تفسيرات غير دقيقة ومضللة على إكس حول الطفيليات ومخاطرها
تُعد الطفيليات من أقدم الكائنات التي واجهها الإنسان عبر التاريخ. ورغم التقدم الطبي الكبير في فهمها وتشخيصها وعلاجها، ما زالت تحيط بها الكثير من الروايات غير الدقيقة التي تنتشر على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي. فبعض المنشورات تبالغ في تصوير خطورة الطفيليات حتى تنسبها إلى كل مرض مزمن أو نفسي، بينما تقدم أخرى تفسيرات غير علمية لشهية الطعام أو أسباب الأمراض المعقدة. خطورة هذه المزاعم لا تقف عند حدود التضليل المعرفي، بل تتجاوزها إلى دفع الأفراد لإهمال التشخيص الطبي السليم والاعتماد على وصفات وبروتوكولات علاجية غير موثوقة، قد تؤدي إلى مضاعفات ومخاطر صحية.
ما هي الطفيليات؟
الطفيليات كائنات حية تعيش على حساب كائن آخر يُعرف بـ"العائل"، وهي ليست نوعًا واحدًا بل تضم أنواعًا متعددة مثل الديدان المعوية كالأسكاريس (Ascaris) والجيارديا (Giardia)، والطفيليات الدموية مثل البلازموديوم (Plasmodium) المسبب للملاريا. يمكن أن تستقر في الأمعاء أو الدم أو الجلد، وأحيانًا في العين أو الدماغ، وتنتقل غالبًا عبر الطعام والماء الملوثين أو الحشرات الناقلة أو ملامسة التربة. خطورتها مثبتة علميًا، فالملاريا مثلًا تقتل مئات الآلاف سنويًا، وداء المقوسات يهدد الحوامل والمصابين بنقص المناعة، في حين تسبب الجيارديا إسهالًا متكررًا، وتؤدي الديدان الشريطية إلى سوء امتصاص غذائي وفقر دم، كما ينتشر داء اللشمانيا في مناطق واسعة من العالم، وتبقى البلهارسيا من أكثر الأمراض الطفيلية شيوعًا في الدول النامية. ومع ذلك، لا أساس للادعاءات التي تربط الطفيليات بكل مرض تقريبًا، من السرطان والسكري إلى التوحد والاكتئاب، فالحقيقة أن هذه الكائنات معروفة جيدًا للأطباء ولها طرق تشخيص وعلاج فعّالة، وتصويرها كـ"عدو خفي" يقف وراء كل مرض، ليس إلا تضليلًا.

ادعاءات حول تنظيف الجسم من الطفيليات
حصد منشور على منصة إكس أكثر من 2.2 مليون مشاهدة وما يزيد على 350 مشاركة، يروّج مقاطع تزعم أن أنظمة "تنظيف الجسم من الطفيليات" عبر أعشاب ومكملات طبيعية قادرة على قتل الطفيليات وبيضها، وطرد السموم، وإصلاح بطانة الأمعاء، وتقوية المناعة. وتعرض هذه المقاطع قوائم من الأعشاب مثل القرنفل، الشيح، قشرة الجوز الأسود، وميموزا بوديكا، والتراب الدياتومي، مع توصيات باتباع حمية صارمة ودورات تطهير تستمر بين 4 و6 أسابيع.

هذه الادعاءات تفتقر إلى الأدلة الطبية الموثوقة. تقول الدكتورة سوزان راتاي، أخصائية طب الأسرة في University Hospitals، إن أنظمة التطهير المروّجة على الإنترنت "ليست ضرورية طبيًا، ولم يُثبت أنها تقتل الطفيليات، بل قد تسبب آثارًا جانبية خطيرة"، مشددة على أن العلاج الصحيح يبدأ بمراجعة طبيب مختص عند ظهور الأعراض، لا بالاعتماد على وصفات منزلية غير مثبتة.

أما أخصائية التغذية بيث تشيروني من "Cleveland Clinic" فتحذر من أن ما يسمى "حميات التخلص من الطفيليات" قد يعرّض الجسم لمخاطر صحية، خصوصًا أن المكملات العشبية لا تخضع لرقابة صارمة، ما يجعل مكوناتها وجرعاتها غير مضمونة.

وتضيف الدكتورة لينا وين من جامعة جورج واشنطن أن النظام الغذائي الصحي، والأطعمة الغنية بالألياف والبروبيوتيك، تساعد على تقوية المناعة وتحسين الصحة العامة، لكنها لا تعالج عدوى طفيلية قائمة.

