علوم

على مواقع التواصل.. علاجات البشرة بين الوصفات الشعبية والحقائق الطبية

محمد عبد اللطيف خرواط محمد عبد اللطيف خرواط
date
28 سبتمبر 2025
آخر تعديل
date
5:01 ص
1 أكتوبر 2025
على مواقع التواصل.. علاجات البشرة بين الوصفات الشعبية والحقائق الطبية
قد تؤدي الوصفات غير العلمية إلى التهابات في الجلد | مسبار

في السنوات الأخيرة تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى مصدر رئيسي لتداول المعلومات الصحية والجمالية، لكن هذا الزخم الرقمي شكّل بيئة خصبة لانتشار وصفات غير علمية وادعاءات مضللة عن علاجات البشرة والأمراض الجلدية. من فرك قوانص الدجاج على الوجه لعلاج مشاكل البشرة، إلى شرب عصائر "منظفات الكبد" لتحسين نضارة البشرة، مرورًا بوصفات منزلية مثل الكركم المحروق لعلاج الكلف، وصولًا إلى ادعاء علاج البهاق بالكمون والعسل، كلها أمثلة لمقاطع حصدت ملايين المشاهدات وآلاف من المشاركات رغم خطورتها الصحية وانعدام الأساس العلمي لها. هذه الظاهرة لا تقتصر على التضليل فحسب، بل قد تعرّض متابعيها لمضاعفات خطيرة مثل العدوى الجلدية، الحروق، أو تفاقم الأمراض المزمنة، في وقت توجد فيه علاجات مثبتة وفعّالة علميًا بإشراف طبي متخصص.

علاج مشاكل البشرة بقوانص الدجاج؟ 

مقطع على تيك توك نال 4.8 مليون مشاهدة و أكثر من 15 ألف مشاركة، يدعي أن فرك قوانص الدجاج على الوجه يساعد في علاج حب الشباب والكلف والنمش والتصبغات الجلدية.

الادعاء بأن فرك قوانص الدجاج على الوجه يعالج مشاكل البشرة لا يستند إلى أي أساس علمي أو طبي، بل يحمل مخاطر صحية. حتى الآن لا توجد أي دراسة طبية أو بحث علمي واحد يثبت أن قوانص الدجاج لها أي تأثير علاجي على مشاكل البشرة، لأن هذه الأمراض الجلدية تنتج عن عوامل متعددة مثل الهرمونات، الالتهابات البكتيرية، الأشعة فوق البنفسجية أو فرط إنتاج الميلانين، وليس لها علاقة بمكونات قوانص الدجاج. على العكس تمامًا، فإن قوانص الدجاج جزء من الجهاز الهضمي للدجاج وغالبًا ما تكون ملوثة ببكتيريا خطيرة مثل السالمونيلا والإشريشيا كولاي والكامبيلوباكتر، وهي ميكروبات قد تسبب التهابات جلدية حادة إذا لامست البشرة أو دخلت عبر المسام والجروح الصغيرة، بل يمكن أن تؤدي في بعض الحالات إلى عدوى جهازية خطيرة.

من الناحية الكيميائية، لا تحتوي قوانص الدجاج على أي مواد فعالة تُستخدم في علاج البشرة، فهي مجرد أنسجة عضلية غنية بالبروتينات والدهون، بينما العلاجات المثبتة علميًا تعتمد على مركبات مثل الريتينويدات، وأحماض ألفا هيدروكسي، والهيدروكينون والنياسيناميد، وهي مواد معروفة بفعاليتها في تقشير الجلد وتنظيم تجدد الخلايا والتقليل من فرط التصبغ.

عصير تنظيف الكبد للحصول على بشرة نضرة؟ 

مقطع فيديو على إكس حصد أكثر من 35 ألف مشاهدة و23 مشاركة، يروّج لعصير يطلق عليه عصير تنظيف الكبد، ويزعم أن تناوله ثلاث مرات أسبوعيًا يساهم في تنظيف الكبد والحصول على بشرة نضرة. ويستند الترويج إلى فكرة أن نضارة البشرة تعكس صحة الكبد، وأن تراكم السموم فيه يظهر على شكل شحوب، بهتان وكثرة التصبغات.

الحديث عن ما يُسمى بـ"عصائر تنظيف الكبد" أو "مشروبات الديتوكس" منتشر كثيرًا على منصات التواصل، لكن عند النظر علميًا نجد أن هذه الفكرة غير صحيحة. الكبد عضو حيوي يعمل بشكل مستمر على معالجة السموم والفضلات عبر إنزيمات معقدة دون الحاجة لأي عصير خاص، وهو مصمم للقيام بهذه المهمة بكفاءة عالية عند الشخص السليم.

أما الادعاء بأن السموم تتراكم في الكبد ثم تظهر على البشرة في صورة شحوب أو تصبغات لا يستند إلى دليل علمي، إذ إن مثل هذه التغيرات الجلدية مرتبطة بعوامل أخرى مثل نقص الفيتامينات، اضطرابات الهرمونات، التعرض للشمس، أو حتى أمراض جلدية معروفة، وليست نتيجة "انسداد الكبد بالسموم". أما العصائر الطبيعية الغنية بالخضار والفواكه فهي قد تكون مفيدة للصحة بشكل عام لأنها تزود الجسم بالفيتامينات ومضادات الأكسدة، لكن هذا لا يعني أنها تنظف الكبد أو تعالج مشاكل البشرة. الحل الحقيقي للحفاظ على صحة الكبد والبشرة هو نمط حياة متوازن يشمل غذاءً صحيًّا، نشاطًا بدنيًّا منتظمًا، شرب كميات كافية من الماء، وتجنب التدخين والكحول، مع مراجعة الطبيب عند وجود أي مشكلة صحية حقيقية.

الكركم المحروق وزيت عرق السوس لعلاج الكلف 

مقطع على تيك توك حقق 3.7 مليون مشاهدة وأكثر من 26 ألف مشاركة يروج لوصفة يقال إنها تعالج الكلف، تقوم على تسخين بودرة الكركم حتى تتحول إلى مسحوق متفحم ثم خلطها مع زيت عرق السوس ووضعها يوميًا على أماكن الكلف مع تجنب التعرض للشمس، والنتيجة وفقًا لما ورد في الفيديو أكثر من رائعة.

الكلف مرض جلدي يحتاج إلى تشخيص دقيق وخطة علاجية واضحة ولا يمكن الاعتماد على وصفات عشوائية مثل حرق الكركم وخلطه بزيت عرق السوس. عند طبيب الجلدية يتم فحص الكلف مباشرة باستخدام أدوات مثل مصباح وود أو الدرماتوسكوب لتحديد عمق التصبغ وأحيانًا تجرى خزعة جلدية للتأكد من عدم وجود أمراض مشابهة. بعد التشخيص يضع الطبيب خطة علاجية شخصية تراعي لون البشرة وعمق البقع والعوامل المسببة مثل الشمس أو الهرمونات.

العلاج يرتكز أساسًا على الحماية الصارمة من الشمس باستعمال واقٍ شمسي واسع الطيف يحتوي على أكسيد الزنك أو ثاني أكسيد التيتانيوم أو أكسيد الحديد، إضافة إلى أدوية موضعية مثبتة علميًا مثل الهيدروكينون أو التريتينوين أو الكريم الثلاثي، وأحيانًا يتم اللجوء إلى إجراءات طبية تحت إشراف متخصص مثل التقشير الكيميائي أو الليزر أو حقن البلازما. في الحالات العنيدة قد يصف الطبيب حمض الترانيكساميك. كل هذه العلاجات تحتاج إلى أشهر عدة من الالتزام والمتابعة حتى تظهر نتائج ملموسة.

في المقابل، حرق الكركم يدمّر المادة الفعالة فيه ويُنتج مركبات قد تهيج الجلد، أما عرق السوس، فهناك بالفعل دراسات طبية تشير إلى أن بعض مكوناته الفعالة مثل Liquiritin وGlabridin تعمل على تثبيط إنتاج الميلانين وتقليل الالتهاب، ما يساعد في التخفيف من فرط التصبغ السطحي أو آثار حب الشباب وحتى بعض أشكال الكلف الخفيف. لكن فعالية عرق السوس تبقى محدودة مقارنة بالأدوية المثبتة مثل الهيدروكينون أو التريتينوين، وتظهر نتائجه تدريجيًا خلال فترة تتراوح بين أسبوعين إلى ثمانية أسابيع، وغالبًا ما تكون أفضل عند دمجه مع علاجات أخرى مثل حمض الأزيليك، الأربوتين، فيتامين C، أو حتى التقشير الكيميائي والليزر. لهذا السبب يصف أطباء الجلدية عرق السوس عادة كجزء من خطة علاجية متكاملة خلال فترات الراحة من استخدام العلاجات الأقوى، وليس كعلاج وحيد.

علاج البهاق بالكمون والعسل 

مقطع على إكس نال أكثر من 50 ألف مشاهدة وتمت مشاركته 116 مرة، يدعي أن البهاق ناتج عن مشكلة تفرزها الكبد وعلاجها بسيط عن طريق شرب الكمون مع العسل، ووضع الكمون مع العسل على البهاق لمدة 21 يومًا.

البهاق هو مرض جلدي مناعي ذاتي مزمن يحدث نتيجة مهاجمة الجهاز المناعي للخلايا الصبغية المسؤولة عن إنتاج الميلانين، ما يؤدي إلى ظهور بقع بيضاء على الجلد. الأبحاث الطبية الحديثة تؤكد أن العوامل الرئيسية وراء المرض تشمل خللًا في المناعة الذاتية، استعدادًا وراثيًّا، واضطرابًا في التوازن التأكسدي داخل الخلايا الصبغية، إضافة إلى بعض العوامل البيئية والعصبية. لا يوجد أي دليل علمي يربط بين أمراض الكبد أو إفرازاته وبين حدوث البهاق.

أما الادعاء بأن شرب الكمون مع العسل أو دهنهما على الجلد لمدة 21 يومًا يعالج البهاق، فلا يستند إلى أي دراسة طبية موثوقة، فالكمون يحتوي على مضادات أكسدة والعسل له خصائص مضادة للبكتيريا، لكن هذه المكونات لا تؤثر على الآلية المناعية المعقدة التي تقود إلى فقدان الصبغة في الجلد. علاوة على ذلك، فإن وضع هذه الخلطات على الجلد قد يسبب تهيجًا أو تحسسًا عند بعض الأشخاص دون أي فائدة علاجية. العلاجات الطبية المثبتة للبهاق تشمل الكورتيكوستيرويدات الموضعية ومثبطات المناعة الموضعية والعلاج الضوئي بالأشعة فوق البنفسجية ضيقة النطاق، وفي بعض الحالات زراعة الخلايا الصبغية أو العلاجات المناعية المتقدمة، وكلها تحت إشراف طبي متخصص.          

مشكلة الترويج لوصفات منزلية غير موثوقة لعلاج أمراض جلدية شائعة مثل الصدفية وحب الشباب والنمش، أنها لا تستند إلى أي دليل علمي أو إرشادات طبية معتمدة، ما يجعلها مصدرًا للخطر أكثر من كونها وسيلة للعلاج. تكمن المخاطر المباشرة في احتمال إحداث التهابات وتهيجات جلدية نتيجة استخدام مواد ضارة على البشرة، بينما تتمثل المخاطر غير المباشرة في تأخير التشخيص الصحيح وحرمان المريض من العلاج الطبي الفعّال.

اقرأ/ي أيضًا

الباراسيتامول والتوحد.. ما الخلفية العلمية لتحذير ترامب للنساء الحوامل؟

تفسيرات غير دقيقة ومضللة على إكس حول الطفيليات ومخاطرها

المصادر

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar