أخبار

كيف تبرر إسرائيل استهداف الصحفيين والمسعفين والمدنيين في مجمع ناصر الطبي؟

فاطمة الخطيبفاطمة الخطيب
date
25 أغسطس 2025
آخر تعديل
date
10:14 ص
26 أغسطس 2025
كيف تبرر إسرائيل استهداف الصحفيين والمسعفين والمدنيين في مجمع ناصر الطبي؟
قتلت إسرائيل 5 صحفيين خلال استهدافها لمستشفى ناصر الطبي | مسبار

لم يكن استهداف مجمع ناصر الطبي في خان يونس، يوم الاثنين 25 أغسطس/آب الجاري، حدثًا معزولًا، بل حلقة جديدة في سلسلة ضربات إسرائيلية طاولت منذ بداية الحرب الصحفيين والمسعفين والمنشآت الطبية.

وأودى القصف الأخير بحياة نحو 20 فلسطينيًا، بينهم خمسة صحفيين، وهم: محمد سلامة مصور قناة الجزيرة، وحسام المصري المتعاقد مع وكالة رويترز، ومريم أبو دقة المتعاونة مع وكالة أسوشيتد برس وإندبندت عربية، ومعاذ أبو طه المتعاون مع شبكة "إن بي سي" الأميركية، وأحمد أبو عزيز، الذي يعمل مع شبكة قدس فيد ووسائل أخرى، وعدد من أفراد الطواقم الطبية والدفاع المدني، فضلًا عن مرضى ومصابين كانوا داخل المستشفى، في حصيلة أولية تشير أيضًا إلى وقوع عشرات الجرحى.

ورغم أن الوقائع الميدانية تكشف هوية الضحايا وطبيعة المنشأة المدنية، إلا أن إسرائيل كررت مرة جديدة خطابها المعتاد في مثل هذه الحوادث: إعلان "تحقيق أولي"، التعبير عن "الأسف" لما تصفه بـ"إصابة غير المتورطين"، والتشديد على أنها "تحرص على تقليص المساس بالمدنيين".

في هذا المقال، يتتبع "مسبار" التصريحات الرسمية الإسرائيلية عقب مجزرة مجمع ناصر الطبي الأخيرة، ويقارنها بما وثقه بث مباشر من داخل المستشفى للحظات الأولى للاستهداف. كما يستعرض المقال نماذج من استهدافات سابقة لصحفيين ومسعفين، أطلقت إسرائيل بعدها المزاعم ذاتها التي تكررها اليوم، في مقابل تحقيقات مستقلة أكّدت تعمدها استهداف المدنيين والطواقم الإعلامية والطبية.

الردود الرسمية الإسرائيلية

في أعقاب استهداف مجمع ناصر الطبي في خان يونس، نشر الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، ورئيسة قسم الإعلام العربي في الجيش، الكابتن إيلا، بيانًا متطابقًا عبر حسابيهما على منصة "إكس" عند الساعة 1:43 ظهرًا، جاء فيه أن الجيش "نفذ ضربة في محيط مستشفى ناصر"، وأن رئيس الأركان أيال زامير وجّه بإجراء "تحقيق أولي في أقرب وقت ممكن".

منشور أفيخاي أدرعيمنشور الكابتن إيلا

وأكد البيان أن جيش الاحتلال "يعرب عن أسفه لأيّ إصابة في صفوف غير المتورطين"، وأنه "لا يوجّه ضرباته نحو الصحفيين بصفتهم هذه"، مشددًا على أنه "يعمل قدر الإمكان على تقليص المساس بالمدنيين مع الاستمرار في الحفاظ على أمن قواته".

أما حساب "إسرائيل بالعربية" فنشر البيان نفسه، لكنه قدّم له بعبارة: "جيش الدفاع يحقق في ضربة بخان يونس ويؤكد حرصه على عدم استهداف المدنيين".

منشور إسرائيل بالعربية

ومساء الاثنين، أصدرت السلطات الإسرائيلية بيانًا رسميًا عن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أعربت فيه عن "أسفها العميق للحادث المأساوي الذي وقع اليوم في مستشفى ناصر بغزة".

وأشار البيان إلى أن إسرائيل "تقدر عمل الصحفيين والطاقم الطبي وجميع المدنيين"، وزعم أن السلطات العسكرية تجري تحقيقًا شاملًا في الحادثة. في تكرار واضح للغة التبرير ذاتها التي اعتمدتها البيانات الإسرائيلية عقب استهدافات سابقة لصحفيين ومسعفين ومنشآت مدنية.

بيان مكتب رئيس الوزراء نتنياهو بعد مجرزة مستشفى ناصر
بيان مكتب رئيس الوزراء نتنياهو بعد مجزرة مستشفى ناصر

بث مباشر يوثٌق استهداف الصحافيين وطواقم الدفاع المدني في غزة

وثّق بث مباشر لمراسل قناة الغد، الصحفي إبراهيم قنن، لحظة استهداف إسرائيل الطواقم الطبية والصحفيين في مجمع ناصر الطبي. وشوهدت في البث مجموعة من رجال الدفاع المدني وهي تحاول إنقاذ الصحفي حسام المصري بعد إصابته، بينما كان عدد من الصحفيين يوثقون الحادثة. ولم تمض سوى لحظات حتى استهدف قصف مباشر الموجودين في المكان، مما أسفر عن سقوط ضحايا وإلحاق أضرار كبيرة بالمبنى الذي كانوا فيه.

وأفاد قنن خلال تغطيته، أن القصف كان عنيفًا ومدمرًا، واستهدف بشكل واضح الدفاع المدني ومجموعة الصحفيين، وهو ما يتناقض بشكل مباشر مع الرواية الإسرائيلية، التي تدعي عدم تعمد الجيش الإسرائيلي استهداف الصحفيين والمسعفين.

وثق بث مباشر لقناة الغد لحظة استهداف صحافيين وطواقم دفاع مدني في مستشفى ناصر في غزة اليوم الاثنين
وثق بث مباشر لقناة الغد لحظة استهداف صحفيين وطواقم دفاع مدني في مستشفى ناصر في غزة اليوم الاثنين

وفي شهادة خاصة لـ"مسبار"، روى إبراهيم قنّن أن الاستهداف وقع عند الساعة العاشرة صباحًا، عندما كان المصور حسام المصري، الذي يعمل مع وكالة رويترز، يصوّر من أعلى مبنى في مجمع ناصر الطبي، وهو موقع معروف للجيش الإسرائيلي كونه نقطة تغطية دائمة لرويترز ووكالات دولية نصبت فيه كاميراتها.

ووفقًا للقنن، فقد أصاب انفجار أوّل المبنى موديًا بحياة المصري ومتسببًا في إصابة صحفيين آخرين، بينما كان عدد من الصحافيين على الدرج الخارجي للمبنى، الذي ظهر في البث المباشر.

وأضاف قنّن أن المبنى ذاته استُهدف مرة ثانية بعد دقائق، أثناء وصول صحفيين آخرين، بينهم مريم أبو دقة ومحمد أبو سلامة ومعاذ أبو طه وأحمد أبو عزيز وجمال بدح ومحمد فايق وحاتم عمر، برفقة عناصر من الدفاع المدني وأطباء ومسعفين لتفقد المكان.

وأسفر القصف الثاني، الذي وثّقه قنن من على بعد 25 مترًا، عن مجزرة جديدة أودت بحياة أربعة صحفيين، وأصيب فيها آخرون بجروح خطيرة، بينهم جمال بدح الذي بُترت ساقه.

وأكد قنّن أن جميع الموجودين في المكان كانوا يرتدون سترات الصحافة أو الدفاع المدني، وأن المبنى يقع داخل مستشفى مدني يخلو من أي مواقع عسكرية أو أمنية، مشددًا على أن الجيش الإسرائيلي كان على علم مسبق بوجود الصحفيين والمصورين، إذ يُستخدم المكان بشكل دوري لبث مواد إعلامية محلية ودولية.

سلسلة متكرّرة: كيف برّرت إسرائيل ضرباتٍ مباشرة  لصحفيين ومسعفين؟

لم تكن مجزرة مجمع ناصر الطبي حالة منفردة، إذ درجت السلطات الإسرائيلية على استخدام الرواية ذاتها عند استهداف الصحفيين و/أو الطواقم الطبية، عبر الإصرار على توصيف الهجمات كـ"أخطاء عرضية" أو الإعلان عن "فتح تحقيق"، دون أن تُفضي هذه التحقيقات إلى نتائج حقيقية أو محاسبة.

ففي الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023، استهدف الجيش الإسرائيلي موكب إسعاف عند مدخل مستشفى الشفاء في مدينة غزة، مبررًا الغارة بأن "سيارة الإسعاف كانت تُستخدم من قبل خلية إرهابية تابعة لحماس". وأودى الهجوم يومها بحياة ما لا يقل عن 15 مدنيًا فلسطينيًا و50 جريحًا، وفقًا وزارة الصحة في غزة، فيما أظهرت مقاطع مصورة جثثًا ملقاة قرب سيارات الإسعاف، التي كانت ضمن قافلة طبية متجهة إلى معبر رفح.

في المقابل، أعرب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم عن "صدمته الشديدة" من قصف سيارات الإسعاف، مجددًا دعوته إلى حماية المرضى وعمال قطاع الصحة والمرافق الطبية في جميع الأوقات. ورغم الخسائر البشرية الموثقة بمشاهد من موقع الاستهداف، كرّرت إسرائيل استراتيجيتها المعهودة عبر الادعاء بأن الغارة استهدفت "نشطاء من حماس"، محولةً استهدافًا مباشرًا لموكب طبي إلى "حادث عسكري مشروع".

وفي 23 مارس/آذار من العام الجاري، تعرضت قافلة طبية وإغاثية مكوّنة من سيارات إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، وشاحنة إطفاء تابعة للدفاع المدني في غزة، وسيارة تابعة للأمم المتحدة لإطلاق نار كثيف في منطقة تل السلطان في رفح جنوبي القطاع، ما أسفر عن مقتل 15 من مسعفي الطوارئ، ونجاة شخص واحد فقط.

وبرر الجيش الإسرائيلي الحادثة في البداية بالقول إن القافلة تحركت "بشكل مريب" ليلًا، دون مصابيح أمامية ودون تنسيق مسبق معه. غير أن صحيفة ذا نيويورك تايمز نشرت لاحقًا مقطعًا مصورًا استُرجع من هاتف محمول عُثر عليه بجانب جثامين المسعفين في مقبرة جماعية، كشف بوضوح أن المركبات كانت تحمل شعارات طبية وعلامات طوارئ مضاءة، وأن المسعفين كانوا يرتدون زيهم الرسمي حين تعرضوا لإطلاق النار.

كشف مقطع فيديو نشرته نيويورك تايمز زيف الرواية الإسرائيلية بشأن مقتل المسعفين في تل السلطان
كشف مقطع فيديو نشرته ذا نيويورك تايمز زيف الرواية الإسرائيلية بشأن مقتل المسعفين في تل السلطان

وأظهر الفيديو أيضًا اثنين من المسعفين يترجلان من شاحنة إطفاء وسيارة إسعاف، ويحاولان الوصول إلى مركبة أخرى خرجت عن مسارها، قبل أن يتعرضوا لإطلاق النار المباشر. لاحقًا، أقرّ الجيش الإسرائيلي بأن روايته "لم تكن دقيقة"، معترفًا بوقوع "أخطاء" في مقتل المسعفين، في تناقض صارخ مع مزاعمه الأولى.

الجيش الإسرائيلي يقرّ بارتكاب "أخطاء" حول مقتل 15 مسعفًا في غزة

روى الناجي الوحيد من المجزرة، منذر عابد، لصحفي يعمل مع "بي بي سي" في غزة تفاصيل اللحظات الأخيرة: "بحلول الساعة 05:00 صباحًا، كانت سيارات الدفاع المدني قد وصلت، وفجأة تعرضت سيارة الأونروا لإطلاق نار مباشر"، مؤكدًا أن الفريق كان في مهمة إنقاذ بعد تلقي بلاغات عن وقوع جرحى.

وفي العاشر من أكتوبر 2023، قُتل الصحفيان سعيد الطويل، رئيس تحرير موقع إخباري فلسطيني، والمصور محمد صبح، فيما أصيب صحفي آخر، أثناء تغطيتهم لقصف الطائرات الإسرائيلية لبناية سكنية في حي الرمال غربي مدينة غزة. ولم يصدر الجيش الإسرائيلي أي بيان رسمي بشأن هذه الحادثة، ما يعكس تكرار نمط استهداف الصحفيين دون مساءلة رسمية.

كما تبنت إسرائيل في عدة استهدافات لاحقة للصحفيين، ممارسة استراتيجية تبرير القتل عبر إلصاق تهم الانتماء التنظيمي أو الحزبي للضحايا، في محاولة لإضفاء صبغة قانونية أو "عسكرية" على عمليات القصف، وهو ما يكرس حالة الإفلات من العقاب ويشكل تهديدًا مباشرًا لحرية الصحافة والأمان الشخصي للصحفيين في غزة.

وحدة إسرائيلية مكلّفة بتشويه سمعة صحافيي غزة

كشف تحقيق أعدّته مجلة 972+ الإسرائيلية، عن وجود وحدة عسكرية إسرائيلية سرّية تُعرف باسم “خلية الشرعية”، أُنشئت خصيصًا بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بهدف إدارة معركة الرواية وتبرير قتل الصحافيين الفلسطينيين في غزة، عبر وصمهم زورًا بالانتماء إلى حركة حماس.

واستند التحقيق إلى ثلاثة مصادر استخباراتية، كشفت أن الوحدة تجمع ملفات عن صحفيين محليين من غزة، وتعمل على صياغة روايات تربطهم بنشاط عسكري.

وفي إحدى الحالات، جرى تحريف توصيف أحد الصحفيين إلى “مسلح”، رغم أنه لم يكن كذلك، وهو توصيف يعادل حكمًا بالإعدام في السياق الغزّي، إذ يمنح مبررًا لاستهدافه. وأكد أحد المصادر أن هذا التغيير في الوصف سُجّل قبل أن يُقتل الصحفي.

تلفّق إسرائيل تهمة "مسلح" للصحافيين الفلسطينيين في غزة قبل أن تقوم بتصفيتهم
تلفّق إسرائيل تهمة "مسلح" للصحافيين الفلسطينيين في غزة قبل أن تقوم بتصفيتهم

تحقيق: 83 في المئة معدل قتل المدنيين في غزة

خلافًا للتصريحات الرسمية الإسرائيلية، التي أعقبت مجزرة مجمع ناصر الطبي، والتي أكدت حرص الجيش على عدم استهداف المدنيين، كشفت بيانات تحقيق مشترك من إعداد مجلة 972 الإسرائيلية وصحيفة ذا غارديان البريطانية عن واقع مختلف تمامًا.

أظهر التحقيق أن خمسة من كل ستة فلسطينيين قُتلوا على يد الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب كانوا مدنيين، ما يعني أن معدل قتل المدنيين بلغ نحو 83 في المئة، وهو معدل استثنائي ونادر في سياق الحروب.

كما أشار التحقيق، الذي استند إلى بيانات عسكرية سرية، إلى أن الجيش الإسرائيلي يصنف معظم القتلى على أنهم "إرهابيون" فور مقتلهم، وهو ما يضخم تقدير عدد مقاتلي حماس ويقلّل بشكل مصطنع من عدد المدنيين الذين سقطوا جراء الحرب.

تكشف هذه النتائج فجوة كبيرة بين الرواية الرسمية الإسرائيلية والواقع الميداني، ويأتي في سياقها ما جرى في مجمع ناصر الطبي وغيره من الاستهدافات المباشرة للمدنيين والصحفيين والمسعفين.

استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في أحدث إحصائية صادرة عنها، أن مستشفيات القطاع  استقبلت خلال الساعات الـ 24 الأخيرة جثامين 58 فلسطينيًا و308 مصابين، فيما لا يزال عدد من ضحايا الهجمات الإسرائيلية تحت الركام، نظرًا لصعوبة وصول طواقم الإسعاف والدفاع المدني إليهم.

ومنذ السابع من أكتوبر 2023، قتلت إسرائيل ما يزيد عن 62 ألفًا و744 فلسطينيًا وأصابت أزيد من 158 ألفًا و259 آخرين. وأودت الحرب، منذ انسحاب إسرائيل من اتفاق وقف إطلاق النار في 18 مارس الفائت، بحياة 10 آلاف و900 فلسطيني، وأصيب خلال الفترة نفسها 46 ألفًا و218 آخرين.

وقتلت إسرائيل 28 فلسطينيًا وأصابت 184 آخرين من منتظري المساعدات المساعدات، ليصل مجموع ضحايا ما يُعرف بـ"شهداء لقمة العيش" إلى ألفين و123 قتيلًا و15 ألفًا و615 مصابًا، بينما ارتفعت أعداد الوفيات نتيجة الجوع وسوء التغذية إلى 300 حالة، بينهم 117 طفلًا.

اقرأ/ي أيضًا

كيف استخدمت إسرائيل مؤثرين لإنكار المجاعة وتضليل واقع المساعدات في غزة؟

تقرير: رويترز انحازت للرواية الإسرائيلية خلال تغطية حرب الإبادة على غزة

المصادر

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar