بين الحقائق والعلاجات الزائفة: ما علاقة جرثومة المعدة بأمراض الجهاز الهضمي؟
تزايدت في الآونة الأخيرة موجة من المقاطع والمنشورات على منصات التواصل الاجتماعي، تدعي أن جرثومة المعدة هي السبب الرئيس لمعظم أمراض الجهاز الهضمي، وتروّج لوصفات "طبيعية، مثل خل التفاح والمستكة وجبن الروكفورد كعلاجات نهائية قادرة على القضاء على الجرثومة خلال أيام. وقد لقيت هذه المقاطع رواجًا واسعًا، محققة مئات الآلاف من المشاهدات والمشاركات، ما ساهم في ترسيخ مفاهيم طبية خاطئة بين الجمهور.
غير أن الأبحاث الطبية الحديثة تؤكد أن هذه الادعاءات تفتقر إلى الأساس العلمي، وأن الاعتماد على مثل هذه الوصفات قد يؤدي إلى تفاقم الحالة وتأخير العلاج الفعّال. يهدف هذا المقال إلى مناقشة أبرز هذه المزاعم المنتشرة، وتحليلها نقديًا في ضوء الأدلة العلمية والدراسات الإكلينيكية الموثوقة، لتوضيح الموقف الطبي الصحيح القائم على البحث والتجربة لا على الوصفات المتداولة.
جرثومة المعدة سبب كل أمراض الجهاز الهضمي وعلاجها بخل التفاح وجبن الروكفورد؟
مقطع على تيك توك نال أكثر من 900 ألف مشاهدة و9 آلاف مشاركة، يدعي أن جرثومة المعدة هي سبب كل أمراض الجهاز الهضمي، لأنها تفرز مادة قلوية تسبب ارتخاء عضلة المري العاصرة فيحدث ارتجاع المري. ويزعم أن المضادات الحيوية لا تعالجها وتسبب أضرارًا خطيرة مثل آلام المفاصل وتساقط الشعر وأمراض مناعية وخبيثة. ويقترح أن علاجها النهائي هو تناول جبن روكفورد وخل التفاح على معدة فارغة لمدة 14 يومًا.
جرثومة المعدة Helicobacter pylori هي بكتيريا حلزونية الشكل تستوطن الغشاء المخاطي المبطن للمعدة، وتفرز إنزيم يسمى اليورياز (Urease)، يحول اليوريا إلى أمونيا لتقلل الحموضة الموضعية في بيئتها الدقيقة، ما يتيح لها البقاء داخل المعدة دون أن تتأثر بالحمض المعدي القوي. غير أن هذه القلوية الموضعية محدودة جدًا، ولا تؤثر في الحموضة العامة للمعدة أو في العضلة العاصرة لفتحة المعدة. فالادعاء بأن انخفاض الحموضة بسبب الجرثومة يؤدي إلى "فتح فتحة المعدة"، وبالتالي يسبب ارتجاع المري هو تفسير غير صحيح علميًا، إذ أن الارتجاع المعدي المريئي (GERD)، ينتج عادة عن ضعف العضلة العاصرة السفلية للمريء، وترتبط أسبابه بالسمنة والتدخين وتناول الأطعمة الدهنية أو المنبهات، وليس بوجود البكتيريا في المعدة.
وعلى عكس الادعاء، تشير الأبحاث الحديثة إلى وجود علاقة عكسية بين جرثومة المعدة وارتجاع المري. فقد كشفت دراسة حديثة بعنوان "العلاقة بين عدوى الملوية البوابية وخطر حدوث أو تكرار التهاب المري الارتجاعي"، نُشرت في مجلة eGastroenterology بتاريخ 26 يونيو/حزيران 2025، أنّ استئصال بكتيريا H. pylori يرتبط بزيادة خطر تطور أو تكرار التهاب المريء الارتجاعي (RE).
كما أظهرت النتائج أن هذا الخطر يتزايد بمرور الوقت، ولا سيما بعد مرور عام على العلاج، وكان أوضح لدى مرضى القرحة الهضمية. وخلص الباحثون إلى أن وجود الجرثومة قد يؤدي في بعض الحالات إلى تأثير وقائي نسبي من خلال تقليل إفراز الحمض المعدي، بينما قد يؤدي القضاء عليها إلى زيادة إنتاج الحمض وبالتالي ارتفاع احتمال حدوث الارتجاع.
