سياسة

مشروع "نسيج الحياة" الاستيطاني: بين المزاعم الإسرائيلية الرسمية والوقائع الميدانية

فريق تحرير مسبارفريق تحرير مسبار
date
25 سبتمبر 2025
آخر تعديل
date
5:01 ص
28 سبتمبر 2025
مشروع "نسيج الحياة" الاستيطاني: بين المزاعم الإسرائيلية الرسمية والوقائع الميدانية
طريق استيطاني تروج له إسرائيل كمشروع تنموي | مسبار

في الوقت الذي تكثّف فيه إسرائيل حملتها الدعائية لمشروع "نسيج الحياة" شرقي القدس، والذي تسوّق له رسميًا باعتباره خطوة "تنموية" لتسهيل حركة الفلسطينيين وتقليل الاحتكاك الأمني، تكشف الوقائع الميدانية والتقارير الحقوقية عن حقيقة مغايرة تمامًا لما تروّجه إسرائيل.

فبينما يُسوَّق المشروع رسميًا كـ"ممر إنساني" يربط القرى الفلسطينية دون المرور بالمستوطنات، يتزامن تنفيذه مع موجة واسعة من إخطارات الهدم والتجريف التي تستهدف التجمعات البدوية والمنشآت الفلسطينية الممتدة على مساره.

وراء هذا الخطاب الترويجي، تكمن أهداف تتجاوز تحسين البنية التحتية، لتصب في سياق فرض وقائع استيطانية جديدة: عزل الفلسطينيين وتهجيرهم قسرًا، وتوسيع المستوطنات ضمن مخطط E1 الاستيطاني، الرامي إلى تقطيع أوصال الضفة الغربية وفصل شمالها عن جنوبها، وعزل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني.

في هذا المقال، يرصد "مسبار" الفجوة بين ما تعلنه إسرائيل وما يجري على الأرض، عبر تفنيد السرديات الإسرائيلية الرسمية وكشف الوقائع الميدانية، مسلطًا الضوء على ارتباط مشروع "نسيج الحياة" بسياسات الهدم والتهجير التي تعيد تشكيل خريطة السيطرة في المنطقة وتهدد الوجود الفلسطيني برمّته.

المزاعم الإسرائيلية الرسمية حول مشروع "نسيج الحياة" الاستيطاني

في بيان رسمي صدر عن الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 30 مارس/آذار الفائت، أعلن مجلس الوزراء الإسرائيلي عن المصادقة على تنفيذ مشروع "نسيج الحياة" شرقي مدينة القدس، وقدمت إسرائيل المشروع كخطوة "تنموية وأمنية" تهدف، حسب مزاعمها، إلى تحسين حركة الفلسطينيين بين قريتي الزعيم والعيزرية دون المرور عبر مستوطنة معاليه أدوميم.

وروّجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمشروع باعتباره وسيلة لـ"تقليل الاحتكاك" بين الفلسطينيين والمستوطنين و"تخفيف الازدحام المروري" على شارع 1، خاصة عند حاجز الزعيم. كما تصفه بـ"مشروع استراتيجي" يعزز الاتصال بين القدس، ومعاليه أدوميم، ومنطقة الأغوار، ويخدم "جميع سكان المنطقة".

وادعت حكومة الاحتلال أن المشروع يندرج ضمن "اعتبارات أمنية" ازدادت بعد الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة. فيما تعمل السلطات على تسويقه دوليًا على أنه مشروع بنية تحتية يخدم الفلسطينيين، دون الإقرار بأبعاده السياسية والاستيطانية.

الاحتلال الإسرائيلي يصادق على مشروع "نسيج الحياة" الاستيطاني
الاحتلال الإسرائيلي يصادق على مشروع "نسيج الحياة" 

من جانبه، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، خلال زيارته لمستوطنة معاليه أدوميم في السادس من أغسطس/آب الفائت، أن مشروع طريق "نسيج الحياة" يُخطط لبدء تنفيذه مطلع عام 2026، واعتبره مشروعًا "استراتيجيًا ذا أولوية وطنية". وادعى أن المشروع يهدف إلى ربط بلدتي الزعيم والعيزرية، وتخفيف الازدحام على شارع رقم 1، وتحسين الوصول إلى المستوطنة.

تحذيرات من بلدية العيزرية حول المشروع الإسرائيلي وخطورته

في حديث خاص مع مسبار، حذّرت المهندسة أماني أبو زياد، مديرة وحدة التخطيط والمشاريع في بلدية العيزرية، من خطورة مشروع "نسيج الحياة" الذي تروج له إسرائيل بأنه يخفّض الازدحام على الفلسطينيين. وقالت إن المشروع في الواقع "نسيج يقطع كافة أواصر الحياة" لمنطقة جنوب شرقي القدس والضفة الغربية.

وأضافت أن مشروع "نسيج الحياة" سيقطع التواصل بين مدينة القدس ومحيطها الفلسطيني، ويفصل شمالي الضفة عن جنوبها، في سياسة يتبناها الاحتلال لفصل المحافظات والتحكم في الاتصال بين المدن.

وأكدت أبو زياد أنه وبعد الاطلاع على خارطة الطريق التي وزعها جيش الاحتلال والإخطارات، تبين أن مئات المواطنين في بلدة العيزرية سيهجرون، وستُهدم العديد من المنشآت، إضافة إلى تهجير تجمعات بدوية في البلدة. وأوضحت أن المشروع هو جزء من مخطط E1 الاستيطاني الذي يربط مستوطنة معاليه أدوميم بمدينة القدس، ويشكّل جزءًا من مشروع "القدس الكبرى" القائم على ربط المستوطنات المحيطة بمدينة القدس بالضفة الغربية.

وذكرت أبو زياد أن مساحة بلدة العيزرية هي 11,179 دونمًا، في حين أن المخطط الهيكلي المعتمد لا يتجاوز 3,600 دونم، من هذه الـ3,600، 1,200 دونم في مناطق "ج" و1,400 دونم في مناطق "ب"، ما يعني عدم وجود سلطة تنفيذية في أغلب أراضي البلدة. وأشارت إلى أنه سُعي سابقًا، بالتعاون مع وزارة الحكم المحلي، لتقديم مخطط هيكلي لتوسيع البلدة إلى 5,000 دونم، لكن الاحتلال رفض التعامل معه.

وأكدت أن مخطط E1 سيستحوذ أيضًا على نحو 600 دونم من أصل مساحة 3,600 دونم في العيزرية. وقدّمت أبو زياد إلى مسبار خارطة تظهر مشروع "نسيج الحياة" وامتداده والمناطق التي ستُوزع فيها إخطارات هدم للمواطنين، وذكرت أنه وفقًا لأنباء من المواطنين فقد وُزّع ما يقارب 43 إخطارًا، لكن البلدية استلمت رسميًا 16 إخطارًا. وشرحت أن الخط الأزرق في الخارطة هو ما يُسمى مشروع "نسيج الحياة"، والنقاط الحمراء توضح أماكن ستُهدم، والخط الوردي يمثل جدار الفصل العنصري، وما بينهما هي المنطقة الأمنية.

خريطة توضح المسار المقترح لمشروع "نسيج الحياة" ومواقع الإخطارات بالهدم في العيزرية
خريطة توضح المسار المقترح لمشروع "نسيج الحياة" ومواقع الإخطارات بالهدم في العيزرية

وبيّنت أبو زياد أن الحديقة العامة الوحيدة في بلدة العيزرية، وهي حديقة جبل البابا، سوف تُصادر بالكامل ضمن المخطط. كما أكدت أن نسبة البناء في البلدة تتجاوز 83%، وأن التوسع العمراني تحوّل إلى توسّع عمودي بسبب مصادرة الأراضي، الأمر الذي سيؤدي إلى تضيقات إضافية على السكان وزيادة الازدحام في الطرق والأزمات الناتجة عنه.

"نسيج الحياة" بداية تنفيذ مخطط E1 الاستيطاني وتهديد مباشر للتجمعات البدوية

في حديث مع مسبار، أكد داوود عيد جهالين، رئيس مجلس قروي عرب الجهالين شرقي بلدة العيزرية، أن مشروع "نسيج الحياة" لا يحمل في مضمونه أي بعد تنموي للفلسطينيين، واصفًا إياه بـ"نسيج الموت". وقال إن الطريق الذي يروّج له كمشروع بنية تحتية، هو في الحقيقة مقدمة لتنفيذ المخطط الاستيطاني المعروف إسرائيليًا باسم E1، الذي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا.

وأوضح جهالين أن أكثر من 45 إخطار هدم قد وُزّع على منشآت تجارية وزراعية وسكنية تعود لسكان عرب الجهالين وأهالي بلدة العيزرية، ما يهدد بفقدان عشرات العائلات مصادر دخلها الوحيدة بسبب عمليات الهدم الوشيكة.

وأشار إلى أن "شارع نسيج الحياة" سيفصل بشكل مباشر بين التجمعات البدوية، لا سيما جبل البابا ووادي الجمل، وبين بلدة العيزرية، ويمنع الامتداد الطبيعي والجغرافي للبلدة، ما سيحرمها من أكثر من 10,000 دونم من أراضيها. ولفت إلى أن المشروع يشكّل الخطر الأكبر على ما يزيد عن 22 تجمعًا بدويًا مهددًا بالتهجير والإخلاء، أي ما يقارب 7,000 مواطن سيخسرون أراضيهم وبيئتهم الأصلية وسبل معيشتهم.

أما بخصوص الإخطارات، فأوضح جهالين أن الاحتلال وزع أوامر إخلاء نهائية، بعضها بمدة 14 يومًا وقد انتهت فعليًا، وأخرى بمدة 60 يومًا ستنتهي في الرابع والخامس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وقال إن السكان يتوقعون أن تُنفذ عمليات الهدم استنادًا للإخطارات الأقصر زمنًا، لتكون عملية التدمير "ضربة واحدة" واسعة النطاق.

إخطار رسمي من الإدارة الإسرائيلية بتمديد مهلة الاعتراض على أمر هدم
إخطار رسمي من الإدارة الإسرائيلية بتمديد مهلة الاعتراض على أمر هدم

وأضاف جهالين أن سلطات الاحتلال تبرر هذه العمليات بضرورة تسليم الأراضي للمقاولين والشركات، تمهيدًا لبدء العمل على الطريق مطلع العام 2026، ما يؤكد أن الهدف الأساسي هو فرض وقائع ميدانية على الأرض لخدمة الاستيطان، لا لتحسين حياة السكان الفلسطينيين كما تدّعي الرواية الإسرائيلية.

من جانبه، أوضح الناشط ضد الاستيطان أيمن غريب لمسبار أن مشروع "نسيج الحياة" يشكّل تهديدًا مباشرًا للتجمعات البدوية شرقي القدس، التي أصبحت عرضة لإخطارات بالهدم والتهجير، إضافة إلى اعتداءات المستوطنين المتكررة.

وأكد غريب أن تجمعات بدوية مثل جبل البابا، والخان الأحمر، ووادي الجمل، وأبو نوار، والمعازي، والجعابين، وأخرى قريبة من بلدة الزعيم، تلقّت إخطارات هدم متعددة. وأشار إلى أن بعض هذه الإخطارات تحمل ذريعة "البناء دون ترخيص"، رغم استحالة الحصول على تراخيص بناء في مناطق "ج" الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.

وأوضح أن الطريق المقرر تنفيذه ضمن مشروع "نسيج الحياة" سيؤدي إلى عزل التجمعات البدوية عن المراعي والطرق الحيوية، ما سيجعل التنقل شبه مستحيل ويدفع السكان إلى الهجرة القسرية تدريجيًا.

وأضاف أن هذه المناطق تشهد تصعيدًا ميدانيًا يوميًا يتمثل في عمليات هدم ومصادرة أراضي، واقتحامات متكررة، واعتداءات مباشرة من قبل المستوطنين، تترافق أحيانًا مع إطلاق نار أو تهديدات مباشرة.

واعتبر غريب أن ما يحدث على الأرض هو استراتيجية ممنهجة للتهجير التدريجي للسكّان البدو، ضمن مخطط يهدف إلى إفراغ المنطقة من وجودها الفلسطيني، تمهيدًا لتوسيع المستوطنات وربطها بمدينة القدس، ضمن مخطط E1 الاستيطاني الأوسع.

منشآت مهددة بالهدم رغم ملكيتها الخاصة: شهادة من المتضررين

في مقابلة مع تلفزيون فلسطين بتاريخ الخامس من سبتمبر/أيلول الجاري، كشف المواطن محمد أبو غالية، أحد المتضررين من مشروع "نسيج الحياة"، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي سلّمته إخطارات بهدم 18 منشأة تجارية تعود له ولعائلته بحجة تنفيذ المشروع. وأوضح أن الأرض المقامة عليها هذه المنشآت هي ملكية خاصة بحسب وثائق بحوزته.

شهادة مواطن بمقابلة مع تلفزيون فلسطين

وأوضح أبو غالية أن هذه المنشآت تشكل مصدر رزق لأكثر من 60 عائلة، وتُعتبر من البنية الاقتصادية الحيوية في المنطقة. وقال إن إخطارات الهدم جاءت دون عرض أي قضية أمام المحكمة، ما يشكل تجاهلًا للإجراءات القانونية، مشددًا على أن المنشآت تقع على بُعد نحو 15 مترًا فقط من المسار المفترض للطريق، ما يجعل الذريعة الأمنية غير مبررة.

وأضاف أن عائلته كانت تقيم في المنطقة التي أقيمت عليها لاحقًا مستوطنة معاليه أدوميم منذ عام 1997، قبل أن يُهجّروا بالقوة من الأرض وإقامة المستوطنة فوقها. بعد ذلك، اشترى مع إخوته أرضًا أخرى وبناء منشآت عليها، إلا أن الاحتلال هدم المحال والمنشآت مرارًا وتكرارًا.

وأشار أبو غالية إلى أن الاحتلال سبق أن هدم مساكن مؤقتة "بركسات"، كان يسكن فيها شقيقاه بحجة عدم الترخيص، رغم تقديم وثائق تثبت الملكية الخاصة للأرض مثل إخراج القيد. وذكر أنه عندما طلب مهلة للحصول على تصريح بناء نفذت سلطات الاحتلال الهدم بعد يومين فقط، ثم عادت لاحقًا لهدم السياج المحيط واقتلاع أشجار زيتون وفتح شارع يمر بمحاذاة معسكر إسرائيلي.

منظمة إسرائيلية تحذر من مشروع "نسيج الحياة" الاستيطاني

أعلنت منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية، وهي حركة إسرائيلية "مناهضة للاستيطان"، في بيان لها إدانتها لمشروع "نسيج الحياة". وأوضحت أن المشروع لا يحمل أي نية حقيقية لتحسين ظروف تنقّل الفلسطينيين، بل يشكّل جزءًا من خطة أوسع لضمّ فعلي لما يقارب 3% من أراضي الضفة الغربية لصالح إسرائيل.

وأضافت المنظمة أن المشروع يكرّس نظام فصل عنصري (أبارتهايد) من خلال شقّ شبكة طرق منفصلة للفلسطينيين والإسرائيليين، تُستخدم لعزل الفلسطينيين عن قلب الضفة الغربية وقطع التواصل الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي بينهم. كما حذّرت من أن المشروع يقضي فعليًا على إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة، إذ يمنع قيام تواصل جغرافي متكامل بين مناطقها، ويُمهد الطريق لبناء مستوطنات جديدة في المنطقة الاستيطانية شرقي القدس المعروفة إسرائيليًا بـE1 بما يجهض أي فرصة لتحقيق حل الدولتين.

وأشارت المنظمة إلى أن المشروع يتم دون أي شفافية أو رقابة تخطيطية، ويُروّج له كـ"طريق أمني" للالتفاف على القانون الدولي، وتجاوز صلاحيات السلطة الفلسطينية، وتجنّب إشراك السكان المتضررين أو إتاحة المجال أمامهم للاعتراض.

نتنياهو يقر اتفاقًا لتوسيع مستوطنات في المنطقة الاستيطانية شرقي القدس

وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس 11 سبتمبر الجاري، اتفاقًا لتفعيل المخطط الاستيطاني المعروف في الوثائق الإسرائيلية باسم "E1"، بهدف توسيع مستوطنات الضفة الغربية المحيطة بالقدس عبر بناء أكثر من 7,600 وحدة استيطانية، منها 3,400 في المنطقة الاستيطانية شرقي القدس بين معاليه أدوميم والمدينة، بحضور وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ومسؤولين من مستوطنة معاليه أدوميم.

من جانبها، حذّرت محافظة القدس من توقيع الاتفاق الذي يقضي بتخصيص نحو 3 مليارات شيقل لبناء هذه الوحدات الاستيطانية، ووصفت الاتفاق بأنه الأضخم منذ عام 2018، مشيرة إلى أن المخطط يهدف إلى ربط المستوطنة بالقدس وقطع التواصل الجغرافي الفلسطيني بما يعزل المدينة عن محيطها ويفصل شمال الضفة عن جنوبها. 

كما حذّرت من أن المشروع يسعى إلى تطويق التجمعات الفلسطينية، وتهجير البدو، وتكريس مشروع "القدس الكبرى" في خطوة تهدف إلى منع قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

تحذير من اتفاق استيطاني جديد في "معاليه أدوميم" بحضور نتنياهو

اقرأ/ي أيضًا

كيف يوظّف المستوطنون التحريض والتضليل لتصعيد الاعتداءات ضد الفلسطينيين؟

بين العنف والتضليل: كيف يحرّف المستوطنون حقيقة الهجوم على دير جرير؟

المصادر

كلمات مفتاحية

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar