مناسبة.

دراسات تفيد بعدم الاعتماد على علاجات الطب البديل وحده في علاج السرطان لأخطار عديدة
دراسات تنصح بعدم الاعتماد على علاجات الطب البديل وحده في علاج السرطان لأخطار عديدة

علاوة على ذلك، لا يُعَالج الطب الحديث فقط بالكيميائي والإشعاعي، بل يتضمّن أيضًا التدخلات النمطية غير الجراحية مثل التمارين الرياضية المهيكلة، التي أظهرت فوائد كبيرة، وفقًا لدراسة عشوائية تابعة لـ New England Journal of Medicine شملت ٨٨٩ مريضًا بعد علاج سرطان القولون، وُجد أن المجموعة التي التزمت ببرنامج تمارين لمدة ثلاث سنوات قلَّ لديهم خطر الانتكاس بنسبة ٢٨ ٪ وخطر الوفاة الإجمالية بنسبة ٣٧ ٪ مقارنة بمجموعة التحكم، ما يمثل دليلًا واضحًا وعمليًا، على أهمية التدخلات الطبيعية كنقيض للعلاج البديل دون الطب، ولكن كتكملة معه.

تنامت مؤخرًا علاجات جديدة للحد من خطر مرض السرطان
تنامت مؤخرًا علاجات جديدة للحد من خطر مرض السرطان

محمود صلاح يعيد تداول مزاعم عدم الهبوط على القمر

تداول صلاح ادعاء آخر، يفيد بأن هبوط أبولو 11 على القمر عام 1969 كان مجرد خدعة صُوّرت في استوديوهات مغلقة بمساعدة المخرج الشهير ستانلي كوبريك. واستشهد محمود صلاح بمقطع فيديو يُظهر رجلًا يشبه كوبريك، زاعمًا أنه توثيق لاعترافه بهذا الادعاء شخصيًا. 

لم يعترف كوبريك بتزويره فيديو الهبوط على القمر

لم يكن صلاح أول من أنكر هبوط البشر على القمر، فهو ادعاء متداول منذ عشرات السنين، ويتم تداوله على لسان العديد من مروجي نظريات المؤامرة حول العالم، بدون إسناد علمي أو دراسات موثوقة، تدعم ادعاءاتهم. وقد كرره صلاح من جانبه، أكثر من مرة في أكثر من ظهور.

يستخدم محمود صلاح مقاطع فيديو مضللة لدعم ادعاءاته

ستانلي كوبريك اعترف بتزييف الهبوط على القمر!

استشهد صلاح بمقطع فيديو يدعي فيه أن المخرج الأميركي الشهير، ستانلي كوبريك، اعترف بتعاونه مع وكالة ناسا لتزييف مشاهد هبوط أبولو 11. لكن بالبحث في أصل الفيديو، وجد فريق مسبار أن المقطع مقتبس من فيلم وثائقي ساخر بعنوان Shooting Stanley Kubrick، صدر عام 2015، حيث يؤدي الممثل توم مايك دور كوبريك، ويظهر في أكثر من مشهد أن المحاور يناديه باسمه الحقيقي "توم"، بالإضافة إلى مشاهد تكسر الحاجز التمثيلي بشكل واضح. 

مقطع من وثائقي عن ستانلي كوبريك

اختلاف آثار أقدام بدلة نيل أرمسترونغ عن صور ناسا الرسمية

يروّج صلاح لفكرة أن آثار أقدام نيل أرمسترونغ الظاهرة في صور الهبوط تختلف عن نعل بدلته الفضائية المعروضة حاليًا. لكن هذه الصور تعود إلى وثائقي للمصور فيل بلايت عام 2015، حيث كانت البدلة في مرحلة ترميم، وأظهرت الصور حذاءً إضافيًا كان يُستخدم أثناء الهبوط ثم تم التخلص منه لتقليل الوزن عند العودة. 

في سياق آخر، بالنسبة لاختلاف آثار الأقدام على سطح القمر، فقد أوضحت وكالة ناسا أن رواد الفضاء كانوا يرتدون أغطية إضافية على الأحذية تُزال قبل العودة لتقليل الوزن وإتاحة مساحة لحمل العينات. الصور المحفوظة في أرشيف ناسا وفي مشروع Reboot The Suit تؤكد تطابق آثار الأقدام مع تصميم النعل، وهي صورة منتشرة بعد أن قام المصور فيل بلايت بمشروع إعادة ترميم بدلة نيل أرمسترونغ في عام 2015 في وثائقي عمل عليه.

لقطات لأول خطوات خطت على سطح القمريستخدم محمود صلاح صور منتقاة ومنزوعة من سياقها ليدعم بها ادعاءاته الزائفة

وعند التدقيق في الصور، يظهر أن البدلة قد رُمّمت بالفعل، وأن آثار الأقدام الموجودة في الصور هي آثار إضافات للحذاء تم التخلص منها للتخفيف من الوزن أثناء العودة لإتاحة حمل عينات أكثر لدراستها فيما بعد. أيضًا يظهر الحذاء في بعض الصور التي نشرتها ناسا مطابقًا لحجم وشكل آثار الأقدام.

أول بدلة ارتداها رواد الفضاء في التاريخ
أول بدلة ارتداها رواد الفضاء في التاريخ

ما مدى صحة نظرية وجود كائنات فضائية وجوفية؟

كرر صلاح رواية وجود زواحف فضائية تتحكم في العالم، وهي نظرية نشرها الكاتب البريطاني ديفيد آيك في كتابه The Biggest Secret، الذي زعم فيه أن شخصيات سياسية واقتصادية بارزة مثل جورج بوش وبيل كلينتون وإيلون ماسك هم في الحقيقة كائنات زاحفة متخفية. 

هذه النظرية لا تستند إلى أي دليل علمي موثق. ويدعي صلاح أن "زواحف فضائية" تتحكم في الحكومات العالمية، مشيرًا إلى شخصيات مثل جو بايدن وإيلون ماسك. مستندًا إلى أفكار ديفيد آيك في كتابه The Biggest Secret، إذ ادعى وجود عرق من الزواحف متحول الشكل Reptilians يتخفى كبشر ويحكم العالم سرًا.

تاريخ نظرية الكائنات المسيطرة على الأرض تعود لقرون سابقة وهي إعادة لمعتقدات شعبية قديمة
تاريخ نظرية الكائنات المسيطرة على الأرض تعود لقرون سابقة وهي إعادة لمعتقدات شعبية قديمة

وبحسب دراسة في المجلة البريطانية فإن هذه النظريات تعزز الشعور بالعجز وتقلل من إقبال الناس على المشاركة السياسية الإيجابية، ما يجعل عواقبها المعرفية وخيمة على الوعي العام.

دراسات تؤكد التأثير السلبي لنظريات المؤامرة على الوعي الجمعي للجمهور
دراسات تؤكد التأثير السلبي لنظريات المؤامرة على الوعي الجمعي للجمهور

حقيقة وجود كائنات جوفية

من أكثر الادعاءات التي يروّج لها محمود صلاح هي وجود كائنات فضائية تسكن باطن الأرض، والتي يسميها أحيانًا بـ"الكائنات الجوفية". وقد ذكر في لقاء تلفزيوني في حلقة من برنامج "حقيقة ولا خيال" بتاريخ 27 إبريل/نيسان عام 2024، أنه شاهد بنفسه أحد هذه الكائنات في منطقة عين شمس بالقاهرة، لكنه لم يتمكن من تصويره لأن "سكان المنطقة تخلصوا منه ورفضوا انتشار الموضوع". هذا الادعاء يجمع بين رواية شخصية غير قابلة للتحقق، وبين إعادة تدوير لنظريات مؤامرة يتجدد تداولها بشكل مستمر.

نظريات "الكائنات الجوفية" Hollow Earth Theory ظهرت منذ القرن السابع عشر، مع تخمينات بعض الجغرافيين بأن الأرض قد تكون مجوفة وتحتوي على عوالم داخلية مأهولة. ومع مرور الوقت، تبنتها مجموعات هامشية وربطتها بأساطير شعوب قديمة عن "كائنات تحت الأرض". في العصر الحديث، أعادت منتديات على الإنترنت هذه النظرية إلى الواجهة، وغالبًا ما ترتبط بتفسيرات حول الأطباق الطائرة أو قواعد سرية تحت الأرض تديرها حكومات.

ظهرات نظرية الكائناات الجوفية للأرض منذ بدايات القرن السابع عشر ولا تزال متدوالة
ظهرت نظرية الكائناات الجوفية للأرض منذ بدايات القرن السابع عشر ولا تزال متداولة

في السياق ذاته، لا يوجد أي دليل جيولوجي يدعم فكرة الأرض المجوفة أو وجود كائنات حية كبيرة في طبقاتها الداخلية. بل أظهر البحث أنّ الادعاء ينافي الحقائق العلمية البحتة، إذ إن جميع الدراسات الزلزالية التي تجريها وكالات علمية كبرى مثل هيئة المسح الجيولوجي الأميركية USGS، والمرصد الجيوفيزيائي الفرنسي تؤكد أن باطن الأرض يتكون من طبقات صلبة وسائلة معروفة التركيب (القشرة، الوشاح، اللب الخارجي السائل، واللب الداخلي الصلب).

أيضًا، لم تُسجل أي عمليات رصد علمية لكائنات حية كبيرة الحجم داخل الأرض، وكل ما وُثّق من كائنات تعيش في أعماق باطن الأرض يقتصر على أنواع من البكتيريا والفطريات الدقيقة.

فيما تعود جذور "نظرية الأرض المجوفة" إلى أواخر القرن السابع عشر، عندما اقترح الفلكي الإنجليزي إدموند هالي أن الأرض مكوّنة من قشرة خارجية وطبقات داخلية منفصلة تفصل بينها أغلفة جوية، محاولًا تفسير تشوهات المجال المغناطيسي حينها.

لاحقًا، في أوائل القرن التاسع عشر، روّج الأميركي جون كليڤز سيمز جونيور لفكرة وجود فتحات ضخمة عند القطبين تسمح بالدخول إلى باطن الأرض، زاعمًا وجود عوالم داخلية، لكنها كانت فرضيات خيالية لا تعتمد في مضمونها على أساس علمي موثوق، أو دراسات علمية منشورة ومحكّمة. 

وعلى الرغم من أن هذه النظرية تطورت في أدبيات الخيال العلمي مثل رواية "رحلة إلى مركز الأرض" لجول فيرن، فإنها لم تحظَ بأي دعم علمي حقيقي.

العلم الحديث حسم هذا الجدل بشكل قاطع. فقد أثبتت الدراسات الزلزالية كدراسة هيئة المسج الجيولوجي الأميريكية USGS أن الأرض مكوّنة من طبقات متداخلة: القشرة والوشاح واللب الخارجي السائل واللب الداخلي الصلب. قياس الموجات الزلزالية عند حدوث الزلازل يكشف اختلاف سرعة وانتقال الموجات بحسب كثافة هذه الطبقات، وهو ما يتعارض تمامًا مع فكرة وجود فراغ داخلي أو تجويف كبير.

لم تثبت أية دراسات علمية نظريات الكائنات الجوفية حتى الآن
لم تثبت أية دراسات علمية نظريات الكائنات الجوفية حتى الآن

كما أن قياسات الكثافة والجاذبية منذ القرن الثامن عشر، مثل تجربة جبل Schiehallion، التي أجراها عالم الجيولوجيا نيفيل ماسكيلين في 1774، باستخدام الجبل، أظهرت نتائجها أنّ كتلة الأرض مُوّزعة بشكل يتفق مع جسم صلب عالي الكثافة وليس قشرة مجوفة. إضافة إلى ذلك، يعتمد توليد المجال المغناطيسي للأرض على حركة المعدن المنصهر في اللب الخارجي في عملية تُعرف بالدينامو الأرضي، وهي عملية مستحيلة الحدوث إذا كانت الأرض فارغة داخليًا.

نظريات هروب هتلر إلى باطن الأرض لا تزال متداولة حتى الآن منذ وفاته
نظريات هروب هتلر إلى باطن الأرض لا تزال متداولة حتى الآن منذ وفاته

كما تدحض الظواهر الجيولوجية مثل البراكين وحركة الصفائح التكتونية هذه النظرية بشكل مباشر، إذ إنّ هذه الظواهر تنتج عن حرارة عالية وتدفق مواد منصهرة داخل الأرض، وهي عمليات لا يمكن تفسيرها في حالة وجود فراغ داخلي كبير.

وأخيرًا، هناك أمثلة عديدة لصور الأقمار الصناعية تُظهر القطبين الشمالي والجنوبي بتفاصيل دقيقة. ورغم أن المستكشفين المسافرين إلى القارة القطبية الجنوبية مُلزمون بإخطار جهات تنفيذية بخططهم، مثلًا إن المستكشفين الأميركيين ملزمون بإخطار وزارة الخارجية برحلتهم، إلا أنه لا يزال بإمكانهم الوصول إلى القطب الجنوبي (والشمالي) بشكل مستقل أو على متن رحلات بحرية أو طائرات أو بالونات تُديرها شركات السفر.

صور حصرية للقطب الجنوبي التقطها الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات
صور حصرية للقطب الجنوبي التقطها الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات

أما الادعاء بوجود "كائنات جوف أرضية" أو "حضارات داخل الأرض" كما روجت شخصيات عديدة عبر التاريخ منها محمود صلاح وغيره من مروّجي نظريات المؤامرة، مبني على خيال علمي وأساطير شعبية قديمة لا تعتمد على أساس علمي، إذ تُؤّسَس مزاعمهم على انتقاد كل المُسّلمات العلمية. فلا توجد أي أدلة أثرية أو بيولوجية أو حتى إشارات علمية تؤكد وجود حياة ذكية داخل الأرض، كما أن الظروف الفيزيائية والحرارية الهائلة في الوشاح واللب تجعل استحالة الحياة هناك أمرًا مؤكدًا علميًا. 

خطورة هذه الادعاءات على الوعي الجمعي

لا تكمن خطورة هذه الادعاءات فقط في كونها زائفة أو غير موثوقة، بل في الأسلوب الذي تُقدَّم به. إذ يستخدم صلاح لغة قطعية توحي بأن لديه معلومات سرية أو مسربة، ما يعطي الجمهور انطباعًا زائفًا بالصدقية. هذا الأسلوب يضعف الثقة في المؤسسات العلمية والصحية، ويشجع على سلوكيات خطيرة، مثل النأي عن العلاجات الطبية المختبرة أو تصديق سيناريوهات خيالية عن مؤامرات عالمية. تُعدّ نظريات المؤامرة من أبرز التحديات المعرفية التي تهدد الوعي العام، خصوصًا في زمن تنتشر فيه منصات النشر غير المحكومة بالتحقق أو التخصص. 

من جانبه، يشير علم النفس والاجتماع إلى أن تبني نظريات المؤامرة يرتبط بزيادة مشاعر القلق والعجز، ويؤدي إلى فقدان الثقة بالمؤسسات العلمية والصحية والإعلامية، ما يُضعف من قدرة المجتمعات على مواجهة الأزمات بشكل عقلاني ومنظم.

الخطورة في هذا النوع من المحتوى لا تكمن فقط في غياب المصادر، بل في الأسلوب المعتمد على التهويل والتكرار الممنهج، إذ تُعرض هذه الادعاءات كأنها معلومات مؤكدة أو مسرّبة من "مصادر خاصة"، ما يُفقد الجمهور القدرة على التمييز بين الحقيقة والشائعة. كما تُسهم هذه السرديات في زعزعة ثقة الناس في المصادر الرسمية، وتغذي مناخًا من التشكيك والذعر الجماعي دون أي مبرر واقعي.

ففي دراسة منشورة عام 2021 Current Opinion in Psychology، وجد الباحثان Douglas & van Prooijen، أن الإيمان بنظريات المؤامرة يرتبط بانخفاض الالتزام بالسلوكيات الصحية العامة، مثل تلقي اللقاحات أو اتباع التعليمات الوقائية خلال الجائحات، كما يسهم في تغذية الانقسام السياسي والاجتماعي.

وحجدت دراسة أن هناك ترابط ما بين استخدام اللقاحات وما بين الاعتقاد في نظريات المؤامرة
وحدت دراسة أن هناك ترابطًا بين استخدام اللقاحات وما بين الاعتقاد في نظريات المؤامرة

أما من الناحية الإدراكية، فإن الأفراد الذين يؤمنون بمؤامرات كبرى يكونون أكثر ميلًا لتبني تفسيرات غير مثبتة علميًا، ويطورون مقاومة معرفية ضد الأدلة المضادة، وهو ما يُعرف في علم النفس الإدراكي بـ "التحصين المعرفي العكسي" Motivated Reasoning.

التحصين المعرفي هو إحدى آثار الاعتقاد في نظريات المؤامرة مما يجعلها صعبة التفكيك أو التفنيد
التحصين المعرفي هو أحد آثار الاعتقاد بنظريات المؤامرة ما يجعلها صعبة التفكيك أو التفنيد

ويُعد الخطاب الذي يروّجه محمود صلاح نموذجًا معاصرًا لهذا النمط من التفكير، إذ يُقدَّم للمتلقي في صورة معلومات يقينية، تُختزل فيها الأحداث العلمية والكونية الكبرى ضمن قوالب مؤامراتية جذابة، لكنها خالية من الدليل ومكتفية بالتهويل. تتضاعف خطورة هذا النمط حين يُقدم تحت عباءة البحث أو "العلم البديل"، ما يمنح الجمهور إحساسًا زائفًا بالاطمئنان، ويقلل من فرص التفاعل مع المعرفة العلمية الصحيحة.

ومع انتشار مثل هذا الخطاب على مواقع التواصل الاجتماعي، تزداد الحاجة إلى تعزيز التربية الإعلامية والوعي العلمي لدى الجمهور. فالمجتمع العلمي وحده لا يستطيع مقاومة زحف المعلومات الزائفة دون بنية معرفية نقدية لدى المتلقي.

في هذا السياق، تبرز أهمية منصات التحقق والتحرير العلمي، لا بوصفها أدوات كشف للزيف فقط، بل كوسائط تنويرية تساعد في بناء مناعة معرفية مستدامة ضد تأثيرات التضليل والمعلومات المضللة.

اقرأ/ي أيضًا

نظريات المؤامرة حول شركات الأدوية: ما تأثيرها على الصحة العامة والثقة المجتمعية؟

الدوافع النفسية والاجتماعية وراء تصديق الادعاءات المرتبطة بنظريات المؤامرة

المصادر

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar