أخبار

عامان من الإبادة على غزة: إسرائيل تواصل تضليلها بشأن المساعدات الإنسانية

أحمد كحلانيأحمد كحلاني
date
8 أكتوبر 2025
آخر تعديل
date
4:33 ص
9 أكتوبر 2025
عامان من الإبادة على غزة: إسرائيل تواصل تضليلها بشأن المساعدات الإنسانية
التضليل الإسرائيلي عبر التلاعب ببيانات المساعدات الإنسانية | مسبار

منذ اليوم الأول لعدوانه العسكري على قطاع غزة، فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارًا شاملًا ومحكمًا على القطاع، ولم يكن هذا الحصار إجراء أمنيًا أو عسكريًا فحسب، بل عكس سياسة إسرائيلية ممنهجة هدفت إلى خنق الفلسطينيين وتجويعهم من خلال إغلاق المعابر ومنع دخول المواد الأساسية إليهم. ولترسيخ هذه السياسة أكثر، تعمّد الاحتلال تدمير الأراضي الزراعية ومصادر الصيد البحري.

هذه السياسات أدت إلى انهيار شبه كامل لمصادر الغذاء في القطاع، ما تسبب في تفاقم الكارثة الإنسانية، ليجد أكثر من مليوني فلسطيني أنفسهم محرومين من الغذاء والدواء على مدى عامين من العدوان.

أمام هذا الواقع القاسي، أطلقت المنظمات الإنسانية والحقوقية حول العالم تحذيرات متكررة من خطورة استخدام الغذاء كسلاح حرب ضد المدنيين، مطالبة بفتح المعابر فورًا لتفادي التجويع. ومع تصاعد هذه الضغوط الدولية، واجهت حكومة الاحتلال اتهامات متزايدة باستخدام التجويع أداة في حربها.

وبدلًا من الاستجابة لهذه الضغوط وتغيير سياساتها، اختار الاحتلال خوض حرب موازية في الفضاء الإعلامي، فبالتوازي مع الحصار العسكري، أطلق حملات تضليل متكررة هدفت إلى إنكار وجود التجويع والتلاعب بأرقام المساعدات الإنسانية، إلى جانب اختلاق ذرائع لعرقلة دخولها. كما روّج لروايات تحمّل أطرافًا أخرى، وعلى رأسها الأمم المتحدة، مسؤولية الأزمة في محاولة للتنصل من التزاماته القانونية والإنسانية.

في المقال التالي، يوضح "مسبار" كيف حوّل الاحتلال التضليل إلى أداة استراتيجية لتشديد الحصار، إذ وظفه كغطاء سياسي وإعلامي لجريمة التجويع عبر إنكارها، وكوسيلة لخلق ذرائع تبرر قرارات منع إدخال المساعدات.

حملات مضللة لنفي التجويع

مع تفاقم أزمة الجوع الناتجة عن سياسات الاحتلال المتمثلة في تقليص عدد شاحنات المساعدات بنسبة كبيرة، وفرض آليات تفتيش معقّدة، وتقييد أنواع المواد المسموح بإدخالها، بل ومنع دخول المساعدات أحيانًا بشكل كامل خلال فترات محددة من العدوان، شنّ الاحتلال حملة تضليل واسعة لنفي وجود التجويع في غزة، في محاولة للتقليل من حجم الضغوط والمطالبات الدولية الداعية إلى إدخال المساعدات.

وفي هذا الإطار، كرّر المسؤولون الإسرائيليون خلال عامين من العدوان تصريحاتهم التي تنفي اتباع أي سياسة تجويع في القطاع، وزعموا مرارًا أن إسرائيل "تبذل جهودًا كبيرة" لتسهيل دخول المساعدات، وأن جيشها "يعمل وفق القانون الدولي" ويقدم المساعدات الإنسانية بما يتماشى مع "المعايير الدولية".

إنكار التجويع في غزة

ذرائع لتبرير تقليص المساعدات

إلى جانب استراتيجية "إنكار الأزمة"، اعتمد الاحتلال الإسرائيلي أسلوبًا آخر من التضليل تمثّل في اختلاق ذرائع متكررة لتبرير عرقلة دخول المساعدات الإنسانية وتقليص كمياتها بشكل منهجي ومستمر.

من أبرز هذه الذرائع، ادعاؤه أن "حركة حماس تستولي على المساعدات" فور دخولها القطاع وتحرم المدنيين منها، وهي سردية رُوّجت في التصريحات الرسمية الإسرائيلية لتبرير إبطاء دخول الشاحنات، بذريعة ضمان وصولها إلى "المستحقين" وعدم استخدامها من قبل المقاتلين.

كما استند الاحتلال إلى ذريعة أخرى تعد الأوسع نطاقًا، وهي تصنيفه عددًا كبيرًا من المواد ضمن ما يسمى "قائمة المواد ذات الاستخدام المزدوج". ووفق هذا التصنيف، منع إدخال العديد من السلع الأساسية، من بينها معدات طبية مثل أجهزة الأشعة، ومستلزمات إيواء، وحتى أصناف من المواد الغذائية مثل التمور، بدعوى إمكانية استخدامها لأغراض عسكرية، وأدت هذه الإجراءات إلى تعطيل حركة المساعدات وتأخير وصولها، ما جعل الكميات المتاحة غير كافية لتغطية الاحتياجات المتزايدة في القطاع.

إلى جانب ذلك، استُخدمت الذرائع الأمنية لإغلاق المعابر بشكل متكرر، ما ربط تدفق المساعدات بالتطورات الميدانية والعمليات العسكرية. كما لجأ الاحتلال إلى ذرائع لوجستية عبر تحميل منظمات الأمم المتحدة مسؤولية التأخير في التوزيع، زاعمًا عجزها عن استيعاب الكميات التي يسمح بدخولها.

الاحتلال يعرقل دخول المساعدات لغزة بعد عملية معبر الكرامة

التضليل الإسرائيلي عبر التلاعب ببيانات المساعدات الإنسانية

إلى جانب إنكار الأزمة وخلق الذرائع، لجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى استراتيجية تضليل رقمية ارتكزت أساسًا على التلاعب ببيانات المساعدات الإنسانية. فباستخدام الأرقام كأداة دعائية، سعى الاحتلال إلى تلميع صورته وخلق انطباع زائف بوفرة المساعدات التي يسمح بدخولها إلى غزة، بما يخدم نفي الاتهامات الموجهة إليه، ويقوّض حقيقة الأزمة الإنسانية المتفاقمة.

ورصد مسبار منهجية متكررة في طريقة عرض هذه البيانات، سواء عبر الحسابات الرسمية الإسرائيلية أو الجهات الداعمة لها، حيث تقوم هذه المنهجية على تضخيم الأرقام المتعلقة بكميات المساعدات التي يزعم الاحتلال أنه سمح بإدخالها، من خلال نزعها من سياقها.

فعادة ما يقدم الاحتلال أعدادًا كبيرة ومجردة مثل "مليون وجبة طعام" أو "آلاف الطرود الغذائية"، دون توضيح أن هذه الكميات موزعة على فترة زمنية طويلة أو أنها لا تغطي سوى جزء ضئيل من الاحتياج اليومي لأكثر من مليوني شخص، وهذا الأسلوب التضليلي يجعل الرقم في ظاهره يبدو ضخمًا، لكنه في الحقيقة يعكس كميات محدودة جدًا مقارنة بالاحتياجات الفعلية في القطاع.

كما يتعمد الاحتلال الخلط بين وحدات القياس مثل عدد "الشاحنات" وعدد "الطرود" أو "الوجبات"، فعلى سبيل المثال، يروّج لسماحه بدخول "آلاف الطرود" دون الإشارة إلى أن هذا العدد قد لا يتجاوز في حجمه الفعلي حمولة شاحنة واحدة فقط، ما يخلق انطباعًا مضللًا حول حجم المساعدات التي دخلت القطاع.

وفي مقال سابق، حلل مسبار عينات من هذه البيانات، وكشف أن الأرقام التي يروج لها الاحتلال بشأن المساعدات، حتى وإن كانت صحيحة كقيمة عددية مجردة، فإن طريقة عرضها تخدم هدفًا دعائيًا واضحًا. فالهدف منها هو الإيحاء بوجود استجابة إسرائيلية للمطالب الدولية، بينما تكشف المؤشرات الميدانية وتقارير المنظمات الدولية عن واقع إنساني متدهور وتناقض صارخ مع هذه المزاعم.

تضليل الاحتلال بشأن بيانات المساعدات

إسرائيل تروج اتهامات مضللة لتبرئة نفسها من الحصار

إضافة إلى إنكار الأزمة والتلاعب بالأرقام، استخدم الاحتلال الإسرائيلي استراتيجية تضليلية قائمة على "تحويل اللوم"، إذ عمل على تحميل أطراف أخرى مسؤولية عرقلة دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

وتعد حركة حماس الهدف الأبرز لهذه الحملات المضللة، إذ اتهمها الاحتلال مرارًا وتكرارًا خلال العامين الماضيين بسرقة المساعدات الموجهة للمدنيين فور دخولها القطاع، إما لتخزينها لصالح مقاتليه أو لبيعها في السوق السوداء. كما زعم أنها تتحمّل مسؤولية إطلاق النار عند نقاط توزيع المساعدات لإحداث الفوضى وتعطيل العملية.

وشملت هذه الاتهامات أيضًا الأمم المتحدة ووكالاتها، إذ وجّه الاحتلال إليها اتهامات متكررة بـ"التقصير" و"الفشل اللوجستي"، مدّعيًا أنه يسمح بدخول كميات كبيرة من المساعدات بينما تتقاعس تلك المنظمات عن تسلّمها وتوزيعها على المحتاجين.

ولم تقتصر هذه الحملات على الرواية الإسرائيلية وحدها، بل وجدت صدى لدى مسؤولين أميركيين ساعدوا في ترويجها، مثل المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية، سامويل واربيرغ، الذي زعم بدوره أن حركة حماس تسرق المساعدات الإنسانية، من دون تقديم أي دليل يدعم هذا الادعاء.

إسرائيل تتهم حماس بمنع وصول المساعدات لسكان غزة

التضليل بشأن فاعلية آليات توزيع المساعدات

لم يقتصر التضليل الإسرائيلي على كميات المساعدات وكيفية إدخالها، بل امتد ليشمل آليات توزيعها. فبدلًا من الالتزام بالقوانين الدولية التي تفرض حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات إليهم بأمان وكرامة، عمد الاحتلال إلى ابتكار آليات توزيع بديلة قدّمها من خلال سرديات مضللة.

أبرز هذه الآليات كانت ما يُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، التي روّج لها الاحتلال كبديل "آمن ومنظّم" عن قنوات الأمم المتحدة، زاعمًا أنها تضمن وصول المساعدات الإنسانية مباشرة إلى المدنيين وتمنع حركة حماس من الاستيلاء عليها. غير أن الواقع الميداني كشف الطابع الحقيقي لهذه الآلية، إذ تحولت نقاط التوزيع التابعة لها إلى مصائد ومناطق قتل تسببت في سقوط مئات المدنيين الباحثين عن الطعام.

وفي تحقيق سابق، وثّق مسبار شهادات خاصة لعدد من الناجين من هذه الحوادث، أكدوا تعرض المدنيين لإطلاق نار مباشر ومتعمد من قبل جنود الاحتلال. ووصف شهود العيان عملية الحصول على الطعام بأنها "صراع في غابة"، حيث يُحرم الأضعف من نصيبه، ويتعرض المنتظرون للإهانة برشّهم برذاذ الفلفل، فيما تحدّث آخرون عن عمليات قنص متعمدة استهدفت الباحثين عن المساعدات.