أما الادعاء بأن جرثومة المعدة مسؤولة عن "جميع أمراض الجهاز الهضمي"، فهو تبسيط مخلّ لا يمت إلى الحقيقة العلمية بصلة. فوفقًا لتوصيات تقرير ماستريخت السادس، فإن هذه البكتيريا ترتبط فقط بثلاثة أمراض رئيسية: التهاب المعدة المزمن، القرحة المعدية والاثناعشرية، والورم اللمفاوي المعدي من نوع MALT lymphoma. أما القولون العصبي وأمراض الكبد والمناعة الذاتية فلا يوجد أي إثبات علمي على ارتباطها بهذه العدوى.
أما الزعم بأن المضادات الحيوية "ثقيلة على الجسم" و”تسبب أمراضًا مناعية وخبيثة"، من أكثر المغالطات خطرًا. فالعلاج الثلاثي أو الرباعي المعتمد دوليًا يحقق نسب شفاء مرتفعة عند الالتزام الصحيح بالجرعات والمدة المقررة. ولا توجد أي دراسة علمية تربط بين المضادات الحيوية المستخدَمة لعلاج H. pylori وبين أمراض مناعية أو اكتئاب أو تساقط الشعر، إذ تقتصر آثارها الجانبية غالبًا على اضطرابات بسيطة في الجهاز الهضمي مثل الغثيان أو الإسهال.
أما الادعاء بأن جبن الروكفورد يعالج جرثومة المعدة لأنه يحتوي على "بكتيريا نافعة خضراء"، فهو ادعاء خاطئ علميًا. فالبقع الخضراء الموجودة في هذا الجبن ليست بكتيريا بل هي عفن نافع من نوع Penicillium roqueforti يُستخدم في عملية التخمير لإكساب الجبن نكهته ورائحته المميزة. هذا العفن غير ضار في حد ذاته، لكنه لا يمتلك أي خصائص مضادة لجرثومة المعدة، ولا توجد أي دراسات تشير إلى فاعليته العلاجية.
أما بالنسبة لاستخدام خل التفاح كعلاج، فلا يوجد أي دليل علمي موثوق يثبت فعاليته، بل إنّه قد يزيد من حموضة المعدة ويسهم في تفاقم الأعراض بدلاً من تخفيفها.

لبان المستكة يقضي على جرثومة المعدة ويعالج تقرحات الجهاز الهضمي؟
منشور على إكس حصد 158 ألف مشاهدة وأكثر من 400 مشاركة، يدعي أن لبان المستكة يقضي على جرثومة المعدة لأنه يحتوي على مضادات بكتيريا فعالة ونادرة، ويحتوي على نحو 180 مركّب تمت تجربتها في المختبر وعلى البشر، تساعد على تحفيز بطانة المعدة والقولون، وبذلك تعالج تقرحات الجهاز الهضمي مثل مرض كرون (Crohn's disease).
لبان المستكة (المعروف علميًا باسم Pistacia lentiscus var. Chia)، هو راتنج طبيعي يحتوي على مزيج من المركبات النباتية مثل التربينات، والأحماض التريتربينية، والفينولات، وقد أظهرت بعض الدراسات أنه يمتلك خصائص مضادة للالتهاب والأكسدة، وربما بعض التأثيرات المضادة للبكتيريا. لكن هذا لا يعني أنه علاج فعلي أو بديل للأدوية الطبية المعتمدة ضد جرثومة المعدة أو أمراض الجهاز الهضمي المزمنة.
من أبرز الدراسات التي تناولت هذا الموضوع دراسة سريرية منشورة في مجلة Phytomedicine عام 2010 بعنوان "The effect of mastic gum on Helicobacter pylori: A randomized pilot study"، وفيها تم اختُبر لبان المستكة على 52 مريضًا مصابًا بجرثومة المعدة، قُسّموا إلى أربع مجموعات: تناولوا جرعات منخفضة أو مرتفعة من المستكة، أو مزيجًا من المستكة مع دواء بانتوبرازول، أو العلاج الثلاثي الطبي المعتمد (بانتوبرازول + أموكسيسيلين + كلاريثروميسين).
النتائج أظهرت أن المستكة قضت على الجرثومة فقط في 30–38% من المرضى، بينما العلاج الثلاثي (بانتوبرازول + أموكسيسيلين + كلاريثروميسين) نجح في القضاء على الجرثومة لدى 76.9% من المرضى. كما أن الجمع بين المستكة ومثبط الحموضة ألغى تأثيرها تمامًا، ما يشير إلى أن فاعليتها تعتمد على البيئة الحمضية للمعدة. خلصت الدراسة إلى أن المستكة تمتلك نشاطًا بكتيريًا جزئيًا ضد H. pylori لكنها لا تحقق معدلات شفاء مقبولة طبيًا، ولا يمكن الاعتماد عليها كبديل للعلاج القياسي.
مراجعة علمية شاملة أخرى نُشرت في مجلة Nutrients عام 2022 بعنوان "Overview of Chios Mastic Gum (Pistacia lentiscus) Effects on Human Health"، أكّدت هذه النتيجة، موضحة أن أغلب الأدلة حول المستكة تأتي من دراسات مخبرية أو تجارب بشرية صغيرة قصيرة المدى. هذه الدراسات تشير إلى أن المستكة قد تُخفف الالتهاب وتساعد في تقليل مؤشرات الالتهاب في أمراض مثل داء كرون والتهاب القولون التقرحي، لكنها ليست علاجًا مباشرًا أو شافيًا. في حالة داء كرون، أظهرت إحدى الدراسات (Kaliora et al., 2007) أن تناول 2.2 غرام من المستكة يوميًا لمدة أربعة أسابيع، خفّض بعض مؤشرات الالتهاب مثل IL-6 وCRP، لكن لم يكن هناك شفاء من المرض أو استبدال للعلاج المناعي أو الحيوي المستخدم طبيًا.

وصفة لبان الذكر والصمغ العربي لأمراض الجهاز الهضمي والكلى
منشور على إكس حصد أكثر من 64 ألف مشاهدة و300 مشاركة، يروّج لوصفة طبيعية تجمع بين اللبان الذكر والصمغ العربي، مدّعيًا أنها فعّالة في علاج عدد من المشكلات الصحية. إذ يزعم أن اللبان الذكر يمتلك خصائص مضادة للبكتيريا تساعد في مكافحة جرثومة المعدة والقولون العصبي، بينما يعمل الصمغ العربي كمصدر للألياف الطبيعية التي تحافظ على توازن البكتيريا النافعة في الأمعاء. كما يشير المنشور إلى أن دراسات حديثة أظهرت دور الصمغ العربي في خفض نسبة البولينا في الدم وتحسين وظائف الكلى لدى مرضى الفشل الكلوي، بالإضافة إلى قدرته المزعومة على إذابة الأملاح ومنع تكوّن الحصوات.
من المهم فهم أن اللبان الذكر والصمغ العربي مادتان مختلفتان في التركيب والآلية والتأثير، وأن دمجهما لا يعني بالضرورة تضاعف الفائدة أو ظهور خصائص علاجية جديدة. فـاللبان الذكر هو راتنج يُستخلص من شجرة Boswellia serrata، ويحتوي على مركبات تُعرف بأحماض البوزويليك (Boswellic acids)، وهي مركبات تمتلك خصائص مضادة للالتهاب. وقد أظهرت الدراسات أنه قد يخفف الالتهاب في بعض الحالات مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو التهاب القولون التقرحي أو الربو. إلا أن أغلب الأبحاث أُجريت على حيوانات التجارب أو خلايا في المختبر، وليس على البشر، وبالتالي لا يمكن الجزم بفعاليته السريرية.
المراجعات العلمية الحديثة، أكدت أن أغلب الأدلة حول اللبان الذكر ما زالت أولية وأن الأبحاث على البشر محدودة وغير كافية للتوصية به كعلاج لأي مرض مزمن. ولا توجد أي دراسة أثبتت أنه يعيد بناء أو يرمم أنسجة الكلى أو القولون، أو أنه يقتل Helicobacter pylori (جرثومة المعدة)، أو أنه يفتت الحصوات. بل إن هذه المزاعم تتعارض مع ما هو معروف طبيًا، لأن ترميم الأنسجة المتضررة في الكلى أو القولون يحتاج إلى عمليات بيولوجية معقدة لا يمكن لأي مكمل عشبي بسيط أن يحققها. إضافة إلى ذلك، قد يسبب اللبان الذكر بعض الأعراض الجانبية مثل الحموضة والغثيان، وقد يتداخل مع أدوية الالتهاب أو مميّعات الدم.
أما الصمغ العربي (Acacia senegal أو Acacia seyal) فهو مادة غنية بالألياف الذائبة، تُستخدم طبيًا كمكمل غذائي وليس كدواء. وفقًا لمراجعة علمية شاملة نُشرت عام 2023 في مجلة Biomolecules، والتي حللت 29 تجربة سريرية بشرية، تبيّن أن الصمغ العربي يمتلك خصائص مضادة للأكسدة والالتهاب، وقد يُسهم بشكل طفيف في خفض مؤشرات البولينا واليوريا في الدم لدى مرضى الفشل الكلوي المزمن. هذا التأثير ناتج عن تعزيز نمو البكتيريا النافعة في القولون التي تستهلك جزءًا من النيتروجين الزائد، مما يقلل الحمل على الكلى. لكن هذا لا يعني أنه "يرمم الكلى" أو "يعيد وظائفها"، بل يظل تأثيرًا محدودًا ومساعدًا ضمن النظام الغذائي وتحت إشراف طبي فقط. المراجعة نفسها أكدت أيضًا أن الصمغ العربي لا يُعد علاجًا فعّالًا لقرحة المعدة أو القولون العصبي أو الحصوات، ولا توجد أي أدلة على أنه يقضي على جرثومة المعدة.
من المهم أيضًا الإشارة إلى أن الإفراط في تناول الألياف مثل الصمغ العربي دون إشراف طبي، قد يؤدي إلى اضطرابات في توازن السوائل والمعادن، خاصة لدى مرضى الكلى. كما أن تناول اللبان الذكر بجرعات عالية قد يسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي أو يتفاعل مع أدوية أخرى.
خلطة منزلية للتخلص من جرثومة المعدة خلال 25 يوم!
مقطع على تيك توك حصد 1.7 مليون مشاهدة وأكتر من 21 ألف مشاركة، يدعي التخلص من جرثومة المعدة خلال 25 يومًا عن طريق اخذ بروبيوتك على الريق، وبعد ساعة زيت جوز الهند مع شرب المستكة أحيانا وعرق السوس، وبعد الغذاء تناول عشبة المورينجا واستخدام عسل السدر وشرب خل التفاح وعصير البروكلي والملفوف الطازج.
تؤكد الأبحاث الحديثة أن البروبيوتيك لا يستطيع القضاء على الجرثومة بمفرده، وإنما يعمل كمساعد مكمل للعلاج الدوائي التقليدي. فالبروبيوتيك عبارة عن بكتيريا نافعة تساعد على استعادة التوازن الميكروبي في الجهاز الهضمي، لكنها لا تمتلك القدرة على قتل بكتيريا الملوية البوابية أو إزالتها نهائيًا من المعدة. وقد أكدت دراسة تحليلية واسعة نُشرت في مجلة PLOS ONE عام 2016، أن إضافة البروبيوتيك إلى العلاج الثلاثي التقليدي، الذي يتضمن نوعين من المضادات الحيوية ومثبطًا لمضخة البروتون، يؤدي إلى تحسين معدلات القضاء على الجرثومة بنسبة ملحوظة، كما يُقلل من شدة الأعراض الجانبية مثل الإسهال والغثيان والانتفاخ.
زيت جوز الهند يحتوي على أحماض دهنية مثل حمض اللوريك ذات نشاط مضاد للبكتيريا في المختبر فقط، ولا توجد أدلة سريرية على فعاليتها ضد H. pylori داخل الجسم.
عرق السوس يمتلك خصائص مضادة للالتهاب وقد يقلل التصاق البكتيريا بجدار المعدة، لكنه لا يقضي عليها.
بالنسبة لعشبة المورينجا فلا يوجد أي دليل علمي يربطها بعلاج جرثومة المعدة، بينما العسل له نشاط مضاد للبكتيريا في التجارب المخبرية، لكن لم تثبت فعاليته في القضاء على الجرثومة داخل جسم الإنسان.
أما خل التفاح، فلا يوجد أي دليل علمي موثوق يثبت فعاليته، بل إنّه قد يزيد من حموضة المعدة ويسهم في تفاقم الأعراض بدلًا من تخفيفها. أما عصير البروكلي والملفوف الطازج فيحتوي على مركب السلفورافين الذي أظهر بعض النشاط المضاد للبكتيريا في الدراسات التجريبية، لكنه لا يُعدّ علاجًا كافيًا بمفرده.
اقرأ/ي أيضًا
على مواقع التواصل.. علاجات البشرة بين الوصفات الشعبية والحقائق الطبية
وصفات علاج القلق ونوبات الهلع على تيك توك: بين الحقائق العلمية والخرافات الشعبية
المصادر





