جدير بالذكر، أن أعراض العدوى الطفيلية قد تشمل آلام البطن أو الإسهال أو فقدان الوزن، لكنها ليست حصرية للطفيليات، وقد ترتبط بأمراض أخرى. لذلك يبقى التشخيص الدقيق بيد الطبيب عبر الفحوصات المخبرية. أما العلاج الفعلي فمتوفر وفعّال، ويتمثل في أدوية مضادة للطفيليات معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، لا في دورات الأعشاب المبالغ في الترويج لها.
الطفيليات وراء كل مرض مزمن؟
كما حصد منشور على إكس 543 ألف مشاهدة وأكتر من 350 مشاركة يدعي أن كل من يعاني من أمراض مزمنة أو شائعة مثل الأورام، وتضخم الغدد الليمفاوية، والسكري، والقولون العصبي، وداء كرون، وتكيس المبايض، والأورام الليفية، وأمراض الغدة الدرقية، والروماتويد، والأكزيما، والصدفية، وحتى الاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب واضطراب فرط الحركة والتوحد، فإنه في الحقيقة مصاب بالطفيليات.

صحيح أن الطفيليات مسؤولة عن أمراض واسعة الانتشار مثل الملاريا والبلهارسيا وداء المقوسات والجيارديا، إضافة إلى الديدان المعوية التي تسبب سوء امتصاص غذائي وفقر دم. كما أن بعض الطفيليات ارتبطت بأنواع محددة من السرطان، أبرزها علاقة البلهارسيا بسرطان المثانة، ويمكن أن تؤدي إلى تضخم الغدد الليمفاوية أو مشاكل جلدية معينة. لكن الادعاء بأنها سبب كل الأورام والأمراض المزمنة والاضطرابات النفسية لا أساس له في العلم. هذه الحالات لها أسباب متعددة ومعقدة، تشمل عوامل وراثية وهرمونية ومناعية وبيئية، ولا يمكن اختزالها في مجرد عدوى طفيلية.

الطفيليات "تحب السكر" وتتحكم في شهيتنا؟
وفي منشور آخر حصد أكثر من 58 ألف مشاهدة و182 مشاركة ادعى مستخدم على إكس أن الطفيليات "تحب السكر"، وأن الرغبة الشديدة في تناول الحلويات ليست رغبة شخصية، بل إشارة إلى وجودها داخل الجسم. ويستند الادعاء إلى مقاطع مصورة تحت المجهر يُزعم أنها تُظهر كيف "تحتشد الطفيليات بجنون حول السكر"، ليخلص إلى أن إدمان السكر دليل قاطع على العدوى الطفيلية، مدعومًا بقائمة طويلة من الأعراض تشمل اضطرابات الجهاز الهضمي، التعب المزمن، الحساسية، تقلبات الوزن، مشكلات الجلد، القلق، والاكتئاب.

هذه الادعاءات بعيدة عن الحقيقة العلمية. صحيح أن بعض الطفيليات تستفيد من السكريات المهضومة في الأمعاء، لكنها لا تملك القدرة على السيطرة على الدماغ لخلق "إدمان السكر". الرغبة في الأطعمة السكرية مرتبطة بآليات عصبية وهرمونية معقدة، من أهمها إفراز الدوبامين والإنسولين، إضافة إلى العوامل النفسية والسلوكية. لم تُثبت أي دراسة موثوقة أن الطفيليات قادرة على التحكم في شهيتنا بهذه الطريقة.

أما قائمة الأعراض التي تُطرح كدليل على وجود الطفيليات، فهي مثال آخر على خلط الحقائق بالخرافات. الطفيليات المعوية قد تسبب اضطرابات هضمية مثل الإسهال والانتفاخ، وبعضها يؤدي إلى فقر دم نتيجة استهلاك الحديد. هناك أيضًا طفيليات جلدية معروفة تسبب حكة أو طفحًا جلديًا. لكن القول بأن معظم الأعراض الشائعة مثل التعب المزمن، تقلبات المزاج، الاكتئاب، أو حتى حب الشباب، كلها علامات على عدوى طفيلية، لا يستند إلى أي أساس علمي. هذه أعراض واسعة الانتشار ولها عشرات الأسباب الأخرى، من نقص الفيتامينات والهرمونات إلى التوتر النفسي.

التصلب المتعدد سببه طفيليات الكبد؟
وادعت مستخدمة في منشور لها على إكس، حاز 16 الف مشاهدة و52 مشاركة، أن سبب مرض التصلب المتعدد (MS) هو طفيليات الكبد (Liver Flukes) التي تصل إلى الدماغ بمساعدة المذيبات الكيميائية مثل الزيلين (Xylene) والتولوين (Toluene)، بل ويذهب الادعاء إلى أن المشروبات الغازية تحتوي على هذه المذيبات وبالتالي تزيد من خطر إصابة الإنسان بالمرض.

هذا الادعاء يوظف أسماء طفيليات ومواد كيميائية معروفة، لكنه يفتقر إلى أي دليل طبي .فالتصلب المتعدد مرض مناعي ذاتي معقد، يحدث عندما يهاجم جهاز المناعة غمد الميالين المحيط بالألياف العصبية في الدماغ والنخاع الشوكي. الأبحاث تشير إلى أن سببه مرتبط بتفاعل عوامل وراثية وبيئية، مثل العدوى الفيروسية (خصوصًا فيروس إبشتاين–بار)، نقص فيتامين D، والتدخين. لا توجد أي دراسة طبية معتمدة تربط بين طفيليات الكبد والتصلب المتعدد.

أما طفيليات الكبد مثل Fasciola hepatica فهي مسؤولة عن مرض "داء المتورقات"، الذي يصيب الكبد والمرارة مسببًا آلامًا بطنية واضطرابات هضمية، لكنها لا تغزو الدماغ ولا توجد آلية بيولوجية تمكّنها من ذلك. أما المذيبات العضوية مثل الزيلين والتولوين، فهي بالفعل مواد سامة عند التعرض المزمن لها في البيئات الصناعية، وقد كُشف عن وجودها أحيانًا في بعض المشروبات الغازية. ولا تزال الدراسات جارية لتقييم المخاطر الصحية المرتبطة بها، غير أن هذه المواد لا ترتبط بأي شكل بطفيليات الكبد.

لا دليل علمي على إكس بأن الطفيليات تطلق السموم عند موتها
وصور منشور آخر على إكس، حصد أكثر من 26 الف مشاهدة و113 مشاركة، عملية موت الطفيليات داخل جسم الإنسان وكأنها "قنبلة موقوتة" تنفجر لتطلق بيضًا سامًا ومعادن ثقيلة وسمومًا خطيرة، مع الدعوة إلى بروتوكولات عشبية و"مواد رابطة" لإزالة ما تبقى من هذه المخاطر.

الحقيقة أن الطفيليات عندما تموت داخل الجسم، سواء بفعل العلاج أو بشكل طبيعي، تتحلل كبقية الكائنات الحية الدقيقة، ويقوم جهاز المناعة والكبد والكلى بالتعامل مع بقاياها بآليات معروفة. لا يوجد دليل علمي على أنها "تحتجز معادن ثقيلة" مثل الزئبق أو الرصاص داخلها ثم تطلقها عند موتها. المعادن الثقيلة تدخل الجسم عبر الغذاء الملوث أو البيئة الصناعية، وليست الطفيليات مخزنًا لها.

أما ما يُسمى بـ "تفاعل هيركسهايمر" (Herxheimer reaction)، فهو مصطلح طبي حقيقي، لكنه مرتبط أساسًا ببعض الالتهابات البكتيرية مثل الزهري، حيث يؤدي موت أعداد كبيرة من البكتيريا إلى رد فعل مناعي مؤقت يشمل الحمى والصداع. هذا التفاعل لم يُثبت علميًا مع الطفيليات.

فكرة "المواد الرابطة" مثل الفحم المنشط أو الطين لعلاج الطفيليات أو إزالة "سمومها" ليست جزءًا من أي بروتوكول طبي معتمد. الفحم المنشط يستخدم طبيًا في حالات محددة مثل التسمم الدوائي الحاد، وليس كعلاج يومي لإزالة "بقايا الطفيليات".
أما الأعشاب المقترحة (الشيح، القرنفل، الجوز الأسود) فلا توجد دراسات سريرية قوية تثبت فعاليتها أو أمانها كعلاج شامل للعدوى الطفيلية.
اقرأ/ي أيضًا
كيف يستغل التضليل المعلوماتي مرضى السرطان ويؤثر على قراراتهم الصحية؟
وصفات علاج القلق ونوبات الهلع على تيك توك: بين الحقائق العلمية والخرافات الشعبية
المصادر

































