دراسة تحذر من دور اليمين المتطرف في عرقلة جهود مكافحة التضليل
حذرت ورقة بحثية حديثة نُشرت في 17 أغسطس/آب الجاري، من التهديد المتنامي الذي تشكله عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض على جهود مكافحة التضليل المعلوماتي، وذلك من خلال تطبيق استراتيجية ممنهجة لتقويض المؤسسات العلمية باسم "حماية حرية التعبير".

تشير الورقة البحثية المنشورة في مجلة المحددات الاجتماعية للصحة وخدمات الصحة، إلى أن "مشروع 2025" - الذي طورته مؤسسة "هيريتيج" الأميركية المحافظة - يمثل خارطة طريق لتغييرات محافظة جديدة في أميركا، تستهدف بشكل مباشر الأبحاث الأكاديمية حول التضليل المعلوماتي.
وتفيد الورقة إلى أنه منذ تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب فترة رئاسته للبيت الأبيض للمرة الثانية، نفّذت إدارته إجراءات عملية لوقف هذه الأبحاث. فقد ألغت وزارة الدفاع مشاريع بحثية حول التضليل والتطرف العنيف وتغير المناخ، كما أُجبر مرصد ستانفورد للإنترنت، الذي اشتهر بأبحاثه حول التضليل الانتخابي، على إغلاق أبوابه بعد تعرضه لدعاوى قضائية واستدعاءات من الكونغرس.
وبحسب الورقة، فإن المعاهد الوطنية للصحة أنهت 800 مشروع بحثي يتعلق بمواضيع حساسة مثل تناول اللقاحات المضادة وصحة وفايروس نقص المناعة المكتسبة والتضليل المعلوماتي.
في السياق ذاته، تدّعي وثيقة مشروع 2025 أن مفاهيم مثل المعلومات المضللة والتضليل هي أدوات قمعية تحد من حرية التعبير وتنتهك التعديل الأول للدستور الأميركي. كما تطالب بحظر أجهزة الاستخبارات من مراقبة ما تسميه "التضليل المحلي"، معتبرة أن مثل هذه الأنشطة قد تنزلق إلى قمع خطاب المعارضة.

وتستشهد الورقة البحثية بالنموذج المجري كمثال على الطريقة التي يمكن أن تؤثر بها الشعبوية اليمينية على الحريات الأكاديمية والصحة العامة. ففي المجر، أدخل فيكتور أوربان آليات انتخابية تضمن لحزبه "فيديس" أغلبية برلمانية طويلة الأمد، وأجرى إصلاحات دستورية عززت سيطرته على المحكمة الدستورية.

هذا التراجع الديمقراطي أثّر سلبًا على الحرية الأكاديمية وصحة السكان، إذ استطاعت الحكومة المجرية استخدام أدوات الحوكمة الخطابية لإخفاء النتائج الصحية السلبية أثناء جائحة كوفيد-19، من خلال آلية السيطرة المعلوماتية المركزية التي أنشأها أوربان وحزبه خلال قرابة 15 عامًا من الحكم، حسب استنتاجات الورقة البحثية.

تحويل الصحة العامة والتضليل المعلوماتي إلى سلاح سياسي
يشير الباحثون إلى أن الخطر الأكبر يكمن في "السياسة المفرطة" للصحة العامة، حيث تصبح الحقائق العلمية والتقنية مجرد مواقف سياسية. هذا التوجه يهدد بتقويض الشراكة بين المجتمعات والعاملين في مجال الصحة العامة، ويحد من دور هؤلاء المهنيين كوسطاء صادقين وأصوات خبيرة موثوقة.
الأمر الأكثر خطورة، بحسب الدراسة، هو أن تجريم دحض المعلومات المضللة والزائفة حول تغير المناخ أو فعالية اللقاحات، إذا تعارضت مع موقف الحكومة، قد يؤدي إلى منع النقد العلمي المشروع، القائم على الأدلة.
وعليه، تخلص الدراسة إلى أن المخاطر التي تواجه الفضاء العام في الديمقراطيات المعاصرة لم تعد تقتصر على هيمنة التكنوقراطية على الديمقراطية والحقوق الجماعية. بل تحولت إلى خطر ما يسمى بـ"السياسة المفرطة" العدوانية التي تحمل سمات استبدادية ومعادية للديمقراطية والعلم. إذ إن الهجوم على الدور النقدي للعلم والخبراء في النقاش العام، ووصم أولئك الذين يقاومون علنًا التأثيرات الضارة للتضليل، يمثلان علامات إنذار مبكر لتزايد ثقل هذا الخطر على المجتمعات.
مخاطر استخدام اليمين المتطرف للتضليل المعلوماتي في خطابه السياسي
وكان قد نشر "مسبار" في فبراير/شباط الفائت، تقريرًا عن دراسة حديثة، أفادت بأنّ السياسيين المنتمين إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة هم الأكثر ميلًا إلى نشر الأخبار الزائفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مقارنةً بنظرائهم في الأحزاب اليسارية أو الأحزاب التقليدية. واعتبرت الدراسة أن التضليل المعلوماتي أصبح عنصرًا محوريًا في الاستراتيجية السياسية لليمين المتطرف، بهدف إعادة تشكيل الرأي العام وتوجيهه بما يخدم أجنداته.
الدراسة التي أجراها الباحثان بيتر تورنبيرغ من جامعة أمستردام وجوليانا تشويري من جامعة فريي في هولندا، اعتمدت على تحليل أكثر من 32 مليون منشور على إكس نشرها أعضاء برلمانات في 26 دولة، خلال الفترة ما بين 2017 و2022، شملت الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا. وبعد مقارنة المحتوى بمصادر إعلامية مصنفة بحسب الموثوقية، تبيّن أن الانتماء إلى اليمين المتطرف يعد المؤشر الأقوى على نشر المعلومات المضللة.
وبخلاف الفرضية القائلة إن جميع الأطراف السياسية تنخرط في التضليل بنفس الدرجة، أشارت النتائج إلى أن الأحزاب اليسارية، بما فيها الشعبوية، أقل انخراطًا في ترويج الأخبار الكاذبة. وهو ما يوضح أن الشعبوية ليست العامل الأساسي وراء هذه الممارسات، بل الأيديولوجيا الإقصائية التي يتبناها التيار اليميني المتطرف، والتي تقوم على التشكيك في المؤسسات الديمقراطية والترويج لنظريات المؤامرة وتعزيز مناخ عدم الثقة، بحسب الدراسة.
كما لفتت الدراسة إلى أن استراتيجيات اليمين المتطرف تتجاوز نشر الأخبار الكاذبة، لتشمل بناء "بيئة إعلامية بديلة" موازية. وتشمل هذه البيئة مواقع إخبارية غير موثوقة، مدونات، وقنوات على يوتيوب، تعمل مجتمعة على تكرار السرديات نفسها وتوسيع انتشارها في الفضاء العام.
في السياق ذاته، نشر فريق مسبار تقريرًا حول انتشار أدوات الإعلام البديل لليمين واليمين المتطرف ونشرهم للتضليل المعلوماتي، إذ بيّن تقرير صادر عن مركز بيو للأبحاث أن أكثر من 15% من الحسابات المؤثرة على هذه المنصات تعود لأشخاص محظورين من الشبكات الكبرى، بمن فيهم ترامب. كما أن 66% من مستخدمي هذه المنصات المنتظمين يعرّفون أنفسهم بأنهم جمهوريون أو ميالون للحزب الجمهوري، ما يعكس دورها في تعزيز الخطاب الإقصائي والتحريضي.
وظهر مصطلح ALT-TECH ليعبر عن منصات التواصل الاجتماعي التي تلقى رواجًا لدى حركات وأحزاب اليمين واليمين المتطرف، فضلًا عن جماعات متطرفة أخرى. وقد تحولت هذه المنصات إلى فضاءات خصبة لانتشار المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة، بفضل ضعف الرقابة عليها وتركيزها على مفهوم حرية التعبير، بغض النظر عن طبيعة المحتوى. ومن أبرز هذه المنصات 4CHAN ، BitChute، Gab، Gettr، Parler، Rumble، Telegram تليغرام، إضافة إلى منصة Truth Social التابعة للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
تختلف هذه المنصات عن شبكات التواصل التقليدية من حيث إدارة المحتوى، ولا سيما المحتوى المعدل أو المضلل. فالمواقع الكبرى مثل إكس ويوتيوب تفرض سياسات صارمة على المواد المزورة أو المسربة من مصادر مخترقة، في حين تتسم منصات مثل BitChute وParler بغياب القيود تقريبًا على نوعية المحتوى المنشور. وفقًا لدراسة منشورة على موقع SocArXiv عام 2021 بعنوان "تقييم سياسات وممارسات إدارة المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي البديلة".
ويمثل الموقف من خطاب الكراهية أحد أبرز الفوارق مواقع التواصل التقليدية وغيرها من منصات الإعلام اليميني البديل، إذ تُصنّفه المنصات التقليدية ضمن المخالفات الجسيمة التي قد تصل إلى حد التجريم، بينما تغيب الإشارة إليه في سياسات بعض المنصات البديلة. فمثلًا، تنص سياسة يوتيوب على إزالة أي محتوى يحرض على العنف أو الكراهية ضد أفراد أو جماعات، في حين لا يتضمن BitChute مثل هذا التقييد.

اقرأ/ي أيضًا
كيف تستخدم مجموعات اليمين المتطرف الذكاء الاصطناعي لتوليد محتوى يحض على الكراهية؟
الفيديو قديم وليس لبكاء مارين لوبان بعد خسارة اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية




















