المديرة التنفيذية لليونيسف تكرّر مزاعم "تشويه الأطفال الإسرائيليين" في ذكرى 7 أكتوبر
في الذكرى الثانية لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أثارت تغريدة المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، كاثرين راسل، جدلًا واسعًا بعد أن ركّزت على "الهجمات المروّعة التي شنّتها حماس وجماعات مسلّحة أخرى على الأطفال والمجتمعات في إسرائيل". وفي بيان منفصل، نشرت راسل نصًا قالت فيه "عامان على الهجمات المروّعة التي شنّتها حماس وجماعات مسلّحة أخرى على الأطفال والمجتمعات في إسرائيل. يُعدّ قتل الأطفال وتشويههم واختطافهم انتهاكات جسيمة لحقوقهم. لكل طفل، في كل مكان، الحق في الأمان والرعاية والحماية".
أعاد هذا البيان إلى الواجهة الجدل حول ازدواجية الخطاب الإنساني الدولي، لا سيما حين يتبنى روايات سبق أن فُنّدت من قبل جهات إعلامية وحقوقية.
من أين جاءت مزاعم "تشويه الأطفال الإسرائيليين"؟
تعود المزاعم حول "تشويه الأطفال الإسرائيليين" إلى الساعات الأولى بعد السابع من أكتوبر 2023، حين روّجت شخصيات سياسية وإعلامية إسرائيلية مزاعم حول "قطع رؤوس الأطفال" و"حرقهم"، قبل أن تتراجع جهات رسمية إسرائيلية لاحقًا عن تأكيدها. وقد نفت الادعاءات جهات دولية عدة من بينها إسرائيليةـ وتراجع عنها البيت الأبيض. ومع ذلك، استمر تداولها في الخطاب الإسرائيلي الرسمي وعلى لسان مسؤولين في الأمم المتحدة، لتتحول إلى جزء من السردية التي تبرر استمرار الحرب على غزة تحت عنوان "الرد على وحشية حماس". فيما فنَّد مسبار المزاعم في عدة تحقيقات متتالية على مدار الحرب.
في اليوم التالي، الثامن من أكتوبر الجاري، نشرت منظمة اليونيسف بيانًا آخر قالت فيه "خلال العامين الفائتين، وردت تقارير عن مقتل أو تشويه ما يصل إلى 64 ألف طفل في جميع أنحاء قطاع غزة، في حرب مدمّرة تُعدّ إهانة لإنسانيتنا جميعًا. تستمر الغارات الإسرائيلية على مدينة غزة وأجزاء أخرى من القطاع. ندعو إسرائيل إلى ضمان الحماية الكاملة لأرواح جميع المدنيين. إن كل طفل يُقتل يمثّل خسارة لا يمكن تعويضها. ومن أجل جميع الأطفال في غزة، يجب إنهاء هذه الحرب الآن"، وتطرق البيان إلى المجاعة وحالات سوء التغذية التي يعاني منها الأطفال في مدينة غزة.
ورغم أن البيان بدا أكثر شمولًا من سابقه من ناحية الإشارة إلى معاناة الأطفال في غزة، فإن اللغة المستخدمة تكشف عن تباين واضح في صياغة الموقف الإنساني. فبينما استخدمت المديرة التنفيذية في بيانها الأول حول "الأطفال الإسرائيليين" صيغة تقريرية مؤكَّدة "شنّت حماس هجمات مروّعة على الأطفال" و"تشويههم واختطافهم"، لجأت في البيان الثاني إلى لغة التخفيف والاحتمال بعبارة "وردت تقارير عن مقتل أو تشويه ما يصل إلى 64 ألف طفل"، بما يوحي بعدم الجزم أو تحميل المسؤولية المباشرة لأي طرف.
كما تجاهل البيان استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية" الذي بات معتمدًا في تقارير أممية ودولية تصف ما يجري في غزة، واستعاض عنه بمصطلح "الحرب"، وهو توصيف يُخفّف من حدة الانتهاكات ويُحيل الصراع إلى إطار متكافئ بين طرفين، لا إلى عدوان ممنهج على المدنيين، وفي مقدمتهم الأطفال.
مواقف اليونيسف خلال حرب الإبادة على غزة
خلال عامين من الحرب على غزة، حافظت اليونيسيف على حضور علني متواصل، إذ وثّقت المنظمة بشكل متكرر ضحايا بين الأطفال، وحذّرت من مظاهر تدهور إنساني يشمل القتل والتشويِه والتهجير وفشل الخدمات الصحية والتعليمية وتفشّي سوء التغذية، حتى الوصول إلى مستويات المجاعة في أجزاء من القطاع في بيانات رسمية صدرت بشكل تتابعي على فترات زمنية.
على مستوى اللغة والخطاب، اتّسمت بيانات اليونيسيف بمزيج بين التعابير الحازمة والدلالات التحفظية، ففي كثير من بياناتها فضّل مسؤولوها وصف الاعتداءات بعبارات مباشرة مثل "القصف الإسرائيلي مستمر"، و"قتل وجرح وتشويه الأطفال". وفي بيانات أخرى اعتمدت اليونيسيف تركيبًا تقريريًّا أضعف اللهجة القانونية التأديبية بعبارات من قبيل "وردت تقارير عن" أو "تم الإبلاغ عن" عند الإشارة إلى أرقام الضحايا، وهو ما يفتح المجال لتأويل أن المنظمة تلتزم بمعايير حذر توثيقي قبل نسب مسؤولية مباشرة أو استخدام تسميات قانونية مشددة. هذا التباين اللغوي يظهر بوضوح بين بيانات منفصلة صدرت في في السابع والثامن من أكتوبر 2025، إذ بدا البيان المتعلق بالأطفال الإسرائيليين أكثر يقينية في صياغته فيما بدا بيان غزة أكثر تحفظًا في الصياغة رغم درجته العالية من التحذير والنداء لوقف النار.
من جهة أخرى، لعبت اليونيسيف دورًا عمليًا في ملفات التغذية والمياه والصحة، وأكدت مرارًا أنّ قيود دخول المساعدات وتدمير البنى التحتية أدّت إلى "تفاقم حالات سوء التغذية"، وإعلان أجزاء من القطاع حالات مجاعة بعد تقييمات مشتركة مع وكالات أممية أخرى، ما استدعى نداءات عاجلة لرفع الحصار وتسهيل إيصال المساعدات. تكرار المنظمات الدولية لنداءات مماثلة عزّز صدقية تحذيرات اليونيسيف من كارثة إنسانية متنامية، لكنه لم يجنّب بياناتها الانتقاد على مستوى اختيار المصطلحات وعدم اللجوء دائمًا إلى تسميات قانونية قوية مثل إبادة جماعية.
تُظهر مراجعة بيانات اليونيسف اختلالًا لغويًا: في بيانها العاجل بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 استخدمت المنظمة عبارات تأكيدية عند الحديث عن هجمات طالت أطفالًا في إسرائيل، بينما لجأت في بياناتها لاحقًا إلى صيغ تحفظية عند تعداد الضحايا في غزة "وردت تقارير عن…"، و"قد يصل إلى…". هذا الاختلاف قد يثير بعض الانتقادات والتساؤلات، فخيار الكلمات هنا له وقع قانوني وسياسي، والتسمية القضائية الواضحة مثل "جرائم حرب" أو "إبادة"، تفتح مسارات مساءلة محددة، بينما تضعف لغة التحفّظ الزخم السياسي والقضائي المطلوب للتحرّي والمطالبة بالمساءلة الدولية. علمًا بأن جهات حقوقية بارزة توصلت إلى استنتاجات تُطالب بمساءلة واسعة، ما يضع اليونيسف أمام سؤال مؤسسي حول مدى اتّساق خطابها مع وثائق الحقائق الميدانية.
كاثرين راسل: من البيت الأبيض إلى اليونيسف
تتولى كاثرين ماري راسل منذ الأول من فبراير/شباط 2022 منصب المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، لتصبح بذلك ثامن من يشغل هذا المنصب وتشرف على عمل المنظمة في أكثر من 190 دولة وإقليمًا حول العالم.
قبل توليها المنصب الأممي، شغلت راسل مناصب رفيعة في الإدارات الأميركية المتعاقبة، من أبرزها عملها مساعدة للرئيس جو بايدن ومديرة لمكتب التعيينات الرئاسية في البيت الأبيض بين عامي 2020 و2022. كما عُرفت بدورها البارز حين كانت السفيرة المتجولة للقضايا العالمية للمرأة في وزارة الخارجية الأميركية (2013–2017)، حيث سعت إلى دمج قضايا المرأة في مختلف جوانب السياسة الخارجية الأميركية، ومثّلت بلادها في أكثر من 45 دولة، إلى جانب قيادتها الاستراتيجية الأميركية العالمية لتمكين المراهقات.
وقبل ذلك، تولت مناصب عدة في عهد الرئيس باراك أوباما، منها نائبة مساعدة الرئيس في البيت الأبيض، ومستشارة في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي. كما عملت في وزارة العدل ومع اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ. وإلى جانب مسيرتها الحكومية، انخرطت في مؤسسات أكاديمية وحقوقية مرموقة، من بينها كلية كينيدي في جامعة هارفارد حيث عملت زميلة في معهد السياسات، كما شاركت في مجالس استشارية لعدد من المنظمات الدولية، مثل المرأة من أجل المرأة الدولية ومؤسسة تومسون رويترز.
منذ توليها منصبها، أظهرت راسل توازنًا ظاهريًا في بياناتها المتعلقة بإسرائيل وفلسطين، لكنه توازن يُخفي أحيانًا اختلالًا في مستوى الحزم اللغوي بين الحالتين. فبعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصدرت راسل بيانًا قالت فيه "بعد أقل من 72 ساعة على اندلاع العنف الفظيع في إسرائيل، تشير التقارير إلى وقوع انتهاكات جسيمة واسعة النطاق لحقوق الأطفال. فقد قُتل أطفال عديدون أو أصيبوا بجراح، فيما تعرض عدد لا يحصى من الأطفال الآخرين للعنف. يمكن أن يبرر قتل أو تشويه أو اختطاف الأطفال، وهي انتهاكات جسيمة لحقوقهم تُدينها اليونيسف بشدة".
ورغم أنها أعربت عن قلقها من قطع الكهرباء والمياه عن غزة، إلا أن صياغة البيان ركّزت بصورة أكبر على ما وصفته بـ"الهجمات على الأطفال والمجتمعات في إسرائيل"، وهي العبارة التي أعادت المنظمة تكرارها لاحقًا في الذكرى الثانية للهجمات، ما أثار جدلًا واسعًا حول تبنّيها رواية إسرائيلية سبق أن فُنّدت من قبل جهات عدة.
اقرأ/ي أيضًا
ضمن نهج مستمر منذ بداية الحرب: حسابات إسرائيلية تشكك في إصابات الأطفال الفلسطينيين
صور الأمهات والأطفال في غزة.. كيف استُخدم الذكاء الاصطناعي بين التعبير والدعاية الإسرائيلية؟




















