الكرة الذهبية.. كيف أصبحت الجائزة مركزًا للشائعات والأخبار المضللة؟
منذ أكثر من ستة عقود، حين قررت مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية إطلاق جائزة سنوية لأفضل لاعب كرة قدم في العالم، لم يكن أحد ليتوقع أن تصبح "البالون دور" أو "الكرة الذهبية"، واحدة من أهم الجوائز الفردية في تاريخ الرياضة العالمية، ولا أن تغدو مصدرًا مستمرًا للجدل والشائعات في كل عام.
تأسست الجائزة عام 1956، وكان الإنجليزي ستانلي ماثيوز أول من رفعها، ومنذ ذلك الحين مرّت بمراحل تطور كثيرة، فبعد أن كانت مقتصرة على اللاعبين الأوروبيين، توسعت لتشمل اللاعبين من جميع أنحاء العالم، ثم اندمجت لفترة قصيرة مع جائزة "أفضل لاعب في العالم"، التي يمنحها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بين عامي 2010 و2015، قبل أن تعود مرة أخرى إلى حضن "فرانس فوتبول". ومنذ عام 2024، أصبحت الجائزة تُنظم بالشراكة بين الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، ومجموعة أموري المالكة لمجلة فرانس فوتبول، وصحيفة ليكيب الفرنسية.
البالون دور: ساحة خصبة للشائعات
ورغم تغير القواعد وتعدد الأسماء الكبيرة التي حملت الكرة الذهبية الذهبية، من ستانلي ماثيوز ويوهان كرويف وميشيل بلاتيني وصولًا إلى ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، بقيت مكانة الجائزة راسخة كأرفع تكريم فردي يمكن أن يحلم به لاعب كرة القدم.
لكن هذه المكانة لم تجلب للجائزة الاحترام فحسب، بل جعلتها أيضًا ساحة خصبة للشائعات والأخبار المضللة. ففي كل عام، ومع اقتراب موعد الحفل، تمتلئ وسائل الإعلام التقليدية ومواقع التواصل الاجتماعي، بتسريبات مزعومة وقوائم مفبركة وتصريحات منسوبة كذبًا إلى لاعبين ومدربين، حتى باتت متابعة ما يُنشر عن الجائزة في الأيام والأسابيع التي تسبق الإعلان، أشبه بتصفح بحر من الأخبار المختلطة، بين ما هو صحيح وما هو مفتعل. وهكذا تحولت الجائزة من مجرد حدث سنوي رياضي إلى مساحة تعكس صراع الإعلام على السبق، واستغلال المنصات للشغف الجماهيري، وأحيانًا الوقوع في فخ الأكاذيب.
يُعد الفوز بجائزة الكرة الذهبية إرثًا فرديًا للاعب، فهو يعكس مكانته بين أعظم لاعبي عصره، ويحوّل أداءه في الملعب إلى مادة للتدقيق المستمر من قبل النقاد والصحفيين والجماهير على حد سواء. وهذه المكانة المرموقة تجعل كل موسم فرصة للتكهنات حول من يستحق الجائزة، وهو ما يخلق بيئة خصبة للشائعات قبل الإعلان الرسمي.
كما تعتمد الجائزة على معايير ذاتية بشكل واضح، إذ يتم التصويت من قبل 100 صحفي متخصص، يمثلون أعلى 100 دولة في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) للرجال، و50 دولة في تصنيف الفيفا للسيدات. يختار كل صحفي قائمة من 10 لاعبين، حيث يحصل الأول على 15 نقطة، والثاني على 12 نقطة، وهكذا حتى العاشر الذي يحصل على نقطة واحدة. فتحتسب النقاط لتحديد الفائز بالجائزة.
ما يعني أن الاختيار يجمع بين الأداء الفردي وإنجازات فريق اللاعب، وأحيانًا شهرة اللاعب أو شعبيته. وهذه الطبيعة الشخصية للتقييم تجعل من الصعب تجنب الجدل أو الادعاءات بالتحيز أو المحاباة، ويجعل كل نقاش حول الفائز محتدمًا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وفي السنوات الأخيرة، زادت التسريبات من حدة التكهنات، إذ يدعي بعض الصحفيين والمطلعين على أخبار كرة القدم امتلاك معرفة مبكرة باتجاهات التصويت أو الفائزين المحتملين، حتى وإن لم تُثبت صحة هذه الادعاءات.
اهتمام جماهيري واسع بحفل البالون دور
وخلال الساعات الأخيرة مع اقتراب انطلاق حفل البالون دور لعام 2025، شهدت كلمات مثل "Ballon d'Or 2025" و"Ballon d'Or Ceremony"، وكلمات مماثلة وأسماء لاعبين مرشحين للفوز بالجائزة، زيادة ملحوظة في عمليات البحث، وفقًا لمؤشر غوغل ترندز. فعلى سبيل المثال، في 21 سبتمبر/أيلول 2025، كانت هذه الكلمات من بين الأكثر تداولًا في محركات البحث في العالم.
كذلك على موقع إكس تداول المستخدمون بشكل مكثف هاشتاغات مثل #BallonDor و#BallonDor2025، مع منشورات ومشاركات تتعلق بالمرشحين والتكهنات حول الفائز. وهذا التفاعل يعكس الحماس الكبير والمتابعة الدقيقة من قبل الجمهور لهذا الحدث الرياضي البارز.
دور الإعلام بين التضليل والسبق الصحفي
تكمن قوة البالون دور في رمزيتها، فهي ليست مجرد كرة ذهبية تزين متحف لاعب، بل شهادة على أنه كان الأفضل في العالم خلال موسم كرة قدم كامل. وهذه الرمزية جعلت الاهتمام بها يتجاوز حدود المتخصصين إلى الجماهير العريضة، فالجميع يريد معرفة من سيكون على القمة ومن سيُحرم منها. ما يفتح الفرصة أمام وسائل الإعلام لتقديم كل ما يتعلق بها باعتباره خبرًا عاجلًا يستحق المتابعة.
وفي عالم تتنافس فيه المنصات على المتابعة، أصبح السبق الصحفي أو الادعاء به شيئًا رئيسيًا، ولهذا لا تتردد بعض المواقع أو الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي في نشر ما تزعم أنه "تسريب رسمي" للنتائج قبل الإعلان، وهو ما تكرر مرارًا في السنوات الأخيرة مع انتشار صور مفبركة لقوائم التصويت أو تأكيدات غير صحيحة عن فوز لاعب بعينه.
وفي عام 2021 شكّل أبرز مثال على ذلك، حين امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور لقائمة مزيفة، قيل إنها لنتائج التصويت النهائي، ووُضع فيها اللاعب البولندي روبرت ليفاندوفسكي في المركز الأول متقدمًا على ليونيل ميسي.
الصور انتشرت بسرعة هائلة وأثارت نقاشات لا تنتهي بين جماهير اللاعبين، قبل أن تخرج فرانس فوتبول لتنفي صحة التسريب مؤكدة أن ما يُنشر لا يمت بصلة إلى العملية الرسمية. والمفارقة أن القوائم المفبركة كانت مليئة بالأخطاء الواضحة، من تكرار أسماء لاعبين إلى كتابة أسماء أخرى بشكل خاطئ ومع ذلك حظيت بصدقية واسعة حتى بعد فضحها. وحينها، فاز ميسي بالجائزة وليس ليفاندوفسكي.
وفي عام 2024 تكرر الأمر نفسه، وانتشرت بشكل واسع صورة قيل إنها لقائمة مسربة تُظهر فوز اللاعب البرازيلي فينيسيوس جونيور رسميًا بجائزة الكرة الذهبية، متفوقًا على الإسباني رودري الذي فاز بالجائزة في النهاية.
ولا يقف الأمر عند القوائم، إذ تتوسع دائرة التضليل إلى التصريحات المنسوبة كذبًا إلى نجوم كبار. ففي أواخر 2021، أثارت مقابلة صحفية مع رئيس تحرير فرانس فوتبول جدلًا واسعًا، عندما نُقلت عنه تصريحات تزعم أن كريستيانو رونالدو أخبره بأن طموحه الأكبر هو أن يعتزل وهو يملك كرات ذهبية أكثر من غريمه ليونيل ميسي. رونالدو خرج عبر حساباته الرسمية، واصفًا ما قيل بأنه "كذب محض" واستغلال لاسمه من أجل تسويق المجلة وزيادة اهتمام الجمهور بالحفل، مطالبًا بترك الجائزة خارج نطاق الأخبار الملفقة. وتلك الواقعة بيّنت بوضوح كيف يمكن لمعلومة غير دقيقة أو مفبركة، أن تتحول إلى قضية رأي عام.
شغف الجماهير كوقود للشائعات
يلعب الجمهور نفسه دورًا في تضخيم هذه الأخبار، فالتنافس الحاد بين عشاق اللاعبين الكبار، مثل ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، جعل من الجائزة ساحة نقاش وحرب افتراضية. فعندما يتوقع أحد المعسكرين فوز لاعبه المفضل، تُنشر أخبار تؤكد ذلك حتى قبل حدوثه، وحين يفوز الخصم، تظهر موجة من الاتهامات بأن التصويت كان منحازًا، أو أن الإعلام صنع بطلًا على حساب آخر. وهكذا تغدو الأخبار الزائفة انعكاسًا لرغبة الجمهور في تصديق ما يتمنى حدوثه، أكثر من كونها استنادًا إلى وقائع.