ورغم هذه الشهادات والأدلة الموثقة بالصوت والصورة، إلا أن "مؤسسة غزة الإنسانية"، ومن ورائها الاحتلال، تواصل التنصل من المسؤولية، وتستمر في نشر صور وروايات مضللة تزعم أنها توثّق عمليات توزيع "آمنة ومنظمة"، في تناقض صارخ مع الواقع الدامي على الأرض.

تضليل مؤسسة غزة الإنسانية

تضليل بشأن المساعدات الطبية

على مدى عامين من العدوان، روّج الاحتلال ومنسق الحكومة في المناطق، لادعاءات تفيد بوجود تدفق كبير للأدوية والمستلزمات الطبية إلى قطاع غزة، وأن إسرائيل لا تمنع دخول الفرق أو المعدات الطبية، بل "تسهّل" وصولها، زاعمة أيضًا أنها سمحت بإدخال "آلاف الأطنان" من الأدوية والمعدات، وأنها على "تواصل يومي" مع المنظمات الدولية لضمان تلبية احتياجات المستشفيات.

غير أن هذه الرواية تتناقض مع الواقع الميداني الذي وثّقه مسبار في العديد من التحقيقات التي نشرها على مدى عامين من العدوان، حيث عمل على تتبّع المعطيات الميدانية وشهادات الفرق الطبية العاملة في القطاع، والتي أكدت غالبيتها الانخفاض الحاد في مخزونات الأدوية والمستهلكات الطبية إلى مستويات غير مسبوقة، بل وفقدانها تمامًا في بعض المستشفيات خلال فترات مختلفة من العدوان.

كما أكدت شهادات أخرى اعتمدها مسبار في عدد من مواده اضطرار الأطباء إلى استخدام بدائل لبعض الأدوية، أو إجراء عمليات جراحية كبرى مثل بتر الأطراف دون مسكنات أو مضادات حيوية، في مشهد يعكس مستوى الانهيار الذي وصلت إليه المنظومة الصحية في غزة نتيجة الحصار المفروض وتعطيل دخول المساعدات الطبية، على عكس المزاعم الإسرائيلية.

مزاعم إسرائيلية بشأن تدفق الأدوية لغزة

وفي السياق، كشف تحقيق سابق لمسبار كيف مهد الاحتلال الطريق أمام عصابات محلية، مثل تلك التي يقودها ياسر أبو شباب، للسيطرة على المساعدات. فبدلًا من تأمين القوافل، سهلت قوات الاحتلال عمليات استيلاء هذه العصابات على الشاحنات، ما خدم عدة أهداف استراتيجية في آن واحد.

أبرز هذه الأهداف هو الإيحاء بأن الاحتلال لا يفرض حصارًا على القطاع وأنه يسمح بدخول المساعدات، إلى جانب الإيحاء بأن مشكلة عدم وصول المساعدات إلى مستحقيها تعود إلى الفشل الأمني الداخلي.

هذا التكتيك المضلل ساهم في استمرار حرمان السكان من المساعدات، وجعل منها ورقة ضغط استغلها الاحتلال لأهداف ديموغرافية، إذ ربط وفرة المساعدات الإنسانية بتشجيع السكان على النزوح من مناطق معينة، خاصة من الشمال إلى الجنوب.

ياسر أبو شباب وسرقة المساعدات

اقرأ/ي أيضًا

عامان من الإبادة على غزة: إسرائيل تروّج لمزاعم "المناطق الآمنة" للتنصل من جرائمها ضد المدنيين

عامان من الإبادة على غزة: كيف واصلت إسرائيل سياسة إنكار تجويع المدنيين؟

المصادر

كلمات مفتاحية

اقرأ/ي أيضًا

الأكثر قراءة

مؤشر مسبار
سلّم قياس مستوى الصدقيّة للمواقع وترتيبها
مواقع تم ضبطها مؤخرًا
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
publisher
عرض المواقع
bannar