ويزيد من قوة هذا العامل الانتشار الكاسح لمواقع التواصل الاجتماعي، التي تسمح بانتقال أي معلومة مضللة أو زائفة بسرعة البرق لتصل إلى ملايين المتابعين في دقائق. وأن صورة واحدة مفبركة لقائمة تصويت قد تُعاد مشاركتها عشرات الآلاف من المرات، وتصريح ملفق قد يصبح "حقيقة" في أذهان كثيرين قبل أن يتسنى لأي وسيلة رسمية نفيه.
وما حدث مع اللاعب البرتغالي السابق والفائز بالجائزة عام 2000، لويس فيغو، في أكتوبر/تشرين الأول 2024 يؤكد هذه الظاهرة، إذ انتشرت على نطاق واسع تصريحات منسوبة إليه تزعم أن الجائزة "فقدت جزءًا من قيمتها". ورغم أن فيغو سارع لنفيها والتأكيد على أنها ملفقة، إلا أن الجدل الذي أثارته كان كافيًا لإشعال النقاش بين الجماهير. وهذه الأمثلة تبرهن أن الجماهير لا تكتفي بمتابعة الجائزة، بل تشارك في صناعة الشائعات وتضخيمها، سواء عن قصد أو بدافع الحماس والانحياز للاعب المفضل.
هل تحولت جائزة الكرة الذهبية إلى أداة للتسويق والجدل؟
هذه الفوضى الإعلامية عن الجائزة كل عام لم تضعف من حضور البالون دور، بل ربما زادت من بريقها. فالجائزة التي قد تظهر للبعض مجرد تكريم سنوي، أصبحت حدثًا ينتظره الملايين ليس فقط لمعرفة الفائز، بل أيضًا لمتابعة الجدل الذي يرافقه.
ومن هذا المنطلق، تدرك بعض وسائل الإعلام أن الاستثمار في هذه الحالة من الترقب والشك يضمن لها اهتمامًا استثنائيًا، حتى لو كان الثمن نشر خبر غير دقيق لجمع الاهتمام والتفاعل.
وإلى جانب وسائل الإعلام، تستفيد بعض الجهات الأخرى من حالة هذا الضجيج، إذ يجد اللاعبون أنفسهم باستمرار في قلب النقاش، ما يزيد من قيمتهم السوقية ويجعل أسماءهم متداولة في كل مكان، حتى وإن كان ذلك على خلفية شائعة.
كما تُثار سنويًا تساؤلات حول ما إذا كانت مجلة فرانس فوتبول تتعمد إثارة الجدل حول الجائزة، بهدف خلق زخم إعلامي وجماهيري واهتمام عالمي بالجائزة. وبعض الممارسات تثير الشكوك وتدعم هذه الفكرة، لتستفيد المجلة من الجدل المثار حول الجائزة، ما يعزز اهتمام وسائل الإعلام والجماهير بها.
في المقابل، يبقى الخاسر الأكبر أحيانًا هو صدقية المعلومة، إذ يصبح من الصعب على الجمهور التمييز بين ما هو مؤكد وما هو مجرد ادعاء.
حفل الكرة الذهبية لعام 2025
سيُقام حفل جائزة الكرة الذهبية (بالون دور) لعام 2025، اليوم الاثنين، في مسرح دو شاتليه في مدينة باريس، ومن المقرر أن تنطلق مراسم الحفل بحضور مجموعة من أبرز النجوم والمسؤولين الرياضيين والصحفيين، إلى جانب وسائل الإعلام العالمية.
وكانت مجلة فرانس فوتبول قد أعلنت عن القائمة النهائية التي تضم 30 لاعبًا يتنافسون على الكرة الذهبية لعام 2025. ويتصدر قائمة أبرز المرشحين أسماء بارزة مثل عثمان ديمبيلي وأشرف حكيمي ومحمد صلاح ورافينيا وكيليان مبابي، بالإضافة إلى لاعبين صاعدين مثل لامين يامال ونجوم آخرين من كبار الأندية الأوروبية مثل باريس سان جيرمان وبرشلونة وريال مدريد.
ويُتوقع أن يلعب الحضور الإعلامي المكثف ومتابعة الجماهير العالمية دورًا كبيرًا في تصاعد التكهنات والشائعات حول الفائزين، مع تضخيم كل تلميح أو خبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك استطلاعات الرأي، ما يخلق دورة إعلامية نشطة قبل الإعلان الرسمي عن النتائج.
اقرأ/ي أيضًا
هل هددت إسبانيا بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل؟
بين غزة وأوكرانيا: ازدواجية المعايير في مواقف رئيس اليويفا بشأن معاقبة إسرائيل

























